إنها الليلة المنتظرة لإطلاق العنان للنزعة الجنونية، للمشاعر "الجيّاشة"، للرقص واللهو حتى ساعات الفجر الأولى. ليلة استثنائية تتكرر مرة واحدة في السنة، شعارها الحرية المطلقة. نتحدث هنا عن ليلة رأس السنة، التي يحتفل بها العالم كله تقريباً، بالطريقة نفسها: أجواء صاخبة، أجساد تتمايل على أنغام الموسيقى الحماسية، وكؤوس ملوّنة ما إن تفرغ حتى تمتلىء من جديد، لتجعل المزاج لذيذاً و"الكيف تمام".
فجأة تخفت الأضواء، ويبدأ العد العكسي، الجميع متحمسون وينظرون بفارغ الصبر إلى عقارب الساعة. وحالما تدق الساعة 12 ليلاً، يسرع الحبيب إلى تقبيل حبيبته، والأعزب إلى تقبيل من حوله. حتى النادل في المطعم قد ينال نصيبه من القبلات المتطايرة في الجو!
ما سرّ قبلة رأس السنة تلك التي توقع الشباب في شباكها؟ لماذا نريد أن نقبّل بشغف عند أولى لحظات العام الجديد؟
لحظة "نشوة"
لقبلة رأس السنة طعم خاص، فهي تأتي في لحظة "نشوة". وغالباً ما تكون عفوية من دون حسابات مسبقة. اللافت أن القبلة هذه، لا تشبه سائر القبلات، كونها تنفلت من كل القيود الاجتماعية. فقد يقوم المرء، لا شعورياً، ومن باب الحماسة "المفرطة"، بطبع قبلة على شفتي غريب، أو يغتنم الفرصة ويقبّل شخصاً لطالما أعجبه، إنما لم تكن لديه الجرأة للإفصاح عن مشاعره. هنا تكمن لذة هذه القبلة التي تدق باب الشفاه من دون حسيب أو رقيب. فكيف بدأت هذه العادة؟يشير موقع "كيسنغ ماترز" Kissing Matters إلى أن الرومان هم أول من أدرج قبلة رأس السنة في عاداتهم وتقاليدهم. فكانوا ينظمون حفلة ضخمة تعرف بـ"فاستيفال أوف ساتورناليا"، يرقصون فيها ويمرحون، وعند الساعة الثانية عشرة يقبّل بعضهم بعضاً "بسخاء".
وفي وقت لاحق، انتقلت هذه العادة إلى عدة شعوب، خصوصاً الألمان والإنكليز، الذين يعمدون إلى تقبيل أول شخص يصادفونه عند منتصف الليل، وإن كانوا يجهلونه. فما يهمهم هو اتباع التقاليد ومجاراة المعتقدات، لئلا ينقلب السحر على الساحر وتتحول سنتهم الجديدة إلى كابوس.
وتندرج هذه القبلة في فولكلور بعض الشعوب الأوروبية، الذين يعتقدون أن الشخص الذي لا يكلف نفسه ويقبّل شريكه ليلة رأس السنة، ستكون علاقته العاطفية في مهب الريح في العام الجديد.
اشتهر الأوروبيون أيضاً بوضع القناع في حفلة رأس السنة، وعند الساعة 12 يخلع المدعوون قناعهم، ويقبّل بعضهم بعضاً. وتأتي هذه الخطوة في قالب رمزي محض: القناع يرمز إلى الروح الشريرة في حين أن القبلة تدلّ على الروح الطاهرة والنقاء،
وبالتالي يقوم الناس باستقبال العام الجديد، من خلال نزع القناع في خطوة تدل على التحرر من الروح الشريرة، والتحلّي بالطهارة من خلال تبادل القبلات.
لماذا التقبيل مهم ليلة رأس السنة؟
تعتبر قبلة رأس السنة "مقدّسة" بالنسبة إلى العديد من الشعوب في العالم، وتقف مجموعة معتقدات وراء عادة "تقبيل منتصف الليل"، لعلّ أهمها:الخشية من الوحدة طوال أيام السنة
هناك اعتقاد سائد بأن الشخص الذي لا يقبّل أحداً عند منتصف الليل سيبقى وحيداً على مدار السنة الجديدة. ولن يكون الحب حليفه على الإطلاق. بل سيعيش في عزلة وكآبة.تعزيز العلاقة مع الشريك
تعتقد شعوب عدة أن القبلة ليلة رأس السنة، تساهم في تعزيز العلاقة بين الطرفين، وتكون مصدر خير لهما. أما تبادل القبلة مع الغريب، فمن شأنه أن يساعد على مدّ جسور التواصل بين الطرفين. ويعتقد البعض أن القبلة قد تحوّل "الغريب" إلى حبيب في الأيام القادمة.هدم الجدار الفاصل بين الناس
في اسكتلندا، يستقبل الناس العام الجديد بتقبيل من حولهم. سواء كانوا أصدقاء أو غرباء، بهدف كسر الحواجز وبناء علاقات متينة.ما سرّ قبلة رأس السنة تلك التي توقع الشباب في شباكها؟ ولماذا نريد أن نقبّل الآخرين عند أولى لحظات العام الجديد؟
أجواء صاخبة، أجساد تتمايل على أنغام الموسيقى الحماسية، وقبلة عندما تدق الساعة 12… ما سرّها؟فقد سلّطت صحيفة الواشنطن تايمز الضوء على قبلة رأس السنة. وركزت على موضوع تفاوت مدّة هذه القبلة، من شخص إلى آخر. فأجرت استطلاعاً كشف عن أن 69% من الأشخاص، اعتبروا أن قبلة رأس السنة لن تدوم لأكثر من ثوان، 11% رجّحوا أن تراوح مدتها بين دقيقة ودقيقتين. في حين أن 6% كانوا متفائلين أكثر، وأجابوا أنها قد تدوم حتى صباح اليوم التالي.
أما مفاجأة الاستطلاع، فتمثلت في آراء بعض الناس، الذين أشاروا إلى أنهم يفضلون تقبيل حيواناتهم الأليفة ليلة رأس السنة، على تبادل القبل مع سائر الناس. فالحيوان برأيهم، أكثر إخلاصاً ووفاءً من بعض البشر.
لا مفر من القبلة إذاً ليلة رأس السنة. أمر يجمع عليه الكثيرون، فمصطفى (20 عاماً) يعتبر أن قبلة رأس السنة لها مذاق خاص: "أنتظر حلول الساعة 12 لأتبادل القبلات مع صديقتي، وأعبّر لها عن مدى حبي وإخلاصي لها". مشيراً إلى أن هذه الليلة لا تحلو من دون هذه "القبلة النابعة من القلب".
وأثنت مريم (30 عاماً) على أهمية قبلة رأس السنة، لأنها مرآة تعكس المشاعر الحقيقية. وقالت: "صحيح أن سهرة رأس السنة تختلف من عام إلى آخر، في المكان والأشخاص، غير أن قبلة منتصف الليل لا تتغير. أينما كنّا نحتفل بالعيد عندما ينتهي العدّ العكسي، أعانق زوجي ونتبادل القبل، كدليل على حبنا".
حين تهزّ قبلة رأس السنة مشاعر المشاهدين
نظراً لكون السينما تعكس الثقافة الشعبية، خصّ المنتجون قبلة رأس السنة بالكثير من الامتيازات، وأعطوها أهمية كبرى، من خلال إدراجها في عدة أفلام. اللافت أن هذه المشاهد "المفرطة بالرومانسية"، حظيت باستحسان الجمهور.ففي العالم العربي أضفت قبلة رأس السنة سحراً خاصاً على عدة أفلام من الزمن الجميل، خصوصاً الأفلام المصرية. من منا لا يتذكر قبلة عمر الشريف لفاتن حمامة في فيلم "نهر الحب"؟ أو قبلة أنور وجدي وليلى مراد في فيلم "قلبي دليلي"؟ أو مشهد القبلة في فيلم "ليلة ساخنة" بين نور الشريف ولبلبة؟ وغيرها من الأفلام، التي ركزت على قبلة منتصف الليل، كعنصر أساسي وجوهري في الحبكة الدرامية، نظراً لرمزيتها وقوة تأثيرها على المشاهدين.
كما سلّطت أفلام أجنبية عديدة الضوء على قبلة رأس السنة، لعلّ أهمها فيلم "عندما قابل هاري سالي" When Harry met Sally. فقد شكلت القبلة فيه صمام أمان الحبكة. فكانت بمثابة صفحة جديدة بين البطلين، هاري وسالي، اللذين كانا مجرد صديقين لحين اعترف هاري بحبه لسالي، وقال لها العبارة التي أبكت الكثير من المشاهدين: "لم آت إلى هنا فقط لأنني وحيد أو لأنها ليلة رأس السنة، بل لأنني أدركت أن المرء حين يقرر أن يقضي بقية حياته مع الشخص الذي يحب، عندها يتمنى أن تبدأ بقية حياته فوراً".
أيضاً شكّلت قبلة زاك إيفرون لميشال فايفر في فيلم "ليلة رأس السنة" New Years Eve، صدمة إيجابية لدى المشاهدين، لناحية عفويتها وجنونها. فزاك، الذي يلعب دور الشاب الزاخر بالعفوية والنشاط، يقع في حب فايفر، وفي ليلة رأس السنة يقدم على تقبيلها، ما أثار دهشتها خصوصاً لوجود فارق عمر بينهما.
ومن قبلات العشق والحب والغرام ليلة رأس السنة، ننتقل إلى قبلة الموت مع فيلم "العرّاب" بجزئه الثاني. حين قام مايكل كورليوني بطبع قبلة مفاجئة على فم أخيه فريدو، حين اكتشف خيانته له، وسط أجواء الفرح والاحتفال بالعام الجديد، قائلاً له العبارة الشهيرة: "لقد كسرت قلبي".
من أيام الرومان حتى يومنا هذا، حظيت قبلة رأس السنة باهتمام جميع الشعوب. ونظراً لكوننا على مشارف استقبال عام جديد وطي صفحة الماضي، نتمنى أن تضعوا كل المعتقدات جانباً، ولا تشغلوا بالكم في تحليل قبلة رأس السنة، ومعانيها ودلالاتها، فكل ما عليكم فعله هو أن تستعدّوا لهذه الليلة المنتظرة، تحرروا من قيودكم واطلقوا العنان لمشاعركم، وقبلوا بشغف الشخص الذي تحبونه، على أمل أن تحمل لكم السنة الجديدة كل الحب والعشق والفرح.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...