كانت الموضة حتى السنوات القليلة الماضية تستخدم لتلبية احتياجات البالغين. ومع أشكال الانفتاح المتعددة التي يواجهها الأطفال، فقد أصبحوا على نفس القدر من الإدراك الذاتي بأهمية مظهرهم الخارجي وجمالياته، فصار بإمكان الصغار الاستمتاع بمجموعة متنوعة وواسعة من الملابس، مما يساعدهم على تحديد اتجاه الموضة الخاص بهم، الأمر الذي دفع بصناعة الأزياء لتقديم خدمات تصميم وتنفيذ الملابس للأطفال.
صغار على الموضة
بحسب الإحصائيات، فقد وصلت قيمة سوق ملابس الأطفال في العالم بحلول عام 2017 إلى 173 مليار دولار أمريكي، الأمر الذي جعل من موضة الأطفال صناعة مزدهرة، دفعت العديد من الأسماء العالمية لإعادة النظر في استراتيجياتها الإنتاجية استدراكاً للاستفادة من الإمكانيات التي يتيحها سوق الموضة العالمي للمصممين والعلامات التجارية الكبيرة في الآونة الأخيرة.
فعلى سبيل المثال، ارتفع متوسط سعر جينز الأطفال في العالم بمقدار 10 دولارات أمريكية سنوياً منذ عام 2016، بمتوسط سعر 60 دولارًا أمريكي في الربع الأول من عام 2018. وبلغ متوسط سعر سترة الدنيم خلال نفس الربع 114 دولار مقارنة بـ 86 دولاراً أمريكياً في الربع الأول من عام 2016.
بحسب الإحصائيات، فقد وصلت قيمة سوق ملابس الأطفال في العالم بحلول عام 2017 إلى 173 مليار دولار أمريكي، مما يجعله سوقاً مزدهراً وسريع النمو
بشكل عام، يشهد سوق ملابس الأطفال ارتفاعاً قياسياً مقارنةً بأسواق ملابس البالغين.
نشأت وسائل التواصل الاجتماعي كطريقة للتفاعل مع الأصدقاء والعائلة، لكن لاحقاً تم تبنيها من قبل الشركات التي أرادت الاستفادة منها للترويج وكوسيلة جديدة شائعة للوصول إلى شريحة جديدة وأكبر من العملاء.
ولأنه يمكن لأي كان لديه إمكانية الولوج إلى الإنترنت، واستخدام هذه الوسائل الرقمية لمشاركة أي محتوى يختارونه، ومع التطور متسارع الإيقاع، فإنه يحسب لمنتجات مثل الكعب العالي وأحمر الشفاه وجاكيت البدلة والحذاء الرسمي اللامع ذو الرباط أنها ساهمت بتنشئة أجيال كثيرة مهتمة بالموضة، إلا أن هذا الحلم أصبح من نوستالجيا الماضي في عصر منصات التواصل الاجتماعي.
ملابس صغيرة لصناعة كبيرة
فقد أثبت جيل الألفية الثانية أنه بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة للعلامات التجارية لملابس الأطفال، فهذه المجموعة من المستهلكين، الذين يقتربون من الأبوة والأمومة، واعين تماماً بمفهوم الأناقة، ولديهم المزيد من الوقت والمال والتشجيع الرقمي أو منصات التواصل الرقمية التي تساعدهم في تكوين هوياتهم الذاتية، وبالتالي فإنهم يريدون لأطفالهم الحاليين أو المستقبليين أن يتمتعوا بالامتيازات ذاتها التي يتمتعون بها، وأن لا يرتدوا ما لا يتناسب مع جمالياتهم الشخصية فحسب، بل مع قيمهم وهوياتهم أيضاً.
من الصعب دائماً البقاء في صدارة منحنى الموضة، إلا أن الطلب المتزايد على ملابس الأطفال في ازدياد، والعلامات التجارية تستجيب بتقديم حلول متطورة وبشكل متزايد مما شجع على ظهور اتجاهات جديدة تمخضت عن منصات التواصل الاجتماعي، يعتبر اتجاه التوأمة مع الأطفال أو ما يعرف باسم "ميني مي"، أحد أهم اتجاهات الموضة الحالية وأكثرها رواجاً عند الآباء والأمهات الذين لا يشبعون من تعميم حياتهم الخاصة ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي.
أثبت جيل الألفية الثانية أنه بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً، فهذه المجموعة من المستهلكين، الذين يقتربون من الأبوة والأمومة، واعين تماماً بمفهوم الأناقة، ويريدون لأطفالهم الحاليين أو المستقبليين أن يتمتعوا بالامتيازات ذاتها التي يتمتعون بها
ما يجعل من صيحة "ميني مي" مثيرة للاهتمام هو أن العنصر العاطفي هو المحرك الأساسي لها. فلحظة ارتداء الملابس المتوائمة مع ملابس طفلك هي نقطة جذب حقيقية للبعض.
في العصر الرقمي، تعتبر الملابس الصغيرة من الأعمال التجارية الكبيرة. وترتكز آلية احتساب تكلفة الملابس على ٣ قواعد: مادة الصنع الأساسية والاكسسوارات والمواد الإضافية والوقت المستغرق لإتمام قطعة الملابس.
منطقياً، كلما كان المنتج أصغر حجماً انخفض السعر أكثر، لأن المواد المستخدمة أقل والمجهود المبذول في الخياطة أقل، إلا أن الواقع ليس منطقياً إلى هذا الحد، فعلى سبيل المثال، عند مقارنة قميص كبير للبالغين وبدلة أطفال صغيرة، سنجد أن البدلة تستغرق وقتاً أطول بكثير في الخياطة لإنهائها بالكامل. نعم، الأمر هنا لا يحسب بكمية المواد المستخدمة، بل بدقة تنفيذ التفاصيل وإخراج المنتج بأفضل جودة. لذلك عند قيامنا بالتسوق للأطفال فإننا لا نشتري منتجات قماشية فحسب، بل نشتري وقتاً طويلاً بذل في التنفيذ على خلاف ملابس الكبار.
ما يجعل من صيحة "ميني مي" مثيرة للاهتمام هو أن العنصر العاطفي هو المحرك الأساسي لها، فلحظة ارتداء الملابس المتوائمة مع ملابس طفلك هي لحظة سعادة ثمينة للبعض
الأقمشة أثمن والتحضير أطول
ولأن الجودة هي أيضاً إحدى أهم الشروط الإنتاجية لملابس الأطفال، فإنه يتوجب على نسيج الأقمشة المستخدمة في ملابس الأطفال أن يكون أكثر نعومة ونقاءً وراحة، وبالتالي سيكون أغلى ثمناً. كما تقوم المشاغل التابعة للعلامات الكبرى بإنتاج مقاسات أكثر بحسب الفئات العمرية للأطفال على عكس ملابس البالغين بالأحجام الاعتيادية (S، M ، L ، XL)، وهذا يعني الكثير من العمل الإضافي في صنع النماذج الأولية والعينات والتي تعتبر شكلاَ من أشكال هدر المواد والطاقة والإدارة والوقت حتى تتم الموافقة على النموذج النهائي وإنتاجه.
وفيما يخص التعزيزات الإضافية من تطريز وطباعة واكسسوارات بارزة، ونظراَ لأنه من المحتمل جداَ أن يقوم الأطفال بنتش أو عض الدرزات أو الأزرار وقطعها أو بلعها، فهناك دائماَ تعزيزات إضافية في هذه الأماكن.
ترويج على أساس عاطفي
وفي المقابل، هناك العامل النفسي الذي يتحكم بقرار الشراء من دون الاكتراث لقيمة القطعة، فالأطفال هم قلوب العائلة، والعين المحبة للموضة تحب أيضاً أن ترى نسخاً أنيقة مصغرة تتحرك على الأرض، ما يجعل مقدار السعادة التي نحصل عليه من مجرد مشاهدة الأطفال على أحدث طرز أكثر أهمية من أي شيء آخر ولا تقدر بثمن.
صحيح أن جميع العناصر المذكورة هي الأسباب الحقيقية ليجعل من قطعة ملابس - لا يتجاوز حجمها ربع حجم أي قطعة من ملابس البالغين - تباع بضعف الثمن، إلا أن هناك من يدعم باستماته فكرة إعادة استخدام الملابس لأسباب تقليدية لا يعرفها إلا الأمهات، إما لاستخدامها للأطفال الأصغر سنًا أو للاحتفاظ بها للذكرى، فلملابس الأطفال قيمة عاطفية كبيرة عند الآباء والأمهات، وفي كل الأحوال إعادة استخدام الملابس هي من أبرز الطرق الاقتصادية التقليدية وأكثرها استدامة وصداقة للبيئة.
يشترط في الأقمشة المستخدمة في ملابس الأطفال أن تكون أكثر نعومة وراحة، وبالتالي هي أغلى ثمنًا، ونظراً لإنتاج مقاسات أكثر من عدد مقاسات ملابس البالغين بحسب الفئات العمرية للأطفال، سيستغرق الإنتاج كثيراً من العمل الإضافي لصنع النماذج الأولية والعينات
كما هو الحال مع كل صناعة، تعتمد الموضة على هوامش الربح وتوسع السوق من أجل استمرار النمو. مع وصول الملابس النسائية إلى نقطة التشبع، تتطلع العلامات التجارية إلى الانتقال إلى قطاعات أخرى أقل ازدحاماً، وملابس الأطفال هي الشجرة المثمرة الجاهزة للقطف. بالطبع، حقيقة أن الأطفال لا يزالون ينمون حرفياً هي نعمة للشركات، لأن هذا الجمهور يحتاج باستمرار إلى أشياء جديدة. ومن الناحية النظرية، تعتبر طريقة ذكية لغرس الولاء للعلامة التجارية منذ سن مبكرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...