تواصل نيابة الصف التابعة لمحافظة الجيزة (جنوب غربي العاصمة المصرية) التحقيق في جريمة قتل الشقيقتين فاطمة ورشا بعد تعرضهما للاحتجاز والتعذيب على يد شقيقيهما في منزل الاسرة لإكراههما على التنازل عن نصيبهما من ميراث والديهما، بعد أن زعم الشقيقان أنهما قتلا أختيهما خنقاً "حرصاً على شرف العائلة".
حكاية الشقيقتين لم تأت صادمة أو حتى مثيرة لفضول واسع في المجتمع المصري من فرط تكرارها. إذ تستخدم ذريعة "الشرف" على نطاق واسع للإفلات من العقوبات المشددة في حالات القتل والتعذيب للنساء من قبل أسرهن وأزواجهن، كون القضاة يستخدمون سلطاتهم التقديرية في تخفيف الاحكام إلى حدها الأدنى تعاطفاً مع القتلة إذا ادعوا أن دافعهم للقتل أو التعذيب هو الخوف على شرف العائلة أو الغيرة على انتهاكه على يد النساء المقتولات. وباتت تلك الجرائم تستقر عُرفياً تحت مسمى "جرائم الشرف"، التي يحظى مرتكبوها بالتقدير المجتمعي، إلى جانب التعاطف القضائي.
ويتشابه مصير الأختين مع ما حدث للشابة روان التي احتجزها زوجها صاحب السوابق الجنائية داخل شقته في حي شبرا الخيمة فترة طويلة، أذاقها خلالها ألواناً من العذاب، وطعن في شرفها، لرفضها التنازل عن شقتها التي حصلت عليها كميراث من والدها، إذ قام بحلاقة شعرها وإطفاء السجائر بجسدها وتسخين سكين وتعذيبها به، قبل أن يقتلها في يونيو/ حزيران الماضي بعدة طعنات، ويبرر جريمته بالانتقام لشرفه، أملاً في حكم مخفف يخرج بعده لاستلام ميراثه منها.
جريمة قتل الشقيقتين على يد أخويهما للاستيلاء على ميراثهما، لم تأت صادمة أو حتى مثيرة لفضول واسع في المجتمع المصري من فرط تكرارها. إذ تستخدم ذريعة "الشرف" على نطاق واسع للإفلات من العقوبات المشددة في حالات القتل والتعذيب للنساء من قبل أسرهن وأزواجهن
وشهد المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة تكرار جرائم بحق النساء، تتعلق بالاستيلاء على الميراث، وتراوح بين القتل والشروع في القتل والخطف والاعتداء الجنسي والعنف، في الوقت الذي لا تزال فيه الكثيرات محرومات من حقهن في الإرث، بسبب عادات وتقاليد ظالمة تجعلهن تحت رحمة أعراف الرجال.
خطف وشروع في القتل
طبقاً لتقرير مرصد جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي الصادر عن مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، قُتلت خلال النصف الأول من عام 2022 سبع فتيات وسيدات على يد فرد أو أكثر من أفراد أسرهن، عقاباً على إلحاحهن في المطالبة باستلام ميراثهن الشرعي، أو رغبة الجناة في الاستيلاء على ميراثهن بعد رفضهن تسليمه للجناة.
وُرصدت واقعة واحدة لشروع في قتل سيدة على يد أحد أفراد أسرتها، بسبب رغبته في الاستيلاء على ميراثها، وُرصدت 10 وقائع ضرب لفتيات وسيدات على يد فرد من أفراد أسرهن لإجبارهن عن التنازل عن ميراثهن.كما قُتلت ذبحاً وطعناً وخنقاً 10 فتيات/ سيدات تحت مسمى الشك في السلوك وجريمة شرف، وغالباً ما كان الدافع للقتل الانتقام أو رغبة في الاستيلاء على ميراث، ويضمن القاتل بهذا الادعاء الحصول على أقل عقوبة قانونية ممكنة أو حتى على البراءة.
أستاذ كشف الجريمة في مركز البحوث الجنائية: المجرم الذي يقتل الضحية للاستيلاء على إرثها يعتقد أنه سينجو بفعلته، لأن الجريمة تتم في إطار الأسرة التي ربما تتستر عليه، وقد تتم الجريمة في مجتمع تنتشر فيه حالات الثأر ويتقبل القتل بدعوى الشرف
وخلال عام 2021 سجّل المرصد 12 حالة قتل لفتيات وسيدات مصريات، على يد أحد أفراد أسرهن، لرفضهن التنازل عن الميراث، وكانت من بينهن حالة واحدة ادعى الجاني أنه قتلها بسبب سوء سلوكها، مُشككاً في شرف الضحية، ولكن سرعان ما اتضح أن سبب القتل هو رفضها التنازل عن ميراثها.
كما رُصدت خلال العام نفسه ثلاث حالات شروع في قتل فتيات وسيدات على يد أحد أفراد أسرهن بسبب رفضهن التنازل عن الميراث، وسُجّلت سبع حالات ضرب مبرح لفتيات وسيدات على يد أحد أفراد أسرهن لرفضهن التنازل عن ميراثهن.
غالبية الضحايا من النساء
في حديثه لـرصيف22 يكشف الدكتور عادل عامر، أستاذ القانون العام، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية والقانونية، أن معدل جرائم القتل والعنف بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب الميراث يتزايد سنوياً إذ كان المعدل نحو 9600 جريمة سنوياً عام 2017، لكنه ارتفع الآن إلى 12840 جريمة، مؤكداً أن غالبية الضحايا من النساء، ومعظم تلك الجرائم تحدث في وجه قبلي والريف المصري وتقل في وجه بحري والمدن، وذلك على الرغم من تعديل قانون المواريث، وإضافة جريمة الامتناع عن تسليم الميراث، "لكن نادراً ما تلجأ الضحايا إلى القانون في الصعيد والقبائل البدوية خشية العار".
ويؤكد عامر أن جرائم الشرف "راسخة في المجتمع المصري، لكنها مؤخراً تُتخذ غطاء أو تورية لجرائم القتل بسبب الميراث، وتكون بناءً على نصائح محاميي المتهمين لتخفيف العقوبة، إذ ينصح المحامون الجناة باختلاق جرائم شرف مزعومة منسوبة إلى الضحايا، لكن تحريات المباحث وتحقيقات النيابة تكشف الحقيقة".
وبشأن وقائع اختطاف أحد أقارب ضحية ما بغرض الاستيلاء على ميراثها أو إجبارها على التنازل، يؤكد د. عامر أن قانون العقوبات المصري يُجرّم الخطف دون استثناء للأم والأب والأخوة والأقارب، ويعاقب الخاطف إذا ثبت قيامه باختطاف الضحية عنوة، وإذا كان السبب هو الميراث، فتتضاعف عقوبته وقد تصل للسجن المشدد.
خلال العام المنتهي اهتز المجتمع لعدة جرائم بشعة بحق نساء على أيدي أقارب لهن من الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية تراوحت بين الخطف والقتل والشروع في القتل من أجل الاستيلاء على الميراث
ويشير أستاذ القانون إلى أن قضايا إنهاء حالة الشيوع بين الورثة تستغرق سنوات في المحاكم المصرية التي تنظر سنوياً حوالى 350 ألف قضية نزاع على الميراث، مضيفاً أن المادة 49 من القانون رقم 77 لسنة 1943 المعدل بالقانون رقم 219 لسنة 2017، شددت على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث رضاءً أو قضاءً نهائياً. وهذه العقوبات تتطبق على الممتنع عن تسليم الميراث عمدًا، أو الحجب والامتناع تعمدًا عن تسليم سمد الميراث، لافتًا إلى أنَّ هذا القانون مطبق في مصر منذ أربع سنوات، علماً أنَّ تلك الجريمة يجوز فيها الصلح، مشيراً إلى ضرورة مخاطبة قناعة المجتمع في صعيد مصر بضرورة تطبيق منظومة إلكترونية لتقسيم تركة الميراث في مصر، مع إعلان الوراثة لكل متوفى، حتى يحصل كل صاحب حق على حقه الشرعي بإشراف وزارة العدل.
سجل حافل
وخلال العام المنتهي اهتز المجتمع لعدة جرائم بشعة بحق نساء على أيدي أقارب لهن من الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية تراوحت بين الخطف والقتل والشروع في القتل، كان آخرها مقتل امرأة خمسينية ونجلها، داخل مسكنهما، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على يد ابنها الآخر طمعاً في الميراث.
وفي فبراير/ شباط 2022 أُلقي القبض على زوج احتجز زوجته داخل غرفة في شقة سكنية لمدة أربع سنوات، وادعى وفاتها واستخرج شهادة وفاة مزيفة لها، للاستيلاء على ميراثها.
وقتل عامل بالبحيرة والدته في مارس/ آذار الماضي، وفصل رأسها عن جسدها وألقاها في مصرف صحي مجردة من ثيابها، بسبب صراع على الميراث.
وفي إبريل/ نيسان، قتل شاب ابنة عمته بـ10 طعنات، أثناء تجهيز الإفطار، بسبب خلافات سابقة على الميراث.
وفي مايو/ أيار الماضي، ألقى عاطل مادة كاوية على أمه وشقيقته وزوجة شقيقه وابنتيها، بسبب الميراث.
وفي يونيو/ حزيران 2022 أيضاً، اختطف أب ابنته البالغة من العمر 22 عاماً من منزل جديها بالقوة وتعدى عليها بالضرب وحرمها من تأدية امتحانات الجامعة، للاستيلاء على نصيبها من الإرث الذي وهبه لها جدها.
القاتل لا يرث شرعاً وقانوناً
يعدّ القتل هو المانع الأول من موانع الميراث في القانون المصري، سواء كان القاتل فاعلاً أصلياً أو شريكاً أو محرضاً على القتل، أو كان قد شهد شهادة زور أدت إلى إعدام المورِّث أو كان قد اشترك في جريمة قتله بأي صورة من صور الاشتراك.
لكن هذا النص غير كاف للردع عن ارتكاب تلك الجرائم، كما يعلق الدكتور نبيل مدحت سالم، أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق بجامعة عين شمس، إذ يقول لرصيف22 إن ارتكاب جريمة قتل أو عنف بحق شخص ما بغرض الحصول على الميراث، يتعلق بالبواعث على ارتكاب الجرائم، والقانون المصري لا يكترث كثيراً لمسألة "البواعث".
ويستدل على ذلك بأن المشرِّع (واضع القانون ممثلاً في الدولة وأجهزتها التنفيذية والتشريعية) لم يحدد عقوبة بعينها لارتكاب جريمة بغرض الاستيلاء على الميراث، ولم يُدخل البواعث أو صفة المجني عليه في تحديد عقوبات الجرائم المختلفة، ولكن يجوز أن تأخذ المحكمة في اعتبارها الباعث على ارتكاب الجريمة عند تقدير العقوبة، في إطار ما يمنحه لها القانون من سلطة في تقدير العقاب.
ويعتبر سالم أن جرائم اختطاف الضحية والاعتداء عليها بغرض ابتزازها واجبارها على التوقيع على أوراق تنازل عن الميراث أو ما شابه، تدخل في إطار جنايات الشروع في القتل مصحوباً بجنحة أخرى، وعقوبتها الإعدام، مشيراً إلى أنه يحق للضحايا ممن أُجبرن على التوقيع على أوراق التنازل تقديم الطعن عليها بالبطلان لحدوثها تحت إكراه مادي واضح.
النشأة غير السوية والتربية الفاسدة
من جهته، يعتبر الدكتور فتحي قناوي، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن المجرم الذي يقتل الضحية للاستيلاء على إرثها يعتقد أنه سينجو بفعلته، لأن الجريمة تتم في إطار الأسرة التي ربما تتستر عليه، وقد تتم الجريمة في مجتمع تنتشر فيه حالات الثأر، لافتاً إلى أن المجرم أحياناً يزعم ارتكابه لجريمته بدافع الشرف، وذلك للتخفيف من عقوبته بعد القبض عليه، لكن التحقيقات والتحريات الأمنية غالباً ما تكشف الحقيقة.
ويؤكد قناوي أن السوشيال ميديا هي التي أظهرت تلك الجرائم الأسرية، وسلطت الضوء عليها، كما أن ذلك خلق نوعاً من استسهال الجريمة ونشر العنف وزيادة عدد الجرائم، مشددا ً على أهمية الدراما والقوة الناعمة في الحد من العنف والجرائم بدلاً من زيادة انتشارها، داعياً المؤسسات الدينية إلى نشر المزيد من الوعي بالأحكام الدينية فيما يتعلق بالمواريث وصلة الأرحام وحرمانية تلك الجرائم.
هكذا تم تفريغ المادة من مضمونها
ويوضح عبد الفتاح يحيى، مدير الوحدة القانونية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، أن مادة تجريم حرمان المرأة من الميراث تمت إضافتها إلى القانون المصري عام 2018، وهي المعنية بعدم حصول صاحبة الإرث على الأوراق الثبوتية الخاصة ميراثها، وهي مادة جيدة، إلاّ أن هناك إشكاليات تتعلق بتطبيقها، لأن هناك أحكاماً قضائية لا تُجرّم الشخص الذي يحرم المرأة ميراثها، على أساس أن الميراث على الشيوع ولا يوجد فيه نصيب مفرد محدد، وهكذا تم تفريغ المادة من مضمونها الذي كان يهدف لردع من يستولون على إرث النساء، مشيراً إلى أن الناس يمتنعون عن شراء الأراضي المتنازع على ملكيتها بين الورثة الذكور والإناث، وغالباً لا تمتلك المرأة الأوراق الثبوتية التي تثبت نصيبها في الميراث.
ويشدد يحيى على أن لا ميراث لقاتل، موضحاً أن الأمر يختلف في حال كون القتيل هو صاحب التركة، كأن يقتل الابن أباه ليرثه وحينها يسقط حقه في الميراث شرعاً وقانوناً، لكن ما يحدث عادة في هذا النوع من الجرائم هو خلافات على الإرث بين الورثة تصل لقتل أحدهم الآخر، كأن يختلف أخ مع أخته على قطعة أرض ورثاها فيقتلها ويذهب نصيبها إلى ورثتها الشرعيين كالزوج والأبناء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نايف السيف الصقيل -
منذ 4 ساعاتلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 5 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف