بعد أسبوع واحد من وقوع الانفجار في شارع الاستقلال في مدينة إسطنبول التركية، في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، والذي أدى إلى مقتل ستة مدنيين وعشرات الجرحى، انطلقت الغارات الجوية التركية لضرب مواقع عسكرية تابعة لقوات قسد، على طول الشريط الحدودي وفي عمق سيطرتها فلي شمال سوريا، وجاء ذلك بعد اعتراف منفذة التفجير بأنها تلقت أوامرها من حزب العمال الكردستاني، وفق ما صرح مسؤولون أتراك.
تصنف أنقرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ميليشيات إرهابيةً، وتعدّها أحد فروع حزب العمال الكردستاني في سوريا، لذا ومنذ منتصف الشهر الفائت، ركّزت ضرباتها الجوية في عملية أطلق عليها مسؤولون أتراك "المخلب-السيف"، مؤكدين أنها ستتجاوز الاستهداف الجوي إلى اجتياح بري برفقة فصائل الجيش الوطني التابع للمعارضة السورية، لنحو ثلاث مدن رئيسية هي "تل رفعت، عين العرب كوباني، ومنبج"، خاصةً أن رد قسد أزعج تركيا كثيراً، إذ أوقع ضحايا مدنيين في قضاء قرقميش التابع لولاية غازي عينتاب جنوب تركيا، بالإضافة إلى ضحايا في مدينه أعزاز شمال سوريا نتيجة الصواريخ والقذائف التي استخدمتها.
تركيا والموقف الدولي
تشترط تركيا لإيقاف العملية ضد قوات قسد، انسحاب الأخيرة من منبج وعين العرب وتل رفعت، كما اشترطت عودة مؤسسات النظام السوري بديلاً من قوات قسد، بما فيها القوات الأمنية وحرس الحدود، بالإضافة إلى تسليم قسد قادةً وأعضاء بارزين من حزب العمال الكردستاني لأنقرة.
تشترط تركيا لإيقاف العملية, انسحاب قسد من منبج وعين العرب وتل رفعت، كما اشترطت عودة مؤسسات النظام السوري
في المقابل، تعدّ قسد هذه الشروط مرفوضةً جملةً وتفصيلاً، إذ أكدت عبر بيان مكتب الدفاع في الإدارة الذاتية الجناح المدني لقواتها، أن "الرد سيكون قاسياً إذا ما استمرت الهجمات التركية".
وتحاول روسيا لعب دور الوسيط بين أنقرة وقوات قسد عبر اقتراحها نشر قوات من الفيلق الخامس -الذي تشرف عليه في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام- على الشريط الحدودي، بالإضافة إلى عودة مؤسسات النظام إلى تلك المناطق، وهو ما رفضته قسد.
أما بالنسبة إلى الموقف الأمريكي، فقد أنهى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الجدل حول تذبذب الموقف الأمريكي، إذ أبلغ نظيره التركي الأربعاء 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، معارضة أمريكا القوية لعملية عسكرية تركية جديدة في سوريا، وعبّر عن قلقه من تصاعد الوضع في البلاد بما في ذلك الضربات الجوية التركية التي هدد بعضها على نحو مباشر سلامة الأفراد العاملين مع شركاء محليين في سوريا لهزيمة داعش، وكان موقع "المونيتور الأمريكي"، قد أكد انتقال مسؤولين أمريكيين من شمال شرق سوريا إلى كردستان العراق بالتزامن مع الضربات الجوية التركية.
يرى الخبير العسكري العميد أحمد الرحال، أن "سحب الموظفين الأمريكيين إلى أربيل لا يعني أن أمريكا موافقة على العملية، إنما هو إجراء بهدف حماية موظفيها وعناصرها".
ويلفت في حديثه لرصيف22، إلى أن "واشنطن تريد إمساك العصا من المنتصف من خلال عدم انتقاد أنقرة من جهة وعدم التخلّي عن قسد من جهة أخرى، إذ تحاول التوفيق بين الأطراف، مع الإشارة إلى أن تركيا تنتقد أمريكا جراء تسليحها قوّات قسد، وهذا الانتقاد يُفهم منه عدم التوافق بين أنقرة وواشنطن، خاصةً أن الأخيرة ترى العملية الجوية التركية شمال شرق سوريا كافيةً للرد على تفجير إسطنبول، وأن تركيا في عملية التأديب هذه قد تخطت حدود أمنها القومي".
وكان سلاح الجو التركي قد أعلن عن استهداف "أكثر من 70 مقاتلةً حربيةً ومسيّرةً، العديد من المنشآت الحيوية شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى عدد من القياديين والعناصر، إذ تم استهداف 471 هدفاً، بينها خمس محطات نفطية في ريف القامشلي، وملاجئ وأنفاق ومستودعات، توزعت في مناطق شمال العراق في جبل قنديل وأسوس وهاكورك، وعين العرب وتل رفعت ومناطق في دير الزور شمال شرق سوريا، زيادةً على تحييد 254 إرهابياً".
يقول رحال إن "تركيا قادرة بإمكانياتها العسكرية وحلفائها على القيام بعمل عسكري منفرد من دون تنسيق مع الحلفاء، ولكن السؤال، هل تستطيع أنقرة أن تتحمل تبعات العملية وردود الأفعال الروسية والأمريكية والإيرانية؟".
ويضيف: "الروس أنشأوا نقطةً عسكريةً في عين العرب، وهذا يُقرأ بمفهومين اثنين: الأول استبدال قوات قسد بقوات روسية، والثاني هو رسالة لأنقرة بأن روسيا تمنع أي عمل عسكري تركي، مع الإشارة إلى أن روسيا تعرض انتشار الفيلق الخامس أيضاً في مناطق تل رفعت وعين العرب ومنبج، إلا أن أنقرة ترفض الانتشار الشكلي لقوات النظام، ما يدل على خلافات بين دمشق وأنقرة وموسكو".
تقارب تركي مع الأسد
تغيّرت السياسية التركية في علاقتها مع نظام الأسد بشكل كبير، وتبدل الخطاب من فكرة إسقاط النظام إلى فكرة القضاء على الكيان الانفصالي فقط، والذي تعدّه تركيا الخطر الوحيد على أمنها القومي، وتدعم تلك السياسة التفاهمات الروسية-التركية التي تبدو أنها أكثر انسجاماً من التفاهمات مع أمريكا، الداعم الرئيسي لقسد.
تركيا قادرة على القيام بعمل عسكري منفرد من دون تنسيق مع الحلفاء، ولكن السؤال، هل تستطيع أنقرة أن تتحمل تبعات العملية وردود الأفعال الروسية والأمريكية والإيرانية؟
في آب/ أغسطس الفائت، أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، جملة تصريحات تناولت تأكيدات على حصول تواصل ما بين جهاز الاستخبارات السوري والتركي بخصوص مكافحة الإرهاب، كما أشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بشكل متزامن مع تصريحات أردوغان، إلى أن "بلاده ستقدم كل أنواع الدعم السياسي للنظام السوري في مواجهة قسد لإبعادها عن الحدود التركية".
في الإطار نفسه، تحاول روسيا فرض واقع تقاربي ما بين دمشق وأنقرة، بهدف عودة العلاقات السياسية، وتمثلت في طلب روسيا من تركيا التنسيق مع دمشق لحل قضية التنظيمات الكردية الانفصالية وملف اللاجئين خلال قمة سوتشي الأخيرة.
وفي إطار سعيها إلى كسب الانتخابات المقبلة، سحبت الحكومة التركية ورقة المفاوضات مع النظام، وورقة اللاجئين السوريين من يد المعارضة، إذ وعدت باستكمال إنشاء مشروع المنطقة الآمنة شمال سوريا، وتوسيعها بعمق 30 كيلومتراً، لإعادة مليون لاجئ سوري إلى إليها.
رسائل التطبيع
يقول محمد طاهر أوغلو، الصحافي والباحث في الشأن التركي، لرصيف22، إن "حديث تركيا عن إمكانية التطبيع مع النظام السوري يحمل رسائل للداخل التركي أولاً في ظل محاولة المعارضة تسلّم زمام الملف السوري، والذي يُعدّ على رأس أجندة القضايا الداخلية، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في حزيران/ يونيو 2023".
ويضيف: "هناك دلالات أخرى تتعلق باعتقاد تركيا بأن تمرير هذه الرسائل مهم بالنسبة إلى روسيا، التي تجري محادثات معها حول العملية البرية المحتملة، وكذلك إلى النظام السوري في الدرجة الثانية في سبيل عدم التعاون إطلاقاً مع قسد وغيرها، بمعنى أن تركيا تحاول جر النظام نحوها بدلاً من أن يستجيب لنداء قسد فيتحالف معها"، مشيراً إلى أن "تركيا تحاول إغراء النظام في سبيل عدم رؤية أي تعاون بينه وبين قسد، ولذلك تركز أيضاً على مسألة وحدة الأراضي السورية، وعدم السماح لقسد ووحدات الحماية بتقسيم بعض أجزاء سوريا أو السيطرة عليها".
يتوقع أوغلو، أن "هذه النقطة لو تحققت، فإنها في المقابل ستضع مصير إدلب ومناطق المعارضة على المحك، فتسلُّم قوات النظام مناطق منبج، تل رفعت وعين العرب، يعني اشتراطه السيطرة كذلك على مناطق الشمال السوري الأخرى، وسحب البساط من تحت قوات المعارضة الحليفة لتركيا".
عجز دمشق
تحاول روسيا التقريب بين دمشق وأنقرة، بهدف عودة العلاقات السياسية، من باب التنسيق لحل قضية التنظيمات الكردية
يبدو أن روسيا قادرة على أن تعيد رسم خريطة النفوذ الأمني بالضغط على النظام في حال حلوله مكان قسد، كي لا يكون النظام عامل قلق مزعجاً، وألا يسبب أي تهديد للأمن القومي التركي، إلا أن السؤال الأهم يكمن في مدى قدرة النظام على عدم تهديد دول الجوار أمام ترهل منظومته، ووجود الحليف الإيراني من جهة، ومدى رغبته في منح الحكومة الحالية التي يقودها أردوغان ورقةً رابحةً مع اقتراب الانتخابات التركية أمام المعارضة التي لطالما عُرفت بموقفها الداعم لنظام الأسد، والإشكال الأهم، هو قبول قسد بالوساطة الروسية؟
يجيب الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، بالقول، إن "المتوقع هو عدم قبول قسد الانسحاب من المناطق الثلاث الخاضعة لسيطرتها، فيما تركيا ستبدأ عمليات عسكريةً بريةً محدودةً وستستمر في عملياتها الجوية، أما النظام فهو عاجز عن القيام بأدوار أمنية داخل مناطق قسد، لأنه مستنزَف أمنياً وعسكرياً، وعاجز عن ضبط هذه المناطق والأهم من ذلك عدم وجود إرادة حقيقية لديه أصلاً".
يرى علوان في حديثه إلى رصيف22، أن "فتح تركيا باب الحوار مع النظام مبني على أساس دعمها للحل السياسي الذي توافقت عليه المجموعة الدولية والمعارضة والنظام، كما أن تركيا غالباً ما تنطلق بما يناسب مصالحها خاصةً الأمنية منها، فهي تنظر إلى الملف السوري من ناحيتين:
- الأولى أن هناك تهديداً -وهو الأخطر لتركيا- من حزب العمال الكردستاني والميليشيات التابعة له سواء في شمال سوريا أو شمال العراق، وتهديدات تتعلق بالأمن القومي التركي تستهدف المصالح التركية.
- أما التهديد الثاني فهو من قبل النظام السوري الذي ما زال حتى هذه اللحظة يعلن في خطابه الرسمي معاداة تركيا والمصالح التركية، لكن علاقة تركيا بالنظام متعلقة بوساطة روسية تضمن لتركيا بالفعل عدم تهديد النظام لمصالحها وأمنها القومي على الشريط الحدودي، وأن ينخرط في موضوع محاربة الإرهاب ضمن التوافق الذي تدفع إليه تركيا، فموضوع الانفتاح السياسي التركي هو مفيد خارجياً وداخلياً لكن ليس بالضرورة أن يؤدي إلى نتائج، لأن النظام عادةً ما يفشل في تقديم أي تطمينات لدول الجوار أو أي تغيير في سلوكه.
أين المعارضة؟
شنّت تركيا ثلاث عمليات عسكرية شمال سوريا؛ درع الفرات 2016 وغصن الزيتون 2018 ونبع السلام 2019، واستطاعت عبر هذه العمليات الحد من نفوذ قسد على الحدود الجنوبية لتركيا، من عفرين غرباً إلى عامودا شرقاً، بما يتضمن محافظة دير الزور الغنية بالنفط، إلا أن تركيا وعبر شرطها الأخير باستبدال قوات قسد بقوات النظام مع استعدادها للحوار مع دمشق، فتحت الباب أمام جملة من التساؤلات عن رغبتها في إبعاد قوات المعارضة عسكرياً ومدنياً من مناطق عين العرب ومنبج وتل رفعت.
مصالح المعارضة السورية تتقاطع في كثير من الأمور مع السياسة التركية، فهل تتخلّى أنقرة عنها لصالح الاستفادة مما يُمكن أن يقدم لها النظام السوري؟
يوضح علوان، أن "مصالح المعارضة السورية تتقاطع في كثير من الأمور مع السياسة التركية، لأن المعارضة السورية أيضاً هي في موضع العداء المستمر للمجموعات الانفصالية والنظام"، نافياً "فكرة تخلي الجانب التركي عن المعارضة، فاستثماره في المعارضة هو استثمار توافق مصالح".
وينبه إلى أن "تركيا تفضّل دخول المعارضة إلى هذه المناطق (عين العرب كوباني ومنبج وتل رفعت)، فنموذج المناطق المحررة اليوم هو نموذج ممتاز بالنسبة لتركيا على مستوى أمنها، إلا أن من الممكن، ضمن الضغوط الدولية وضمن الضغط الروسي بالذات، أن تختبر تركيا موضوع جدية التسوية الروسية ومدى قدرتها على ترجمتها على أرض الواقع أم لا".
ورقة "داعش"
تستغل "قسد" ورقة تنظيم داعش، الورقة الأقوى بالنسبة لها، في محاولة منها لكبح جماح الاستهداف التركي، إذ أعلن قائد قوات قسد، مظلوم عبدي، أن العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش" توقفت بسبب الهجمات التركية، كما أعلن تعليق التنسيق مع قوات التحالف في شأن محاربة التنظيم، وتشرف قسد على سجون ومخيمات تضمّ آلاف المنتسبين إلى "داعش" من عناصر وأمراء محليين وعرب وأجانب.
ويرى أوغلو، أن ملف داعش شمال شرق سوريا، هو جوهر المسألة بالنسبة إلى أمريكا التي تعارض أي عمل عسكري في تلك المناطق، فهي تزعم بأن ذلك سيقوض مكافحة "شركائها" لداعش، وتالياً هذا الملف يُعدّ ورقة ضغط مثمرةً بالنسبة إلى قسد.
ويتوقع "تكثيفاً في التعويل على هذه الورقة، والتهديد بالتخلي عن مسؤوليتها في مكافحة التنظيم"، لافتاً إلى أنه ربما سنشهد محاولةً لإعادة إحياء "خلايا نائمة" أو ربما "ميتة" بالأحرى، في سبيل إقامة الحجة على تركيا بأن خطر داعش لا يزال قائماً، وأن قسد "شريكة" أمريكا، لذا يجب أن تواصل حربها أو وظيفتها في تلك المناطق لمواجهة هذا الخطر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع