شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"لا تتزوجها موظفةً"... ميزوجينيّة تجتاج المغرب الافتراضي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 5 يناير 202303:48 م

جدل كبير أثير على مدار الأيام القليلة المنصرمة، ولا يزال مشتعلاً على الصفحات المغربية لمواقع التواصل الاجتماعي، بعد طرح إلياس الخريسي، المعروف بـ"الشيخ سار"، دعوةً عبر مجموعة مغلقة في منصة فيسبوك، تدعو إلى عدم الزواج من النساء الموظفات، بسبب "انشغالهن بمسارهن المهني وإهمال واجباتهن كزوجات وأمهات"، مشيراً إلى أن "قبول الرجل للزواج بامرأة موظفة يعني انتقاصاً مباشراً من رجولته"، وذلك من خلال مشاركة مؤيدي الحملة لعدد من الروايات لطرح "المشاكل" التي يزعمون مواجهتها بشكل يومي في زيجاتهم بسيدات موظفات.

الخريسي، الذي يقدّم نفسه على أنه مسلم محافظ، معروف بمنشوراته ومواقفه المستفزّة، اختفى طويلاً عن الأنظار، لكن صفحته الجديدة سرعان ما تحولت إلى موضوع صراع وإلى مطيّة لترويج مواقف "ميزوجينية"، ترسّخ للتمييز والانتقاص من حقوق النساء.

"مغاربة ضد الزواج بموظفة"

حملة "لا للزواج بالموظفات"، وُصفت من معارضيها، بكونها صادرةً عن "حركة الريد البيل (الحبّة الحمراء) بهدف تحريض الرجل المغربي على النساء العاملات"، الشيء الذي خلّف جملةً من الحملات المضادة، وهو ما أدى إلى احتدام السّجال بين تيار يعدّ نفسه تقليدياً وآخر حداثياً، بآلاف المنشورات، وعدد من الغرف النقاشية.

تقول أمينة الصنهاجي، وهي صانعة محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، إن "مثل هذه النقاشات تؤسس للعنصرية والتمييز الفئوي، إذ إن الإنسان لا يصنَّف حسب وظيفته أو وضعه الاجتماعي"، مستشهدةً بالآية القرآنية: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، مردفةً أن "من يثير مثل هذه الأمور يعيش بؤساً فكرياً ونفسياً كبيراً، ويحاول شرعنة الخوف من الآخر".

حملة "لا للزواج بالموظفات"، وُصفت من معارضيها، بكونها صادرةً عن "حركة الريد البيل (الحبّة الحمراء) بهدف تحريض الرجل المغربي على النساء العاملات"

"هذه الدعوات لا تعير بالاً للواقع الصعب الذي بات يعيشه جُل شباب اليوم، من ارتفاع صاروخي في كافة الأسعار، وقلة فرص الشغل، واضطرار المرأة إلى العمل داخل المنزل وخارجه"، تضيف المتحدثة لرصيف22، مؤكدةً أن "الحياة قائمة بين الرجل والمرأة، فكل منهما مسؤول عن تدبير شؤون الحياة الأسرية، والنساء شقائق الرجال، ولكل منهما دور مهم في الحياة ويكمل بعضهما البعض".

يقول عبد الرزاق المشاطي، وهو منتج فني، إن "هناك الكثير من النساء الموظفات، ممن يعرفن أن المرأة نصف المجتمع، وأنها أخذت فرصتها لتشكل ذاتها وفق ما تفرضه الظروف، فهي تتحدى هذه الظروف لأجل ذلك من دون أن تهمل دورها الحقيقي كامرأة وكأم وكأنثى"، مشيراً إلى أن "هذا النوع من النساء يعمل قدر الإمكان من أجل التوفيق بين العمل كموظفة وبين واجباتها الأسرية، مما يجعلها نموذجاً ناجحاً مجدّاً، همّه نجاح الأسرة خاصةً على مستوى الأبناء، وتؤمن بأن الحياة كفاح".

يضيف المشاطي أن بعض النساء يؤمنّ باستقلالهن على حساب الحياة الأسرية، مردفاً: "هؤلاء النسوة لا يعطين أهميةً كبيرةً للرجل، وإن وُجد في حيواتهن فلا يعددنه عنصر استقرار لأن لديهن غروراً زائفاً بأنهن في غنى عنه وربما حتى عن أسرهن التي لم يعدن في حاجة إليها، خاصةً من الناحية المادية، وغالباً ما تكون حيواتهن مليئةً بالصدمات العاطفية والنفسية التي تجعلهن دائماً يهربن إلى الأمام مما يجعلهن أكثر تمرداً على واقعهن".

"لا للزواج بفقير"

بالرغم من أن البنك الدولي أفاد بأن نسبة النساء العاملات تبلغ فقط 21 في المئة من إجمالي القوة العاملة في المغرب خلال سنة 2018، فإن النساء بحسب جُملة من الأصوات الحقوقية "لا يزلن يحارَبن من طرف الرجال"، الشيء الذي دفع خديجة الروكاني، محامية وناشطة نسائية عن تحالف ربيع الكرامة (منظمة غير حكومية)، تدعو "النيابة العامة إلى فتح تحقيق ومتابعة كل مؤيدي حملة لا للزواج بموظفة"، عادّةً إياها "حملةً لإهانة المرأة المغربية العاملة".

"هذه حملة ضد الدستور وتمييز ضد المرأة"؛ تضيف الروكاني، مردفةً أن "الدولة تقوم بإستراتيجية في مجال التنمية والازدهار بمشاركة النساء اللواتي أظهرن تفوقهن في شتى المجالات انطلاقاً من نسب النجاح في البكالوريا إلى وصولهن إلى مناصب كبيرة".

من جهته، رأى عز الدين لفرم، باحث في علم الاجتماع، أن "هذا الموضوع يُنظر إليه من زاوية الفراغ الاقتصادي، بحكم أننا نتحدث عن علاقة من له القدرة على توفير المال، وتمثّل ذلك في مجتمعنا، متناسين أن الزوجة والزوج منذ القدم على قدم المساواة في إنجاح مؤسسة الأسرة، التي لا يكمن نجاحها فقط في العامل المادي بل العاطفي والوجداني"، مردفاً بالقول "إنني أتأسف لتنميط الموظفة أو السيدة التي تعمل ووصفها في منشورات عدة بـ'العهر' و'بيع الجسد' لإرضاء رب العمل".

"في الواقع الكثير من الرجال ممن لا يريدون الزواج إلا بموظفة، أو بصاحبة مشاريع، وأملاك عقارية"

انتقد الباحث في علم الاجتماع، الحملة التي أطلقتها الصفحة، وجعلها عدد من الرجال مطيةً لتفريغ حقدهم على النساء على مواقع التواصل الاجتماعي، وما قابلها من ردود أفعال من قبيل مجموعة "مغربيات ضد الزواج بالمزاليط (الفقراء) والعاطلين"، مشيراً إلى أن هذا الجدال هو ما يساهم بشكل مباشر في ما تشهده المحاكم المغربية من ارتفاع نسب حالات الطلاق، بحسب المعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل.

نقاش غير واقعي...

إذا كانت الصفحة ومثيلاتها طريقاً لتفريغ المكبوت لدى الرجال، فإن الواقع غير هذا، بحسب شهادات كثيرات يرين أن الرجال المغاربة يقبلون على الزواج بالنساء الموظفات لأسباب اقتصادية فيها بعض "الطمع".

"رفضت الدخول في عدد من العلاقات لانعدام حريتي فيها في التوقف عن العمل، في حالة اضطراري إلى ذلك"؛ تقول ندى، موظفة مغربية في مؤسسة عمومية. وتوضح في حديثها إلى رصيف22: "في الوقت الذي تشتعل فيه مواقع التواصل الاجتماعي بعدد من الحملات الرافضة للزواج بامرأة موظفة، هناك في الواقع الكثير من الرجال ممن لا يريدون الزواج إلا بموظفة، أو بصاحبة مشاريع، وأملاك عقارية".

تكمل المتحدثة: "كلما تقدّم لخطبتي أحد الشبان أصارحه بكوني قد أغادر عملي يوماً ما للتفرّغ لأسرتي، ولتربية أبنائي، فإن أبدى تفهماً لشرطي هذا، أتأكد آنذاك أن وظيفتي لا تشكل أساس رغبته في الزواج بي، ممّا سيجعلني بالتأكيد مرتاحةً في زواجي"، مشيرةً في خضم حديثها إلى كون عدد من البنات الموظفات، يتعرّضن يومياً للنصب والتلاعب بمشاعرهن، ممن يرغبون في الارتباط بهن فقط لكونهن موظفات، وقد يجرّبن مرارة الطلاق يوماً ما، لمجرد رغبتهن في ترك العمل.

الإنسان عموماً ليس ملاكاً، سواء تعلّق الأمر بالرجل أو المرأة، والمهم في كافة العلاقات الإنسانية التفهّم، واحترام رغبة الآخر، وكذا من الضروري توفر قوة تحمّل المسؤولية

في هذا السياق، يقول حسن أهنتات، صحافي، إن الموظفة هي أوّلاً وأخيراً إنسان له كيان، ولديها مشاعر وأحاسيس تُخول لها الرغبة في تكوين أسرة، وهناك عدد كبير من النساء الموظفات المحترمات ممن يشتغلن بذكاء، كما أن هناك في المقابل أخريات لا يتركز اهتمامهن إلا على رفاههن الشخصي، إلى درجة التباهي به، مردفاً: "طبعاً لا يُمكن تعميم أيّ نوع من النساء اللواتي ذكرت على كافة النساء، وأنا ضد قاعدة التعميم التي خلقت تلك الحملة الفيسبوكية". يقصد المتحدث أن "الصور النمطية" هي دوماً ما يخلق أفكاراً خطأً عن فئة معيّنة، وتترتب عنها في آخر المطاف أشكال من التمييز والتضييق على الحرية الشخصية.

يتساءل أهنتات: "هل هناك إحصائيات تقول إن النساء الموظفات فاشلات في تكوين أسرة؟"، مضيفاً: "الإنسان عموماً ليس ملاكاً، سواء تعلّق الأمر بالرجل أو المرأة، والمهم في كافة العلاقات الإنسانية التفهّم، واحترام رغبة الآخر، وكذا من الضروري توفر قوة تحمّل المسؤولية، من أجل علاقة زوجية ناجحة".

نقاشات مستفيضة، بين الرجل والمرأة، تجاوزت حدود المجال الرقمي، لتصل إلى الواقع المعيش، ولتتجاوز عدواها عدداً من الدول الأخرى، فتناسل الفضاء الرقمي العربي، بمجموعات مؤيدة وأخرى معارضة للزواج بالمرأة الموظفة، بل وصل الأمر لدى عدد من الشباب إلى خلق مجموعة بعنوان "لا للزواج بفتاة حاصلة على شهادة جامعية"، ليظل هذا الجدال محتدماً، والآراء متضاربةً؛ لكنها تظهر الجزء الطافي من كره النساء ومقاومة حقوقهن. فإلى متى يستمر هذا الوضع؟ 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image