تسلمت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهامها في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2022، وسط حالة من الترقب الداخلي والخارجي لمستقبل الدولة العبرية، وذلك بسبب يمينية أعضائها وتطرفهم. ومنذ الأسبوع الأول، أثارت حكومة نتنياهو السادسة حالة من الجدل، بعد إعلان وزير العدل ياريف ليفين عن جملة "إصلاحات" داخل النظام القضائي والقانوني.
يزعم ليفين أن خطته، أو "إصلاحات ليفين"، كما تُسمّى، ستعيد للشعب ثقته في منظومة القضاء، لكن قطاعات واسعة من الإسرائيليين هبّت في تظاهرات منددة بتلك "الإصلاحات"، وخرج عشرات الآلاف من انتماءات مختلفة ضد حكومة نتنياهو واتهموها بأنها تنقلب على الديمقراطية وتسن قوانين تخدم مصالحها.
فما قصة تلك التظاهرات وما هي خطة ليفين وهل هي انقلاب حقيقي على القضاء من أجل مصالح شخصية؟ أم إصلاحات حقيقية للقضاء والقانون؟ ومَن ينتصر في النهاية؟
لا يهودية ولا ديمقراطية
خرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين في تظاهرات متفرقة جابت شوارع تل أبيب والعديد من المستوطنات الإسرائيلية فور الإعلان عن خطة ليفين. وشهد ميدان هبيما، في تل أبيب، تجمع الآلاف في السابع من كانون الثاني/ يناير، وتحرك المتظاهرون صوب متحف المدينة، رافعين لافتات تندد بمضامين الخطة.
شاركت في التظاهرة شخصيات عامة، من بينها الوزيرة السابقة تسيبي ليفني وأعضاء الكنيست ميراف ميخائيلي وجلعاد كريب ونعمة لازمي وأيمن عودة. وخصصت صحيفة "يسرائيل هيوم" تقريراً عن التظاهرات، استطلعت فيه آراء بعض المشاركين، وقال رئيس نقابة المحامين آفي حيمي: "الإصلاح الذي يتحدث عنه ليفين هو تدمير للديمقراطية وانتهاك فادح لحقوق الإنسان، هذا انتهاك لحياتنا كمواطنين".
وقالت حركة "نقف معاً" التي نظمت إحدى المسيرات في بيان: "إن العناصر المتطرفة والخطيرة في الحكومة الجديدة تخطط بالفعل لإلحاق الأذى بنا جميعاً: كيف تعمق التمييز العنصري ضد المواطنين العرب، وكيف تقلّص الميزانية المخصصة للقضايا الاجتماعية، وكيف تميّز على أساس الجندر والجنسانية. لن نجلس في المنزل مكتوفي الأيدي ولن نستسلم لليأس والإحباط. وحيثما يوجد صراع هناك أيضاً أمل. وسنخرج ونقاتل من أجل بيتنا جميعاً".
وقال عوفر، أحد سكان مدينة رامات غان، وكان يحمل لافتة مكتوب عليها: "لا يهودية ولا ديمقراطية"، في إشارة إلى أن التغييرات لن تجلب الديقمراطية ولن تحافظ على يهودية الدولة كما يزعم البعض: "التغيير سيكون في غمضة عين لأنه مهما كانت نتائج الانتخابات، ما يهم هو ما يشعر به الناس في قلوبهم الآن وسيقودون التغيير والتاريخ".
حالة من الغضب العارم سادت ضد الحكومة الإسرائيلية ولم تتوقف التظاهرات، فقد خرج آلاف الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة، آخرها طلاب الجامعة العبرية ونددوا بخطة ليفين، وأعلنوا أن خروجهم بمثابة "معركة لا هوادة فيها من أجل مستقبلنا". ونظم آلاف الطلاب في المؤسسات الأكاديمية في جميع أنحاء إسرائيل إضراباً لمدة ساعة واحدة ظهر 16 كانون الثاني/ يناير، واصفين خطة ليفين بأنها بمثابة "انقلاب روّجت له الحكومة يهدد بالقضاء على الديمقراطية وتفكيك فصل السلطات في إسرائيل".
ووصلت مجموعة من المتظاهرين إلى منزل ليفين، وقال المحتجون في رسالة له: "لن نمنحك لحظة سلام واحدة، سنطاردك في كل مكان حتى ترفع يدك القذرة عن نظام العدالة". وأضافوا: "لقد ولّت الأيام التي تقوم فيها عصابة البلطجية المتهمين بترويع الشارع دون رد مناسب، وأعضاء الحكومة المجرمة سيلتقون بنا قريباً".
المتابع/ة بدقة للإعلام الإسرائيلي الناطق باللغة العبرية سيجد لغة هجوم من كافة وسائل الإعلام على خطة ليفين. فلو كتبت في محرك البحث غوغل الجملة العبرية "רפורמת לוין"، وترجمتها "إصلاحات ليفين"، ستجد/ين أغلب العناوين هجومية وبشكل كبير من كافة وسائل الإعلام إلا القليل، إذ فتحت المنابر الإعلامية أبوابها على مصراعيها لنقد الخطة وإظهار تأثيراتها السلبية على مسقبل الديمقراطية.
فما هي خطة ليفين بالأساس ولماذا قامت الدنيا ولم تقعد في إسرائيل بسببها؟
شهادة وفاة للقضاء الإسرائيلي؟
دعا ليفين إلى إجراء تغييرات جوهرية في القضاء والقانون الإسرائيليين، في خطة أعلن عنها في مؤتمر صحافي عقده داخل الكنيست الإسرائيلي، في الرابع من كانون الثاني/ يناير، ونشرت "الموسوعة اليهودية" تفاصيل خطته وأهم ملامحها هي تقييد صلاحيات المحكمة الإسرائيلية العليا في إلغاء القوانين وكذلك القرارات الحكومية، بحيث تتطلّب هذه الأمور "أغلبية موصوفة" من القضاة الـ15 للمحكمة، والسماح للكنيست بإعادة تشريع القوانين تحت إطار ما يسمى بـ"بند التجاوز"، والذي يسمح للكنيست بإعادة تشريع قانون ألغته المحكمة، بأغلبية 61 من أعضائه.
عشرات آلاف الإسرائيليين، من انتماءات مختلفة، يخرجون ضد حكومة نتنياهو ويتهمونها بالانقلاب على الديمقراطية وسن قوانين تخدم مصالحها... فما قصة هذه التظاهرات وما هي "خطة ليفين" التي أثارت كل هذا الغضب الشعبي؟
وتمنح الخطة الحكومة السيطرة على لجنة اختيار القضاة وتعيينهم، وتسمح للوزراء باختيار مستشاريهم القانونيين، كما تنص على منع المحكمة العليا من استخدام حق "المعقولية" للحكم على القوانين والتشريعات الصادرة من الحكومة.
ومن بنود الخطة أيضاً جعل ولاية رئيس المحكمة العليا ونائبه ست سنوات فقط وبعدها يعود إلى العمل كقاضٍ في المحكمة العليا.
ويزعم ليفين أن "التعديلات ستسمح للمجالس التشريعية بالتشريع، وللحكومة بالحكم، وللمستشارين القانونيين بتقديم المشورة، وللقضاة بإصدار الأحكام".
وفي مواجهة الخطة، وجّه جميع المستشارين القضائيين السابقين والمحامين العامين السابقين، ومن بينهم أهارون باراك ويتسحاق زامير وميخائيل بن يائير، خطاباً مشتركاً عبّروا فيه عن استيائهم من خطة ليفين، وجاء في بدايته: "نحن الذين شغلنا منصب المستشار القضائي للحكومة أو المدعي العام منذ عام 1975 حتى وقت قريب، صُدمنا لسماع خطة وزير العدل لتغيير النظام القضائي، ونحن مقتنعون بأنها لن تحسّن القضاء بل تهدد بتدميره. تقترح الخطة تغيير طريقة انتخاب القضاة، وبالتالي تحويل المحكمة العليا من مؤسسة مستقلة تحكم دون خوف ودون تحيز، إلى هيئة شبه سياسية يُشتبه في تحيزها لصالح الحكومة". ودعا الموقعون على الخطاب الحكومة للتراجع عن هذه الخطة.
وعنونت صحيفة "هآرتس" افتتاحيتها الصادرة في 13 كانون الثاني/ يناير بـ"حان وقت الاحتجاج". وترى الصحيفة أن خطة ليفين تحوّل إسرائيل من دولة ديمقراطية ليبرالية إلى دولة الحكم المطلق دون وجود حماية لحقوق الإنسان أو سلامة الحكم، وأن القضاة بحسب خطة ليفين سيكونون مجرد زينة، والنتيجة الخطيرة لذلك هي أن القضاة الذين يصدرون الأحكام في مصائر الناس سيأتون وفقاً لتعيينات سياسية. ودعت الصحيفة عموم الإسرائيليين للوقوف بجانب المحكمة العليا الإسرائيلية والخروج للاعتراض والتظاهر ضد خطة ليفين.
طوق نجاة لنتنياهو؟
وصفت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها الصادرة في العاشر من كانون الثاني/ يناير خطة ليفين بأنها تمنح الائتلاف الحاكم اليد العليا على القضاء، بل يختار القضاة من أتباعه، وهو ما يقوض فرص الديمقراطية وتحقيق العدالة.
ويرى كثيرون أن الخطة ما هي إلا طوق نجاة لنتنياهو المتهم في قضايا فساد. وأشار عضو الكنيست، زئيف إلكين في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن الإصلاحات القانونية التي روّج لها ليفين، هي إصلاحات نتنياهو الذي يهدف إلى الانتقام من النظام القضائي وتدميره وحل مشاكله القانونية، مضيفاً أن وزير العدل ليس سوى الوكالة المنفذة لطلبات نتيناهو.
إسرائيليون غاضبون من خطط وزراء حكومة نتنياهو اليمينية: "العناصر المتطرفة والخطيرة في الحكومة (الإسرائيلية) الجديدة تخطط بالفعل لإلحاق الأذى بنا جميعاً... لن نجلس في المنزل مكتوفي الأيدي... وسنخرج ونقاتل"
وأوضح الكاتب الإسرائيلي موشيه غورلي، في صحيفة "كالكاليست" التابعة لصحيفة "هآرتس"، في مقالة بعنوان "خطة ليفين تهدف إلى إخصاء المحكمة العليا"، أن الخطة ستجعل المحكمة العليا بلا أسنان، وستمنح التعديلات المقترحة لنتنياهو صلاحية اختيار القضاة، بالتالي فإن من جملة الأهداف سيكون إلغاء محاكمة نتنياهو، وتمهيد الطريق للعديد من أوجه الفساد بعد إسكات القضاء وتحييده.
يقول نتنياهو إن خطة ليفين تعيد التوازن بين السلطات، على حد قوله، وينفي أن تكون شهادة وفاة للديمقراطية، ويعتبر ما فيها من "إصلاحات" منطقية وتعيد التوازن بين كافة سلطات الدولة، والتي انتُهكت في العقدين الماضين، برأيه.
في المقابل، يعتبر العديد من المحللين في إسرائيل أن الخطة تصبّ في مصلحة نتنياهو. وكتب عيدو باوم في صحيفة "ذا ماركر" مقالة بعنوان: "المصلحة الشخصية: خطة ليفين ستسمح لنتنياهو باختيار قضاته"، قال فيها: "نتنياهو هو صاحب المصلحة الشخصية الأكبر في الحكومة لإضعاف القضاء بشكل عام والمحكمة العليا بشكل خاص، وإذا أدين نتنياهو في محاكمته، على افتراض أن المحاكمة لم تتوقف لأسباب أخرى، فسيكون قادراً على الاستئناف أمام المحكمة العليا، وسيكون الرئيس الذي عيّنه بنفسه هو مَن يقرر تركيبة القضاة الذين سيقررون الاستئناف. وإذا تمت تبرئة نتنياهو، وكان هناك محامي دولة لديه الشجاعة الكافية للطعن في الحكم بالبراءة، فسيكون الرئيس الأعلى الذي عيّنه نتنياهو هو الذي يملي تشكيل القضاة في الاستئناف. وإذا أدين نتنياهو، يحق للرئيس أن يأمر بجلسة استماع أخرى في لجنة موسعة، وكذلك بإعادة المحاكمة في المنطقة".
ووصف الكاتب الإسرائيلي هذه العملية بأنها بمثابة استيلاء سياسي على تعيين القضاة، فيمكن مثلاً لحزب الليكود اختيار محامٍ موالٍ له ليصبح قاضياً، كما سيتم إلغاء صلاحية التصدي للحكومة والكنيست، بحال وجود عوار في أحد القوانين.
بشكل عام، أصبحت إسرائيل على شفا حفرة من انفجار ثوري قد يدمرها، بسبب الحكومة الجديدة التي تثير حفيظة كثيرين، داخلياً وخارجياً. حتى بعض أنصار اليمين يرون أن هناك خطة لتقويض الديمقراطية، وأن تطرف الحكومة وتوجهاتها المتشددة، بسبب طموحات أقطاب اليمين الجارفة، قد تؤثر سلباً على صورة إسرائيل في المنابر الدولية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين