شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في الحسكة هناك من يقول

في الحسكة هناك من يقول "لا" لحزب العمال الكردستاني... كفانا حرباً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الجمعة 23 ديسمبر 202212:00 م

"أعيش في بيت لا أملكه، وراتبي لا يكفيني للمعيشة وأقساط المنزل، من دون مساعدة أبنائي المشتتين بين أوروبا وتركيا وكردستان العراق"، يقول محمد بكري (48 عاماً)، وهو موظف في معمل لتحلية المياه في القامشلي.

يتابع الرجل الأربعيني الأخبار، تحديداً تلك المتعلّقة بالعملية العسكرية التركية المنتظرة في شمال سوريا، وفي القامشلي التي يغلب عليها الكرد، ويقول لرصيف22: "أين سنذهب، وأنا النازح من عفرين بعد عملية غصن الزيتون عام 2018؟ لا يُمكنني تكرار اللجوء من جديد، فولدي في كردستان بالكاد يعيل نفسه، والطريق إلى أوروبا مكلف ومحفوف بالمخاطر".

يتوقف قليلاً قبل أن يُكمل: "كيف سيشعر ولدي الذي يُقيم في إسطنبول، في حال هجمت تركيا على ما تبقى من المنطقة الكردية؟ أتمنى الوصول إلى توافقات سياسية. الحرب أوغلت في جسدي ونفسيتي ولم تعد ليّ أيّ طاقة على المواجهة أو تجربة هجرة جديدة".

المتجول في أحياء ومطاعم ومجالس أبناء المنطقة، يدرك حجم الخوف والقلق الذي يعتريهم جميعاً. تقول نالين حميد (29 عاماً)، وهي مدرّسة لدى الحكومة السورية: "ازدادت مؤخراً التحذيرات الطبية من انتشار مرض الكوليرا، وتعاني غالبية الناس من الفقر والحاجة، وصحيح أن الماء والكهرباء دائما الانقطاع، لكن على الأقل لدينا سقف نحتمي به، وهو لا يقارن بحياة المخيمات".

وتعيش المنطقة تحت وطأة التهديدات التركية بعملية عسكرية برية جديدة، ضد مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، سواء في شرق الفرات أو غربه، وهو ما يؤجج مشاعر الخوف والحيرة.

تعيش المنطقة تحت وطأة التهديدات التركية بعملية عسكرية برية جديدة، ضد مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، سواء في شرق الفرات أو غربه

الذرائع الكثيرة

برأي الأكاديمي فريد سعدون، "التهديدات التركية جدية وتكررت سابقاً وأدت إلى نتائج كارثية في المنطقة، وأخذت بموجبها أجزاء من أراضي الدولة السورية سواء ضمن مناطق قسد أو غيرها"، رافضاً ربط التهديدات بحسابات داخلية، "لا يمكن الادعاء بأن التهديدات تعود إلى أسباب داخلية أو مصالح شخصية أو لكسب الأصوات الانتخابية، بل هي إستراتيجية تركية تهدف إلى الهيمنة على المنطقة".

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "تتذرع تركيا بمحاربة الإرهاب وحماية حدودها الجنوبية وأمنها القومي الإستراتيجي، لكن الهدف الأساسي هو الهيمنة على المنطقة والاستثمار الاقتصادي في حوض المتوسط ومحاربة الوجود الكردي".

من جهته، يتحدث طلال محمد، رئيس حزب السلام الكردستاني المشارك في الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية، إلى رصيف22، عن التهديدات، ويقول: "الاستمرار التركي في إطلاق تهديدات حول القيام بعملية عسكرية، يؤكد مجدّداً عدم التزام تركيا بأي اتفاق يتعلّق بوقف إطلاق النار، بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وروسيا من جهة أخرى".

برأيه، "يقتضي إيقاف تركيا، وحماية المناطق من أي عملية اجتياح تركية، تحركاً دولياً عاجلاً، لردعها وإيقافها عند حدّها، وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه عبر بيانات إدانة واستنكار، إنما عبر اتخاذ موقف صارم وحازم، يكون مؤثراً وفعالاً على الأرض"، مشيراً إلى أن "التحذير الأمريكي الأخير، والذي بموجبه توقفت تركيا عن شن عملياتها العسكرية، قد يكون نوعاً من المواقف الصارمة، التي يمكن أن توقف العدوان بشكل مؤقت، لكن هذا لا يعني أن تركيا لن تستمر في إطلاق تهديداتها بشكل عام، كما كانت تفعل منذ سنوات".

في المقابل، يحمّل جان أحمد (اسم مستعار بناءً على طلبه)، "المسؤولية كاملةً للإدارة الذاتية، بسبب مواقفها وعدم التصرف كجسم سوري"، داعياً قسد إلى قطع العلاقة مع العمال الكردستاني، لأنها تجلب الكوارث والمشكلات لكرد سوريا، وليس المطلوب أن تتحول مناطقنا إلى منصة لتصفية الحسابات والمشكلات العالقة بين تركيا والعمال الكردستاني".

حدود مفتوحة

يعدد سعدون أسباب عدم التمكن من إنهاء التهديدات بشكل مطلق، معتقداً أنه يمكن فقط التخفيف من أعبائها، "فتركيا تنظر إلى سوريا على أنها مناطق فوضى وصراعات وحدود مفتوحة، فتجد أنقرة نفسها معنيّةً بسوريا أكثر من الدول المتدخلة في الشأن السوري من إقليمية أو دولية، كما تجد في سوريا عنصراً فاعلاً في سياسات المنطقة، لذلك منع التدخل التركي أمر غير ممكن حالياً، إنما تفادي التهديدات عبر التخفيف من الذرائع التي تتخذها تركيا للتدخل مثل تواجد العمال الكردستاني ورغبته في بناء كيان خاص به في شمال شرق سوريا".

كيف سيشعر ولدي الذي يُقيم في إسطنبول، في حال هجمت تركيا على ما تبقى من المنطقة الكردية؟ أتمنى الوصول إلى توافقات سياسية. الحرب أوغلت في جسدي ولم تعد ليّ أيّ طاقة على المواجهة

وبرأيه، "لا يجب أن يقود الإدارة الذاتية عناصر من العمال الكردستاني، بل يجب تشكيل إدارة من كل المكونات ذات صبغة سورية وهذا متوقف على التوافق الكردي-الكردي، ثم الكردي-العربي".

من جهته، يقول محمد: "بالرجوع إلى مسيرة مجلس سوريا الديمقراطي (مسد)، وخاصةً خلال آخر سنتين، نلاحظ التقدم الذي حصل في علاقاته مع قوى دولية فاعلة، وهو كمشروع وطني سوري، عبر برنامجه وأطروحاته لحل الأزمة السورية، وخاصةً عقد ملتقيات حوارية مع قوى سياسية وطنية سورية معارضة تؤمن بالحل السياسي للأزمة السورية، وشخصيات سياسية معارضة، يؤكد أنه إطار سياسي، وحليف يمكن الوثوق به".

وينطلق من هذا الواقع ليشير إلى أن "مجلس سوريا الديمقراطي، فعل كل ما يمكن فعله لكي يكون له حلفاء حقيقيون، وإن كان الظاهر يوحي بعدم وجود حلفاء، فهذا لا يعني أن الخلل في مسد، وإنما في التناقضات الدولية الحاصلة، ولعب تركيا على حبال تلك التناقضات جميعها".

في المقابل، يحدد جان أحمد، وهو كاتب من القامشلي، "خيارات كرد سوريا بإيقاف تلك العملية على توحيد الرؤية الكردية المشتركة، وإخراج عناصر العمال الكردستاني، وتشكيل جيش قوامه بشمركة روج آفا، قسد، مكونات المنطقة، وإعادة هيكلة الإدارة الذاتية، وغير ذلك سيعني حتماً أن الكارثة ستقع".

المعارضة السورية

يكمل جان حديثه إلى رصيف22، حول دور الفصائل المسلحة، ويقول: "للأسف هؤلاء نسفوا مبدأ العيش المشترك، وتركوا قوات النظام على راحتها، وخصصت جل قوتها وسلاحها صوب المناطق الكردية، فكيف سنعيش معاً بعد الآن، ولا أنكر أن الإدارة الذاتية سيئة بكافة المقاييس في الإدارة والشراكة، وتتسبب في منح تركيا الذرائع، لكن تجربة الكرد معهم في عفرين وسري كانيه أثبتت أنهم يرتكبون الفظائع والانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين الأبرياء".

سبق أن وقّع المجلس الكردي والائتلاف السوري وثيقة تفاهم، تلتزم بموجبها الفصائل بإعادة كافة الممتلكات الخاصة بالمواطنين

وسبق أن وقّع المجلس الكردي والائتلاف السوري المعارض وثيقة تفاهم، تلتزم بموجبها تلك الفصائل بإعادة كافة الممتلكات الخاصة بالمواطنين إليهم، وعدم المساس براحتهم ومصالحهم وحياتهم، وإطلاق سراح المعتقلين، وإخراج المقرات العسكرية إلى خارج نطاق مدينة عفرين، لكن الفصائل لم تلتزم بها، وتم إيقاف العمل باللجنة، ولم يتمكن رصيف22 من الحصول على إجابة واضحة عن سبب توقف تلك اللجنة من الطرفين.

تقول لمياء محمد (27 عاماً)، وهي نازحة من قرية بلبلة إلى الحسكة، بعد عملية غصن الزيتون: "لو حصلت عملية عسكرية، فإن أول ما أفكر فيه هو ما ستفعله فصائل المعارضة المسلحة. لقد طردونا من بيتنا، وأهانونا، وسرقوا ممتلكاتنا. لن ننسى ما حصل أبداً".

وسبق أن كرر المجلس الكردي إصدار العديد من بيانات التنديد والشجب حول ممارسات تلك الفصائل لكن من دون أن يتغير أيّ شيء.

الخوف من الحرب

نتيجةً للفقر وفقدان فرص العمل لدى أعداد كبيرة من أبناء المجتمع المحلي في محافظة الحسكة، يعتمد قسم كبير منهم في توفير مستلزماته على العمل اليومي، بائعين على البسطات، أو في العتالة، أو بنظام العمل بالمياومة.

"إذا لم أعمل اليوم، لن يتناول أبنائي الطعام غداً"، هكذا بدأ فرحان المحمود (44 عاماً) حديثه إلى رصيف22، وأضاف: "أعمل في رفع الإسمنت ومختلف مواد البناء لقاء بضعة دولارات يومياً، وغالباً ما يتأثر عملنا بالاشتباكات المسلحة التي كانت تحصل سابقاً بين مختلف الجهات، فكيف مع الحرب والاجتياح؟ كم يوماً سنبقى بلا عمل وبلا خبز وطعام للأولاد؟". ولدى فرحان 3 أبناء وبنت واحدة، "كلهم طلاب مدرسة. أين سنذهب وما مصيرنا؟ لا أحد يفكر فينا وفي مستقبلنا".

"على قسد قطع العلاقة مع العمال الكردستاني، لأنها تجلب الكوارث والمشكلات لكرد سوريا، مناطقنا ليست منصة لتصفية الحسابات"

والمتجوّل في الشوارع الرئيسية في القامشلي مثل الكورنيش والقوتلي والأربوية وغيرها، يلاحظ انخراط النساء في مهنة العتالة، وتقول سعدية العلي (33 عاماً)، التي تحمّل كراتين متوسطة الوزن: "زوجي يجلس في المنزل مساءً مع الأولاد وأنا مع العديد من الأخريات نعمل في رفع الكراتين والبضائع القادمة من كردستان أو دمشق، لقاء أجر يومي يختلف حسب الوزن وعدد العاملات، ونوع البضاعة، بالكاد يساعدنا، وكل ذلك سينتهي لو بدأت العملية العسكرية، لا أرغب في أن نتشرد مجدداً، تكفينا رحلة التشرد الأولى بعد دخول داعش إلى تل حميس جنوب القامشلي".

يقول عيسى حنا (58 عاماً)، من أهالي الحسكة، لرصيف22: "عانينا نحن المسيحيين كثيراً من التهجير في هذه الحرب، وأي عملية عسكرية جديدة ستعني المزيد من الهجرة، ولذلك أتمنى أن تفوّت الإدارة الذاتية الفرصة على تركيا، وأن تتصرف كجسم سوري وليس كتابع، وأن تمنع القيام بأي استفزازات من مظاهرات أو غيرها تستغلها تركيا لصالح حملتها الدعائية، يهمنا العيش بسلام، وأن يكون العيش المشترك هو أساس معيشتنا".

من جهته، يرى فهد السعدي (62 عاماً)، وهو من وجهاء عشيرة شمر العربية، "أن إبعاد المسوّغات التركية وعدم منحها هدايا مجانيةً، أمر في غاية الأهمية، واستقرار المنطقة أفضل من الحروب العبثية، فأي عملية عسكرية ستعني المزيد من الدماء والخراب، ولا مكان نهاجر أو نلجأ إليه، والحل الأنسب هو التوافق السياسي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard