شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"الكورة مع السلامة"... كواليس الكتابة والصداقة وحب كرة القدم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 24 ديسمبر 202211:30 ص

جميل ومؤثر.

لا حاجة لوصف آخر لبرنامج أحمد الغندور "الكورة مع السلامة"، الذي قدم فيه سبع حلقات مرتبطة بقصص عن سبعة منتخبات كروية، تتشابك مع الحروب الأهلية والعنصرية، وتجارة المخدرات والديكتاتورية، ومع السياسة والتاريخ والجغرافيا والسلام والأخوة الإنسانية.

يقول أحمد مجدي رجب رئيس فريق الكتابة في برنامجي "الدحيح" و"الكورة مع السلامة"، أن أفضل تعليق تلقاه بعد عرض الحلقات كان: "مالناش في الكورة وحبينا البرنامج". كان هذا هو الهدف الذي أراد الوصول إليه مع زميل الكتابة، السيناريست محمد المصري، صديقه وزميله، وهو ما اتفقا عليه في أول اتصال هاتفي بينهما، عندما عرض عليه رجب المشاركة في كتابة "الكورة مع السلامة"، الذي عرضت حلقاته تزامناً مع مباريات مونديال قطر.

وقد عُرِفا – رجب والمصري- معاً بالكتابة الرياضية المرتبطة بأدوات البناء الدرامي السينمائي، ضمن تيار من عدة أسماء بدأ تلك الكتابة في مصر، كان أبرزهم الكاتب خالد يوسف. يجمع هذا التيار عدة أشياء: حب الكرة، السينما، موهبة الكتابة.

يقول رجب إن التأسيس لهذا النوع في مصر، جاء مع إتاحة كتاب "كرة القدم بين الشمس والظل" لإدواردو جاليانو، الذي يراه نعمة ونقمة: "نعمة لأنه ملهم للكثيرين. ونقمة لأنه فتح الباب لغير الموهوبين لتقليد النغمة دون فهم، وتقديم «زخرفة أكثر... معنى قليل»".


يرى رجب أن الكتابة عن الكرة بتلك الطريقة التي استلهمها هو ومجايلوه من جاليانو، وأضافوا إليها عبر شغفهم وارتباطهم بالسينما؛ تشترط شيئين أساسيين: أن تكون موهوباً في الكتابة، لكن في الأساس أن تكون مشجعاً حقيقياً لكرة القدم وشغوفاً بها، وهو ما توفر في جاليانو، "الكاتب العظيم والمشجع العظيم، لكن لم يتوفر في محمود درويش مثلاً، الموهوب قطعاً في الكتابة، ولكن تظل كلماته عن مارادونا ثقيلة" على قلب رجب.

حكى برنامج "الكورة مع السلامة" الذي قدمه أحمد الغندور الشهير بـ"الدحيح"، عن لحظات عظيمة في الإنسانية من خلال الكرة، لكن من دون أن "تكون الكرة هي الشغف والمحرك، بل الهدف النهائي من الكتابة". تخرج تلك الكتابات ثقيلة الظل، تدعي شيئاً لا تدعيه الكرة عن نفسها، فالكرة لم توجد كي نستبدل بها كل شيء، فتصبح هي الحرب والحياة والتاريخ والجغرافيا، يسميها رجب" كتابة المثقفين". أما الرهان البسيط لفريق الكتابة والعمل - والذي يرى رجب أنهم ربحوه-  فهو أن خلف المشهد الكروي الذي رأيناه قصة أجمل وأكثر تشويقاً. 

التأسيس لهذا النوع من الكتابة عن الكرة في مصر، جاء مع إتاحة كتاب "كرة القدم بين الشمس والظل" لإدواردو جاليانو، الذي يراه كاتب "الكورة مع السلامة" نعمة ونقمة: "نعمة لأنه ملهم للكثيرين. ونقمة لأنه فتح الباب لغير الموهوبين لتقليد النغمة دون فهم، وتقديم «زخرفة أكثر... معنى قليل»"

يشير رجب إلى مصادر إلهام أخرى لتيار كتاب الأدب الرياضي في مصر - إن صح التعبير- كالكاتب البريطاني جوناثان ويلسون، أحد كتاب القسم الرياضي بالغارديان، ومؤلف الكتاب الشهير الذي تُرجم إلى العربية الهرم المقلوب، "تاريخ تكتيكات كرة القدم". أما الكتاب الذي أثر في أحمد مجدي رجب بشكل شخصي، فكان كتاب ويلسون Angles with dirty faces ، "ملائكة ذوو وجوه متسخة" عن تاريخ الكرة في الأرجنتين، والذي استعان به في كتابة واحدة من أشهر حلقات برنامج الدحيح "ميسي المتخاذل".

كواليس الكتابة

كانت وظيفة رجب أن يحول الفكرة الأساسية التي تقدم بها محمد رشيدي، المنتج الفني لشركة بوست أوفيس المنفذة لبرنامج "الدحيح"، إلى خطة ذات منهج لإنتاج برنامج عن الكرة بمناسبة كأس العالم، على ان يكون السفر عبر الزمن هو التيمة الأساسية، وأن يكون هناك إستوديو تحليلي يقدمه اثنان من الحمقى.

أول ما فعله رجب والفريق الإبداعي، كان تغيير الفورمات المعتادة في "الدحيح"، حيث يسبق الحلقة إسكتش قصير، قبل أن تقدم المادة العلمية بشكل ممتع ومبسط، تلك المرة قرر الفريق أن يكون الإسكتش ممتداً وممتزجاً مع المادة العلمية.

كان للغندور تجربة سابقة قصيرة على منصة شاهد بعنوان "متحف الدحيح"، تناول فيها عدداً من الشخصيات التاريخية، وحاول مع فريق الكتابة أن يمنح الإسكتش الفكاهي مساحات أكبر، لكن التجربة لم تكن موفقة في رأيي، وربما هذا ما تم علاجه في الكورة مع السلامة.

كان اقتراح محمد المصري، هو عدم الاكتفاء بأن تكون مساحة الجانب التمثيلي الفكاهي أطول من المعتاد، بل أن يكون له ستوري لاين ممتد ومتطور عبر الحلقات، من خلال صراع مقدمي البرنامج الحمقى مع دكتور بشير، الذي اخترع وسيلة للسفر عبر الزمن يتمكن عبرها من التنقل بين الحكايات التاريخية الكروية، ومالك القناة الرأسمالي المستغل الحاج محمد الوكيل.

أول ما فعله رجب والفريق الإبداعي، كان تغيير الفورمات المعتادة في "الدحيح"، حيث يسبق الحلقة إسكتش قصير، قبل أن تقدم المادة العلمية بشكل ممتع ومبسط، تلك المرة قرر الفريق أن يكون الإسكتش ممتداً وممتزجاً مع المادة العلمية

رسم الشخصيات يحيل إلى "رُخص وهزلية" الإعلام الرياضي المصري. أصر رجب على أن تكون شخصية بشير الضد تماماً من هذه النماذج الإعلامية المصرية الشهيرة، وألا يقع في فخ أن يقول نكتة، على العكس تماماً من شخصية الدحيح.

نجح هذا التضاد بين بشير وشلة "المنتفعين بالرياضة" في إبراز الشيئين معاً من دون تنافر: القصة ذات البناء الدرامي الجاد والمؤثر، والنكتة الممتعة. نجحت التوليفة أخيراً.

لكن الأدوار بين فريق العمل متداخلة أكثر مما نظن، يشرح رجب، قائد فريق الكتابة بالإضافة إلى المصري وعبد الرحمن جاويش، وأحمد توفيق، ومحمد سلطان، وأحمد عبد المجيد، وأحمد جمال سعد الدين الذي أشرف على الكتابة البحثية، وكذلك سميرة حمزة التي أعدت المادة الأرشيفية من صور وفيديوهات، ومخرج البرنامج محمد طارق.


في حلقة البرازيل على سبيل المثال، أعد البحث، الكاتب أحمد توفيق، ثم كتب الحلقة محمد المصري، ثم أضاف عبد الرحمن جاويش إلى البناء الدرامي، ثم ذهبت المادة المكتوبة إلى أحمد مجدي رجب ليضع اللمسة الأخيرة، "صعب أن تفصل الأدوار. الهدف الأساسي هو ألا تبدو الحلقات مفككة، ويشعر المشاهد أن من كتبها كلها هو شخص واحد".

الصداقة والشغف

لم تكن الكرة مسألة بعيدة عن اهتمامات برنامج الدحيح، بل أن أحمد مجدي رجب - قبل أن يصير رئيساً لفريق الكتابة في البرنامج- بدأ ككاتب لحلقتي "ميسي والكلب"، "وأبو نيمار"، وهما حلقتان من "الدحيح" أذيعتا بمناسبة كأس العالم 2018، وكان قد قرر قبلها بعامين ألا يكتب عن شيء إلا عن كرة القدم، إذ يمكن عبرها التحدث عن أي شيء.

لم يشر رجب، إذا كان ذلك القرار يعود إلى ما شعرنا به في التوقيت نفسه ككتاب مصريين، بسبب ظروف الإعلام المصري وقتها، لكن ككاتب من جيل قريب منه؛ اتخذت قراراً مشابهاً في الفترة نفسها؛ وهو أن يقتصر حديثي على الأدب، ومن خلاله قد أتحدث أيضاً عن أي شيء.

بعد ما يقارب أربع سنوات من العمل في برنامج "الدحيح"، يشعر رجب أن حياته تغيرت بالكامل، تخيلاته عن الكتابة نفسها تغيرت، كان في الماضي يفكر أنه لا يجب أن يكتب إلا عن "الشيء المهم فقط"، الآن يفكر في الكتابة بمنظور مختلف "إذا كان لديك شيء بسيط ترغب في التعبير عنه بصدق، مهما كان ذلك الشيء تافهاً، فسينتج في النهاية شيئاً مهماً".


تخلى رجب عن الكتابة عن الكرة، وكتب عن موضوعات أخرى كالحرب العالمية الأولى، وشارك محمد الشماع في كتابة حلقتي "الدحيح" اللتين حققتا نجاحاً كبيراً عن حرب البسوس، وشهدتا تطوراً كبيراً في مستوى التنفيذ.

يقول رجب، عطفاً على ذلك التغير في فهمه للكتابة: "لم يكن دافعي في الكتابة عن حرب البسوس، إلا الهوس البسيط بشيئين: احتواء القصة على مشاهد سينمائية ممتعة، وجمل شعرية وأدبية. هذا الهوس الصادق كان وراء خروج الكتابة بهذا الشكل"، لذا لفته أن تصل محبته للتراث العربي إلى أجيال شابة، وفي عمر الطفولة، عندما راهن على أن يخلص لما أحبه، أسكت ذلك داخله هاجساً عن الزمن. يقول رجب، الذي بلغ عامه الثاني بعد الثلاثين، ويخشى أن يفقد شغف وطاقة ابن العشرين: "عندما تكتب شيئاً ما قادماً من زمنك، لكنه قادر على الوصول إلى أجيال أصغر، تشعر أنك ما زلت حياً، ولم تخرج من دائرة الزمن بعد".

وكذلك صداقته مع فريق عمل الدحيح وبينهم الغندور نفسه، الذي تكونت عبر سنوات العمل هي "ما أنجاهم من موجات الهجوم"، خاصة من المنتمين إلى تيارات إسلامية، بعضها خطير وصل إلى حد الفتاوى التحريضية التي قد تهدد سلامة الدحيح الشخصية، وأعقبها توقف إنتاج البرنامج على قناة كبريت AG+، ويرى رجب أن سبب هذا الهجوم هو أنه لا يقدم نسخة "مصطفى محمود" عندما يتكلم عن العلم بخلطة التفسيرات الغيبية.

لكنه في المقابل رأى حب الجمهور للدحيح، عدة مرات بعينيه، خاصة من الجمهور خارج مصر، يتذكر من بينها استقباله في معرض الشارقة وكذلك مركز إثراء الثقافي بالسعودية.

قبل بضعة أيام، تدافع ما يقرب من عشرة آلاف قارئ من أعمار مختلفة لحضور ندوة للغندور ببغداد، بدعوة من دار المدى إلى معرض بغداد للكتاب، حيث تسبب الزحام من أجل رؤيته في إغلاق المنافذ المؤدية للمعرض.

أما عن انتقاد فكرة تبسيط العلوم فيرى رئيس فريق كتابة برنامج الدحيح أن: "تبسيط العلوم ليس بديلاً عن العلوم. العلوم موجودة في الكتب وقاعات الدراسة ووسيلة تحصيلها هي المذاكرة ببساطة. أما تبسيط العلوم فهو أشبه بـ«فخ طيب»، يجعل المعرفة والتعرض لها خبرة ممتعة ومسلية للجمهور... وساعتها مسؤولية الجمهور ده بعد ما يقع في الفخ إنه يقرر التعلم أكتر ويحصيل المعرفة من مصادرها الأساسية إللي هي نفس المصادر إللي الدحيح وغيره بيجيبوا كلامهم وأفكارهم منها"

كان الغندور قد تعرض مؤخراً لهجوم، بعد تسريب مقطع فيديو من موقع تصوير حلقات الدحيح وهو يُلقَّن سطور البرنامج جملة بجملة. يرى رجب أن ذلك هجوم ظالم، فمن الصعب حفظ 3000 كلمة، هو متوسط عدد الكلمات في كل حلقة. كما يرى أن "أهم كاتب لحلقات الدحيح هو الغندور نفسه، الذي كتب ما لا يقل عن 20% من أصل ما يقرب من 400 حلقة قدمت على مدار مواسم البرنامج المختلفة. وفي الموسم الأخير، هناك حلقتان على الأقل كتبهما الدحيح بنفسه وهما (الاستثمار) و(الاكتئاب)، وكانتا من بين أنجح عشر حلقات في الموسم".

لم يفكر فريق الكتابة بعد في إنتاج موسم آخر لـ"الكورة مع السلامة"، لكن تلك النقلة قد تشجعه على تقديم برامج أخرى بعيدة عن شخصية الدحيح التي ارتبط بها الجمهور، بعد أن وجد أخيراً التوليفة المناسبة، التي لا تفسد بها الفكاهة المادة العلمية المقدمة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image