تحمل ليالي رأس السنة لدى مليارات من الساكنين فوق هذا الكوكب دلالة خاصة، تتصل في مختلف الأديان والثقافات بمعاني التجدد والأمل، فرصة للتخلص من حزن وهموم العام الفائت وإعلان التفاؤل والفرح بالعام الجديد، والأمل في تبدل الحال.
قد تُحيا ليلة التجدد تلك بالصلاة، أو سهرة مع العائلة، أو يراق فيها الكحول وتشتعل القبلات، ولكن هناك دوماً تلك الفئة – غير القليلة- ممن يقضون رأس السنة في الداخل الدافئ، تحت البطانية، في صحبة مج كاكاو أو كأس نبيذ مع حديث هادئ أو فيلم لطيف.
لهذا فكرنا في غير الصاخبين، المحبين للبدايات الهادئة. لم نختر لكم أفلاماً لأنها عظيمة القيمة الفنية، أو لأنها حازت جوائز عديدة لا حصر لها، ولا حتى لأنها "أثارت الجدل".
هذه قائمة لأفلام صنعت لنا ذكرى، أو مسَّت فينا شيئاً أو مثلت لنا بداية جديدة في صداقة أو علاقة حب، أو أثارت في رأسنا فكرة وغيرت نظرتنا لشيء ما... لعلك تجدين، أو لعلك تجد في ترشيحاتنا ما يسرك.
هذه قائمة لأفلام صنعت لنا ذكرى، أو مسَّت فينا شيئاً أو مثلت لنا بداية جديدة في صداقة أو علاقة حب، أو أثارت في رأسنا فكرة وغيرت نظرتنا لشيء ما... لعلك تجدين، أو لعلك تجد في ترشيحاتنا ما يسرك
As good as it gets بين الغضب والرضا
هذا الترشيح ليس من أجل الجميع، بل هو مكتوب من أجل شخص واحد، واحدة من أصدقاء العمر النادرين، صديقتي التي أدين لها بالكثير، والتي لن تحب أن أذكر اسمها.
لكن للأسف، صديقتي شاهدت الأفلام كلها، المسلسلات كلها، لا يمكنني أن أفاجئها بشيء، ليس فقط لأنها لا تغادر منزلها كثيراً، وتحتفل بليالي رأس السنة – مثلي - تحت اللحاف، لكن لأنها حقاً تعرف كل شيء.
تتباهى أحياناً بذلك الأمر بغرور طفولي بشكل يغيظ، أود معه لو قلت كاذباً: لا... أنت لا تعرفين كل شيء. لكني أعرف أنها في الليالي التي تشاهد فيها فيلماً جميلاً تحت اللحاف، تخبر نفسها: لا أنا لا أعرف كل شيء.
هذا هو سر قوتها الخارقة، أنها احتضنت مثل أبطال الفيلم الذي أرشحه، ضعفها الخاص، هشاشتها، ومن أجله تسمع وتنتبه فتعرف كل شيء.
لذا، وإذا كانت تكره التواصل مع الناس، لكنها تحبهم من صميم قلبها المتسع لأن يسمع ويشعر ويتأثر، أن تدرك أن كلنا – رغم الإنكار- نحمل ضعفنا الخاص وهشاشتنا فوق ظهورنا، كأحجار علينا أن نسير بها مرغمين.
لذا، فروح نادرة مثلها تفضل الرحمة على العدل، بنصف اقتناع لكن بكل إيمان ممكن، وكذلك تفضل العدل على ظلم تلك الليالي التي وزعت علينا كل هذا الضعف وتلك الهشاشة، بنصف إيمان لكن بكل اقتناع ممكن.
إنها غاضبة جداً من أجلنا، مغتاظة، ثائرة، لأن ضميرها إذ يؤمن الرحمة، لا يقتنع أن يقبل المساومة مع ذلك التوزيع غير العادل للضعف والهشاشة، والأحجار التي يحملها البشر فوق ظهورهم. قد تغضب أيضاً من البشر، لأنهم أقل حساسية مما ينبغي، أقل رحمة مما ينبغي، أقل عدلاً مما ينبغي، لكنها ستساعدهم بكل ما تملك، لأنها تدرك في النهاية أن "هذا أفضل ما يمكن أن نحصل عليه"، وهو ما أدركه جاك نيكلسون بطل فيلم As good as it gets، في منتصف الفيلم.
اكتشاف يقلب كل شيء رأسا على عقب، ليس عن استسلام؛ بل نقطة بداية نتحرر منها جميعاً من كل الدعاية السخيفة الضاغطة حول التقدم للأمام، وأن نتحول لنسخة سوبر من شخصياتنا، يتحقق هذا الاكتشاف فقط بواسطة شخص نساعده ويساعدنا، يفهم ضعفنا وهشاشتنا، لأنه في العمق يحمل مثلها، نتقدم سويا إلى الأمام بخطوات تعرج وتتأخر وتدور حول نفسها أحياناً، حيث الحياة أنعم، أصدق، ممكنة، كأفضل ما يمكن الحصول عليه، كفيلم جميل تحت اللحاف في ليلة رأس السنة.
كل سنة وإنت طيبة، يا صديقتي السوبر.
الفيلم متاح للمشاهدة حسب الطلب عبر منصة هولو وقنوات شو تايم، ويمكنك الاستفادة من فترة التجربة المجانية لمشاهدته على هذا الرابط
أحمد الفخراني - ahmed_fakharany@
The Exterminating Angel الوحدة خير من حفلات السوء
يتحاشى البعض حضور الحفلات المنزلية المغلقة خوفاً من الشجن المقترن بكونك فرداً وسط جماعة، تحيطك المخاوف أنه ربما تظل وحيداً منسياً في زاوية ما، ممتلئاً بشعور أنك في المكان الخطأ وسط أشخاص لا تنتمي إليهم، أو الأسوء؛ أن تجبرك الأجواء على خوض أحاديث مع أغراب قد لا تود مقابلتهم مرة ثانية خارج الحفل.
بالطبع ستقضي وقتاً طويلاً في انتقاء كلماتك، فتبسطك في أحاديثك قد يكلفك ثمناً باهظاً إذا أبدى شيئاً من غرابتك أو ضعفك، عوضاً عن ذلك الانطباع بالقوة والتماسك الذي كنت تسعى أن تتركه في نفوس الحضور!
البعض الآخر -على الأغلب- لم يتلق أية دعوات لحضور أي حفل مؤخراً، أو رفض الدعوة في خجل، فالأوضاع الاقتصادية وجو الكآبة العام يحول دون الكثير من الأنشطة والمتع المعتادة.
في كل الأحوال، إن كنت واحداً من هؤلاء المتدثرين بالأغطية في منزلك ليلة رأس السنة، وحيداً شاعراً بالحقد أو الغبطة تجاه الآخرين الحاضرين لحفلات رأس السنة، فربما مشاهدتك لذلك الفيلم قد يعوضك نوعاً ما، فهو حفل مغلق صغير لن تحتاج لمغادرة فراشك الدافئ لتحضره، فقط استمتع افتراضياً بمشاهدة الكثير من الطعام والشراب والموسيقى الراقية، وبالمدعوين الذين ينتمون إلى الطبقة الأرقى في المجتمع وأحاديثهم الشيقة، كل شيء مكتمل ورائع، إلى أن تلاحظ ذلك الخلل، ذلك الخلل الصغير جداً...الخلل الذي لن تنساه كلما تلقيت دعوة لحفل منزلي.
الفيلم متاح للمشاهدة عبر منصة أمازون برايم فيديو على هذا الرابط
The worst person in the world... فرصة للفرجة على النفس
يا من تسيئون الظن بأنفسكم/كن، فإن "چولي" بطلة هذا الفيلم قد تكون الأسوأ على الإطلاق
قد يتفق البعض مع ذلك الوصم الذي يحيط بتلك الشابة أو يختلف، سيشكل البعض عداوة وهمية معها ويعنفها على ردود أفعالها وأفكارها ومشاعرها، بينما بالتأكيد سيتعاطف آخرون.
بالنسبة لي كان فيلم "الشخص الأسوأ في العالم" مرآة، أعيد تقييم نظرتي لذاتي من خلالها، أستعيد المواقف المختلفة التي كانت تمر بها "چولي" داخل رأسي، أكون أنا البطلة وجميع الاختيارات بيدي... أقابل نفس الأشخاص وأنسج نفس الحوار معهم. تدهشني ردود فعلي المتشابهة معها أحياناً، وأتساءل بيني وبين نفسي: ما هو الصواب والخطأ إذن؟
رغم أن لعبة المقارنة تلك أمر أفعله كثيراً عند مشاهدة أو قراءة أي نص، ولكن المختلف هو ظني وقتها أنني سوف أنسى تلك المقارنة ما أن ينتهي الفيلم مثلما يحدث في كثير من الأحيان، ولكنها هذه المرة، ظلت في خلفية أفكاري دائماً، خالقة معياراً جديداً للكيفية التي أرى بها الأمور. فرغم الاختلافات الكبيرة بين البيئة المحيطة بچولي ومجتمعها المختلف كلياً عن مجتمعاتنا؛ إلا إن المشاعر والأفكار تجد دوماً طريقها لتجمع بين أناس لا يجمعهم أي شيء، وحينها تدرك أن الأمور متشابكة ومتشابهة مهما تفردت تجاربنا الإنسانية.
فإذا كنت ياصديقي/صديقتي تنوي أن تبدأ عامك الجديد بظنك السئ عن ذاتك، فربما تجعلك چولي تشعر بالقليل من الرضا (أو السقم! لن نعرف الإجابة ما لم تشاهد الفيلم)، أو على الأقل قد تصل لمعيار ملائم أكثر، تقيس به رؤيتك لذاتك وللآخرين.
الفيلم متاح عبر منصة Hulu على هذا الرابط
سيمون سمير
عروسة المولد... في صحة المفاجآت
رغم أن ذاكرتي عموماً عامرة بالفجوات؛ إلا أني أتذكر تلك اللقطة من حياتي بوضوح. كنت عائدة من عملي في وظيفة كنت في ذلك الوقت أحبها، أقضى أحياناً ما يزيد على 10 ساعات في المكتب وأعود إلى البيت لا أتمنى سوى النوم، قبل أن "تنسد نفسي" لاحقاً عن كل شيء يتعلق بتلك الوظيفة وما فيها، عندما أصابتني "لعنة المدير التوكسيك".
دخلت البيت، وتركني أبي رحمة الله عليه ودخل لينام بعد أن اطمأن. أما أنا فتسمرت أمام صوت محمود المليجي وحاجبيه الممتدين كقرون الشياطين، وقفته بينما يحيط به الدخان، وهو يوجه حديثه لبطلة الفيلم التي لم أكن قد رأيتها بعد قائلاً: "هتلاقي كباريه الكرة الأرضية... هتلاقي الخمر.. والميسر.. والأزلام" فتساءلت بصوت عال: "فين الأصنام"؟ بينما أكمل المليجي: "والأنصاااب.. تعالي! تعالي يا حلاوة".
تبخرت على الفور رغبتي العارمة في معانقة البطانية، وجلست بملابس الشارع لأستكمل مشاهدة "عروسة المولد"، هذه المسخرة من إنتاج سنة 1954، التي فتحت لي ذراعيها على شاشة التلفزيون.
وبصراحة، لم يدخر الفيلم أي مجهود لمفاجأتي في كل مشهد، وأنا التي كنت قد آمنت أن السينما المصرية فقدت كل قدرة على إمتاعي وإبهاري منذ زمن. لكني جلست وانتبهت، وارتفع حماسي تدريجياً وأنا أضحك على تفاهة الشر مجسدة في الأستاذ إدريس، المدير التوكسيك لكباريه الكرة الأرضية.
أود أن أسترسل في الكلام عن هذا الفيلم، لكن ما حدث بعد أشهر قليلة من تلك الليلة يمنعني من ممارسة هذا النوع من الشر.
عادة لا أحتفل بعيد ميلادي، وقليلاً ما أحتفل به وسط عدد محدود جداً من الأصدقاء، يتناقص تدريجياً لظروف الهجرة الاضطرارية والموت والقهر والاكتئاب... إنها مِصر.
لهذا، إن قررت الاحتفال أكتفي بتجمع صغير هادئ، بلا كعكة ولا ضجيج، جلسة هادئة للتهريج وتبادل النكات وربما مشاهدة فيلم من اختياري. فوجئ أصدقائي ذلك العام أني اخترت فيلماً عربياً وهو "عروسة المولد"، جلسوا معي لمشاهدة الفيلم في بيت مينا (مجمِّعة الأحباب)، متأففين في البداية، لكن مع كل مشهد؛ فوجئ أصحابي - الذين هم مثلي "ميعجبهمش العجب"- كما فوجئت، وسعدوا كما سعدت، وضحكوا معي كثيراً.
يومها اتفقنا على تكوين Cult حول الفيلم، وأن نصل به يوماً ليكون في مقام The rocky horror picture show، أنصحك بمشاهدة هذا أيضاً إن لم تكن قد شاهدته.
لأشهر قليلة، قبل أن تتوالى صدمات الحياة، كان شغلي الشاغل التبشير بفيلم "عروسة المولد" ومحاولة ضم المزيد من الأنفار إلى الـcult. يشغلني الآن أني لم أشاهد هذا الفيلم أبداً مع بابا، وكم أتمنى لو كنت فعلت.
على العموم؛ إن كنت مثلي تحب قضاء ليلة رأس السنة مع فيلم لطيف، ومج كاكاو تحت البطانية، أدعوك للإنضمام إلى cult "عروسة المولد"، وزيارة كباريه الكرة الأرضية، ودائماً... احذر الحكيم الزاهد في الصحراء.
الفيلم متاح للمشاهدة عبر صفحة مجموعة أبيض وأسود على فيسبوك على هذا الرابط
من فضلك... لا تشاهد هذا الفيلم
أذكر أول مشاهدة لهذا الفيلم. العالم كله يعرف أبطاله، وأنه من كلاسيكيات الـrom-com (الكوميديا الرومانسية)، تدور أحداثه في مدينة نيويورك - مدينة أحلامي- في وقت كان فيه الإنترنت هو الشيء الجديد حول العالم. كنت أشاهد الفيلم مع أختي، وبعد نهايته، أجد نفسي في حيرة لأني لا أفهم كيف يمكن أن يحب أحداً هذا الفيلم.
يحكي الفيلم عن كاثلين «Shopgirl» وهي فتاة طيبة وحالمة تملك مكتبة بسيطة، تُسلي نفسها عبر الإنترنت – الاختراع الجديد الذي جعل الأحلام قريبة- عن طريق المحادثة، وعلى الجانب الآخر يظهر جو فوكس «NY152» ابن مالك واحدة من أشهر سلاسل المكتبات. يتراسل بطلي الفيلم كل يوم لقتل الملل والحديث عن الحياة عامة. تواجه كاثلين مشكلة في عملها الخاص، وهي أن مكتبتها التي عاشت فيها حياتها وأرتبط بها سكان الحي، على وشك الإغلاق بسبب التهديد من سلسلة مكتبات شهيرة ستفتح أحدث فروعها أمام مكتبتها. ما لا تعرفه هو أن هذه المكتبة يملكها «NY152» الذي تحادثه كل يوم وتشاركه مشاكلها.
انتهي من مشاهدة الفيلم ويعجبني ولكن لا أشعر بالارتياح. بعد سنوات أشاهده مرة أخرى وأفهم أسباب هذا الشعور. دعني أقدم لك تقديم الفيلم مرة أخرى:
يحكي الفيلم عن الرأسمالية، وكيف تحاول أن تجعلك تتقبل التحولات السيئة التي قد تؤذيك أنت شخصياً، لكن ذلك لا يعني أنها سيئة فـ"المسألة مجرد بيزنس"، تدمير عملك وكل ما له معنى في حياتك وحياة سكان الحي، ليس أمراً شخصياً على الإطلاق.
ترتبط كاثلين بفرانك، الشاب المثقف والكاتب الذي يحب العيش في زمن لا يستخدم فيه الناس الكمبيوتر - يمتلك 3 آلات كاتبة - لكن يتضح أنه مثل مثقفي أفلام يوسف معاطي وعادل إمام، شخص مدع "يبيع نفسه لكل مشتري"، وجورج مساعد كاثلين في مكتبتها البسيطة سيعمل في متاجر فوكس.
يرتبط جو فوكس بشخصية غير مراعية، غير متعاطفة مع أي شخص ولا ترى سوى نفسها. في مشهد يتعطل وهي وجو بداخله، فيكتشف أنها شخصية بغيضة. بينما هي كانت تصف تصرفاته بأنها تذكرها بنفسها. يريد صناع العمل بشدة أن يظهر جو كشخص طيب، بينما تظهر الحقيقة أنه مثل صديقته باتريشيا لا يهتم بالناس ولا يتعاطف معهم. ربما يختلف عنها بأنه يشعر ببعض الذنب.
الفيلم واع بعالمه مثل جو ويشعر بالذنب، لكن لا يهم؛ فالرأسمالية ستصلح كل شيء، وجو الذي سيتلاعب بكاثلين طوال نصف الفيلم الثاني يعلم أنه يحبها، وسينتهي الفيلم نهاية سعيدة، فلا داعي للقلق
في عالم الفيلم لا يعتبر شراء القهوة من ستاربكس أمراً عادياً، فالقهوة رمز لاتخاذ القرارات، تعطي الجميع ولو لثوان فرصة للشعور بذواتهم كما يقول جو فوكس. الفيلم واع بعالمه مثل جو ويشعر بالذنب، لكن لا يهم؛ فالرأسمالية ستصلح كل شيء، وجو الذي سيتلاعب بكاثلين طوال نصف الفيلم الثاني يعلم أنه يحبها، وسينتهي الفيلم نهاية سعيدة، فلا داعي للقلق.
أرى الفيلم الظريف أحد كلاسيكيات البروباجاندا الرأسمالية. لذلك، وعلى سبيل الاستثناء في هذه القائمة؛ أرشح لك تجنبه، لا مشاهدته.
لكن إن كنت تبحث عن فيلم لرأس السنة، فإني أنصحك بمشاهدة فيلم كان من المفترض أن يقوم بدور بطولته فرانك سيناترا، لكن القدر لعب دوره ليصبح واحداً من أهم أفلام الكريسماس، حتى وإن رفض بطله الاعتراف بذلك. أنصحك بمشاهدة Die Hard.
سلسلة أفلام Die Hard متاحة للمشاهدة عبر منصة ديزني بلس
Le père Noël est une ordure... لأن العبث مهم دائماً
في كل مرة يأتي الحديث على ذكر الأفلام، يسرع رأسي لتذكر وترشيح هذا الفيلم، تعلو الضحكة وجهي بمجرد أن أستحضر الأفيش الذي لا يوحي أبداً بأي شيء سوى إعلان اسمه "إن بابا نويل قذر".
لكن غالباً، أو دائماً، ما يتم تجاهل هذا الترشيح، لأنه فلم فرنسي لغةً وتقنيةً. فإيقاعه بسيط من دون استنفار للتقنيات واستخدامها للتصعيد الدرامي ثم نقطة حسم. لا موسيقى تصويرية ولا أبطال.
حتى الساعة، وبعد خمسة وعشرين سنة من الحديث عنه، لا أعرف سوى شخصاً واحداً شاهده بناء على نصيحتي، وعاد ليقول مصدوماً: "إنه العبث بعينه" فضحكت. فكيف لنا أن نحتمل الحياة بدون العبث؟ وكيف لنا بقضاء فترة الميلاد بكل أحلامها وآمالها وأحداثها وإحباطاتها بدون العبث؟
فيلمنا هذا يملك كل عناصر أفلام عيد الميلاد، كما أنه عبارة عن أحداث عبثية لا معقولة، لكن واقعية تماماً.
لا أتذكر في أي سنة على التحديد رأيت الفيلم ، لكني متأكدة أنه كان في السنوات الأولى لوصولي لكندا وأمومتي لبناتي.
كنت في عزلتي عن العالم الجديد الغريب، أقضي أيامي مع أطفالي الصغار بين الحديقة الكبيرة قرب النهر والمكتبة العامة والتلفزيون. لم أشتر صحناً لاقطاً لمتابعة الفضائيات العربية، وكانت شبكة الانترنت في بداياتها. فكانت لي فرصة متابعة التلفزيونات المحلية والتعرف على رؤية مختلفة للإعلام: برامج، مسلسلات وأفلام مختلفة.
أتذكر أني لم استسغ ما رأيته، رغم أنه أثارني وأخافني. لكن شيئاً فشيئاً، اهتممت به وشاهدته فأحببته، قبل أن أعرف قصة تحويله من مسرحية فاشلة إلى فيلم، أو حكاية فرقة الممثلين الرائدة التي أنجزته، ولا قصة ميزانيته ولا أهميته كفيلم cult.
لم أضحك يوماً على طرفة الرجل الذي يقع متزحلقاً بقشرة الموز. كنت أرى رجلاً وقوراً يتعرض لحادث مؤذي. يملؤني الشعور بالحرج من أجله، والغضب من إلقاء قشرة الموزة في الشارع، والأسف لألمه. لم أكن أفهم الفكرة من وراء ذلك.
لكن أستطيع القول أنني بفضل هذا الفيلم، بدأت أفهم المغزى من الضحك على الرجل الذي يقع بسبب قشرة الموز، فلم أعد أرى الوقار مقابل الألم والفوضى، بل الصورة المثالية مقابل عبث الواقع وغرابته. الوقار ليس سوى استعلاء عن النظر للأرض والانتباه إلى حيث نمشي، الموزة ليست وساخة على الأرض، بل فرصة للتجريب. الوقوع ليس ألماً، بل طيران ثم التحام بالأرض. أما بابا نويل فليس رجلاً طيباً يحمل الهدايا، بل قد يكون رجلاً مضطرباً يعنف زوجته الحامل ويعمل مؤقتاً في الدعاية لمحل تجاري.
يمكن مشاهدة الفيلم على "كانال +" على هذا الرابط
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم