كشف مجمع الفقه الإسلامي السوداني (هيئة دينية)، أنه بصدد ضم أطباء نفسيين إلى لجنته الخاصة بالأحوال الشخصية، لـ"معرفة الحالة النفسية للأزواج قبل تأكيد وقوع الطلاق من عدمه بينهم".
وفي المراجعة الشبيهة بـ"تقنية الڤار" المستخدمة في مباريات كرة القدم لمساعدة الحكام على اتخاذ أفضل القرارات، يعتزم المجمع العودة إلى الأطباء النفسيين لمراجعة الحالة النفسية للأزواج، لإيجاد تخريج للطلاق الذي قد يقع في حالات نفسية تحجب العقل، ما يترتب عليه بطلان الطلاق ذاته.
وحتى لا يبدو هذا الحديث تحليلاً ورأياً، نعود إلى نص الخبر الذي نشرته وكالة السودان للأنباء (سونا)، في أعقاب لقاء الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، البروفيسور عادل حسن حمزة، باستشاري الطب النفسي د. أنس ابن عوف عباس.
وقالت الوكالة: "أعلن مجمع الفقه الإسلامي أنه سيستعين بالأطباء والمعالجين النفسيين كأعضاء في لجنة الأحوال الشخصية التي تنظر في حالات الطلاق في المجتمع السوداني".
وأكد الأمين العام للمجمع على "أهمية معرفة الحالة النفسية للزوج قبل الحكم على وقوع الطلاق بين الزوجين من عدمه".
من جانبه، شدد د. أنس ابن عوف "على أهمية الطبيب النفسي في معرفة الأمراض النفسية وأثرها على الحالة الذهنية للناس"
.ماذا لو كشف الفحص النفسي أن أحد الزوجين يعاني من الاكتئاب؟ هل يقبل طلاقهما؟
وأشار إلى أن الكثير من حالات الاكتئاب المصحوبة بالضيق وانعدام الأمل يكون صاحبها "أشبه بمن رفع عنه القلم في تصرفاته".
وأهدى د. أنس، عدداً من مؤلفاته لمكتبة المجمع، وعلى رأسها كتاب "الأحكام الفقهية للأمراض النفسية"، الذي وافق المجمع على تبنّي طبعة سودانية له.
لماذا المراجعة؟
تشير سجلات السلطات القضائية في السودان، إلى وقوع 270،876 حالة طلاق في الفترة من 2016 وحتى 2020، في وقتٍ تقدّر إحصائيات غير رسمية أعداد المطلقين في 2021، بـ70 ألف حالة، وذلك كله في دولة يبلغ قوام سكانها حسب البنك الدولي نحو 45 مليون نسمة.
ولعل هذه الأرقام هي ما يدفع المؤسسات الدينية والاجتماعية إلى النظر إلى الطلاق كظاهرة مقلقة، تستحق الدراسة، ووضع الكوابح التي تحول دون تفشيها بصورة انفجارية.
قبل معرفة الرأي الفقهي والديني في خطوة مجمع الفقه الإسلامي، تلزمنا معرفة أسباب تزايد نسب الطلاق في المجتمع السوداني.
يوصف المجتمع السوداني بأنه مجتمع تقليدي، مع سمت ذكوري واضح، ويلاحظ كذلك أن نسب الطلاق في العقود السابقة كانت منخفضةً إلى درجة كبيرة، مع أن الكثير من الزيجات كانت تتم من دون رضا الفتيات، ما يجلب تساؤلاً عن سرّ تنامي الطلاق حالياً بالتزامن مع ارتفاع الوعي، وانتشار التعليم، وخروج النساء إلى الفضاء العام، وهي أمور كانت تقتضي خفض الطلاق وليس ارتفاعه.
في مشجب "الاقتصاد"، علّق الباحث الاجتماعي، سامر جاد الله، على أزمة الطلاق في المجتمع السوداني، وقال لرصيف22: الإحصاءات تشير إلى أن معظم حالات الطلاق تقع في الفئة العمرية بين 20 إلى 30 عاماً، ومرد ذلك الأمر إلى الظروف الاقتصادية الضاغطة التي تعانيها البلاد، وتنعكس سلباً على أحوال الأسر، ومسؤولية العائل، ما يؤدي إلى كثرة الخلافات ووقوع الطلاق.
وتابع: الظرف الاقتصادي ذاته، قاد إلى هجرة عدد كبير من الشباب من دون شريكات العمر، وهو ما يؤدي إلى فتور في العلاقات، وربما إلى هجر، يؤدي في النهاية إلى النتيجة الحتمية: الطلاق.
بينما ترى الأستاذة المساعدة في قسم الاجتماع في جامعة النيلين، سلمى محمد صالح، في وسائل التواصل الاجتماعي أكبر أسباب الطلاق.
وقالت لرصيف22، إن وسائل التواصل، باتت سبباً في إشعال الغيرة المفضية إلى القتل، ودع عنك الطلاق. وأضافت: هناك حاجة ماسة إلى نشر مفاهيم الخصوصية المنتهكة في معظم البيوت السودانية في تعاملاتهم مع الهواتف النقالة ومنصات التواصل.
وأضافت سلمى، سبب آخر للطلاق يتصل بحالة الحرب والنزوح في عدد من الأقاليم، مستبعدةً أن يكون الوعي النسوي سبباً للطلاق، وإنما سبباً لاستدامته.
وتشهد أقاليم دارفور، والنيل الأزرق، وبعض من مناطق كردفان، حروباً واضطرابات أهلية ذات طابع قبلي، راح ضحيتها الآلاف خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ناهيك من ويلات الحرب الأهلية في جنوب السودان (دولة جنوب السودان حالياً)، وحرب دارفور التي شهدت عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي.
هل يأتي السعي وراء تحديث الخطاب الديني في السودان، على حساب الدين نفسه!!!
أبغض الحلال ..لكنه حلال
رفض الداعية الشاب، وإمام مسجد المستغفرين، نظام الدين أحمد، مذهب مجمع الفقه في إيجاد تخريجات نفسية للحيلولة دون وقوع الطلاق.
وقال لرصيف22، إن الانقياد وراء التحديث لا ينبغي أن يكون على حساب الدين، مشدداً على أن الطلاق في نفسه حلال، وإن كان أبغض الحلال إلى الله.
وتابع: الطلاق من الأمور التي قال الرسول إن جدّها جد، وهزلها جد، فكيف يريد المجمع أن يجعل من الغضب والاكتئاب سبباً في عدم وقوع الطلاق.
وختم: هذه التفسيرات هي السبب في ضعف عرى الأسرة الحالي، وهي وراء استخفاف الأزواج برمي يمين الطلاق كيفما اتفق.
تأييد المجمع
أعلن الشيخ والمأذون الشرعي، عبد الكريم ساتي، تأييده لرأي المجمع الفقهي، بشأن مراجعة الطلاق.
وقال لرصيف22، إن الكثير من حالات الطلاق التي وقف عليه بنفسه، وقعت في أثناء مشاجرات على أشياء تافهة ولا تستحق، مع إبداء الزوجين ندمهما لاحقاً.
وقال لرصيف22، إن الدين الإسلامي كله سعة ورحمة، وفي حال استعان بالعلماء أهل الشأن بالأحوال النفسية، وثبت أن الزوج في ساعة الطلاق كان في حالة من الغضب الحاجب للعقل، فذاك مدعاة لنقض اليمين.
وطالب المجمع بالاستعانة بكفاءات في علم النفس، وعدم التوسع في مراجعة كافة الحالات، حتى لا يتحول ذلك إلى مدخل تحليل ما هو محرم.
في السودان درجنا على انتقاد مجمع الفقه الإسلامي بصورة مستدامة وفتاواه الممالئة للسلطة والبعيدة عن روح العصر، ولكن ما يدعو للخشية أن تتحول سخريتنا من ميوله الحداثية في شأن مراجعة الطلاق، إلى دفعه نحو المزيد من الانغلاق والميول السلطوية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 17 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت