شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لست خائفةً على

لست خائفةً على "أبو وديع"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الثلاثاء 10 يناير 202311:08 ص

لم أشاهد جنازة وديع، ابن سلطان الطرب جورج وسوف، وتعمدت أن أتجاهل الفيديوهات التي وثّقت بيت عزائه، لأنني أعتقد أنني اكتفيت من تقبل مظهر"السلطان" وهو ضعيف جسدياً، فما بالك عندما يكون منهاراً نفسياً؟ لن أحتمل أكثر!

لكن ما حرصت على متابعته إلى الآخر، الفيديو الذي ظهر فيه أبو وديع، وهو يطلب من محبيه الذي هو على قناعة مطلقة بأنه "يمون" عليهم، بألا يقوموا بإطلاق الرصاص خلال جنازة ابنه وبعدها. ضحكت صراحةً، وقلت في ذهني: "بعدين معه؟"، حتى في أحلك اللحظات وأوجعها، باله مشغول على محبيه، أولئك المحبون الذين لا يشبهون أي محبين آخرين لفنانين آخرين، فـ"جماعة" "أبو وديعً" دائماً غير، وعلاقتهم به وعلاقته بهم جداً "غير".

في السابق لم أكن مهتمةً بقراءة التوصيف الحقيقي لعلاقة جورج وسوف بعشاقه، وكل ما أعرفه عنها أنها استثنائية. وفي كل مرة يتقدم العمر بوسوف، ومع كل لحظة ضعف جديدة تنهش جسده، تقوى تلك العلاقة، وتصبح أكثر متانةً بل أكثر إخلاصاً للاستمرار في "عشق السلطان"، لكني وبعد وفاة وديع، ربما استدركت الوصف الأقرب إلى تلك العلاقة؛ هي علاقة أبناء وبنات متعلقين جداً بوالدهم... أبو وديع.

ضحكت صراحةً، وقلت في ذهني: "بعدين معه؟"، حتى في أحلك اللحظات وأوجعها، باله مشغول على محبيه.

ففي الوقت الذي انشغل فيه الناس خلال اليومين الماضيين في متابعة التقارير الإخبارية والفيديوهات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لعزاء وديع جورج وسوف وجنازته، فضلت أن أتابع مقاطع لمقابلات أجريت مع أبو وديع، مثل مقابلته التي أجراها معه الزميل تمام بليق في برنامجه "بلا تشفير"، الذي يُبث على قناة "الجديد" اللبنانية، تلك المقابلة التي وصف فيها وسوف محبيه بأنهم "أكبر نعمة من الله وأغلى من كل المليارات"، قالها وكله امتنان لهذه العلاقة الاستثنائية، حتى أنه أشار إلى جهته اليسرى العاجزة عن الحركة، وقال: "أكلت ضربة والجمهور هو يلي بيعطيني الروح... بلاهم ما بسوى شي".


عبارة "هو يلي بيعطيني الروح"، عبارة غالباً ما سمعناها جميعاً من أهالينا، وإن اختلفت بعض الكلمات فيها، أو اختلفت سياقاتها، لكنها في المحصلة تفسر الحب غير المشروط الذي يفيض به الأب والأم لأبنائهم/ ن. هي المبرر الحاضر دائماً مع كل هفوة يرتكبها الأبناء، وهي جوهر الحبل السري والـ"دي إن إيه" والجينات، مشاعرها هي تلك المعجزة التي لا نهتم لتفسيرها، فالمعجزات سر من أسرار الحياة، صنعها الله لكي لا نفقد معنى حياتياً اسمه الشغف.

في السابق لم أكن مهتمةً بقراءة التوصيف الحقيقي لعلاقة جورج وسوف بعشاقه، وكل ما أعرفه عنها أنها استثنائية

كثيرون من هم خائفون الآن على التداعيات النفسية التي سيُلحقها فقدان "أبو وديع" لابنه الشاب بالوسوف، وهذا الخوف مبرر لأن صحة جورج وسوف هي الشاغل الموجود باستمرار في أذهان محبيه، ولعل حفلاته الأخيرة تثبت ذلك، وكيف أن جمهوره مكتفٍ فقط بظهوره على المسرح، ولا يلحون عليه بأن يؤدي كل أغانيه، بل حتى يغنون عنه خوفاً من أن تتعب حنجرته، فالوسوف غالٍ جداً عليهم، وتالياً صحته غالية، وعليه من الطبيعي أن يخافوا عليه بعد فقدانه "حبّة عينه".

أدرك أن لا شيء ولا أحد يعوضان مكان شخص غادر الحياة، ولا أحد يأتي مكان أحد، وأنا متفهمة جداً بأن لا أحد سيعوض مكانة وديع عند أبيه، لكن ومن جراء تجربتي لفقدان أغلى الناس على قلبي، تعلمت أن من يملك نعمة محبة الناس، يستطيع أن يتقبل معنى الفقدان وأن يفتح باب المصالحة مع الحياة التي حرمته من الذين يحبهم، فما بالك أن يكون من حُرم منه الوسوف "حبّة عيني" كما وصف ابنه، لذلك أنا لست خائفةً على صحة "أبو وديع" ما دامت هناك قاعدة بشرية كبيرة اسمها جمهور جورج وسوف، وأعتقد أنه آن الآوان لأن تتبدل الأدوار في تلك العلاقة، فعلى عشاق "أبو وديع"، أن "يديروا بالهم على أبيهم"، تماماً مثل أي واجب إنساني يترتب على ابن/ ة تجاه أهله/ ا في حال مروا بظروف صعبة.

لم أجرّب، ولله الحمد، معنى أن أفقد ابناً/ ةً، لكنني استطعت أن ألمس هذا الشعور عندما كنت أدعو أمام والدتي رحمها الله: "الله يجعل يومي قبل يومك"، وما زلت أذكر قوة أصابعها وهي تشدّ على فمي وتتوسلني لئلا أكمل الدعوة، التي كانت تعدّ أنها في حال تحققت فستموت مرتين، لذا أستطيع أن أتصور إلى حد ما الحالة التي يمر بها أبو وديع الآن.

لم أجرّب، ولله الحمد، معنى أن أفقد ابناً/ ةً، لكنني استطعت أن ألمس هذا الشعور عندما كنت أدعو أمام والدتي رحمها الله: "الله يجعل يومي قبل يومك"، وما زلت أذكر قوة أصابعها وهي تشدّ على فمي وتتوسلني لئلا أكمل الدعوة

وصف السلطان ابنه وديع بـ"حبّة عيني"، وأنا أعدّه "عكازة" والده. اعتدنا أن نصف شعور من يفقد والده/ ا بأن ظهره/ ا انكسر، لكن قليلة هي الحالات التي نصف فقدان الأب ولده فيها بأن عكازه انكسرت، لأن ليس كل الأبناء كوديع، بارّين، عطوفين، والأهم صابرين، فوديع صبر كثيراً وقدّم الكثير من أجل أن ينتصر والده على عجزه الجسدي، وأن "يقف على حيله"، ويشد ضلوعه أو أن "يغلّ بضلوعه" كما أغنيته "ترغلي"، وأقول للجورج: بدل العكاز الواحد لديك ملايين العكاكيز وأنت تعلم ذلك!

خائفة عليه؟ لا، فأنا كما ذكرت على ثقة بعشاقه الذين هم بمثابة أبنائه وبناته وبكيف سينقذونه من حالته النفسية. حزينة عليه؟ جداً، لأنني أعشق الاستثنائيين فهو الشخص الذي أعدّه الوحيد في العالم الذي ربط اسمه ونجاحه ومكانته كـ"سلطان"، باسم ابنه، فهو الذي يُنادى بـ"أبو وديع"، وليس جورج وسوف. بالله عليكم… هل هناك أكثر من هكذا استثنائية؟!


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard