لم تكد الصراعات السياسية تطوي صفحتها في العراق، بعد انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية، واستتباب الأمر السياسي لخصومه في الإطار التنسيقي، حتى دبّت الصراعات من جديد داخل الأخير، في استعادة لما دأب عليه العراقيون وملّوا منه.
في المبدأ، لم تكن هذه الخلافات مستبعدةً، إذ إنه بالرغم من اجتماع أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي في قربهم وموالاتهم الكبيرة لطهران، ولكن اختلافات الرؤى السياسية المحلية لطالما كانت حاضرةً بينهم، ولكنهم تغاضوا عنها سابقاً، رغبةً منهم في تركيز الجهود على كيفية استعادة مقاليد الحكم، لا سيما بعد نتائجهم المخيبة في انتخابات العام الماضي والتي أدت إلى تراجع غير مسبوق لهم منذ عام 2003.
حين انسحب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، من البرلمان في 15 حزيران/ يونيو الماضي، تمحورت خلافات الإطار التنسيقي حول كيفية التعامل مع الأخير، خاصةً بعد التهديد الذي شكله أتباعه من خلال اقتحامهم مبنى البرلمان في آب/ أغسطس الماضي، وتعطيل العملية السياسية.
وقتها، حاول زعيم ائتلاف الفتح هادي العامري، حثّ الصدر على العودة إلى العملية السياسية، فيما رفض رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، هذه التحركات، وأيده في موقفه زعيم عصائب أهل الحق، المنضوية في الإطار التنسيقي عبر كتلة "صادقون" النيابية، قيس الخزعلي، الذي بُرّرَ موقفه وقتها بعدائه للتيار الصدري.
بالرغم من اجتماع أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي في موالاتهم لطهران، ولكن اختلافات الرؤى السياسية المحلية لطالما كانت حاضرةً بينهم
وبعد التأكد من عدم عودة الصدر إلى الساحة السياسية، أصبح الخلاف حول تحديد شخصية مرشح رئاسة الوزراء القادم، هو الشاغل الأبرز لكتل الإطار التنسيقي، وحاولت كل كتلة مناكفة الأخرى في مرشحيها.
ما بين المالكي والخزعلي
المالكي لم يرشّح نفسه أو كتلته لرئاسة الوزراء، نظراً إلى إدراكه للرفض الذي سيلاقيه من بقية الكيانات السياسية، ولكنه أصرّ على ترشيح محمد شياع السوداني، بالرغم من انشقاقه عن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، منذ أيلول/ سبتمبر عام 2021، وتأسيسه لتيار سياسي مستقل باسم الفراتين.
ولكن، هناك اعتقاد شائع في العراق وبين سياسييه، يؤكد أن هذا الأمر، لم يكن سوى حركة سياسية من المالكي لإظهار السوداني كشخصية مستقلة عنه سياسياً وشخصياً، وهو رغب من خلال هذه الخطوة في استغلال ما بقي من نفوذه من أجل قيادة الدولة من خلف الكواليس.
في المحصلة، انتهى الخلاف بتوافق الخزعلي مع المالكي مرةً أخرى على إنهاء هذه الأزمة، وأعلن الأوّل تأييده لمحمد شياع السوداني، رغبةً منهما في تحقيق طموحاتهما السياسية، ولكن بعد وصول السوداني إلى رئاسة الحكومة، لم يعد الخزعلي في حاجة إلى المالكي، فبدأ يعمل على تعزيز موقفه السياسي، من خلال التأثير على قرارات السوداني السياسية، وهو ما أثار حساسية حليفه السابق، نوري المالكي، وعزز الخلاف بينهما.
يشير مصدر مطلع في مكتب رئاسة الوزراء، إلى أن "السوداني يحاول من خلال قربه من الخزعلي، الخروج من تحت عباءة المالكي، الذي يرغب في السيطرة على كافة قراراته، ولكنه أيقن حاجته إلى حليف قوي يبعد المالكي عن طريقه".
ويقول المصدر في حواره مع رصيف22، إن "الخزعلي أبدى مرونةً أكثر في التعامل مع قرارات السوداني السياسية، وهي مرونة مرتبطة بطموحات سياسية أيضاً، إذ يسعى إلى السيطرة على بعض المناصب الإضافية ولا سيما الأمنية منها، وهي المقاعد ذاتها التي يطمح المالكي إلى السيطرة عليها، وزجّ حلفائه في كتلة حقوق التابعة لكتائب حزب الله ضمن المشرحين لها".
قرارات فردية
بالرغم من تأكيد الإطار التنسيقي المستمر على استقلالية قرار السوداني، ولكن الوقائع الحالية تشير إلى عكس ذلك، إذ تفيد بعض الأخبار داخل العراق، بأن بعض قوى الإطار التنسيقي، هددت بإقالة السوداني في حال استمراره في اتخاذ القرارات بشكل فردي.
وبحسب صحيفة أتلايار الإسبانية، فإن لقاءات السوداني المتكررة بالسفيرة الأمريكية وقائد قوات تحالف الناتو في العراق جيوفاني إيانوتشي، كانت سبباً في هذه الضغوط، اعتقاداً منها بابتعاده عن المطالبة بخروج القوات الأجنبية، وتشير الصحيفة في تقريرها المنشور في 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى أن السوداني يرغب في الحفاظ على علاقته الإيجابية بواشنطن كسبيل لاستمرار حكومته.
أبدى الخزعلي مرونةً في التعامل مع قرارات السوداني السياسية، وهي مرونة مرتبطة بطموحات سياسية، إذ يسعى إلى السيطرة على بعض المناصب الإضافية ولا سيما الأمنية منها... فماذا عن المالكي؟
ولكن على ما يبدو، فإن مخاوف الإطار من قرارات السوداني لا تقتصر على إخراج القوات الأمريكية، فهي تعتقد أن خطوات السوداني السياسية، لا سيما تلك المرتبطة باختلال ميزان تصريف الدولار والتراجع الاقتصادي، ألقت بثقلها على المجتمع، وستؤدي تالياً إلى تراجع شعبيتهم، وخسارة نفوذهم الانتخابي المحتمل.
وبالفعل، بدأ السوداني بالعودة إلى قادة الإطار التنسيقي في قراره، واجتمع معهم مساء الـ4 من كانون الثاني/ يناير الحالي، لمناقشة سبل تعزيز الاستقرار وردع الاعتداءات الإرهابية المتزايدة خلال الفترة الماضية، والنهوض بالواقع الخدمي والتنموي في البلاد، بالإضافة إلى الجانب النيابي إذ ناقش الإطار التنسيقي أولويات الفصل التشريعي الجديد وقانون الانتخابات على وجه الخصوص، بحسب البيان الصادر عنه.
الانتخابات المبكرة
يُعدّ قانون الانتخابات، واحداً من أبرز نقاط الخلاف الحاصلة داخل القوى السياسية بشكل عام، وتحدد بنوده قوة الأحزاب الانتخابية، ولذلك تسعى دوماً إلى تعديلها بما يناسب وسائل الحفاظ على هذه قوتها ونفوذها السياسي.
ولكن الضغط الشعبي الذي شهده البلد عام 2019، إثر الاحتجاجات التي اجتاحت معظم مناطقه الوسطى والجنوبية، أنتجت مستجداً طارئاً، دفعها في 24 كانون الأول/ ديسمبر عام 2019، إلى الموافقة على تعديل القانون، وإقراره في كانون الأول/ديسمبر عام 2020، بعد مماطلة استمرت قرابة عام كامل.
لم يحمل هذا التعديل، ما تشتهيه سفن الإطار التنسيقي، خاصةً أنه أتاح إمكانية ترشُح المستقلين والكتل الجديدة بعيداً عن الأحزاب التقليدية، كما قسّم المحافظة الواحدة إلى دوائر انتخابية عدة، فخسر بذلك الإطار التنسيقي، الكثير من قوته البرلمانية وقتها، نتيجةً لتشتت أصواته بين هذه الدوائر، فيما تمكّن خصمه التيار الصدري من كسب الرهان وزرع مرشحيه في مناطق نفوذ الإطار.
يُعدّ قانون الانتخابات، واحداً من أبرز نقاط الخلاف الحاصلة داخل القوى السياسية بشكل عام، وتحدد بنوده قوة الأحزاب الانتخابية
الخصام الانتخابي
مع انسحاب التيار الصدري وعودة قوة الإطار التنسيقي داخل البرلمان، بدأ الأخير يستعد للانتخابات القادمة، وتكمن الخطوة الأولى في تعديل القانون الانتخابي الأخير، بما يناسب المتغيرات الانتخابية الأخيرة، حيث تضمن المنهاج الحكومي لرئيس الوزراء الجديد، وعضو الإطار التنسيقي، محمد شياع السوداني، في النقطة الثالثة من المحور التشريعي، "تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال 3 أشهر، وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام واحد".
والغرض من هذا البند، إرضاء رغبتهم في تعديل قانون الانتخابات، ورغبة الصدر في آن واحد، تلبيةً لمطالب أتباعه بتحديد موعد للانتخابات المبكرة، ولكن السوداني لم يقدّم مسودة هذا القانون بالرغم من اقتراب انتهاء مهلة الثلاثة أشهر التي حددها في منهاجه.
وبحسب مصدر سياسي مقرب من قادة الإطار التنسيقي، فإن تأجيل تعديل قانون الانتخابات، يرجع بشكل رئيسي، إلى رغبة الإطار التنسيقي في التوافق على تعديل قانون مجالس المحافظات المزمع إجراؤها هذا العام أولاً، لفرض سيطرتهم على التقسيمات الإدارية والمحلية.
وكانت مجالس المحافظات قد عُطلت إثر احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، ولكنها عادت إلى الواجهة من جديد بعد توافق سياسي بين القوى النيابية خلال الفترة الماضية.
ويلفت المصدر في حديثه لرصيف22، إلى أن الإطار يعلم بأن سيطرته على بعض المحافظات تتيح له تالياً زيادة عدد الأصوات التي سيحصل عليها، من خلال تنفيذ مشاريع خدمية وتحسين الواقع المعيشي داخل هذه المحافظات، ويؤكد أن "سبب تأخير إقراره، يرجع إلى الخلاف الجاري بين الراغبين في تطبيق نظام سانت ليغو الانتخابي، وبين من يريد تعديل نطاق الدوائر الانتخابية داخل كل محافظة فقط".
واعتمد نظام "سانت ليغو" الانتخابي في انتخابات مجالس المحافظات عام 2013، وطُبِّق في الانتخابات البرلمانية لعام 2018، وهو قائم على أن كل محافظة دائرة انتخابية بحد ذاتها، ويُحدَّد الفائزون فيها وفقاً لناتج قسمة عدد المصوتين للشخصية المرشحة على القيمة 1.9، وتضاف الأصوات الزائدة إلى رصيد الكتلة السياسية الانتخابي، وتالياً تحجيم قدرة الكتل الصغيرة أو المستقلة على نيل مقاعد نيابية.
وبحسب مصدر في تيار الفراتين، فضّل عدم التصريح باسمه، فإن السوداني نأى بنفسه عن هذا الصراع، وترك مناقشاته لقادة الإطار التنسيقي، ولكنه يستبعد أن يتوافق الأخير على صيغته خلال الفترة القادمة، بسبب حدة الخلافات الحاصلة، وتأجيلها إلى نهاية العام الحالي، أو ما بعدها.
تحجيم الأداء الحكومي
تخبط كبير يعيشه الإطار التنسيقي، فبالإضافة إلى الخلافات الحاصلة، لا يزال يعيش في العقلية الإستراتيجية ذاتها التي أدت إلى عزل حليفهم السابق عادل عبد المهدي في عام 2019، لا سيما في ظل اختلاف معطيات المرحلة السياسية الحالية وتشعب ظروفها والتي تستدعي التجديد والابتعاد عن النمط السياسي التقليدي.
يعلم الإطار التنسيقي أن سيطرته على بعض المحافظات ستتيح له تالياً زيادة عدد الأصوات التي سيحصل عليها، من خلال تنفيذ مشاريع خدمية فيها، لكن تعديل القانون الانتخابي أمامه عوائق فماذا سيفعل السوداني؟
هذه العقلية ستؤدي بلا شك إلى مشكلات أخرى، خاصةً أن قوى الإطار التنسيقي الشيعي ترفض التنازل عنها، بحسب أستاذ العلوم السياسية المتقاعد عثمان الموصلي، الذي يرى أن "المشكلة الأكبر تكمن في عقلية المالكي على وجه الخصوص والتي أدت سابقاً إلى الكثير من المشكلات السياسية، وأبرزها تلك التي أدت الى احتلال داعش لثلثي مساحة البلد، ولكن نفوذه وقتها، مكّنه من البقاء على قيد الحياة السياسية، وهو أمر قد لا يتكرر في الفترة الحالية".
ويقول الموصلي لرصيف22، إن "هذه المشكلات ستميّز عهد السوداني وإن خفّت وتيرتها في الفترة الحالية، لكنها لا بد أن تعود خلال الفترة القادمة، في ظل عدم اجتماع القوى السياسية على أرضية واحدة، واعتمادها على التوافقات المؤقتة".
وفقاً لذلك، فإن حلقات مسلسل الصراع السياسي داخل الإطار التنسيقي ستستمر حتى فترة لاحقة، بغض النظر عن نتائج قرارات السوداني السياسية أو المحركات من خلفه، في حين تفتح هذه الصراعات أبواب جهنم السبعة أمام الشعب العراقي الساعي إلى القليل من الهدوء والاستقرار الذي يبدو أبعد ما يكون عنه اليوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com