شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
المغرب والجزائر... من الجوار الصعب إلى

المغرب والجزائر... من الجوار الصعب إلى "الحرب الإلكترونية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 15 يناير 202303:32 م

بعد الصراع السياسي والدبلوماسي بين المغرب والجزائر، تنشب "حرب إلكترونية" على الهامش في العالم الافتراضي، تُخترق فيها مواقع مؤسسات البلدين، وتُقرصن البيانات وتُنشر الأخبار الزائفة. لعلّ واحدةً من عمليات الاختراق الأخيرة تلك التي تعرّض لها الموقع الإلكتروني للمكتبة الوطنية المغربية من قبل هاكرز جزائريين، إذ ظل الموقع غير مشغّل لمدة أسبوع برغم أن الاختراق لم يدم إلا دقائق معدودة، وفق مسؤول في المكتبة، نُشر على إثرها العلم الجزائري ورسالة مفادها بأن "موقع المكتبة الوطنية يستخدم نظام تشغيل قديم، وبالتالي لن يكون آمناً"، وهو ما استنفر عناصر المديرية العامة لأمن نظم المعلومات، التابعة لإدارة الدفاع الوطني، واللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، من "أجل تأمين موقع المكتبة وتغيير خوادمه الإلكترونية".

اختراق المواقع المغربية والجزائرية من طرف الهاكرز المنتمين إلى البلدين دليل على توتر مستمر يشمل كل الميادين 

هذه المحاولة ليست الأولى التي تتعرض لها مواقع مؤسسات مغربية وجزائرية، ولن تكون الأخيرة، فقد سبق لموقع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار (المغرب)، وموقع جامعة ظهر المهراز في فاس (المغرب)، وغيرهما أن كانا عرضةً لهجمات إلكترونية متكررة من قبل هاكرز جزائريين يطلقون على أنفسهم "جيش الدفاع الإلكتروني الجزائري"، فما كان إلا أن قام هاكرز مغاربة يسمّون أنفسهم "الإمبراطورية المغربية" أو "قوات الردع"، بشن حملات مماثلة على مواقع حكومية جزائرية، مثل وكالة الأنباء الجزائرية ووزارة التربية الوطنية الجزائرية، وتسريب مجموعة من البيانات والمعطيات في "تليغرام" وغيرها من المنصات الإلكترونية. وهذه الحرب الإلكترونية يشتد أوارها مع كل محفل سياسي أو ثقافي أو رياضي، كما حدث بالموازاة مع كأس العالم في قطر.

فما هي أخطار وتداعيات هذه "الحرب الإلكترونية" على البلدين وصورتهما؟ وهل تقوية الأمن السيبراني ستحلّ هذه المشكلة أم هي أعمق بكثير من ذلك؟

تصدير الأزمات 

الحرب هي نتيجة لسبب أصلي هو السياسة، وقد تأخذ وجوهها وأشكالاً متعددةً، إذ أصبحت اليوم مع التطور التكنولوجي، أكثر حدةً، لكون الفضاء السيبراني، كما يقول الأستاذ الجامعي المغربي المتخصص في علوم التواصل والإعلام مصطفى لويزي، في تصريح لرصيف22، "مجالاً للنزاع بين الأطراف، والدفاع عن صورة البلد ومكانته أمام العدو، لكن بالأخص أمام الدول الأخرى، عبر استغلال كل نقاط ضعف 'العدو'، وتهويل كل مشكلاته مهما كانت صغيرةً أو عاديةً، بل اختلاق بعض المشكلات الأخرى، لتشويه صورته وتأزيم وضعه أمام مواطنيه وأمام العالم".

بعد الحرب الدبلوماسية يعيش الجاران المغرب والجزائر على إيقاع "حرب إلكترونية" يقرصن فيها رعايا البلدين مواقع حكومية لـ"الإخوة الأعداء". هل هي جبهة جديدة لتصريف الاحتقان السياسي بين البلدين؟

في حالة العلاقات المغربية الجزائرية، يوضح لويزي أن تصفّح وسائل التواصل الاجتماعي يؤكد بالملموس أن هناك "حرباً إلكترونيةً تدور رحاها منذ دخول الجزائر مرحلة ما بعد بوتفليقة، وهي كذلك خطة لتصدير الأزمة من الداخل إلى الخارج. وهذا لا يعني أن هذه الحرب لم تكن موجودةً من قبل، لكنها لم تكن بهذه الحدة وبهذه الشراسة، وبما أن الأمر يتعلق بحرب فكل الضربات تظل مشروعةً، بما فيها فبركة الأخبار ومحاولة تقديمها على شكل صحيح، واختراق وقرصنة مواقع إعلامية ومواقع مؤسسات".

تسميم العلاقات بين البلدين

يرى لويزي، أن الإعلام المغربي يبتعد في أغلب الأحيان عن تقديم أخبار تهمّ الجزائر، وأن أغلب ما يُقدَّم يأتي عن طريق "وكالة المغرب العربي للأنباء" الرسمية، لكنه لا يصل إلى درجة الفبركة أو التزييف والتضليل، ويقول: "ربما هناك بعض التهويل في بعض الأحداث، لكنها بعيدة عن اختلاق ما لا وجود له، عكس جرائد ومواقع ووكالة أنباء الجزائر التي تخصص قدراً يومياً لا ينزل عن عشر قصاصات مضادة للمغرب، بل إن بعض المنابر تعمل يومياً على مواضيع بعينها تعدّها أشواكاً في حذاء المغرب، مثل الهجرة، المخدرات، الملكية، الاحتجاجات الاجتماعية، والاعتقالات...".

إذا كانت المؤسسات الرسمية في المغرب تتفادى نسبياً الخوض بشكل مستفيض في الشأن الجزائري، يلاحظ أن هناك مواقع وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها مقرّب من السلطات، تحمل على عاتقها مهمةً شبيهةً بما تفعله وسائل الإعلامي في الجزائر، للتهويل من الواقع بغرض الإساءة إلى الجزائر، أو الرد على كل ما تأتي به المواقع الجزائرية، أو ما يصرح به العديد من الشخصيات الرسمية وغير الرسمية في موضوع العلاقات بين المغرب والجزائر.

تعمل جهات من البلدين على اختراق الفضاء السيبراني للجار على أمل زعزعة  الرأي العام داخله وتأكيد التفوق في الفضاء السيبراني. ويقدم البلدان نفسيهما كضحية تردّ على اعتداءات الطرف الآخر 

يشير الباحث إلى أن السياسيين يصبّون كثيراً من زيتهم على نار مشتعلة عبر الإنترنت، لكن الأمر قد يكون أكبر في الجزائر وفق وجهة نظره، إذ يرى الباحث أن "أصحاب القرار في الجزائر أصبحوا متخصصين في سب وقذف كل ما هو مغربي، على عكس أصحاب القرار في المغرب الذين لم يسجل عليهم رمي الجزائر بأساليب تخرج عن النطاق الديبلوماسي، وهو ما يؤثر سلباً على البلدين وعلى إمكانية العودة إلى وضع عادي تُحترم فيه مؤسسات الدولتين"، إذ "يتم في كل يوم تسميم العلاقات أكثر، عبر الإساءة الممنهجة، وتأزيم العلاقة بين الشعبين إذ ينساق عدد من أفراد البلدين في مسلسل طويل من السب والشتم والإساءة المجانية، وهو ما يجعل العالم يحكم على البلدين من خلال تواصلهما الإعلامي أيضاً".

أنشطة سيبرانية معادية

على الرغم من محاولاتنا المتعددة لأخذ رأي مختص من الجزائر، وبوساطة زملاء إعلاميين جزائريين، أحجم كل من تواصلنا معهم عن إبداء رأيهم في هذا الموضوع، لكن تندّد الجزائر باستمرار بما تصفه بالحرب الإلكترونية التي تستهدفها. وسبق أن أكد وزير الاتصال السابق عمّار بلحيمر أن "التحذير (من حرب تستهدف بلاده) ليس من نسخ الخيال"، قائلا إن هناك عمليات سيبرانية تعتمد "الجوسسة والتخريب وكذا التدمير عن طريق الدعاية والمعلومات المغرضة، بقصد تقويض أسس السلطة (الجزائرية) من خلال مهاجمتها وتشويه سمعتها في مجال القيم وتجريدها من الشرعية".

من جهته يرى مدير المركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني المصري الدكتور عادل عبد الصادق،  في تصريح لرصيف22، أن ما يُطلق عليه "حرب إلكترونية" بين المغرب والجزائر ما هو إلا "أنشطة سيبرانية" معادية تقف وراءها إما جهات رسمية أو غير رسمية، وتشتمل على نمطين أساسيين هما: نمط الحرب السيبرانية الصلبة عبر القيام بعمليات تخريب أو قرصنة، ونمط الحرب السيبرانية الناعمة عبر شن عمليات الحرب النفسية ونشر الشائعات والأخبار المضللة .

يرى الخبير المصري عادل عبد الصادق أن التوتر السيبراني الذي يشهده المغرب والجزائر يعكس "حالةً من الامتداد للخلاف المادي حول المصالح والسيادة والدور في الإقليم،

يوضح الخبير المصري أن التوتر السيبراني الذي يشهده المغرب والجزائر يعكس "حالةً من الامتداد للخلاف المادي حول المصالح والسيادة والدور في الإقليم، وذلك بعد عدم نجاح أي سبل للوساطة وحدوث متغيرات ارتبطت بحالة تصاعد الخلاف وتحوله من مجرد حرب كلامية معهودة إلى اتخاذ خطوات عدائية بين البلدين على المستوى الرسمي، ومحاولة الطرفين تعزيز التحالف الدولي لصالحهما، أو عبر التحالف المباشر وغير المباشر مع قوى إقليمية معادية لبعضها البعض كاستقدام إيران في الجزائر مقابل إسرائيل في المغرب، وما يزيد من خطورة تلك السياسات محاولة تصدير الخلاف من كونه صراعاً بين النخبة الحاكمة في الجزائر والنظام الملكي في المغرب، إلى صراع بين الشعبين، البعيدين عن هذا الخلاف في حقيقة الأمر، على الرغم من محاولة ترسيخ الكراهية بينهما عبر نشر مسوح للرأي غربية تؤكد ذلك من دون أن تمتلك أي منهجية علمية، كاشفةً عن تسييس البحث العلمي في العلاقات الدولية".

تطوير قدرات التجسس

يشير المتحدث إلى أن توظيف المجال السيبراني في الصراع بين البلدين أصبح مجالاً خصباً للشركات الكبرى التي تبحث عن بيع منتوجاتها للبلدين، اللذين يسعيان إلى امتلاك القوة السيبرانية التي تمكّنهما من تحقيق الانتصار الإستراتيجي، وتطوير قدراتهما في مجال التجسس، خاصةً مع "توارد تقارير عن تعاون مغربي مع الشركة المنتجة لبرنامج التجسس ‘بيغاسوس’، بالإضافة إلى التعاون مع إسرائيل في مجال الأمن السيبراني، إذ حصلت شركة "Elbit Systems" الإسرائيلية، في العام الماضي، على صفقة بنحو 70 مليون دولار، لتزويد القوات المسلحة الملكية بنظام "Alinet" للحرب الإلكترونية (EW)، واستخبارات الإشارة (SIGINT). ومن جهة أخرى، فإن امتلاك إيران لتكنولوجيا عسكرية يقدّم حلولاً للجزائر للتعاون معها، خاصةً في مجال الفضاء والمسيّرات والتعاون مع دول أخرى في محاولة لمواجهة أي تقدّم إستراتيجي عسكري في المغرب".

يخلص الدكتور عادل عبد الصادق إلى أن الاتجاه نحو عسكرة العلاقات بين المغرب والجزائر سيزيد من الإضرار بمصالح شعبيهما، لأنه ببساطة سيزيد من إنفاق كان يمكن توجيهه نحو التنمية، مع العلم بأن البلدين في أشد الحاجة إلى ذلك، خاصةً في ظل أزمة الاقتصاد العالمي الراهنة. ويؤكد أن "وعي الرأي العام في كلا البلدين بمخططات الوقيعة العسكرية بينهما، وبأهمية إعلاء المسؤولية التاريخية لدى صانعي القرار، يمكن أن يحول دون توظيف المجال السيبراني في شحن الكراهية، وفي الضغط على القيادات لحل الخلافات بالطرق السلميّة من أجل مصلحة الشعبين، اللذين سيدفعان تكلفة أي تهور عسكري محتمل، ومستقبلهما".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image