شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
مع نهاية العام... اشربوا/ ن نخب انتصاراتكم/ نّ الصغيرة

مع نهاية العام... اشربوا/ ن نخب انتصاراتكم/ نّ الصغيرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 24 ديسمبر 202201:03 م


يشارف العام الحالي على نهايته بكل ما حمل من أحداث وتغيرات، ليضعنا مرّةً جديدةً أمام تدقيق ذاتي للإنجازات التي حققناها، كما الإخفاقات، وما بينهما من محاولات نجحت وأخرى باءت بالفشل.

يأتي العيد الصاخب حاملاً لكم/ نّ، سؤالاً وجودياً خلف ضوضاء الهدايا والتوقعات الاجتماعية: "هل أنتم/ نّ راضون/ راضيات عن أنفسكم/ نّ هذا العام؟". هذا السؤال يضعنا جميعاً أمام ذاتنا بكليتها، كفحص سريري شامل يعاين وضعنا النفسي، الجسدي، الاجتماعي، المادي، والروحي، لنجد أنفسنا نحلل مجريات عامنا الذي مضى متذكرين ما أبكانا وما أفرحنا، وما جعلنا نشعر بالفخر وما أُجبرنا على فعله، لكن السؤال الأهم: هل سنكون منصفين في تقييمنا لأنفسنا أم أننا سوف نعظّم الألم ونتجاهل الانتصارات؟

وقع الهزائم أقوى

لنبدأ بلعبة صغيرة: أغمضوا/ ن عيونكم/ نّ وحاولوا/ ن تذكّر واقعة حدثت معكم/ نّ خلال العام الحالي، وأثّرت فيكم/ نّ بشكل كبير.

بحسب العلماء، فإن معظم الأشخاص سوف يتذكّرون الأحداث السيئة أو الموجعة أكثر، ولهذا الأمر أسباب لها علاقة بتطوّر الإنسان وتجنيد غريزة البقاء أمام الأحداث التي تضع صحته الجسدية أو النفسية في خطر. على سبيل المثال، فإنه من الأسهل على المحارب أن يتذكر ملامح عدوّه، من التركيز على نوع الشجرة التي كان بختبئ خلفها. بمعنى آخر، من السهل على الشخص أن يتذكر الصدمات المؤلمة التي جرت في يوم معيّن على حساب أي حدث آخر جرى في اليوم ذاته.

يأتي العيد الصاخب حاملاً لكم/ نّ، سؤالاً وجودياً خلف ضوضاء الهدايا والتوقعات الاجتماعية: "هل أنتم/ نّ راضون/ راضيات عن أنفسكم/ نّ هذا العام؟"

للذاكرة دور أساسي في حفاظ الشخص على حياته، فهي تخزّن المعلومات والصور والتجارب السلبية والخطيرة وتفعّلها تلقائياً حين يشعر المرء بأي شعور سلبي، ما يعني أن مشاعر الحزن والفشل وغيرها التي تُصنَّف في خانة المشاعر السلبية، تتحوّل إلى دفاعات نائمة تستيقظ حين يختبر الإنسان أي شعور شبيه بأسلافه للحفاظ على حياة الشخص من باب الغريزة الطبيعية أو ما يُسمّى بالـ"Survival mode".

في المقابل، أن يعيش الإنسان في وضع يشعر فيه دوماً بإلزامية الدفاع عن نفسه في وجه الضغوط المختلفة أمر متعب من الناحية النفسية، وله تداعيات عدّة: مشكلات في النوم، والشعور بالتعب الدائم حتى في غياب أي جهد جسدي، والقلق تجاه ما قد يحمله المستقبل، والتسرع في ردات الفعل، وضبابية التذكر والتفكير، ومشكلات في التركيز، وعدم القدرة على أخذ إجازة من المسؤوليات اليومية وغيرها من مؤشرات تُظهر أن الشخص يعيش معركة الحياة من دون التمتع بلذّتها. كل هذا من شأنه التسبب في إرهاق الذاكرة والتقليل من منسوب الإدراك المنطقي للأمور التي قد يواجهها الشخص بحيث يتوقف عند ما هو سلبي ويكتسبه، أما الإيجابي فيمرّ عليه مرور الكرام من دون أن يسعد به أو يتلقّفه.

أين نحن من انتصاراتنا؟

إن كنا طبيعياً نتذكر صدماتنا وآلامنا أكثر من اللحظات الجميلة والمفرحة، فهذا يعني أننا معرّضون للنظر إلى الحياة من منظار سلبي منتظرين المصائب لتأتينا فنثبت أننا قادرون على تخطّيها. وحتى عند تخطّي المصيبة، نرى بعض الأشخاص يلومون أنفسهم على طريقة إدارتهم للأزمة، أو شعورهم بالتقصير أو الذنب أو بإظهار العواطف.

أما مفهوم "الانتصار"، فشأنه شأن غيره من المفاهيم الاجتماعية، يلفّه الكثير من الأفكار النمطية التي قد تضع الإنسان في موقع العاجز إن لم يتسلّق القمر. فالانتصار بالمفهوم الرأسمالي الضيّق قد يعني تخطي شخص آخر، والربح عليه، والكسب الأكثر، والوظيفة الأنجح، والمنزل الأكبر، والسيارة الأجدد، أي التباري والسباق الأزلي لتحقيق مكاسب مادية واجتماعية بالتساوي مع من نعتقد أنهم منتصرون.

لا تنسوا/ ين الاحتفال بأنفسكم/ نّ مع نهاية هذا العام. اشتروا/ ين لأنفسكم/ نّ هديةً. تحدّثوا/ ن عن إنجازاتكم/ نّ وانتصاراتكم/ نّ باللهفة نفسها التي تتحدثون/ ن بها عن تجاربكم/ نّ المريرة، حتى تصبح أسلوب حياة فتنعم ذاكرتكم/ نّ بتجارب أفراحكم/ نّ وترسم على وجوهكم/ نّ البسمة

أما الانتصار الفردي، فتعريفه خارج تلك المنظومة النمطية، ويعني كسر المفاهيم النمطية النفسية والتجرّؤ على تجاوز المخاوف الخاصة التي تربّى عليها الشخص والتي كانت تعرقل تطوّره في أي من نواحي الحياة.

قول "لا"، لما لا نريده، انتصار.

الاهتمام بصحتنا النفسية، انتصار.

ترك وظيفة كنّا فيها مظلومين/ ات، انتصار.

بناء علاقة روحية مع عزيز غادرنا، انتصار.

قدرتنا على المراجعة الذاتية من دون الجلد الذاتي، انتصار.

أي سلوك جديد نقوم به ويخدم صحتنا الجسدية والنفسية ويشعرنا بالفرح، مهما كان صغيراً وحتى لو لم يصفّق لنا أحد، هو انتصار أيضاً يجب التوقف عنده، وعدم تسخيفه، لا بل التصفيق الذاتي له.

لأننا ببساطة إن لم ندرك انتصاراتنا، فإننا لن نتعلّم شيئاً من هزائمنا. إدراك الانتصار يفعم النفس بالثقة ويدفعها إلى الأمام ويحررها من الشعور المضني بالعجز، كشعور ذلك المحارب الذي يرمي سلاحه أرضاً عند انتهاء المعركة، فيبكي فرحاً للتفكير في أنه قريباً يعود إلى عائلته حيّاً لا يهدد حياته أحد.

الانتصارات الصغيرة، كالهواء العذب النقي، تعطي دفعاً إلى الأمام وتخفف من ألم التجارب السلبية وتالياً تحمي الشخص من الوقوع في مستنقع الكآبة المرضية.

لا تنسوا/ ين الاحتفال بأنفسكم/ نّ مع نهاية هذا العام. اشتروا/ ين لأنفسكم/ نّ هديةً. تحدّثوا/ ن عن إنجازاتكم/ نّ وانتصاراتكم/ نّ باللهفة نفسها التي تتحدثون/ ن بها عن تجاربكم/ نّ المريرة، حتى تصبح أسلوب حياة فتنعم ذاكرتكم/ نّ بتجارب أفراحكم/ نّ وترسم على وجوهكم/ نّ البسمة.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image