شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
سيبقى جورج وسوف سلطاناً

سيبقى جورج وسوف سلطاناً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الخميس 18 أغسطس 202212:47 م

جورج وسوف، الاسم الكبير والفنّان العريق، الذي ورث بحّة الصوت الجميل من أمّه فرحة، كما ورث الطرب وروح الدعابة والنكتة، من أبيه الشاعر خفيف الظلّ، بديع وسوف، حاز على لقب "سلطان الطرب" لجمال صوته وروعة حنجرته الذهبية. وصفه كثيرون من الشعراء والملحنين آنذاك، بأنّه المطرب الذي لن يكرّره الزمن. يُعدّ جورج وسوف الظاهرة الفنيّة الأكثر جدلاً، إذ ينقسم الناس في محبته إلى فريقين: أحدهما مغرم وعاشق له ولفنّه، والآخر معارض وساخط عليه وعلى أغانيه.

نشأت وترعرعت أنا وأبناء جيلي على صوته الرّخم، ونما حبّ الطرب لدينا على وقع أغانيه. لقد كان لهذا المطرب الرائع الفضل الكبير في عشقي للطرب الأصيل، إذ كان بمثابة بوابة العبور من الجيل الذهبي العتيق إلى جيلنا الحديث. كما كان الوسيط الذي من خلاله تعرّفت على أغاني المطربين القدامى، وأصبح في مقدوري أن أستمع إلى أغانٍ تتجاوز الساعة في مدتها الزمنية، وأنا في سن الثانية عشرة من عمري. فقد كان الوسوف يضفي نكهةً خاصةً على كلّ أغنيةٍ قديمةٍ يؤديها، كما كان يرشّ لمسته السحريّة على كلّ موال يغنيه، ليزيد من جماله، ويسارع في شهرته، بالإضافة إلى فضله الكبير في شهرة عدد كبير من المطربين.

نشأت وترعرعت أنا وأبناء جيلي على صوته الرّخم، ونما حبّ الطرب لدينا على وقع أغانيه. لقد كان لهذا المطرب الرائع الفضل الكبير في عشقي للطرب الأصيل، إذ كان بمثابة بوابة العبور من الجيل الذهبي العتيق إلى جيلنا الحديث

أذكر جيداً فترة طفولتي، عندما قدِم الوسوف إلى حارتنا، وكيف تهافت الأهالي والجيران عليه بكلّ لهفةٍ وشوق، وكيف قُطعت الطرقات حينها، كما حدثت حالة من التجمهر والشغب أمام المنزل الذي كان يستضيفه. بعض الفتيات أُصبن بالإغماء، وكثيرون لم يغسلوا أياديهم لفترة طويلة، لأنهم صافحوا السلطان، ومنهم من طلب نظاراته، ومنهم من طلب منشفته التي يضعها على رقبته كذكرى جميلة من رائحة الوسوف الذي لم يبخل بأيّ شيءٍ يُظهر مدى احترامه ومحبته لجمهوره. استغربت حينها تلك الظواهر التي لم أرَها من قبل، وتساءلت من يكون هذا الشخص؟ ولماذا كلّ تلك التصرفات الغريبة؟

ظلّت تلك الصورة مغروسةً في سراديب عقلي إلى هذا اليوم. أتساءل فيها عن السبب الكامن وراء تلك المحبة الكبيرة والجلبة العظيمة آنذاك.

أذكر جيداً فترة طفولتي، عندما قدِم الوسوف إلى حارتنا، وكيف تهافت الأهالي والجيران عليه بكلّ لهفةٍ وشوق، وكيف قُطعت الطرقات حينها، كما حدثت حالة من التجمهر والشغب أمام المنزل الذي كان يستضيفه

ما هو سرّ محبة الناس لـ"أبو وديع"؟

عندما كبرت، حاولت أن أفتّش عن السرّ الخفيّ والوصفة السحريّة، اللذين يجعلان من هذا المطرب محبوباً بهذا الشكل، وقريباً إلى الجمهور بتلك الطريقة الملفتة للنظر. قرّرت أن أشاهد مقابلاته التلفزيونية القديمة، وحفلاته في المهرجانات الكبيرة، لأكتشف أنّ شفافيته وصدقه وتواضعه في التعامل مع محبيه، هي السرّ في محبة جمهوره الكبير الواسع له. فهو الفنان الوحيد تقريباً الذي يتحدث بشفافية مطلقة محببة من قبل الجمهور، ومن دون الدبلوماسية والتملّق المفروضين على كلّ فنان في تلك الفترة. وهذا برأيي السبب الخفيّ لمحبة الجمهور الكبير له. وتأكدت من ذلك عندما تعرفّت على علوم الطاقة والكارما، التي تظهر بأنّ حبه الحقيقي وصدقه الأزلي واحترامه الكبير لجمهوره، هي السبب الذي يجذب الجمهور إليه، ويرتدّ ذلك عليه، على هيئة محبة وشغف به وبأغانيه.

نعم، أعترف بأن أجوبته في مقابلاته تتصف بالسذاجة أحياناً، لكني صرت أراها اليوم نعمةً لا نقمة. أما ضحكته البريئة التي تترافق مع بريق في عينيه وعلوّ حاجبيه، الخالية من الخبث والرياء، والتي تفضح مكنونات قلبه وطيبته، صرت أراها رائعةً الآن، بعد أن كنت أتمنى سابقاً لو أنه استبدلها بضحكة رصينة تليق بمقامه.

قرّرت أن أشاهد مقابلاته التلفزيونية القديمة، وحفلاته في المهرجانات الكبيرة، لأكتشف أنّ شفافيته وصدقه وتواضعه في التعامل مع محبيه، هي السرّ في محبة جمهوره الكبير الواسع له

ما السبب في مهاجمة البعض له؟

تبيّن لي أنّ الذين يهاجمونه، هم في معظمهم من كبار السنّ الذين يجدون في الصدق والشفافية خطأً جسيماً، وفي التعبير عن المشاعر بصدق، عيباً في مجتمع يسوده الرياء والنفاق الاجتماعي والعائلي.

اليوم، وبعد ترديّ حالته الصحية، شُنّت حملةٌ ضده تطالبه بالاعتزال، وتعدّ أنّه لم يعد يستحقّ لقب السلطان.

اليوم، وبعد ترديّ حالته الصحية، شُنّت حملةٌ ضده تطالبه بالاعتزال، وتعدّ أنّه لم يعد يستحقّ لقب السلطان. ومنهم الفنان والمخرج السوري نعيم حمدي، الذي صرّح في إحدى مقابلاته بأنّ "جورج وسوف لم يعد سلطاناً للطرب" وطالبه بالاعتزال وعدم إقامة الحفلات.

لم يشفع له أنّه شخص عصامي، بنى نفسه بنفسه من خلال غنائه وهو في عمر صغير، إذ بدأ مسيرته المهنية من الصفر أو دونه. وقد كان الموال الذي حفظه عن والده، والذي غنّاه بحنجرة ذهبية بالرغم من صغره، السبب في انطلاقته وشهرته ويقول في مطلعه:

"سألتها من وين قالت من حاصبيّا

ولمّا غمزت إمها حاص بيّا

ولمّا جيتها بالليل حس بيّا

أتاري الملعون بعدو ما غفي..."

كما لم يشفع له كرمه الطائيّ ونبله وحبّه واحترامه للجمهور في هذه الحرب الشرسة المعلنة ضده.

أتساءل، مع احترامي لآراء الجميع، كيف يمكن أن يهاجمه أحد؟

فإن كان المرض هو السبب في تردّي صوته، وتراجع إنتاجه الفنيّ، فهذا برأيي سبب غير منطقي لمهاجمة قامة فنيّة مثله بشكل غير لائق وغير منطقي. كما لا يمكن من خلال بعض الآراء والانتقادات لبعض الأشخاص، أن نمحو تاريخاً من الطرب الأصيل والذوق الرفيع قام بتأسيسه وبنائه.

أعترف بأني لا أستمع إلى أغانيه الحديثة وحفلاته الحالية كثيراً، لكنّي مغرمة بأغاني التسعينيات وبحفلاته التي غنّى فيها للمطربين القدامى؛ أم كلثوم وعبد الحليم، والتي ستظلّ خالدةً في قلوب جميع الناس. كما أتمنى وعلى لسان الكثير من محبيه، الشفاء العاجل له. سيبقى برأيي "سلطان الطرب"، اللقب الذي يستحقه هذا المطرب الأصيل الذي حافظ على تراث الأغنية، ولم ينزل إلى مستوى الابتذال والاستخفاف بعقول الناس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard