تضع الأفلام الناجحة جماهيرياً صناعها في اختبار صعب، فإما تجاوزها والتركيز على مشاريع سينمائية جديدة أو الاستسلام لإغراء استثمار النجاح بإنتاج أجزاء تالية إذا أمكن أو بإعادة صياغة عناصر التميز في حكاية جديدة.
قائمة طويلة من المبدعين المصريين مالوا إلى المراهنة على التوليفة المجربة، طامحين إلى التفوق على العمل الأول، لكن النتيجة لم تكن يوماً مضمونة كما يظن البعض أو حسبما يخبرنا فيلم "شلبي " المتاح حالياً في دور العرض.
استطاع فيلم "من أجل زيكو" أن يخلق حالة تفاعلية مع الجمهور في صالات السينما
في سنة 2022، استطاع فيلم "من أجل زيكو" أن يخلق حالة تفاعلية مع الجمهور في صالات السينما وعبر الفضاء الإلكتروني، إذ صادفت أحداثه الكوميدية إعجاباً، وراجت أغانيه ذات الطابع الشعبي، رغم الاتهامات بسرقة القصة من الفيلم الأمريكي "Little Miss Sunshine".
شعر المخرج بيتر ميمي أن هذا النجاح لا بد أن يُستثمر في فيلم جديد فاستعان بنفس فريق العمل، في مقدمتهم المؤلف مصطفى حمدي والممثل كريم محمود عبد العزيز لصناعة "شلبي"، الفيلم الذي يعتمد على تيمة مشابهة لـ"من أجل زيكو"، لكن المقارنة بينهما ليست في صالحه على جميع المستويات.
ملاحظة: يتضمن المقال عرضاً لأحداث كاشفة عن قصة الفيلم ونهايته.
أحلام البسطاء: نحتاج معجزة أم إرادة؟
حكايتان تسلطان الضوء على طبقة المهمشين بظروفها ومعاناتها اليومية، أبطالهما ينتمون إلى عالم حالم يصطدم بواقع بائس إلى الدرجة التي تتبخر فيها المحن والصعوبات التي يواجهونها باستمرار أمام الحلول السريعة والمصادفات القدرية، بصورة تتماشى مع القالب الكوميدي الخفيف الذي يمنح المشاهد شحنة مشاعر إيجابية في النهاية.
صحيح أن اهتمام بيتر ميمي بهذه الطبقة كان مفاجئاً في فيلمين من إخراجه وإنتاجه، لكنه قدمها بصورة متسقة عموماً مع مشروعه في السينما والتلفزيون، الذي ينقسم على تنوع اختياراته وتباين جودته بين أعمال مقتبسة من قصص وحبكات أجنبية بلا إشارة إلى المصدر، يقدمها في إطار شعبي مسلٍ، وأخرى دعائية للنظام الحاكم في مصر.
تعرض الفيلمان المتأثران بعوالم السينما الأمريكية التقليدية إلى مشكلات تمس واقع البسطاء، ولكن ضمن رؤية عامة تهدف إلى انتزاع الضحكات وبث البهجة في النفوس دون التورط في أي خطابات سياسية ذات نبرة ناقدة. ومع ذلك، بدا "زيكو" أكثر صدقاً وتماسكاً في معالجته من "شلبي".
عودة إلى "زيكو"
كانت قصة "زيكو" عن عائلة فقيرة تقيم في شقة متواضعة فوق سطح إحدى البنايات، لا تملك رفاهية الحلم وسط انغماس أفرادها في تأمين قوت يومهم إلا أنهم يستشعرون بصيص الأمل مع مشاركة طفلهم زيكو في مسابقة أذكى طفل في مصر.
تجتمع العائلة في سيارة نقل موتى يعمل عليها الأب، وتتجه إلى واحة سيوة شرق البلاد للحاق بالمسابقة، فتخوض رحلة كل محطاتها تشير إلى استحالة أن يكون هذا الطفل من بين المتسابقين، ليس لأنه أقل ذكاءً من غيره، ولكن لانعدام المقومات التي تمكنه من التفوق والنجاح. ويبقى طوق النجاة الوحيد أمامه امتلاك موهبة في أحد المجالات المحققة للشهرة والثراء السريع لتترقى العائلة بأكملها اجتماعياً ومادياً.
حكاية "شلبي"
حكاية "شلبي" تأتي منذ البداية في سياق قصص أناس مهمشين، تضيع أحلامهم وسط الزحام ولا يأبه أحد بالالتفات إلى حياتهم، يقدم لنا شخصياته المكافحة في صورة لا تعكس واقعهم بقدر ما تلائم حالة الفيلم الموجه للأطفال بشكل خاص، إذ تجنب الفيلم عرض مظاهر الفقر وضيق الحال، ومال إلى خلق عالم به لمحة من سحر الأضواء البراقة.
يعرفنا الفيلم على شخصيته الرئيسية صابر "كريم محمود عبد العزيز" في مدينة ترفيهية يعمل بها ممثلاً في بيت الرعب، وظيفة بسيطة وتافهة في نظره، لا يتربح منها الكثير ولا ترضي طموحه المتعلق بصناعة الدمى، وتصميم عروض العرائس المتحركة.
أعمال مقتبسة من قصص أجنبية بلا إشارة إلى المصدر+ إطار شعبي مسلٍ+ نزعة دعائية للنظام= فيلم ناجح... هذه هي الطبخة التي اعتمدها صناع فيلم "زيكو" و"شلبي" بنجاح، فهل سنشهد الفترة القادمة موجة أفلام تعتمد الخلطة ذاتها؟
نرى صابر يقيم في فندق بوسط العاصمة تديره سيدة شابة "روبي"، وهناك يتعرف على اثنين من النزلاء، أحدهما كاتب مغمور "بيومي فؤاد"، والآخر "حاتم صلاح" ممثل جاء من الإسكندرية بحثاً عن فرصة. تتلاقي الأحلام والإحباطات، ويقرر صابر التمرد على واقعه والتوقف عن انتظار انفراجة، فيتحد مع رفاقه لتقديم مسرحية بالعرائس والممثلين تروج لمواهبهم، وتساعد ابنة مديرة الفندق على استعادة النطق بعد تعرضها لصدمة نفسية في الماضي.
كلاكيت تاني مرة: البسطاء وأحلامهم
يرى صناع الفيلمين أنهم يتحدثون عن البسطاء وأحلامهم، لكن تتباين النظرة للواقع في كليهما حيث يوضح "زيكو" أن الظروف المتردية لا تتغير بالنية والتشبث بالأمل، وإنما تحتاج إلى ما يشبه المعجزة ما دام لا يوجد سبيل حقيقي للعدالة.
فيما تأتي مشكلة الفقر في خلفية أحداث فيلم "شلبي" المنشغل بالموهوبين وحظوظهم القليلة في الحياة. لذلك يطرح حلًا وردياً بعيداً عن معطيات الحاضر المعاش؛ إذا آمنت بنفسك يمكنك أن تصنع الفرصة التي تتمناها، وعندها سيحتشد العالم معك لتحقيقها.
هذا التباين جعل الفيلم الجديد أقل قتامة من الفيلم الأول في اختياراته السردية ومضمونه، بدلاً من الشقة الصغيرة، تقع الأحداث في فندق ذي أثاث عتيق لا يبدو متهالكًا أو متواضعًا مثلما تحاول الشخصيات إقناعنا.
كذلك فإن العمل في مدينة الملاهي وعروض العرائس أكثر تفاؤلاً من قيادة سيارة نقل الموتى بما تحمله من دلالات. فضلاً عن أن الاحتياج المادي الذي كانت تعاني منه العائلة في "زيكو" لم يكن قابلاً للحل بميراث أو ذهب كما هو الحال في أحداث "شلبي".
هل الكنز في الرحلة؟
أراد صناع "شلبي" تقديم فيلم يتبنى إستراتيجية شركة "ديزني" الأمريكية المتعلقة بكونها صديقة للأسرة، ورفعوا في خطتهم الترويجية شعار "فيلم لكل العيلة". كذلك استلهموا من أعمالها حالة التمسك بالحلم والتغلب على الصعوبات مهما كانت، وتأثروا أيضاً بخيارات بصرية تتبناها "ديزني" وغيرها من الشركات في أفلام التحريك والاستعراضات، حتى تصميم بعض الدمى جاء مشابهاً لما ورد في فيلم "هواة الغناء" أو Sing.
في المقابل، اقتربت بنية السرد وتتابع الأحداث مما قدموه سابقاً في "من أجل زيكو"، كان الفيلم الأول ينتمي لنوعية أفلام الطريق، واعتمد على تتابعات التوقف في الرحلة ليمنحنا صورة كاملة عن حال هؤلاء البسطاء وعلاقتهم بالمجتمع. ورغم تفاوت قوة المواقف التي يتعرضون لها من الناحية الدرامية، فإن جميعها كانت مرتبطة بالفكرة الأساسية للفيلم، وكاشفة لجانب من جوانب حياتهم.
محطات شلبي الثلاث
سار "شلبي" على نفس الخطى وركزت رحلته على إيجاد مصادر لتمويل المسرحية وتحقيق الحلم، لكن غالبية المحطات التي نراها على الشاشة لم توظف جيدًا في خدمة القصة ودفع الحبكة، بل كان يمكن الاستغناء عنها دون أن تتأثر بنية الفيلم.
في المحطة الأولى التي تلتقي فيها الشخصيات بالمغني عبد الباسط حمودة لإقناعه بمشاركتهم في العرض، يكتفي السيناريو بأن يضحكنا على مفارقة ادعاء الكاتب المغمور معرفة المغني الشهير، ومحاولة التفاوض معه على مقابل مادي.
لا يتغير شيء قبل أو بعد هذا الموقف في واقع الشخصيات، كما أنه لا يسهم مثلاً في إظهار معاناة الموهوبين في بلادنا، لأنه باختصار لم يرفض عبد الباسط دعمهم، ولم يعلم أساساً السبب الحقيقي لمجيئهم.
أما المحطة الثانية في "شلبي" فقد تشابهت مع نظيرتها في "زيكو"، إذ ركزت على الانفصال التام بين عالمي الفقراء والأغنياء، وتضمنت استنكاراً مبطناً لسفاهة أصحاب الثروات. لكن الحفلة التي يقدمها الجزء الجديد جاءت ضمن سياق عملية سرقة هزلية وغير منطقية. يصبح لدينا على إثرها شخصية شريرة كارتونية تتربص بصابر ورفاقه، على عكس "زيكو" الذي كان الفقر فيه هو العدو الحقيقي للشخصيات.
يبدو "شلبي" فيلماً مرتبكاً، يعدنا بمشاهدة حكاية عن الأحلام العاجزة والواقع الذي يمكن تغييره بعصا سحرية، لكنه ينخرط في تقديم أحداث غير متجانسة، ومواقف تحمل قدراً من الافتعال كتابة وتمثيلاً... هل تتفقون مع هذا الرأي؟
يتجه صابر في محطته الثالثة إلى الصعيد، ليحاول استعادة إرثه الذي استولى عليه عمه بعد موت أبويه. تبدو هذه المحطة كأنها محاكاة ساخرة "بارودي" للأفلام التي تقع أحداثها في جنوب مصر، إلا أن بجانب أجواء التهريج يقرر السيناريو أن يعرفنا أكثر على شخصيته الرئيسية وأسباب ولعه بالدمى بطريقة بدائية ساذجة. إذ تظهر ابنة عمه فجأة لتحكي عن تعلقه بمحرك العرائس في الصغر وعن الوحدة التي دفعته إلى تصميم الدمى. والحقيقة أن الكشف عن ماضي الشخصيات عموماً اعتمد على أسلوب إلقاء المعلومات في وجه المشاهد والإيضاح بالرسوم المتحركة أيضاً في حالة ابنة مديرة الفندق.
وكعادة هذه النوعية من الأفلام، تتغلب الشخصيات على جميع المعوقات ونصل إلى مرحلة المسرحية. يحمل العرض اسم شلبي، الدمية المفضلة لدى صابر والصديق الذي يشاركه حياته والصوت المعبر عن تساؤلاته ومخاوفه وأحلامه. يصبح شلبي تعبيراً مجسداً لحال المهمشين الذين يتحركون بغير إرادتهم، ويتم التلاعب بهم دون قدرة على الرفض أو الاعتراض، ومرافقاً للشخصيات في رحلة التغيير، لكن كل هذه التفاصيل لا علاقة لها بفكرة العرض الذي يدور بالأساس حول كلب ابنة مديرة الفندق، الذي تسبب موته في أزمتها، ولا يعطينا السيناريو سبباً منطقياً لتسمية المسرحية باسم شلبي أساساً.
لم يكن "من أجل زيكو" فيلماً مثالياً، وبرغم التحفظات على المعالجة يبقى عملاً ممتعاً تتسق أحداثه بعضها مع بعض وتنسجم شخوصه في بناء سردي مقنع مدعوم بأداء تمثيلي جيد. بينما يبدو "شلبي" فيلماً مرتبكاً يعدنا بمشاهدة حكاية عن الأحلام العاجزة والواقع الذي يمكن تغييره بعصا سحرية، لكنه ينخرط في تقديم أحداث غير متجانسة، وتتابعات قابلة للحذف، ومواقف تحمل قدراً من الافتعال كتابة وتمثيلاً. ورغم ذلك فإن من المتوقع أن يحقق "شلبي" إيرادات عالية في شباك التذاكر خلال الموسم السينمائي الحالي لكونه يستهدف الأطفال وعائلاتهم بشكل واضح، إلى جانب كونه أكثر بهجة وخفة ظل من منافسه في دور العرض "نبيل الجميل أخصائي تجميل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع