شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في أن تكون الغاوي

في أن تكون الغاوي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء نحن والحريات الشخصية

الأربعاء 21 ديسمبر 202212:35 م

سيكون مثيراً للشفقة أن نغادر هذه الحياة دون أن نكتشف بعض أسرار أجسامنا ورغباتها ومتعها. سيكون محفّزاً لنا أن نتخلى عن قليلٍ من تردّدنا لو صنع لنا أحدهم فيلماً قصيراً trailer، وليكن ترويجيّاً، عمَّا ينتظرنا على ضفة وهي لاتزال في متناول الاكتشاف.

إذا سمح أحدنا لنفسه أن يطلق سراح مخيلته، أو أن يقف عارياً أو بأقل حشمة ممكنة أمام مرآة قيوده، قد يتمكن من أن ينصت جيداً إلى رغباته، وربما ينصاع خلفها أو خلف بعضها أو حتى إحداها. وحينها، يحتمل اكتشاف أن أحد هذه المتع هي أن يكون محبوباً، أقصد مرغوباً ومُشتهَى؛ أن يكون الغاوي والمُشتهَى ويكون الآخر هو المَغوي والمُشتهِي.

لا بد أن نجلس على عرش الغواية مرة على الأقل خلال رحلة حياتنا غير المعروفة مدتها، لأن جلوس هذا العرش سيكون التجربة التي ستأخذنا فيها رغباتنا إلى أماكن لم نطأها من قبل إلا في المخيلة على أحسن تقدير. وربما لن نعود بعدها إلى حيث كنّا أو إلى من كنّا. أقول ربما، لأن ليس كل اكتشاف يأخذنا إلى أماكن ومشاعر نرغب بتكرارها، ولكن هذا الاكتشاف بحد ذاته لا بد أن يُضم إلى bucket list التجارب بغض النظر عن النتيجة.

لا بد أن نجلس على عرش الغواية مرة على الأقل خلال رحلة حياتنا غير المعروفة مدتها، لأن جلوس هذا العرش سيكون التجربة التي ستأخذنا فيها رغباتنا إلى أماكن لم نطأها من قبل إلا في المخيلة

أن تكون الغاوي لا المَغوي، أي ألا تمتلك المشاعر التي تكبّلك وتقف حائلاً بينك وبين السعي خلف تحقيق رغباتك. يعني أن تتزوّد بالأنانية المطلوبة -تلك الأنانية التي درّبت نفسك على التخلي عنها في معظم التجارب والاكتشافات السابقة، وربما اللاحقة الأخرى- وتتخفّف من عبء أي عاطفة عائقة لهدفك واكتشافك الحالي، وتستسلم تماماً لشيطان هذه الغواية وما يثيرها فيك، وتنتشي باستقبال رغبة الآخر بالاحتفاء بك وبجسمك؛ الرغبة والاحتفاء اللذان سيحققان رغبتك أو بعضاً منها، فيصير جسمك الآمر الناهي عليك وعلى جسم الآخر الراغب. أن تطلب فتُلبى طلباتك. أن تطلب المزيد، فتُلبى المزيد من طلباتك مجدداً. أن تضحك وأنت تطلب، وأن ترتعش بعد أن تُلبى.

نافذة بعد أخرى ستنفتح بعد أن تقتنع بقدسية متعتك وحقك بالمطالبة بها وملاحقتها

لن يكون أمر جلوس هذا العرش سهلاً، لأن الأمر سيتطلب أولاً أن تقتنع أن السعي وراء المُتع حقّ مقدس؛ حقك على نفسك وعلى جسمك وجلدك وأحشائك، وحتى صوتك الذي ستتعرّف على طبقات منه لم تكن تعرف أنه يختزنها. وعندما تصل إلى القناعة بهذا الحق، ستبدأ، وإن ببطء، بملاحظة النوافذ التي ستُفتح أمامك، منها نافذة تَعرُّف جسمك على قدرات -لم تكن لا أنت ولا جسمك على علم بها- من خلال السماح له بأن يتمتع بواسطة الراغب به وتلبيته لهذه الرغبات وصولاً للطيران، ومن لن يلائمه الطيران لن تضرّه تجربته مرة على الأقل.

الراغب بك وبجسمك لن يبالي بكل العوائق والمحاذير التي عادة تعيق إمكانية اكتشاف رغباتك ثم تحقيقها وامتلائك بها. ولا مبالاتك – في هذه التجربة- بمشاعر الراغب ستسمح لك أن تُسقط المحاذير من حساباتك في حضوره وعلى وأمام وتحت جسدك ليحقّق لك مُتعك.

بحال شعرت بعدم راحة أو ربما ارتباك أو تأنيب ضمير تجاه عدم اكتراثك بمشاعر الراغب، فتأكد أن لديه تجاهك أجندته الخاصة، التي لن تتحقق إلا بتحقق أجندتك تجاهه. فلديه هو أيضاً عرش يسعى للجلوس عليه – غير عرشك - ولو مرة واحدة في رحلة حياته، وشرط تحقيق غايته أن تتحقق غايتك؛ أن تُمتَّع فيما هو يُمتِّع، فتكون أنت الغاوي وهو المغوي، فيجلس كل منكما على عرش متعته.

نافذة بعد أخرى ستنفتح بعد أن تقتنع بقدسية متعتك وحقك بالمطالبة بها وملاحقتها. المطالبة بالوصول إلى المتع، الاستسلام التام استقبالاً لها، الاستمتاع بكل اكتشاف، اكتشاف الصوت (الصوت الذي لم تألفه سابقاً) استخراج اللمسات من اليدين (اللمسات التي لم تكن تلمسها يديك سابقاً) التعرف على روائح جديدة لجسمك (الروائح التي لم تخرج من جسمك سابقاً)!

الراغب هو وسيلتك للعبور إلى حيث تصبح الأجسام أخفّ وزناً وطرية كغيمة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image