"دايماً حتى في جرائم الاغتصاب، بيقولك أيوة المغتصِب عليه دور مهم، لكن المغتصَبة إن لم ترد أن تُغتصب (يقصد إذا لم تقاوم حد المنع) فهي شريكة في هذا الموضوع"، هذا هو المثال الذي ضربه الإعلامي المصري عماد الدين أديب عن الفرقاء السياسيين في الساحة اللبنانية خلال استضافته في برنامج "كتير هلقد" مع الإعلامي اللبناني هشام حداد عبر شاشة الـMTV مساء الثلاثاء 17 كانون الثاني/ يناير الجاري.
اكتفى المحاور، الذي اشتُهر بتقديم برامج الفن والمنوعات "اللايت" وانتقل حديثاً لتقديم محتوى سياسي عبر الـMTV، بالرد على أديب بطريقة تحذيرية تهكّمية إلى حد كبير: "هلأ بينتقدوك".
أثار المثال الذي ضُرب وكأنما يرتكز إلى حقيقة مسلّم بها، بينما هو على النقيض تماماً، ورد فعل المحاور غضباً في الأوساط النسويّة في مصر ولبنان إذ اعتُبر استدعاءً من جديد لأجساد النساء في خلاف سياسي، ووصماً لضحايا الاغتصاب والناجيات منه، وتشويهاً لحقيقة واحدة من أفظع جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي، وشكلاً من أشكال التبرير لمرتكبيها.
من التعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قالت مايا إن متابعتها للمقابلة أكدت لها أنه "لا توجد أي علاقة بين أن يكون الإنسان مثقفاً وأديباً وبين أن يكون محترماً وصادقاً وعادلاً ورجلاً شريفاً بما تعنيه الكلمة… للأسف".
"لا يوجد أي علاقة بين أن يكون الإنسان مثقفاً وأديباً وبين أن يكون محترماً وصادقاً وعادلاً"... انتقاد نسوي للإعلامي المصري عماد الدين أديب والإعلامي اللبناني هشام حداد بعد وصم الناجيات من الاغتصاب في سياق حديث سياسي
ومن جهته، انتقد موقع "شريكة ولكن" النسوي اللبناني أديب وحداد، قائلاً "أديب خاض في إحدى أكثر قضايا النساء حساسية؛ الاغتصاب، ليضرب من خلالها مثلاً ذكورياً ألمح إلى لوم الناجيات، ووصمهن، وجعلهن ‘شريكات‘ في الجريمة ‘حتى لو لم يرغبن في ذلك‘".
وتابع: "علاوةً على أن إخراج ورقة أجساد النساء عند كل معركة فسادٍ ذكوري، هو ثقافة أبوية محضة. كان بإمكان حداد تسجيل موقف رافض، أو على الأقل عدم نشر هذه اللقطة تجنباً لترويج ثقافة لوم الناجيات، علماً أن الحلقة مسجلة. إلا أنه فضّل النشر ضارباً بحساسية القضية عرض الحائط".
وليست هذه المرة الأولى التي يتورط فيها حداد في مواقف تنعم عن ميسو جينية وذكورية. على سبيل المثال، في عام 2018، اشتبك حداد مع الفنانة إليسا واستخدم لغة ذكورية حين صادر على حقها كمواطنة لبنانية في انتقاد عهد الرئيس ميشال عون في مقابلة تلفزيونية مع الإعلامي مارسيل غانم، ما عرّضه للانتقاد آنذاك.
دون أن يسمي إليسا، غرّد حداد آنذاك: "عنجد في ناس عم تتناقل موقف سياسي لفنانة شبه أُمّية؟ أنت شو إلك بالسياسة؟ بالاقتصاد؟ بالاجتماع؟ أنت قارية جريدة بحياتك؟ أنا أكتر واحد بنتقد صهر العهد بس إنو يصير اللي بيسوى وما بيسوى بدو يفتي بنجاح أو فشل ميشال عون، كتير هلقد… غني يا حياتي وبيعي أكتر من 70 تيكت وما بَدنا منك شي".
وخلال السنوات السابقة، اشتبك مراراً وتكراراً مع الدكتورة ساندرين عطالله، أخصائية الصحة النفسية والجنسية، بسبب سخريته وتقليله من قيمة المحتوى التوعوي والعلاجي الذي تقدمه.
"أحد الأطباء الشرعيين أخبر طلابه قبل بضع سنوات أنه بإمكانهم إثبات واقعة الاغتصاب أو نفيها بالنظر إلى شعر العانة لدى الضحية، فإذا كان محلوقاً والضحية غير متزوجة دلّ ذلك على أنها كانت تُعد نفسها لعلاقة جنسية"
"هجوم غير مبرر وغير مفهوم"
بالعودة إلى لوم أديب لضحايا الاغتصاب والناجيات منه، تقول لرصيف22 لمياء لطفي، الناشطة النسوية واستشارية النوع الاجتماعي والتنمية، إنه "هجوم غير مبرر وغير مفهوم به تمييز ضد النساء وذكورية فجّة إذ يُحمّل المرأة تبعات أخطائها وأخطاء الآخرين"، وإن اعترفت بأنه حديث متكرر وعلى عدة مستويات وفي سياقات مختلفة.
وشرحت: "الشعراوي قال إن الرجل خلق المرأة بشكل معين بحيث تستطيع منع الرجل من مواقعتها إذا كانت ترفضه، منكراً وجود حوادث اغتصاب. في فيلم ‘ضد الحكومة‘ لأحمد زكي تم الترويج لهذه الفكرة أيضاً على لسان البطل الذي كان يعمل محامياً. أحد الأطباء الشرعيين أخبر طلابه قبل بضع سنوات أنه بإمكانهم إثبات واقعة الاغتصاب أو نفيها بالنظر إلى شعر العانة لدى الضحية، فإذا كان محلوقاً والضحية غير متزوجة دلّ ذلك على أنها كانت تعد نفسها لعلاقة جنسية، على حد زعمه".
وكان تقرير حديث لمنظمة أوكسفام قد خلص إلى أن المجتمعات في المنطقة العربية "تحكم على مدى استحقاق النساء للأمان والسلامة بالنظر إلى مدى التزامهنّ بالمعايير الاجتماعية السائدة حول ملابسهنّ"، مضيفاً: "النساء اللواتي لا يلتزمن بما يعتبر ‘محتشماً‘ من الملابس، يفقدن ‘الحماية الأبوية‘ وينظر إليهنّ غالباً على أنهنّ ‘يستحققنّ‘ العقاب والتأديب".
وتؤكد لطفي أن فكرة لوم الضحية في مثل هذه الجرائم لا يكون إلا بهدف تخفيف العقوبة عن المغتصِب أو تبرئته من التهمة ومن الوصم الاجتماعي الناتج عن الإدانة بارتكابها.
مع ذلك، ترى أن فكرة صدور هذا التعليق عن محلل سياسي مصري على شاشة لبنانية "مستفزة" دليل على أن ثقافة استغلال أجساد النساء في تشبيهات فجّة وسخيفة في سياق الحديث السياسي رائجة في المنطقة. وتنبّه لطفي إلى أن ذلك يكون لهدف أعمق هو إقصاء النساء من المشهد السياسي وتخويفهن من المشاركة السياسية بورقة الجنس.
"لازم طول الوقت نوضّح أن الناس دي جهلة وبيروجوا لخطاب معادي لحقوق الإنسان وخطاب كراهية ومش مفروض يتحسبوا علينا مثقفين"
على نحو خاص، تعرب لطفي عن انزعاجها من أن يظهر "المثقف" المصري بهذه الصورة بعدما كانت مصر صاحبة الريادة في ترويج الأفكار المستنيرة، وإن لفتت إلى أنها لا تعتبر أديب "مثقفاً" بالمعنى الدقيق للكلمة. وتستدرك: "نحن (تقصد مصر) نتراجع عن دورنا في الكثير من المجالات".
وأضافت: "من الأمور الصادمة أن الحديث مُرر وكأنه أمر مسلم به وحقيقي. هناك محاولة للتطبيع والتصالح مع الفكرة - لوم الناجية".
من وجهة نظر لطفي، فإن هذا الخطاب الإعلامي الشائن يتطلب، علاوة على تفنيده والرد عليه وإظهار العوار به، بالدرجة الأولى "الرصد والفضح" حتى يتراجع أصحابه عنه ويعتذروا عن الإساءة. "لازم طول الوقت نوضّح أن الناس دي جهلة وبيروجوا لخطاب معادي لحقوق الإنسان وخطاب كراهية ومش مفروض يتحسبوا علينا مثقفين"، قالت.
ورأت أن "الخطاب الإعلامي النسوي الموازي أو البديل" ضروري أيضاً لأنه "حين يكون هناك خطابان وليس خطاب واحد مسيطر، يتنحى هذا الخطاب المسيء تدريجياً بمرور الوقت وتحدث التوعية والتغيير.
تُقر لطفي بأن المشكلة هنا هو أن التغيير يحدث لكن ببطء شديد وربما تمر أجيال دون أن تلمس الأثر الذي بدأت العمل لأجل تحقيقه "عشان كدا بنقول ياه لسّا في 2023 حد بيقول كلام زي دا؟".
تُصر الناشطة النسوية على أن الأمر يدعو إلى التفاؤل ويتطلب فقط الإيمان بأن التغيير يحدث و"طول النفس" أي الصبر. وتختم: "الأشكال دي مش هنشوف زيها تاني. لو مكنش هيداري الخطاب دا عن قناعة، هيداريه عن جبن وخوف لأنه مش مقبول ومبيأكلش عيش".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين