تفاعل الشارع الإيراني مع رواية دراماتيكية رواها الضحية في مكتب صحيفة "شرق" الإيرانية، بعد مرور أكثر من شهر علی حدوثها في العاصمة طهران.
ونقلا کلٌّ من بطل الملاكمة الإیراني رضا مُرادخاني وزوجته الرياضية ماريا عارفي، تفاصيل الصراع الذي حدث مع دوريات شرطة الحجاب(گَشت إرشاد، بالفارسية) في إحدى منتزهات طهران بعد أن يئس من عدم متابعة ملفّه وإحقاق حقوقه من المحكمة.
وقالت زوجته ماريا إنه في عصر يوم ربيعي، 28 نيسان/أبريل الماضي، دخلتْ برفقة طفلتها وزوجها منتزه بَرديسان الواقع بطهران بهدف التنزه والجري. وبعد دقائق من التواجد هناك وصلت إحدى دوريات شرطة الحجاب وفيها شرطيان وشرطيتان، فطلبت إحداهن رقم البطاقة المدنية من ماريا، وعندما تساءلت عن السبب، سمعت منهن: "كي نبحث إذا ما كانت لديك مشكلة أخلاقية"، إشارة من الشرطية إلى موضوع الملفات التي تنظمها شرطة الآداب للنساء اللواتي يصنَّف حجابهن خارج نطاق العرف الإيراني، خاصة من ناحية الرأس الذي يفترض تغطيته علی جميع النساء داخل البلاد.
وامتنع الزوجان عن تقديم بطاقة الهوية لكوادر شرطة الحجاب، وأکدا خلال لقائهم الصحفي أن ماريا کانت ترتدي الوِشاح، ولم تكن هناك مشكلة من ناحية الحجاب بشكل عام. وشرحا أن رضا زوج ماريا تدخل للدفاع عن زوجته، ما بلغ حدّ الجدال الكلامي مع شرطي الدورية.
الإصرار علی عدم منح رقم البطاقة المدنية وتصاعد وتيرة التجادل بين الجانبين، تسبب برشّ رذاذ الفلفل بوجوه الأسرة الرياضية
الإصرار علی عدم منح رقم البطاقة المدنية وتصاعد وتيرة التجادل بين الجانبين، تسبب برشّ رذاذ الفلفل بوجوه الأسرة الرياضية، وبعد لحظات وعلى إثر حدة الصراع، أطلق الشرطي الرصاص باتجاه رضا وأصابه بأربع رصاصات، أصابت اثنتان منها بطنه وقدمه.
وتحدثت ماريا في مكتب صحيفة شرق أن الشرطة حذفت جميع المقاطع المصورة من قبل الجماهير المحتشدة في موقع الجريمة، وهددوا بنشر أي فيديو، معلنين أن عاقبة ذلك ستكون غير محمودة.
وعن سبب عدم الإعلان بهذا الحدث في فترة وقوعه قبل أكثر من شهر حيث كانت الصحيفة نفسها تتابع تسجيل لقاء صحفي مع الأسرة، شرحت ماريا: "في بداية الأمر لم نكن نرغب بذلك، لأننا كنا نتوقع أن المحكمة والشرطة التي أتت وقدمت اعتذاراً لنا، سوف تجري العدالة وتأخذ بحقنا، ولكن ظننا خاب بعد فترة".
"أخبرنا المحامي أن الشرطة قدمت أدلة للمحكمة تبيّن أننا مجرمون من حيث كشف الحجاب والتمرد أمام ضابط الشرطة، في حين رئيس شرطة الحجاب في طهران كان قد قدم اعتذاراً قبل ذلك، ووعد بمتابعة حقوقنا المشروعة"؛ هكذا يكمل رضا أحداث ذلك اليوم، والسبب الرئيسي الذي دفعهم لتسليط الضوء على هذا الحادث.
وتؤكد ماريا: "حجابي لم يكن يخالف العرف العام لأنني رياضية، وبحكم عملي، مطلعة علی قوانين البلد، كما أنه لدي شهود عيان في موقع الحادث، إضافة إلی طاقم الإسعاف الذي نقل زوجي إلى المستشفی، وكنت برفقتهم هناك، وبالإمكان الاستفسار من هؤلاء جميعاً أو رصد کاميرات المراقبة".
وينقل رضا تفاصيل أخرى من المستشفى، فبينما أخبره الطبيب بإخراج رصاصتين من جسمه بعد إجراء العملية الجراحية، فوجئ عن عدم ذكرها في ملخص تقرير الملف الطبي، مما زاد من شكّه في تدخل الشرطة بهذا الشأن لحسم القرار لصالح عنصرها.
الشرطة تنفي والبرلمان يحقق
وكشفت الصحفية مريم شُكرَاني، عن ضغوطات الشرطة في تلك الحقبة الزمنية لنشر أنباء الحدث، حيث نفت الشرطة الحادث وطالبت بحذف تغريدة أحد الصحفيين عن تفاصيل الواقعة، كما تمّ حذف المقاطع المصورة من الهواتف المحمولة لشهود عيان في منتزه برديسان.
وغرد النائب في البرلمان الإيراني جلال رشيدي كوجي، معلقاً على رواية "منتزه برديسان" التي تناولها الإعلام بكثافة: "دهشت من هذا الخبر! لا أعرف التفاصيل، ولكنني سأتابع الحدث عن كثب وبشكل خاص". وبعد 24 ساعة أكد البرلماني في تغريدة أخرى صحة الاعتداء، وأعلن رفع الملف ومتابعته في لجنة الشوؤن الداخلية فی البرلمان.
وفتح الإفصاح عن سوء معاملة دوريات الحجاب في إيران مع هذه الأسرة التي كانت برفقة طفلتها، البابَ أمام النساء والفتيات الأخريات اللواتي عانين من مثل هذه الظروف ومدى الضغط النفسي التي تحمّلنه، وكتبت الصحفية خَاطِره وطن خَواه، ذكرياتها مع شرطة الآداب قبل 6 سنوات حيث لاقت تعاطفاً من قبل متابعيها على تويتر.
وذكرت الصحفية أنها كانت برفقة ابنتها في إحدى مولات طهران، وتفاجأت بحضور شرطية تتساءل عن نوعية ثيابها بأسلوب كلامي غير لائق، ثم طلبت منها المجيء إلى مدخل السوق كي تملأ استمارة وتتعهد بعدم تكرار ارتداء هذا الزيّ الذي يخالف العرف العام حسب رأي شرطة الآداب.
وبعد ترك ابنتها وحيدة في المول علی أمل العودة بسرعة وجدت سيارة الشرطة بانتظارها حيث ركبت فيها، وشاهدت فتيات أخرى كان عليهن الذهاب إلى مركز الشرطة، حيث تم أخذ التزامات منهن بعد معاملة سيئة بعيدة عن الشؤون المدنية والسب والشتم، قبل أن يفرج عنهن.
شرطة الحجاب مستمرة رغم المعارضة العامة
مازال حجاب النساء في جمهورية إيران المحافظة يشكل هاجساً مهماً لدى السلطات، كما يعتبره رجال الدين الشيعة "سمعة الدولة"، ويجب الحفاظ عليه رغم أن الدستور الإيراني لا ينصّ على ارتداء الحجاب.
ورغم المعارضة العلنية مع أسلوب دوريات الحجاب وفلسفة نشاطها من قبل معظم شرائح المجتمع وحتى السياسيين، إلا أن شرطة الحجاب مازالت مستمرة بعملها، بل زادت من تدخلها عبر تغريم السائقات اللواتي لم يرتدين حجاباً على رؤوسهن أثناء السياقة.
"حجابي لم يكن يخالف العرف العام لأنني رياضية، وبحكم عملي، مطلعة علی قوانين البلد، كما أنه لدي شهود عيان في موقع الحادث، إضافة إلی طاقم الإسعاف الذي نقل زوجي إلى المستشفی"
ورغم ما تقوم به الشرطة من نشاط يومي وميزانية ضخمة في هذا الشأن، تبقى النساء والفتيات الإيرانيات يتحدين السلطات بفرض أسلوب ثيابهن ونمط عيشهن، ويبقى الصراع من قبلهن قائماً حول الحريات الفردية وحقوق المواطنة والمساواة في العيش، مع الالتزام بالقليل مما تفرضه السلطات من الحجاب في الساحات العامة، ويمكن مشاهدة مثل هذا التمرد بوفرة لاسيما في العاصمة طهران.
ومن أبرز التحديات التي قامت بها النساء الإيرانيات تنديداً بالحجاب القسري هي حملة أطلقت قبل سنوات باسم "فتيات شارع الثورة" (دُختَران خيابان إنقلاب)، والتي بدأت باعتلاء إحدی الفتيات خزاناً حديدياً ضخماً لشبکة الهواتف الأرضية في وسط شارع الثورة الإسلامية في العاصمة طهران يوم 28 كانون الأول/ديسمبر 2017، ونزعت وشاحها الأبيض ثم رفعته رابطة إياه بعصا طويلة، ولوحت به نحو الأعلى. وتكررت هذه الخطوة من قبل فتيات أخرى في إيران، وتم اعتقال جميعهن من جانب السلطات.
وإلى جانب المستوى المحلي، لم تسمح إيران بدخول السائحات إليها إلا ضمن قبول شروط ارتداء حجاب الرأس حتى ولو عبر قبعة صغيرة أو وشاح دانتيل، رغم أنها لم تكن صارمة في ارتداء البنطلون والقميص حتى لا تضيق على زوار البلد.
قانون "حق استخدام الأسلحة"
تزامناً مع الضجة التي حدثت في إيران بشأن معاملة شرطة الحجاب مع رضا مُرادخاني وزوجته، وإطلاق النار نحوهما، تم تعديل قانون في البرلمان الإيراني المحافظ تحت عنوان "حق استخدام الأسلحة". ووفق هذا القانون يتمكن رجال السلطات من خارج دائرة القوات المسلحة من استخدام الأسلحة في الأوقات الضرورية، وسيمنح هذا المشروع حراس البيئة وغيرهم حق الدفاع عن أنفسهم أمام الصيادين الشرسين. ورغم إيجابياته، شكل هذا القانون قلقاً لدى البعض في البلاد، ويعتبره الكثيرون بأنه غطاء قانوني للقوات الأمنية في استخدام الأسلحة، حيث يمنح الحقّ المشروع في حمل السلاح واستخدامه في الاحتجاجات الشعبية أو غير ذلك من قبل رجال الأمن والاستخبارات.
وفي مقالها اليومي حذرت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية من عواقب هذا المشروع الذي يسمح باستخدام الأسلحة بكثافة حسب تعبيرها وتساءلت: "ما هو مصير المواطنون الذين يتعرضون لأخطاء الضباط ويجرحون أو يقتلون إثر ذلك؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...