شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
من كيليان مبابي إلى استيفان روستي... أو العكس

من كيليان مبابي إلى استيفان روستي... أو العكس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الجمعة 23 ديسمبر 202202:17 م


لا أحد يختلف على "كيليان"، لكن هل هو كيليان امبابي أم مبابي؟ هل يبدأ اسمه بهمزة مكسورة فينطق "إمبابي" كأنه أحد أبناء منطقة "إمبابة" المصرية (كما ظن بالفعل بعض من لا يتابعون كرة القدم، مخدوعين بملامحه المألوفة قاهرياً)، أم أن علينا البدء من حرف الميم مباشرة، متجاهلين حرف الألف؟ وإن بدأنا من الميم، فهل ننطق الياء إلى آخرها كأنها ملحقة بحرف هاء "مبابيه"؟ هل هذا هو النطق الصحيح، أم نمد الياء من دون أي هاء، شرط أن ننطق الباء الأولى "خفيفة لأنها حرف "b"، والباء الأخيرة "ثقيلة" لأنها حرف "p"، أي هكذا؛ مباپيه؟

ليست تلك التساؤلات "اللسانية" من وحي خاطري، لقد ضجّت بها وسائل التواصل الاجتماعي أثناء متابعة مونديال قطر. حسناً، إن كلمة "ضجّت" مبالغ فيها، لكن لنقل إنها صاحبت، في عديد من المرات، التطرّق إلى أخبار نجم هجوم "الديوك الفرنسية". النجم الصغير سناً، الأعلى قيمة في سوق "الفوتبول"، لاعب باريس سان جيرمان، والذي تعود أصوله، كمعظم الفريق الأزرق، إلى قارة إفريقيا، ويتحدّر من اثنتين من أبرز المستعمرات الفرنسية السابقة: أم جزائرية مسلمة وأب كاميروني مسيحي.

آه، هذه نقطة جدل أخرى، قد تكون أهم كثيراً من طريقة نطق لقب كيليان، لكن، لأسباب عديدة، لن يتم ذكرها كثيراً في إعلامنا، ولا في وسائل التواصل الموجّهة تقليدياً عبر التيارات الأصولية، أو التابعة طبيعياً للمزاج المحافظ. في أي بلد عربي/ إسلامي يمكن أن تتم زيجة كتلك التي بين أم كيليان، الوكيلة الرياضية ولاعبة كرة اليد الجزائرية السابقة، فايزة العماري، المولودة في "بوندي" بالشمال الفرنسي، ووالده، ويلفريد مبابي، مدرب كرة القدم المولود في دوالا بالكاميرون؟ إنهما منفصلان الآن، وإن كانا "لا يزالان أصدقاء"، كما تقول وسائل إعلام.

في أي بلد عربي/ إسلامي يمكن أن تتم زيجة كتلك التي بين أم كيليان، الوكيلة الرياضية ولاعبة كرة اليد الجزائرية السابقة، فايزة العماري، المولودة في "بوندي" بالشمال الفرنسي، ووالده، ويلفريد مبابي، مدرب كرة القدم المولود في دوالا بالكاميرون؟

في تونس، التي يُثار فيها الجدل كل بضعة سنوات حول إلغاء قانون كان يحظر زواج المسلمة بغير المسلم، تونس، بلد انطلاقة الربيع العربي، والذي يعد الأكثر تقدماً – قانوناً على الأقل – فيما يخصّ الأحوال الشخصية وتمكين النساء، لا يزال الزواج غير الديني فيه مسألة نظرية، أما فرنسا، حيث التقت فايزة بويلفريد، وتزوجا، وأنجبا، وانفصلا، وهما لا يزالان حتى الآن، شبه شابين (فايزة 47 عاماً وويلفريد 52 عاماً)، فقد بدت علاقتهما الزوجية من أولها إلى انتهائها مسألة بداهة طبيعية، من دون حملات وتظاهرات ومطالب تشريعية، وكذلك كان مولد كيليان، ونشأته في فرنسا، بعيداً عما يسمّى "أصوله"، ثم تمثيله لمنتخب فرنسا، والأهم "تفرنسه"، إلى حد معاملته شبه المزدرية للرئيس الفرنسي حين نزل إلى الملعب ليواسيه على خسارة النهائي.

لم يمنع تحدر كيليان من أجداد غير فرنسيين بالمرّة، تحوّله الطبيعي، في هذه السن الصغيرة، إلى فرنسي تام، أو حتى ولادته فرنسياً.

كان الشرق يعرف في الماضي، قبل جمهوريات الاستقلال، شيئاً كذلك؛ نجد على  ويكيبيديا، وكمثل الجدل حول نطق اسم كيليان، معاناة في كتابة النطق الصحيح لاسم نجم السينما المصرية القديم ستيفان روستي. حتى أن اسمه في عنوان صفحته على الموسوعة المفتوحة "إستفان" بهمزة مكسورة وبدون ياء بعد التاء. تظهر الياء وتزول الهمزة حين نقرأ اسم الشرير الظريف في متن الصفحة.

مثل كثير من النجوم "المصريين" في تلك الحقبة الزمنية في النصف الأول من القرن العشرين، لم يكن لاستيفان أي جذور مصرية، ولد من أم إيطالية ووالد كان سفير النمسا في القاهرة. لم يمنعه ذلك من الحصول على الجنسية المصرية حين تقدم لطلبها في أربعينيات القرن العشرين، تماماً كما فعل عبد السلام النابلسي وفريد الأطرش.

تبخّرت كوزموبوليتانية المجتمع المصري التي امتدت من أواخر القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، في عصر الجمهورية، وبعد ثورة 1952

في العصر الجمهوري، ما بعد ثورة 1952، صار حصول "الأجنبي" على الجنسية المصرية أصعب، ما لم يكن بقرار من أعلى المستويات ( تمنّع على المخرج محمد خان ذي الأب الباكستاني إلى قبل ما رحيله بعامين)، صاحب ذلك – لأسباب سياسية بالأساس- تبخر كوزموبوليتانية المجتمع المصري التي امتدت من أواخر القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين. التعدّدية التي ساهمت في صنع وتأجيج جذوة الفن المصري في عصوره الذهبية، بمساهمة فنانين أتوا من الشام واليونان وإيطاليا والعراق.

ومع اندماجات وهجرات أنجبت فنانين، مثل يوسف شاهين (أب لبناني وأم من أصول يونانية) وسعاد حسني (أب سوري وأم مصرية) وعمر الشريف (أصول سورية لبنانية) وآخرون لا يمكن حصرهم في مجالات الفنون والثقافة والآداب والصحافة، حتى أن داليدا، أسطورة فرنسا، المولودة في حي شبرا لأسرة من أصول إيطالية، والتي غادرت مصر شابة بعد أدوار سينمائية قصيرة وتاج "ملكة جمال مصر"، وإن تضاربت المعلومات حول حملها جواز سفر مصري، إلا أن مصر ظلت "في خاطرها وفي دمها" وفي أغانيها، إلى آخر نقطة في حياتها ومشوارها الفني.

الأهم أن كل هؤلاء، ممن حصلوا على الجنسية المصرية في ذلك الزمن أو ورثوها عن آبائهم المتكسبين إياها، كانوا أو أصبحوا أو ولدوا "مصريين" بالقدر نفسه الذي صار به اللاعب كيليان مواطناً وإنساناً فرنسياً، بالمعنيين القانوني والثقافي، ومن المفارقات أنه في الزمن الذي كان أجداد كيليان سيعانون فيه العنصرية والتمييز في كثير من أنحاء العالم الغربي، إن أتيحت لهم مجرد فرصة العيش فيه، كانت القاهرة والإسكندرية بوتقة للتعددية والاندماج، اندماج الأعراق والديانات والثقافات، في مزيج لا يُزال يُستعاد للإشارة إلى الفن المصري في أعلى ذراه.

في الصورة الأشهر من فيلم "غزل البنات" (1949)، تظهر ليلى مراد "اليهودية المصرية"، مع نجيب الريحاني "ذي الأصول العراقية"، مع يوسف بك وهبي "من أصول تونسية سورية"، ومحمد عبد الوهاب، ابن منطقة باب الشعرية بالقاهرة. لكن الأكيد أنهم كانوا في اللحظة تلك جميعاً مصريين، والأغرب أن ستيفان روستي، الذي يظهر في مشهد كوميدي قصير بالفيلم نفسه مع زينات صدقي، كان يبدو في كثير من اللحظات، وكثير من الأفلام، أكثر "مصرية" من بقية الممثلين، ولولا اسمه الأوروبي، الذي لا تزال صفحة ويكيبيديا تخطئ فيه، لظنه من يشاهده وهو يقول: "نشّنت يا فالح"، أحد أبناء شبرا أو حي بولاق.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard