يقول المؤرخ البريطاني - الأميركي برنارد لويس، مفسراً الغموض الذي يحيط بفرقة الإسماعيلية إن "الإسماعيلية تعني أشياء مختلفة في أمكنة وأزمنة مختلفة، وقد طورت الإسماعيلية كثيراً من أفكارها واستجاباتها".
تعود قصة فرقة الإسماعيلية لعام 148هـ/765م، حين توفى الإمام جعفر الصادق، وحدث خلاف بين أتباعه من الشيعة، فاتبع بعضهم ابنه إسماعيل، واعترفوا به إماماً لهم، وعرفوا بالإسماعيليين.
وبعد أن حقق الإسماعيليون دولة كبرى لهم هي الدولة الفاطمية، ضرب الشقاق صفوفهم مرة أخرى عقب وفاة المستنصر بالله عام 487هـ/1094م. فانقسموا إلى فرقة المستعلية التي انتشرت في مصر واليمن، وفرقة النزارية التي انتشرت في سوريا والعراق وبلاد فارس.
ورغم كثرة الأسماء التي عُرف بها الإسماعيليون عبر تاريخهم الطويل، فإن اسم "الحشيشة" كان الأكثر التصاقاً بهم، بسبب ما ورد في بعض الكتابات التاريخية، مثل رحلات ماركوبولو في بلاد فارس. هذه الكتابات روجت لعدد من الأساطير التي تدعي أن الحسن بن الصباح صاحب قلعة "آلموت"، وقائد النزاريين في القرن الخامس الهجري، كان يجعل أتباعه يقومون بتنفيذ عدد من عمليات الاغتيالات ضد أعدائه وذلك عن طريق السيطرة عليهم بتدخين الحشيش، وتغييبهم عن وعيهم، وإيهامهم بدخول الجنة الموعودة، ووعده لهم بالعودة إليها عقب إنهاء مهمتهم.
وقد تعرض الكثير من الباحثين المعاصرين لتلك الاتهامات التي طالت الفرقة النزارية، وأثبتوا أنها مجموعة من الأوهام والأساطير التي روج لها أعداء الإسماعيلية السياسيين، بهدف التشنيع.
عقائد الإسماعيلية
كانت لعقائد الإسماعيلية دور كبير في نشر الصورة السلبية، التي طاردت أتباع هذه الطائفة في الماضي والحاضر، خصوصاً أن تلك العقائد كانت محجوبة في كتبهم السرية، التي لم يكن من حق أي انسان من خارج الطائفة، الاطلاع عليها أو قراءة ما دُوّن فيها.
وقد عُرف الإسماعيليون بميلهم إلى الأفكار الباطنية الخفية، التي تبتعد عن الظواهر الواضحة، وتجنح إلى الرموز والإشارات الملغزة، لذلك عرفتهم الكثير من الكتب التاريخية باسم "الباطنية".
ويعتقد أتباع تلك الفرقة أن هناك دلالات غامضة للأرقام، فرقم سبعة مثلاً له مدلول خاص وقوة غيبية، استمدها من تأثيره في الكثير من الأمور الروحية والدنيوية، فعدد السماوات سبع، وعدد أيام الأسبوع سبعة. ويعتقدون أن الوحيد القادر على تفسير القرآن واستنباط الأحكام والأوامر الإلهية منه، هو الإمام وحده، لذلك يرون أن طاعته واجبة، وأنها من طاعة الله.
أما عن اعتقادهم في الله، فهم ينزهونه تنزيهاً مطلقاً، وينفون عنه كل صفاته. كما أنهم يفهمون ما ورد عن الجنة والنار في القرآن بشكل مختلف، فيعتقدون أن الجنة هي المعرفة والعلم والنار هي الجهل.
يقول أحد النزاريين المعاصرين من مصياف في سوريا: "عقائدنا تتشابه كثيراً مع عقائد السنة، فنحن نصلي في مساجد تشبه مساجدهم وتوجد بعض الاختلافات بيننا وبينهم في عدد من المسائل البسيطة، مثل أننا أثناء الصلاة لا نُكتف أيدينا بل نبسطها جانباً مثل الشيعة الاثني عشرية، أما بالنسبة للمرأة عندنا فهي تتمتع بمكانة كبيرة وترتدي الحجاب مثل بقية الطوائف الإسلامية".
الإسماعيليون النزاريون في سوريا
يُقدر عدد الإسماعيلية في العالم الآن بنحو 12 مليوناً، ويقيمون في الهند وآسيا الوسطى وأفغانستان والصين وشرق أفريقيا والدول العربية. ومعظم هؤلاء يتبعون الطائفة النزارية، ويعتقدون بإمامة كريم الحسيني الأغاخان الرابع، الذي يقيم في مدينة بومباي في الهند، ويشرف على إدارة "شبكة الأغاخان للتنمية"، التي يمتد نشاطها في مجالات التعليم والصحة والثقافة، وتعمل في أكثر من 30 بلداً.
كريم الحسيني الأغاخان الرابع
وتُعتبر سوريا المركز الرئيسي لتجمع أبناء الطائفة الإسماعيلية النزارية في المنطقة العربية، إذ مثّل النزاريون أحد مكونات الصورة الفسيفسائية الطابع، التي تهيمن على المشهد السوري، فيبلغ عددهم 250 ألفاً، ويمثلون 1% من إجمالي عدد السكان.
وكان النزاريون يسكنون في تجمعات في الجبال المطلة على ساحل البحر المتوسط، ثم هاجروا في منتصف القرن التاسع عشر إلى السهول الداخلية بعد صراع طويل مرير مع العلويين. ثم استقروا في مدينة السلمية، التي تقع على بعد 30 كم شرق مدينة حماة في شرق سوريا، وانتشروا في عدد من المدن والقرى المحيطة بها، مثل مصياف والقدموس ونهر الخوابي.
السلمية
وقد اشتهر العديد من أبناء هذه الطائفة وذاع صيتهم، ومنهم الشاعر محمد الماغوط والمؤرخ عارف تامر.
أما عن علاقة النزاريين السوريين بجيرانهم من أهل السنة، فيقول أحد سكان السلمية: "هي علاقة جيدة، وكثيراً ما تحدث زيجات ومصاهرات بيننا وبينهم، وفي الكثير من الأحيان يتحول بعض النزاريين إلى العقيدة السنية، بسبب عدم وجود مرجعية إسماعيلية واضحة للنزاريين في سوريا".
وقد شاركت السلمية في أحداث الثورة التي اندلعت في البلاد عام 2011، فكانت من أولى المدن التي خرج أهلها في تظاهرات سلمية حاشدة، للتعبير عن رغبتهم في الإصلاح السياسي والاجتماعي. ولكن مع تغير شكل الحراك السياسي في سوريا، وتحوله للشكل الدموي العنيف، تعرض النزاريون في السلمية لأعمال الاضطهاد والعنف من قبل عدد من الأطراف المتصارعة، لأن النظام اعتبر أهل السلمية من الثائرين عليه، بينما نظر أفراد تنظيم الدولة الإسلامية إلى أهل تلك المدينة على أنهم مرتدون كفار يجب قتلهم واستئصال جذورهم. ولذلك فان عدداً من المذابح وعمليات الإعدام والاعتقال، تمت ضد أهل السلمية من النزاريين منذ بداية الثورة السورية حتى الآن.
ويعتبر رد فعل أهل السلمية على تلك الأحداث معبراً عن عقيدتهم، فأحد النزاريين من السلمية يعلق على تلك الأحداث: "أمرنا الإمام بأن نُحيد أنفسنا عن الصراع بين النظام والإسلاميين". بينما يقول نزاري آخر: "لن يتركنا الإمام وهو يعمل على حل مشاكلنا".
حظي النزاريون في السلمية باهتمام الإمام الأغاخاني، الأمر الذي ظهر واضحاً في قيام المؤسسات التابعة له بتقديم المساعدات العينية والمادية لهم، ومحاولة نجدتهم بشتى الوسائل الممكنة.
وما بين الاتهام التاريخي والاستهداف الحاضر، يبقى النزاريون المعاصرون متشبثين ببقايا الأمل في تحقق مستقبل آمن لهم ولأبنائهم على أرضهم في سوريا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...