يستحوذ أغنى 1% من البشر على قرابة ضعف حصة باقي العالم (سبعة مليارات شخص يشكلون 99% من سكان العالم) من الثروة الجديدة التي تراكمت على مدى العامين الماضيين (أي ثلثا جميع الثروات الجديدة منذ 2020 وقيمتها 42 تريليون دولار).
وفاقم أصحاب الثراء الفاحش استيلاءهم الاستثنائي على نصف الثروة الجديدة المتراكمة في العقد الماضي بينما تزداد ثروات أصحاب المليارات بمقدار 2.7 مليار دولار يومياً في وقتٍ يعيش فيه ما لا يقل عن 1.7 مليار عامل وعاملة الآن في بلدان تتآكل فيها أجورهم جرّاء التضخم.
هذا علماً أن فرض ضريبة تناهز الـ5% على أصحاب الملايين والمليارات في العالم من شأنه أن يؤمّن 1.7 تريليون دولاراً سنوياً، وهو ما يكفي لانتشال ملياري شخص من براثن الفقر.
تلك هي أبرز نتائج تقرير "البقاء للأغنى"، وهو أحدث تقرير لمنظمة أوكسفام الدولية المعنية بالعدالة الاجتماعية وتخفيف حدة الفقر، عن الثروات المتراكمة واللامساواة الاقتصادية حول العالم. نُشر التقرير بالتزامن مع افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا وتجمع النخب في منتجع التزلج السويسري مع تزايد الثروات الطائلة والفقر المدقع معاً لأول مرّة منذ 25 عاماً.
"أكبر زيادة في مستوى اللامساواة العالمية وأكبر انتكاسة في الفقر العالمي منذ الحرب العالمية الثانية" و"بلدان بأكملها تواجه خطر الإفلاس"... #أوكسفام تؤكد أن أغنى 1% من البشر يستحوذون على ضعف حصة باقي العالم من الثروات الجديدة
العاديون يعانون والأثرياء يكنّزون
بحسب تقرير أوكسفام، واصل أصحاب المليارات جمع الثروات برغم جائحة كورونا وما ترتب عليها من ارتفاع كلفة المعيشة. استحوذ أغنى 1% من البشر على 26 تريليون دولار (ما يصل إلى 63%) من جميع الثروات الجديدة منذ 2020، وذهب 16 تريليون دولار (37%) فقط إلى باقي سكان العالم مجتمعين.
يعني هذا أن كلّ ملياردير جمع ما يقارب 1.7 مليون دولار مقابل كل دولار من باقي الثروة التي اكتسبها شخص من أفقر 90% من سكان العالم. وأن ثروات أصحاب المليارات زادت بنحو 2.7 مليار دولار يومياً.
وخلال العام المنقضي، ارتفعت ثروة أصحاب المليارات مدفوعةً بالارتفاع السريع في أرباح الغذاء والطاقة. على سبيل المثال، ارتفعت أرباح 95 شركة غذاء وطاقة بأكثر من الضعفَيْن عام 2022، ذهب 257 مليار دولار (84%) منها للمساهمين الأغنياء. ومن أبرزهم عائلة والتون، أثرى عائلات الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تملك نصف شركة وول مارت إذ تلقّت 8.5 مليار دولار خلال العام الماضي.
على الجانب الآخر، يعيش 1.7 مليار عامل وعاملة على الأقل راهناً في دول يتجاوز التضخم فيها معدلات نمو الأجور. كما يعيش أكثر من 820 مليون شخص (واحد من كل 10 أشخاص تقريباً) في جوع، 60% منهم من النساء والفتيات.
وفي رأي غابرييلا بوشيه، المديرة التنفيذية لمنظمة أوكسفام الدولية، فإن هذه النتائج دليل على أنه "فيما يقدّم الناس العاديون التضحيات اليومية على ضروريات معيشية كالغذاء، تتخطى حياة الأثرياء حتى أحلامهم الأكثر جموحاً. وبعد عامين فقط من بدايته، سيكون هذا العقد هو الأفضل بالنسبة لأصحاب المليارات - طفرة العشرينيات الهادرة لأغنى أثرياء العالم".
وهي تشدد على أن "فرض الضرائب على أصحاب الثراء الفاحش والشركات الكبرى هو السبيل إلى الخروج من الأزمات المتداخلة اليوم"، متابعةً "حان الوقت لهدم الأسطورة الملائمة القائلة إن التخفيضات الضريبية للأغنياء تؤدي إلى ‘تقاطر‘ ثرواتهم بطريقة أو بأخرى إلى الآخرين. فقد أظهرت أربعون عاماً من التخفيضات الضريبية للأثرياء أن المدّ لا يرفع جميع السفن - وإنما يرفع اليخوت الفارهة فقط".
"فرض الضرائب على أصحاب الثراء الفاحش هو الشرط الإستراتيجي لتقليص اللامساواة وإعادة إحياء الديمقراطية. نحن بحاجة لفعل ذلك من أجل الابتكار، ومن أجل خدمات عامة أقوى، ومن أجل مجتمعات أكثر سعادة وصحة"
إما الإفلاس أو ضريبة على الأغنياء
استشهد تقرير أوكسفام بتقديرات البنك الدولي التي تُشير إلى زيادة الفقر المدقع (أي العيش على أقل من 2.15 دولار في اليوم) عام 2020 ولأوّل مرة منذ 25 عاماً، وإعلانه أنه أصبح من شبه المؤكد أن العالم خسر هدف إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030 وأن "التقدم العالمي في الحد من الفقر المدقع قد توقف".
واتفق البنك الدولي مع أوكسفام في أن ما نشهده هو على الأرجح "أكبر زيادة في مستوى اللامساواة العالمية وأكبر انتكاسة في الفقر العالمي منذ الحرب العالمية الثانية". وسط تحذيرات من أن "بلدان بأكملها تواجه خطر الإفلاس" حيث بلغ إنفاق بعض البلدان على سداد الديون أربعة أضعاف ما تنفقه على الرعاية الصحية. في حين تخطط ثلاثة أرباع حكومات العالم إلى خفض الإنفاق على القطاع العام، بما يشمل الرعاية الصحية والتعليم، بمقدار 7.8 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، ضمن إجراءات التقشف.
ولتفادي المزيد من الأزمات للغالبية العظمى من سكان العالم، دعت أوكسفام إلى "زيادة ممنهجة وواسعة النطاق في الضرائب المفروضة على أصحاب الثراء الفاحش لاستعادة مكاسب الأزمة المدفوعة بالمال العام والتربّح"، مستنكرةً "عقوداً من التخفيضات الضريبية لصالح أغنى الناس والشركات غذّت اللامساواة".
وضربت لذلك مثالاً بأحد أثرى أثرياء العالم، وهو إيلون ماسك، قائلةً إنه دفع "معدّل ضريبة حقيقياً" لا يتخطى 3% بين عامي 2014 و2018 بينما دفعت بائعة زهور بأحد أسواق أوغندا، لا تكسب أكثر من 80 دولاراً في الشهر، ضريبة تناهز الـ40%.
وتعجّبت أوكسفام أنه "في جميع أنحاء العالم، تأتي أربعة سنتات فقط من كل دولار ضريبي من الضرائب على الثروة"، لافتةً إلى أن "نصف أصحاب المليارات في العالم يعيشون في بلدان لا تفرض ضريبة على الميراث للورثة المباشرين الذين سينقلون كنزاً معفى من الضرائب بقيمة خمسة تريليونات دولار إلى ورثتهم"، هو ما يزيد عن الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا بأكملها، وقد يُسفر عنه جيل من النخب الأرستقراطية.
بالعودة إلى غابرييلا بوشيه، فإنها تُصر على أن "فرض الضرائب على أصحاب الثراء الفاحش هو الشرط الإستراتيجي لتقليص اللامساواة وإعادة إحياء الديمقراطية. نحن بحاجة إلى فعل ذلك من أجل الابتكار، ومن أجل خدمات عامة أقوى، ومن أجل مجتمعات أكثر سعادة وصحة، ولمعالجة أزمة المناخ، من خلال الاستثمار في الحلول التي تواجه الانبعاثات الجنونية لأغنى الأثرياء".
منذ بداية الجائحة، استحوذ أغنى 1% من البشر على 26 تريليون دولار مقابل 16 تريليون دولار فقط لباقي سكان العالم. أي أن كلّ ملياردير جمع نحو 1.7 مليون دولار مقابل كل دولار اكتسبه شخص من أفقر 90% من سكان العالم
وفق تقديرات أوكسفام، تكفي ضريبة ثروة سنوية تصل إلى 5 % على أصحاب الملايين والمليارات في العالم لجمع 1.7 تريليون دولار سنوياً، يمكنها أن تنتشل ملياري شخص من براثن الفقر، وأن تسد العجز في النداءات الإنسانية القائمة، وأن تموّل خطة عشرية للقضاء على الجوع ودعم البلدان الفقيرة التي تعصف بها آثار المناخ، وتوفير الرعاية الصحية الشاملة والحماية الاجتماعية لكل من يعيش في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان في الشريحة الأدنى من فئة الدخل المتوسط.
كما تشجّع الحكومات على "فرض ضرائب تضامنية على الثروة لمرة واحدة وضرائب استثنائية على الأرباح غير المتوقعة لإنهاء التربّح من الأزمات" و"زيادة الضرائب بشكل دائم على أغنى 1% من البشر لتصل إلى 60% على الأقل من دخلهم من العمل ومن رأس المال".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون