لا زالت تطلق السلطات الإيرانية على الاحتجاجات المستمرة منذ 80 يوماً إثر وفاة مَهسا أميني بعد احتجازها على أيدي شرطة الحجاب، تسمية "أعمال الشغب"، ويسعى رجال الدولة ونخبُها إلى التواجد بين الأنصار لمناقشة تفاصيل التطورات الداخلية في سبيل القضاء على هذا "الشغب".
في هذا الإطار حضر المدعي العام الإيراني الشيخ محمد جعفر منتظري في مدرسة قُم الدينية معقل الفكر الشيعي في البلاد، كي يخبر رجال الدين عن الاعترافات التي أقرّ بها المعتقلون وعن ضرورة تدخلهم لنصيحة وإرشاد جيل z إلى صراط المستقيم، لكن لم يسلم منتظري من ردة فعل رجال الدين، إذ توالى عليه وابل من الانتقادات حول موجة عدم ارتداء الحجاب التي اجتاحت البلاد في الآونة الأخيرة وعدم التصدي لها.
وفي رده على إحدى هذه المطالب، شرح المدعي العام أن "شرطة الحجاب" أو "دوريات الإرشاد" كما تسمى في البلاد، لا علاقه لها بالقضاء، فإنها قد ألغيت من قبل المصادر التي قامت بتأسيسها، ويعني بذلك "المجلس الأعلى للثورة الثقافية".
انهالت التعليقات والتفسيرات والتحاليل حول تصريحات المدعي العام الإيراني، فمنهم من اعتبر الخطوة ثمرةَ الاحتجاجات، وتراجعَ النظام، ومنهم من وصفها بالخطوة غير الكافية والمتأخرة، وآخرون رأوها أنها تكتيك حكومي وتلاعب بالكلمات فحسب
وأردف حديثه: "السّفور هو من مصائب اليوم، والأجهزة الأمنية والثقافية، بعد الأحداث الأخيرة في البلاد، تبحث عن حلّ مدروس للمشكلة، والبرلمان والمجلس الأعلى للثورة الثقافية يعملان على دراسة موضوع الحجاب وسيتم الإعلان عن النتائج خلال 15 يوماً".
وأشار بذلك منتظري إلى وجود قرار جديد في تطبيق القانون الإسلامي الذي ينصّ على الحجاب في المجتمع، وأكثر من ذلك فهو صرح أن السلطة القضائية لا تبحث عن إلغاء عمل شرطة الحجاب، بل يجري العمل على صياغة قانون جديد حول الحجاب.
من جهتها أعلنت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الإيرانية أن مهام دوريات الحجاب انتهت والمؤسسات المختلفة في البلاد تتابع الآن آليات مناسبة لمعالجة قضية الحجاب.
وفي غضون ذلك أكد النائب البرلماني الإيراني حسين جلالي: "سنرفع الثمن لمن تريد أن تظهر دون حجاب"، مشيراً إلى عمل البرلمان على كيفية تطبيق الحجاب في البلاد.
خطوة غير كافية
بين حفاوة الاستقبال والتشكيك بمبادرات السلطات في ما يتعلق بالحجاب، انهالت التعليقات والتفسيرات والتحاليل حول تصريحات المدعي العام الإيراني، فمنهم من اعتبر الخطوة ثمرةً للاحتجاجات، وتراجعَ النظام، ومنهم من وصفها بالخطوة غير الكافية والمتأخرة، وآخرون رأوها أنها تكتيك حكومي وتلاعب بالكلمات فحسب.
ووسط صمت تام من قبل الصحف الحكومية والمحسوبة على التيار المحافظ المسيطر على الدولة تجاه هذا الإعلان الكبير، أصبح عنوان "إلغاء دوريات الإرشاد"، يتصدر أغلفة الصحف المستقلة والإصلاحية.
كما ذكرت صحيفة "شرق" الإصلاحية أنها قد تواصلت مع مركز علاقات الشرطة الإيرانية واستفسرت عن صحة أنباء إلغاء الدوريات، ولكن الأخير لم يردّ على هذا السؤال. أما قناة العالم الإيرانية فقد كتبت على موقعها: "لا يوجد مسؤول في البلاد يؤكد خبر إلغاء شرطة الأخلاق".
وجاء تقرير صحيفة "هَمْ ميهَن" الإصلاحية حول إلغاء دوريات الحجاب في طهران وتشديدها في مدينة قُم الدينية وذكرت الصحيفة قصة فتيات تم احتجازهن خلال الفترة الأخيرة بسبب حجابهن.
أشهر التعليقات
وعن قرار حلّ شرطة الأخلاق ننقل أبرز التعليقات التي تداولتها منصات التواصل الاجتماعي:
علقت الصحافية صبا آذَرْ بيك: "في ذلك الاجتماع الذي جمع الشخصيات الإصلاحية مع الرئيس إبراهيم رئيسي قبل فترة، كانت دوريات الإرشاد ضمن المواضيع المطروحة، وردّ الرئيس أنه أصدر أوامر بحلّها قبل شهرين، وعندما استفسره الحاضرون: ولماذا لم يتم الإعلان عن ذلك؟، قال لهم أن الشعب يرى اليوم أنه لا وجود لشرطة الحجاب".
رأى الناشط السياسي عباس عبدي حذفَ شرطة الحجاب خطوة ضرورية لكنها غير كافية، وأكد على حذف بعض الملاحظات في قانون حجاب النساء. كما ذكر أن لا أمل في ذلك.
أما الناشط الاجتماعي أمير تَنها فقال: "حقاً ألم يكن من الممكن أن يتم إلغاء دوريات الإرشاد قبل كل هذه الأحداث المأساوية وفقدان المواطنين؟ أليس من المؤسف أن تلك الأرواح الجميلة ليست بيننا اليوم؟".
"من هم في عمري قد أدركوا قبل هذا فترة إلغاء دوريات ثار الله في التسعينيات. الخبر ليس مفرحاً"؛ هكذا علّق الإعلامي محمد رضا نوروزي على أنباء تجميد شرطة الحجاب. أما الناشط الاجتماعي بيمان مولوي، فأكد: "المشكلة ليست دوريات الإرشاد، إنما نيل حق الاختيار".
وكتب حساب ناشط في تويتر يدعى "قلَم فَرسا": "تم تعطيل شرطة الحجاب؟ رجاء أعيدوا لنا مهسا ونِيكا وغزالة ومِهْرشاد ومحمد حسن أحياء. أليس هذا ممكناً؟ إذاً الشعب لا ينسى جرائمكم". تشير التغريدة إلى الفتيات والفتيان الذين قُتلوا في الاحتجاجات.
متى أصبح الحجاب واجباً؟
أصبح الحجاب إلزامياً في إيران بعد إقامة الجمهورية الإسلامية عام 1979، حيث استخدم النظام القوةَ في تطبيق ذلك عبر استخدام "دوريات أنصار حزب الله" المتشددة في سلوكها مع النساء في الشوارع مع أبشع الصور الممكنة. ولكن مع وصول الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي إلى سدة الحكم (1997-2005)، تم إلغاء ذلك، وسمح للإيرانيات بالتجول بحجاب متساهل بعض الشيء وبحرية مسموحة لا تتعدى الخطوط الحمراء كثيراً.
وبعد أن عاد المحافظون مع الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى الحكم، أكدوا على أسلمة المجتمع، فقامت شرطة الأخلاق أو "دوريات الإرشاد" كما تشتهر بعملها في عام 2006 وذلك من أجل نشر ثقافة "العفة والحجاب".
ومن جديد تغير زيّ الإيرانيات شيئاً فشيئاً في فترة حكم الرئيس حسن روحاني (2021 – 2013)، الذي أصبح من الشائع خلالها رؤية نساء يرتدين سراويل ضيقة، و"مانتو"ات مفتوحة، وأوشحة ملونة وقصير يظهر منها الشعر. وكان قد شدد الرئيس الإصلاحي على عدم تضييق الخناق على الشباب والشابات وطالب الشرطة بذلك.
صيف ساخن واستثنائي
ومع بدء حكومة الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي عام 2021، دعا من جديد إلى تعبئة جميع مؤسسات الدولة من أجل تطبيق قانون ارتداء الحجاب، ودعم دوريات الإرشاد لتعود نشاطها بقوة أكبر في صيف 2022.
فشهدت البلاد إجراءات غیر مسبوقة في إطار تنفیذ الأحکام الإسلامیة المتعلقة بالحجاب، بدءاً من تکثیف تواجد عناصر الدوريات في الساحات العامة، وحجز فتيات تعتبرهن "سیئات الحجاب" أي أن حجابهن غير موافق للقانون، وصولاً الی سَنَ قوانین من قبل هيئة الأمر بالمعروف بهدف تضييق الخناق عليهن وحرمانهن من الخدمات العامة، كالمترو والحافلات وعدم تقديم الخدمة لهن في المصارف.
وبعد موجة غضب عارمة في الشارع الإيراني، تنازلت الهيئة عن قراراتها، وأعلنت أنها سوف تستخدم كاميرات المراقبة وتكتفي بعقوبات مالية لسيئات الحجاب.
بات جلياً أن الجيل الجديد من مواليد ما بعد 2000 لم يخضع إلى سياسات النظام، وقد انكسر حاجز الخوف لدى الصغار والكبار، فشوارع إيران اليوم يسرن عليها كثير من النساء دون حجاب وبلا خوف
كما في خطوة نادرة قامت بتحديد تفاصیل الحجاب غير الكامل الذي يستوجب العقوبات المالية، إذ يشمل حجم الوشاح والمانتو المفتوح والقصير.
كل ما سبق ساهم في خلق صيف ساخن واستثنائي بقي خالداً في ذاكرة الإيرانيين، من التصعيد في اشتباكات شرطة الحجاب مع المواطنين بشكل حاد، إلى توتر أعصاب الملايين وازدياد غضبهم وسط غلاء كبير وأزمة معيشية تعيشها البلاد إثر عدم العودة إلى الاتفاق النووي.
وعند وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً) بعد احتجازها على أيدي شرطة الحجاب في طهران، في تاريخ 16 من أيلول/سبتمبر، اندلعت احتجاجات واسعة على كيفية وفاتها، سرعان ما تحولت إلى أزمة كبيرة ضد سياسات نظام الجمهورية الإسلامية.
يؤكد المراقبون للشأن الإيراني أن المجتمع لن يعود إلى ما قبل وفاة مهسا أميني. فقد بات جلياً أن الجيل الجديد من مواليد ما بعد 2000 لم يخضع إلى سياسات النظام، وقد انكسر حاجز الخوف لدى الصغار والكبار. فشوارع إيران اليوم يسرن عليها كثير من النساء دون حجاب وبلا خوف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 3 ساعاتوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 4 ساعاترائع
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت