شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
العشق الملعون: حكايات نساء عن الرغبة والجسد

العشق الملعون: حكايات نساء عن الرغبة والجسد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 17 أبريل 201901:30 م

هي قصص نساء عن العشق، الرغبة، والجسد، التي اختارت المخرجة لارا قانصو أن تجسدها على المسرح، في عرضها الحالي ( غياب). لكنها أيضاً قصص عن انتهاكات تتعرض لها النساء، عن مخاوفهن، وعن تقييد حرياتهن، والقمع الحاصل على رغباتهن وعلى تجاربهن الجسدية. هي علاقة صراع تجسدها حكايات المسرحية بين مفاهيم مثل: العشق، الرغبة، والجسد، – المفردات الثلاثة الأكثر تكراراً خلال العرض في مونولوجات المؤديات والشخصيات، وبين ظواهر ثقافية هي: كبت الشهوات، قمع الرغبات، ومعاقبة التجارب الجسدية.

على المسرح تجسد السينوغرافيا أجواء المقبرة، ويسد لون الأحمر القاني، كتل ترابية حمراء، ستارة بلون مخملي في عمق المسرح، أزياء المؤديات من الألوان الحارة أيضاً، وكذلك يركز تصميم الإضاءة على اللون الأحمر القاني. تدرجات المخملي والأحمر في ألوان السينوغرافيا تجمع بين الدم، الشهوة، الجسد، ولون التراب القاني.

هي قصص نساء عن العشق، الرغبة، والجسد، التي اختارت المخرجة لارا قانصو أن تجسدها على المسرح، في عرضها الحالي ( غياب). لكنها أيضاً قصص عن انتهاكات تتعرض لها النساء، عن مخاوفهن، وعن تقييد حرياتهن، والقمع الحاصل على رغباتهن وعلى تجاربهن الجسدية.

كبت الشهوات، قمع الرغبات، ومعاقبة التجارب الجسدية.: المفردات الثلاثة الأكثر تكراراً خلال عرض مسرحية "غياب" في الحديث عن نساء العالم العربي وتجاربهن

العشق عند الحيوان ، وآلهة للعشق 

تروي المؤدية ضنا مخايل حكاية ذئبة تعوي عند قبر ذكرها، تنبش التراب لتستخرج عظامه، وبأداء يدمج بين الطقس والسحر، وعن طريق العواء والغناء والرقص، تستحضر الذئبة من عظام ذكرها حضور أفروديت، إلهة الحب والشهوة والجمال عند الإغريق، تقول الراوية: (تظهر أفروديت لتلهمنا الحب والشهوة والرغبة) ، ترمز الحكاية وكأن هذه المفاهيم سابقة على الحضارة الإنسانية، بل تعود إلى الغريزة الحيوانية، إلى التداخل بين الماورائي – الروح، والدنيوي – التراب والأرض.

للنساء الأخريات على المسرح قصص أكثر دنيوية، لقد أخذت المدينة من شخصية نوار يوسف كل أحباءها، في إشارة إلى الحروب والصراعات في المنطقة العربية، فارق بعضهم الحياة، آخرون اعتقلوا، وحبيبها هاجر، لكن وبعد رحيله، اكشتفت المرأة في هذه الحكاية أنها حامل منه. لم ترغب بإخباره، رغبت الإحتفاظ بالجنين بداخلها، رغم إدراكها لممارسات المجتمع القاسية في معاقبة الحامل دون زواج.

تتقدم المؤدية ماري تيريز غصن إلى مقدمة المسرح، لتروي للجمهور مباشرةً لتروي حكايات نساء فارقن الحياة في السنوات الأخيرة في لبنان، بسبب جرائم العنف ضد المرأة، عوقبن على شهوات الجسد أو تجارب الرغبة، كأن ماري غصن تكمل حكاية ومصير شخصية نوار يوسف الحبلى دون زواج، عن طريقها ندرك المصير المخبأ لها.

الرغبة والتجارب الجسدية

تروي ماري تيريز غصن عن امرأة تم رجمها حتى الموت، وكان أول من ألقى عليها حجر الرجم هو ابنها، تروي عن أخرى قتلها زوجها بطنجرة المطبخ وجعل والدتها وأختها تراقبانها وهي تنزف الدماء حتى الموت، هي حالات وحكايات موثقة تحدد الراوية الأسماء وسنوات وقوع الجريمة التي تستمر حتى عامنا الحالي.

تروي مسرحية "غياب" حكايات نساء فارقن الحياة في السنوات الأخيرة في لبنان، بسبب جرائم العنف ضد المرأة، عوقبن على شهوات الجسد أو تجارب الرغبة

جو من الرهبة يسود المسرح، خصوصاً أن المؤدية تواجه الجمهور مباشرةً وهي تحكي عن تلك النسوة الضحايا، كأن الجميع يتحمل مسؤولية ما يجري. يتضمن المشهد أيضاً إدانة لتعامل القضاء والمجتمع المتساهل في معاقبة مرتكبي هذه الجرائم من الذكور بحق قريباتهن. ثم تتراجع الراوية إلى عمق المسرح، تستقلي على الستارة الحمراء بوضعية الجثث المهيأة للدفن، إنها الآن جثة مسجاة، تتجمع حولها المؤديات الأخريات ويرفعنها كتابوت ذاهب تحت الأرض، تنهمر أوراق نباتات من أعلى المسرح على الجسد المسجى، تتحول الخشبة إلى طقس الدفن ومشاعر الفقدان.

لا تغيب الحرب أيضاً عن موضوعات المسرحية، فالمشهد الذي تؤديه ستيفاني كيال يبدأ بندب المسكن، المنزل، البيت الذي تحول إلى أنقاض وحجارة، فُقد مكان الذاكرة وشعور الطمأنينة. تحكي عن حجارة البيوت المهدمة رمز الدمار والخراب، حجارة الأنقاض رمز ضياع الذاكرة وتشتتها، حجارة الرجم رمز القتل والقسوة. تجمع ستيفاني كيال في أداءها بين الإنفعال والسخرية، تنهمر سلاسل من الرمال الحمراء من أعلى خشبة المسرح فوق شعرها، وجسدها، دون حركة أو ممانعة تثبت المؤدية تحت الرمال، بإشارة جديدة إلى أثر الحرب ودفن الأجساد تحت الأنقاض أو التراب.

في البيان الخاص لمسرحية (غياب)، كتبت المخرجة : ( قصص مأساوية لنساء ذقن طعم الانتهاك والخداع، تتلاشى تدريجياً لتفسح المجال أمام قصص أكثر مرحاً وخفة )، لكن التحول من العوالم المأساوية إلى أجواء أكثر مرحاً وخفة يكاد لا يحدث في المسرحية، مرة وحيدة، تنتفض شخصية (أداء ستيفاني كيال) على الأجواء المأساوية التي تسود العرض، وكنوع من كسر الإيهام مع الجمهور، تطلب من المخرجة بصوت عالي على المسرح أن تبدل الإضاءة إلى الأبيض، أن تضيء على الصالة حيث يمكن رؤية الجمهور، أن تلعب على الخشبة موسيقى راقصة، وتشجع المؤديات الأخريات على الرقص المرح، لكن هذه المحاولة تبدو غير مبررة درامياً في سياق الحدث المسرحي، ولا تدوم إلا دقائق قليلة، ليتم العودة مباشرة إلى العوالم الرصينة للتراجيديا.

العشق الملعون 

تحتل حكاية ( أفروديسيا ) القسم الأخير من المسرحية، ولأول مرة في المسرحية تستعمل الجوقة في السرد، تروي الجوقة حكاية أفروديسيا القريبة من حكايات العشق الملعون، فيدر التي عشقت ابن زوجها، أفروديسيا أرملة، لكنها عاشقة للص، شخص مكروه، يحاول الناس التخلص منه ويقتلونه بقطع رأسه. على المسرح نشهد زيارة أفروديسيا إلى قبر حبيبها باسوس، تحاكي جثته عند الرمال وتكتشف وشماً بإسمها على يده، تحتار بين الفرحة وبين الخوف من اكتشاف الناس لاسمها، فتهمر فوقه التراب.

تروي الحكاية أن أفروديسيا نقلت جثة حبيبها إلى مكان دفن زوجها، وبدلت المواضع بين القبر والجثتين، لكي تتمكن من زيارة جثة حبيبها عند قبر زوجها دون أن يكتشف الناس ذلك، لكنها وفي أثناء عملية النقل، تكتشف أن رأس باسوس غير موجود مع الجثة، وأنه مايزال في عند موضع مقتله. ستارة المسرح تتحول إلى تلال ، هضاب، وأمواج ترمز إلى طريق رحلة أفروديسيا بحثاً عن رأس حبيبها المفصول عن الجثة. تؤدي نوار يوسف شخصية أفروديسيا التي تتطلب المبالغة في تجسيد الإنفعالات، القدرة الخطابية في إلقاء المونولوجات، والفجيعة في أداء الحركة المسرحية.

توضح المخرجة لارا قانصو المراجع التي استلهمت منها قصص المسرحية : ( رواية الأرملة أفروديسيا، للكاتبة مارغريت يورسنار)، رواية ( المرأة المرجومة، لفریدون صاحب جمع)، رواية (الانتحار والأغنية، لسعيد بهو الدين مجروح) وكتاب نظري هو ( نساء يركضن مع الذئاب، لكلاريسا بينكولا إستس).


لكن هذا النوع من بناء العرض المسرحي على مقتطفات من مراجع أدبية مختلفة يتطلب جهداً دراماتورجياً بدى غير متحقق كفاية في العرض. فالحكايات المختارة لاتبدو دوماً قادرة على التعبير الدقيق أو الأجود عن المفاهيم الكبرى التي يتبناها العرض أي : العشق، الرغبة، الجسد. وهل هذه الحكايات المختارة هي أفضل مافي الإرث الأدبي والفني للتعبير عن العشق والرغبة والجسد ؟

كما أن العرض ينطوي على بنية سردية تحتاج إلى عناية أكبر، فبينما نجد الجزء الأول من العرض يحمل العديد من الحكايات، فجأة يبدأ العرض بالتركيز على حكاية واحدة هي حكاية أفروديسيا بطريقة لم تكن مستعملة سابقاً في العرض.

على المستوى الإخراجي أيضاً، يظهر تناوب غير متوازن في استعمال التقنيات السردية - المسرحية، فكل القصص تروى سرداً خطابياً، بينما حكاية واحدة تؤدى تمثيلاً وهي حكاية أفروديسيا، وفيها تستعمل تقنية الجوقة، التي لم تستعمل في أيٍ من الحكايات الأخرى.

أخيراً، في عرض (غياب)، تحسن المخرجة لارا قانصو التعامل مع الغرض المسرحي، عناصر مثل: الرمل، ورق الشجر، ستارة حمراء، وشال، تستعملها المخرجة كعناصر سينوغرافية تارةً، وأدوات في سرد الحكايات تارةً أخرى، يتحول الرمل إلى مقبرة ويرمز إلى الدمار في بعض الحكايات، ورق الشجر يمثل الطبيعة ولكنه نباتات الدفن في الآن عينه، والستارة المسرحية تطون كفناً وطريقاً، والشال يمثل جنيناً ورأساً مقطوعاً أيضاً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image