في خطوة مفاجئة، طرح بنكا الأهلي ومصر - أكبر بنكين حكوميين في مصر - أمس الأربعاء 4 يناير/ كانون الثاني 2023، شهادة ادخار جديدة بفائدة 25% لمدة عام واحد، بنسبة تعد هي الأعلى على مستوى القطاع المصرفي المصري.
أتى القرار بعد أسابيع قليلة من قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة 3% على الإيداع والإقراض في آخر اجتماع للجنة السياسة النقدية في 2022 لكبح جماح التضخم، ليصل سعر الفائدة إلى 16.25% على الإيداع، و17.25% على الإقراض. كما أتى القرار مصحوباً بتحرك كبير في سعر الدولار مقابل الجنيه، ليقفز من سعر 24.6 صباح الأربعاء، إلى 26.7 في مساء اليوم نفسه في بعض البنوك.
البنكان الحكوميان أوضحا – في بيانين منفصلين – أنه يمكن للعملاء شراء الشهادات الجديدة، اعتباراً من يوم بداية إصدارها (أمس الاربعاء) من جميع فروعهما، وقنواتهما الإلكترونية، من دون تحديد موعد نهائي لشرائها، في وقت حذّر خبراء اقتصاد من تداعيات هذه الخطوة على حجم التضخم وارتفاع الأسعار بوجه عام.
خبير اقتصادي: طرحها قد يدفع العملاء إلى سحب أموالهم بالعملة الأجنبية لبيعها في السوق السوداء والاستفادة من فرق السعر لشراء الشهادات الاستثمارية، ما يسبب ضرراً بالغاً على توافر العملة الأجنبية
تضارب في فهم الأسباب
يرى الخبير الاقتصادي وائل النحاس أن دوافع البنكين لطرح الشهادات الجديدة، هي "أولاً: رغبتهما في مغازلة أصحاب شهادات الادخار ذات العائد المرتفع بنسبة 18% المطروحة في 21 مارس/ آذار الماضي، والتي بلغت حصيلتها ما يقارب 750 مليار جنيه، حتى وقفها في نهاية مايو/ أيار. والدافع الثاني – وفقاً لوجهة نظر النحاس – هو محاولة وقف الدولرة ( لجوء المواطنين إلى شراء الدولار من السوق السوداء لحفظ قيمة أموالهم، ما ينتج عنه تداول الدولار بسعرين مختلفين في السوق الرسمية والسوق السوداء) والسيطرة على المضاربات في سوقي العملات الأجنبية والذهب، أما السبب الثالث فهو محاولة امتصاص فوائض السيولة داخل المجتمع لتهدئة وتيرة الارتفاع المضطرد في أسعار بعض السلع، واختفاء بعضها الأخر.
على الجانب الآخر، حذّر الخبير الاقتصادي من التأثير الذي وصفه بـ"الكارثي" لهذه الشهادات على العملة الأجنبية، إذ قد يدفع طرحها العملاء إلى سحب أموالهم بالعملة الأجنبية لبيعها في السوق السوداء والاستفادة من فرق السعر لشراء الشهادات الاستثمارية، ما يسبب ضرراً بالغاً على توافر العملة الأجنبية، ويؤدي بدوره إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، واصفاً هذا الطرح بأنه "جزرة في العصا".
إلهامي الميرغني: هي محاولة لكبح جماح التضخم، لكنها ليست كافية أو مجدية إن لم تعالج الأسباب الهيكلية للتضخم ومنها ضعف الإنتاج الزراعي والصناعي وانخفاض نسب الاكتفاء الذاتي
ويشير النحاس إلى ارتباط طرح الشهادات الجديدة أيضاً بمتطلبات صندوق النقد الدولي من مصر، بتحرير سعر صرف العملة المحلية، والقضاء على الأسواق غير الرسمية، لافتاً إلى استهداف البنك المركزي عبر البنكين الحكوميين الأكبر، جمع قدر أكبر من الأموال من السوق، من خلال دفع التجار إلى بيع منتجاتهم بكميات كبيرة، واستثمار العائد في الشهادات الادخارية، قد يرتد بأثر عكسي على وضع السوق ذاتها، حيث قد يدفع سحب الأموال من السوق إلى اختفاء السلع ومزيد من الاحتكارات والمضاربات، ما يضيف بعض الأعباء على كاهل المواطنين والدولة نفسها.
ووافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في ديسمبر/ كانون الاول المنقضي، على حزمة مساعدات مالية حجمها ثلاثة مليارات دولار، تتلقاها مصر مقسمة على دفعات على مدى 46 شهراً، قائلاً إنها تتضمن تنفيذ شرط "التحول الدائم إلى نظام سعر صرف مرن"، وتفاوضت الحكومة على مدار سبعة أشهر للحصول على القرض، إذ زادت تداعيات الحرب في أوكرانيا من الضغط على قدرة البلاد على توفير العملات الاجنبية.
أهداف محكومة بالفشل
يرى الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني أن طرح البنوك شهادات ادخار جديدة لمدة سنة بسعر فائدة سنوية 25% وفائدة 22.5% حال صرفها بشكل شهري، جاء محاولة لسحب السيولة الموجودة في السوق، وكبح جماح التضخم، "لكن ذلك الإجراء لن يؤدي الهدف منه، لأن التضخم له أسباب متنوعة منها ضعف الإنتاج الزراعي والصناعي ونسب الاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى ارتفاع نسب المكون المستورد في المنتجات المحلية وتأثرها بأزمة سعر الدولار، فضلا عن سيطرة الاحتكارات وغياب رقابة الدولة على الأسواق".
في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أصدر البنكان الأهلي ومصر شهادة بلاتينية لمدة ثلاث سنوات بعائد سنوي يبلغ نحو 17.25%، ويصرف العائد سنوياً، كما قررا زيادة سعر العائد على الشهادة البلاتينية ثلاث سنوات ذات العائد الشهري لتصبح بعائد 16% سنويًا بدلاً من 14% اعتباراً للشهادات الجديدة أو المجددة تلقائيًا، مع إصدار الشهادة ذاتها بسعر 16.25% سنويا بدورية صرف العائد ربع سنوي، وبسعر 16.5% سنويًا بدورية صرف العائد نصف سنوي.
سمحت الحكومة المصرية بهبوط كبير في سعر صرف الجنيه من 19.7 جنيه للدولار، لكن العملة استمرت في الانخفاض التدريجي منذ مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) لتبلغ 24.7 جنيه مقابل الدولار، قبل أن يقترب سعر العملة الخضراء من 27 جنيهاً في أقل من 24 ساعة
وحذّر الميرغني في حديثه لرصيف22 من أن رفع سعر الفائدة بهذا المعدل "سيؤدي حتماً لزيادة أسعار الفائدة على الإقراض بما يعيق المستثمرين ويحرمهم من فرص التمويل الاقتصادي الذي يحافظ على الكفاءة المالية للمشروعات".
وتابع: "الحد من المضاربات على سعر الدولار خارج البنوك يعدّ أيضاً أحد أبرز الدوافع وراء القرار، إلا أن هذه المضاربات ستظل مشكلة مستمرة ما دامت البنوك عاجزة عن تدبير احتياجات المنتجين والمستوردين من الدولار، ودفعهم لتدبير احتياجاتهم من السوق السوداء، لذا سيكون لهذا القرار أضرار اقتصادية أكثر من فوائده".
تزامن طرح الشهادات الادخارية مع هبوط جديد في سعر الجنيه المصري، إذ اقترب سعر اليورو من حاجز 28 جنيهاً، وكانت رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر، فلادكوفا هولار، قالت في مقابلة مع "رويترز"، الاثنين 19 ديسمبر/ كانون الأول 2022: إن الصندوق سيترقب تحول مصر إلى سعر صرف مرن بعد إلغاء شرط تمويل الواردات بخطابات اعتماد.
وسمحت الحكومة المصرية بهبوط كبير في سعر صرف الجنيه من 19.7 جنيه للدولار، لكن العملة استمرت في الانخفاض التدريجي منذ مطلع تشرين الثاني/نوفمبر لتبلغ 24.7 جنيه مقابل الدولار، قبل أن يقترب من 27 جنيهاً، صباح اليوم الخميس.
احتياج مصر للعملة الأجنبية، مع تراجع مواردها التقليدية من السياحة والتصدير وتحويلات العاملين في الخارج، وتوسعها الكبير في الاقتراض، وخاصة مع اللجوء للقروض قصيرة ومتوسطة الأجل، لا يفسح أمامها مجالاً لمناورة شروط مؤسسات الإقراض الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي
ويشدد النحاس على أن الخطوة التي اتخذها البنكان لا يمكن أن تحقق أهدافها من دون إجراءات متزامنة، على رأسها تحرير سعر صرف الجنيه، لمنع المضاربين من سحب العملات الأجنبية إلى الأسواق السوداء، فضلاً عن إجراءات أخرى على الدولة اتخاذها كالإفراج عن جميع البضائع المكدسة في الموانىء وتشديد الرقابة الفعلية على الأسواق، مع القيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية أخرى، منعاً لتفجر الأوضاع داخل البلاد إلى ما لا يحمد عقباه.
ولا تتمتع مصر بمرونة كبيرة لاتخاذ إجراءات اقتصادية ونقدية لمواجهة التضخم وما يستتبعه من زيادة في نسب الفقر وضعف نسب التشغيل، في ظل هيكل اقتصادي انخفضت معه نسبة إسهام القطاع الخاص في الاقتصاد من 74% إلى أقل من 35% في غضون 8 سنوات، في وقت توقفت فيه "التعيينات" الحكومة مدفوعة بسياسة التقشف وخفض نصيب الاجور والميزات الاجتماعية من الموازنة العامة، ما يدفع في اتجاه اتساع رقعة البطالة وانخفاض الدخول الحقيقية للمواطنين.
كما أن احتياج البلاد للعملة الأجنبية مع تراجع مواردها التقليدية من السياحة والتصدير وتحويلات العاملين في الخارج، وتوسعها الكبير في الاقتراض خاصة مع اللجوء للقروض قصيرة ومتوسطة الأجل، لا يفسح أمامها مجالاً لمناورة شروط مؤسسات الإقراض الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع