حين سُئلت فيروز: "جميع الناس يستمعون إلى صوتك عبر أغنياتك في كل صباح، فماذا تسمعين أنت"؟ أجابت بأنها تسمع صوتها من خلال نوافذ الناس.
اعتقد البعض أنها فعلاً تقف خلف نافذتها مع قهوتها الصباحية، وتستمع إلى صوتها من دون أن تجعل المارّة أو الجيران يشعرون بها، فلقد آثرت أن تبقى بعيدةً، وبعيدةً تماماً، فربما أرادت صاحبة لقب "جارة القمر" أن تبقى كالقمر، بعيدةً عن الجميع وفي الوقت نفسه موجودةً يومياً.
غير أنها وبعد فترة، اقتربت قليلاً من جمهورها المتعطش عن طريق حساب ابنتها ريما الرحباني التي تنشر لها صوراً من هنا وهناك. وبعد أن استطاع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارته منزل فيروز أن يكشف لنا عن صورة كاملة لها، هل تستطيع السعودية أن تخرجها من عزلتها وتعيدها إلى خشبة المسرح؟
"يا جبل البعيد"... خلفك فيروز
تتضارب الأقاويل حول شخصية فيروز الحقيقية، البعض يعدّها جادةً وتعيش المجد في منزلها الصغير، والبعض الآخر يقول إنها سيّدة مرحة جداً وخفيفة ظل ولا تشبه الصورة المترسخة في أذهاننا، ويؤكد على هذا الكلام ابنها زياد الذي كشف أنها تعيش المجد على المسرح فقط.
ربما تفضّل فيروز أن تبقى هذه النظريات في ذهن الجمهور لأن اللغز يصنع قيمةً، فسبب رحيل العديد من الشخصيات بقي لغزاً مثل سعاد حسني وأسمهان وذكرى وسرعان ما تحولن إلى أساطير، كما أن الغياب عن الظهور العلني واللقاءات يجعل وسائل الإعلام تلهث وراء الفنان/ ة، ويترافق ذلك مع عروض مادية مغرية، وهذا ما أكدته الراحلة صباح حين قالت: "فيروز تخبّت، وزاد سعرها، نيالها يا ريت بقدر أعمل متلها".
حين سُئلت فيروز: "جميع الناس يستمعون إلى صوتك عبر أغنياتك في كل صباح، فماذا تسمعين أنت"؟ أجابت بأنها تسمع صوتها من خلال نوافذ الناس. اعتقد البعض أنها فعلاً تقف خلف نافذتها مع قهوتها الصباحية، وتستمع إلى صوتها من دون أن تجعل المارّة أو الجيران يشعرون بها
في هذا الصدد، قال الناقد الفني جهاد أيوب، لرصيف22: "إن العديد من الفنانين/ ات وفيروز واحدة منهم، يليق بهم الغياب ليحافظوا/ ن على صورتهم/ نّ في ذهن الجمهور، وهذا ما أكده المخرج الراحل سيمون أسمر، والحديث عن وجود ألبوم جديد مع زياد الرحباني أو حفلات قادمة يبقى حديثاً للترويج الفني فقط".
وتابع أيوب بالقول: "أعتقد أن هناك بعض الأغنيات المسجلة بصوتها ولكنها غير مطروحة وهذا ما يؤكده المقربون منها، مثل أغنياتها مع رياض السنباطي".
"لا قدرانة فلّ ولا قدرانة إبقى"
تصدّر خبر غناء السيّدة فيروز وتكريمها في السعودية "التريند" في الأيام الأخيرة، وقيل إن المفاوضات جارية معها لتشارك في ليلة مخصصة لها، وأكد العديد من الصحافيين/ ات الخبر، وأضافوا/ ن أن السعودية بدأت بالإجراءات اللوجستية مثل البحث عن المكان المناسب، فيما أكد البعض أن فيروز رفضت الأمر برمّته، ونقلوا عن لسان ابنتها ريما، أنها لن تغنّي في السعودية، ولو أرادت الظهور مجدداً، فسيكون الحفل في لبنان تحديداً.
واجتهد البعض في وضع أسباب للرفض، منها التقدّم في السن وعدم قدرتها على الوقوف على المسرح كي تبقى صورتها بهيةً في عيون الجمهور، فيما رجح البعض أن يكون السبب هو الانقسام داخل العائلة الرحبانية بسبب الحقوق الفنية للورثة، والمشكلة التي حصلت قبل سنوات حين عرضت فيروز مسرحيتها "صح النوم" مجدداً، والتي ترافقت مع حملة لدعمها في العاصمة اللبنانية بعد أن وصلت الأمور إلى المحاكم.
ويعتقد آخرون أن الأسباب قد تكون سياسيةً كون المملكة طرفاً سياسياً في الأحداث التي تشهدها المنطقة، وتالياً فإن فيروز تريد أن تبقى بعيدةً عن الانقسامات، ولعلّ ما يؤكد الأمر هو غضبها من ابنها زياد بعد تسريبه تصريحات عن لسانها بأنها تحب حزب الله والأمين العام للحزب حسن نصر الله، وتؤيد مواقف المقاومة، لتسارع ريما إلى تبرير الموقف بأن ما صرّحه زياد لا يعبّر بالضرورة عن فيروز بل هو تكهنات وتركيبات "زيادية" فقط لا غير.
تصدّر خبر غناء السيّدة فيروز وتكريمها في السعودية "التراند" في الأيام الأخيرة، وقيل إن المفاوضات جارية معها لتشارك في ليلة مخصصة لها، وأكد العديد من الصحافيين/ ات الخبر، وأضافوا/ ن أن السعودية بدأت بالإجراءات اللوجستية، فيما أكد البعض أن فيروز رفضت الأمر برمّته
يبدو أن فيروز ترفض بالفعل الغناء للزعماء السياسيين لتبقى بعيدةً عن هذه المهاترات، وهذا ما حصل حين شاركت في احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية عام 2008، حين رفضت تقليدها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى، لأنها لم تتلقَّ أي تكريم من زعيم عربي قبلاً.
ولكن قد يكون سبب الموافقة هذه المرة على إحياء الحفل في السعودية مرتبطاً بالعرض المغري، أو توافر التجهيزات الفنية والشروط الفنية، ولكن في كل الأحوال، كل ما يمكن أن تقدّمه السعودية، قد يكون عُرِض عليها في السنوات السابقة مثل مجموعة الحفلات في الولايات المتحدة التي رفضتها، وبرغم ذلك هي بالتأكيد على دراية بالصور والمقاطع التي تنشرها ريما، وكأنها تريد أن تكون قريبةً من دون أن تظهر، أو كما تقول أغنيتها: "لا قدرانة فلّ ولا قدرانة إبقى".
تعليقاً على هذه النقطة، قال جهاد أيوب: "مجرد التفكير في السيّدة فيروز هو مكسب كبير لأنها تضيف قيمةً كبيرةً، ولكن الحفل في الرياض غير مؤكد بعد، ولفيروز شروط صعبة التنفيذ، مادياً وفنياً، لأنها تدرس خطواتها بدقة".
وأضاف: "لن يكون الرفض لأسباب سياسية، لأن فيروز تعمل بطريقة فنية بحتة، ولكن قد يكون السبب اختلاف طبيعة صوت فيروز وقدرتها على الغناء، حتى أن الألبوم الأخير برغم أنه مسجّل منذ فترة طويلة، إلا أننا لاحظنا اختلاف صوتها الذي أصبح عريضاً".
السعودية... "طلعنا عالحرية"
ابتعدت المملكة العربية السعودية عن المشهد الفني والإعلامي تماماً، وبالرغم من أن مجموعة قنوات MBC وشركة روتانا للصوتيات والمرئيات، بتمويل سعودي ورؤوس أموال سعودية، إلا أنها كانت تنفّذ برامجها وحفلاتها ومشاريعها في العاصمة اللبنانية وبعض الدول العربية.
في وقت لاحق، دخلنا مرحلةً جديدةً من التنافس الخليجي-الخليجي المحموم على مختلف المستويات، ومنها المستوى الفني والترفيهي أيضاً، فبعد أن تفرّدت قطر بتنظيم مونديال 2022، وجذبت الأنظار نحوها، حققت الإمارات من خلال معرض أكسبو 2020 ومنح الإقامات الذهبية للفنانين/ ات جماهيريةً عالميةً لتتحول دبي إلى عاصمة الثقافة والإعلام والفن بعد أن كانت بيروت والقاهرة ودمشق تلعب هذه الأدوار، ولكن بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية لهذه العواصم، انتقل الضوء إلى الخليج العربي، فقررت السعودية أن تخرج من العباءة القديمة لتقدّم مضموناً فنياً وترفيهياً في السنوات الأخيرة، ولتخرج إلى الضوء والشمس والحرية، وقد استقطبت الوجوه الترفيهية حول العالم، كحفل "تريو نايت" في ليلة رأس السنة.
"مجرد التفكير في السيّدة فيروز هو مكسب كبير لأنها تضيف قيمةً كبيرةً، ولكن الحفل في الرياض غير مؤكد بعد، ولفيروز شروط صعبة التنفيذ، مادياً وفنياً، لأنها تدرس خطواتها بدقة"
في هذا السياق، رأى جهاد أيوب، أن صناعة الإعلام تأسست في لبنان وانتقلت اليوم إلى السعودية: "في الماضي، لم يكن الفنان ينتشر من دون أن يمرّ على بيروت، وبعد أن خفّ دور القاهرة فنياً، يتجه الإعلام اليوم إلى الرياض لوجود مشروع اقتصادي وإنمائي، وهذا ما شاهدناه في حفل ‘تريو نايت’ ليلة رأس السنة، وبرغم ذلك معظم نجوم الحفل كانوا من لبنان".
وتابع: "أرى أن حفل ‘تريو نايت’، لم يكن جيّداً ولا يليق بالرياض برغم جمال الفكرة. لقد قدّمنا هذه الفكرة في بيروت سابقاً من خلال الإعلامي رياض شرارة والمخرج سيمون أسمر والموسيقار إحسان المنذر، وبوجود صباح ووديع الصافي، ولكن ‘تريو نايت’ لم يكن على قدر التوقعات بسبب الغرور وعقدة الزمن وضعف الصوت".
وبالعودة إلى مشاركة السيدة فيروز في الحفل المرتقب في الرياض، تشير آخر المعطيات إلى أنها رفضت الحفل واستعاضت هيئة الترفيه في المملكة عن الفكرة بتكريم للسيدة فيروز في منزلها في بيروت من خلال وفد يمثل السعودية.
وعليه، يبدو أن المملكة لم تفلح في إعادة فيروز إلى المسرح كما فعلت سابقاً مع عزيزة جلال، خلال مهرجان شتاء طنطورة قبل ثلاثة أعوام، أو كما أعاد مهرجان الدوحة الثقافي نجاة الصغيرة إلى المسرح في العام 2002.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...