جدل واسع أثارته الموافقة المبدئية لمجلس النواب المصري، خلال جلسته أمس الاثنين، 19 ديسمبر/ كانون الثاني 2022، على مجمل مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس، وسط مخاوف من أن يتيح هذا التعديل باباً لبيع الأصول الثابتة والمنقولة للهيئة، استغلالاً للنصوص المضافة والمعدلة في مواد القانون.
وبمجرد الإعلان عن نصوص المواد التي فوجئ الرأي العام بها عند إعلانها في جلسة البرلمان، انتشرت المخاوف بين مختلف أفراد طبقات المجتمع، ومنهم مثقفون وسياسيون، بعضهم معروف بتحوطه قبل الإدلاء بأية تصريحات معادية لقرارات واتجاهات الدولة، ما دعا رئيس البرلمان المستشار حنفي الجبالي إلى قراءة بيان علني في افتتاح جلسة الثلاثاء، نفى فيه أن تكون نية الدولة من وراء القانون "بيع قناة السويس" التي يحمي الدستور ملكيتها على حد قوله من دون أن يتعرض إلى المخاوف من إخراج إيرادات القناة من الموازنة العامة من خلال الصندوق وخفض الرقابة على إيراداتها ومصروفاتها عبر نقل ولاية تلك الأموال إلى الصندوق، وكذلك المخاوف من نية بيع أصول القناة من جرارات ومصانع ومنشآت ومعدات، أو حتى بيع حق الإدارة أو تأجيره.
المادة التي أثارت المخاوف، تقضي بمنح الصندوق ذي الشخصية الاعتبارية المستقلة، الحق في شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها، للمساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرفق هيئة قناة السويس وتطويره
بيع وتأجير واستغلال أصول
ينص مشروع القانون – الذي أرجئت الموافقة النهائية عليه لجلسة لاحقة، لعدم اكتمال النصاب القانوني لتمريره - على أن يُنشأ صندوق يسمى "صندوق هيئة قناة السويس"، تكون له شخصية اعتبارية مستقلة.
ويمنح المشروع الصندوق سلطة القيام بجميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية للهيئة، بما في ذلك المساهمة بمفرده أو مع الغير في تأسيس الشركات، أو في زيادة رؤوس أموالها، فضلاً عن الاستثمار في الأوراق المالية، والمادة التي أثارت المخاوف والتي تقضي بمنحه الحق في شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها، للمساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرفق هيئة قناة السويس وتطويره.
موازنة "مستقلة"؟
مواد مشروع القانون حددت رأس المال المرخص الصندوق التابع لهيئة قناة السويس، بقيمة 100 مليار جنيه مصري، ورأس ماله المصدر والمدفوع بقيمة 10 مليارات جنيه مصرية، كما اعتبرت الصندوق "أحد أشخاص القانون الخاص" أي أنه غير ملزم بموافقة أي جهة خارجه على قرارات يتخذها مجلس إدارته، ويجوز زيادة رأس ماله نقدًا أو عينًا بموافقة الجمعية العمومية للصندوق، وتُعد أمواله من الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة.
ووفقاً للتشريع الحكومي، تشمل مصادر موارد الصندوق: رأس ماله، ونسبة من إيرادات هيئة قناة السويس، أو تخصيص جزء من فائض أموال هيئة قناة السويس لصالح الصندوق بعد الاتفاق مع وزير المالية، وعائد وإيرادات استثمار أموال الصندوق، بالإضافة إلى الموارد الأخرى التي تحقق أهداف الصندوق، ويقرها مجلس الإدارة، ويقبلها رئيس مجلس الوزراء.
تصريحات الرئيس خلال المؤتمر الاقتصادي التي تفيد بورود أموال إلى صندوق تابع للقناة فعلاً، تسبق طرح تقنين وضع الصندوق الخاص برلمانياً بشهرين كاملين
وتكون للصندوق مُوازنة مستقلة، ويتم اتباع معايير المحاسبة وإعداد قوائمها المالية، ويتولى مراقب حسابات أو أكثر مُراجعة حسابات الصندوق.
في حديثه خلال الجلسة الختامية للمؤتمر الاقتصادي في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس أخبره أن العباءة المالية للهيئة لا تشمل أي أموال، نظراً لأن إيراداتها كانت تذهب مباشرة لوزارة المالية، لذا طلب منه السيسي إنشاء صندوق خاص لتوفير اعتمادات مالية للهيئة بعيداً عن سلطة الحكومة.
واستدرك: "كان هناك اقتراح للاستمرار في توريد هذه الأموال لوزارة المالية على أن يعاد تخصيصها مجدداً، إلا أنني لم أجد هذا المسار ناجحاً، لذا قررت أن أترك وزير المالية يطحن نفسه علشان نعمل، والآن عائد الصندوق وصل إلى حوالي 80 مليار جنيه، وقريباً قد يصل إلى 200 مليار جنيه، ومجلس النواب يدرس حالياً استثمار هذه الأموال. أنا أعمل فلوس من أي حتة". هذه التصريحات التي تفيد بورود أموال إلى الصندوق فعلاً، تسبق طرح تقنينه برلمانياً بشهرين كاملين.
السيسي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي: "كان هناك اقتراح للاستمرار في توريد هذه الأموال لوزارة المالية على أن يعاد تخصيصها مجدداً، إلا أنني لم أجد هذا المسار ناجحاً... الآن عائد الصندوق وصل إلى حوالي 80 مليار جنيه، وقريباً قد يصل إلى 200 مليار جنيه، ومجلس النواب يدرس حالياً استثمار هذه الأموال. أنا أعمل فلوس من أي حتة"
رقابة غائبة و"استنساخ لبيع الأهرامات"
مشروع القانون أثار لغطاً كبيراً داخل أروقة البرلمان المصري نفسه، حيث اتهم النواب المعترضون الحكومة بمواصلة سياسة تفريغ أصول الدولة، وتحويل المال العام إلى مال خاص، بإضافة مزيد من الصناديق الخاصة، التي تبتلع ميزانيات الهيئات دون رقابة أو محاسبة، في الوقت الذي تتوالى فيه النداءات بتوحيد الموازنة، بينما يعتبر المؤيدون أن القرار "حل غير تقليدي لتدبير موارد إضافية للهيئة".
زعيم الأغلبية "الموالاة" في البرلمان المصري أشرف رشاد أعلن موافقته على مشروع القانون، معتبراً إنشاء الصندوق بعيداً عن الحلول الروتينية، ويستهدف تسهيل الأمور وليس تعقيدها.
أما غادة علي، العضوة في مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين – الموالية للسلطة في مصر – فقد تحفظت على إنشاء صناديق وهياكل إدارية جديدة تتفق في أهدافها مع كيانات منشأة في هذا الصدد، بحسب قولها، ودعت عوضاً عن ذلك إلى دفع ذراع استثمارية موحدة لتنمية موارد الدولة وجذب الاستثمارات، متسائلة: "ألَا يوجد فكر لدى الحكومة في تنمية الموارد غير استحداث صناديق؟".
رئيس حزب العدل وأمين سر لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري عبدالمنعم إمام سجل رفضه لمشروع القانون، معبراً عن استغرابه من "إصرار الحكومة على محاولات العبث بالهيئات الرابحة، وإنشاء صناديق لها تغيب عنها المراقبة والمحاسبة".
خلال كلمته، في الجلسة العامة لتمرير مشروع القانون، قال إمام: "نحن نتحدث عن 120 ألف مصري قدموا أرواحهم لحفر قناة السويس، التي تجري في وجداننا جميعاً"، ووجه حديثه للحكومة: "أنتم تأخذون الهيئات الرابحة في الموازنة، وتنشئون لها صناديق من دون سلطة للبرلمان لمراقبة أعمالها، بينما تتركون لنا الهيئات الخاسرة فقط".
وأردف: "نحن نتحدث عن أكبر مصدر للنقد الأجنبي للدولة: بواقع سبعة مليارات دولار في الموازنة العامة، التي تعاني بالفعل من عجز بقيمة 560 مليار جنيه، فكيف للحكومة أن تنشيء صندوقاً يحصل على نسبة من هذه الإيرادات؟ ألا يكفينا وجود سبعة آلاف صندوق خاص في مصر؟!".
برلمانيون: الحكومة ليس لديها حلول سوى الخروج عن الموازنة، لدينا آلاف الصناديق الخاصة، وإنشاء صندوق لهيئة قناة السويس، ينتج عنه تفريغ مصر من أموالها، كما "يستدعي الأجنبي" من خلال طرح الأوراق المالية في البورصة
رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد في مجلس النواب محمد عبدالعليم داود، شدد أيضاً على رفضه مشروع قانون إنشاء صندوق هيئة قناة السويس، واصفاً إياه بأنه "خطر داهم على الدولة المصرية".
وقال داود، خلال كلمته في الجلسة ذاتها، إن القانون 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس الذي يضم 16 مادة، عندما يضاف إليها تسع مواد بشأن إنشاء صندوق هيئة قناة السويس، ينتج عنه تفريغ مصر من أموالها، كما "يستدعي الأجنبي" من خلال طرح الأوراق المالية في البورصة.
ولفت إلى أن مشروع القانون يسمح للصندوق باستئجار وبيع الأصول المصرية، بالإضافة إلى تحويل المال العام إلى مال خاص، وهو الأمر الذي يشكل خطورة داهمة على البلاد، مؤكداً أن هذا الأمر يعيد التذكير بمحاولة بيع جزء من الأهرامات في السبعينيات، وقد تصدت لها الكاتبة نعمات أحمد فؤاد.
يشير النائب إلى محاولة السلطات تمرير بيع عشرة آلاف فدان من هضبة الأهرامات لمستثمر كندي مقابل نحو مليوني دولار، بالمشاركة مع شركة مصر لتنمية السياحة، التي رفعت بشأنها دعوى ضد رئيس الدولة محمد أنور السادات، وقضت المحكمة لصالحها ملغية قرار البيع.
رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد، ذكَّر أيضاً بمساندة البرلمان المصري آنذاك لنعمات أحمد فؤاد في الوقوف ضد مشروع بيع جزء من منطقة الأهرامات، حتى تكللت جهودهم برفض صفقة البيع. داعياً البرلمان الحالي إلى السير على النهج ذاته والوقوف ضد قانون "بيع قناة السويس".
"لبسنا في الحيط"
اعتراضات النواب وصلت إلى حد المطالبة بإقالة الحكومة، واستدعاء رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، لمساءلته عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية للبلاد، وتسجيل الاعتراض على الخطط الحكومية في التعامل مع الأزمات داخل البلاد.
النائبة عن الحزب المصري الديمقراطي مها عبدالناصر أكدت رفضها فكرة إنشاء صناديق جديدة بما فيها المقدم من الحكومة بإنشاء صندوق خاص لهيئة قناة السويس، ودعت إلى ضرورة الضغط لتحقيق وحدة الموازنة العامة للدولة، مضيفة: "الحكومة مصرة على مواصلة النهج نفسه، منتظرة نتائج مختلفة".
وأوضحت النائبة أنها طالبت بمثول رئيس الوزراء أمام البرلمان من أجل "توضيح الوضع الاقتصادي الحقيقي، بدلاً من التقرير الذي تم نشره عن الادعاءات الكاذبة عن الوضع الاقتصادي للدولة".
وتابعت: "كأن ما يمر به المصريون جميعاً من أزمة اقتصادية طاحنة، وما يرونه أمام أعينهم من انهيار تام للعملة المحلية ومعدلات غير مسبوقة للتضخم هو مجرد ادعاءات... إننا لسنوات نصحنا الحكومة بأن هذا الطريق نهايته سيئة، بالفعل لبسنا في الحيط".
في تعليقه على مشروع القانون المقدّم من الحكومة، طالب النائب فريدي البياضي بإقالة الحكومة ومحاكمتها، متهماً إياها بمواصلة إغراق البلاد في الأزمات الاقتصادية والديون وتفريغ موازنة الدولة من إيراداتها، وإفقار الطبقات المتوسطة والفقيرة.
وقال البياضي: "الحكومة جاية توقّع الميزانية أكثر ما هي واقعة، وكل شوية تطلع لنا بصندوق وتقول علشان يبقى عندنا مرونة، وتاخد جزء من إيرادات الدولة بعيداً عن موازنة الدولة، وبعيداً عن رقابة البرلمان"، متسائلا: "بأمارة إيه أدّيلك مرونة؟! ما أنت لو كنت بتعرف تسوق؛ كنت سيبتك تسوق، إنما أنت عمال تعوّم في الجنيه وغرقتنا في الديون، وغرّقت الطبقات المتوسطة والفقيرة".
وواصل: "هذه الحكومة ستسمى تاريخياً بحكومة الصناديق، يكفي إفراغ موازنة الدولة واستمرار السياسات الخاطئة، وتكفي كل هذه الصناديق. هذه الحكومة يجب أن تُقال وتٌحاكَم".
جبهة دفاع عن القناة
موجة الاعتراض والرفض تخطت أروقة البرلمان إلى فضاءات أوسع، حيث انتقد قيادات الحركة المدنية الديمقراطية - المنضوي تحتها عدد من أبرز الكيانات المدنية المعارضة - مشروع القانون، داعين إلى تأسيس جبهة للدفاع عن قناة السويس، تشمل معارضي الصندوق وخصخصة القناة.
المرشح الرئاسي السابق والقيادي في الحركة المدنية حمدين صباحي أبدىاعتراضه على التشريع الحكومي لبيع أصول قناة السويس، قائلاً: "قناة السويس خط أحمر، بأرواح الشعب حفرناها، وبإرادة الشعب أممناها، وبدماء جيش الشعب حررناها، هي ملك الشعب ولن يسمح لحكومة فاشلة بالتفريط فيها".
بدوره، دعا القيادي في الحركة ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مدحت الزاهد إلى تأسيس "جبهة الدفاع عن قناة السويس" من أجل توحيد الجهود بشمولها لكل معارضي قانون الصندوق وخصخصة القناة والتفريط في الأمن القومي وسيادة مصر على شريانها الحيوي.
وأضاف في منشور على فيسبوك: "مصر في خطر يستهدف نيلها وقناتها ومصادر ثروتها وقوتها، الآن وليس غداً، جبهة الدفاع عن القناة".
"يبدو أننا قد انتهينا من بيع الأثاث، وبدأت مرحلة بيع جدران البيت"، هكذا وصفأستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية د. عمار علي حسن، مشروع القانون الحكومي، وأضاف: "أتحدث عن قانون ينظره البرلمان عن إنشاء صندوق لهيئة قناة السويس يكون من حقه شراء وبيع وإيجار واستئجار الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها"، معلقاً: "يا لضياع أرواح الذين استشهدوا في التأميم، والذين دفعوا أثماناً بسببه".
"حلول" من أصول الدولة وجيوب المواطنين
يأتي طرح أصول هيئة قناة السويس للبيع والانتفاع ضمن خطة حكومية موسعة لمحاولة جمع أكبر قدر من الإيرادات المالية في محاولة لمواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجهها البلاد، والتي اتهم معارضون السلطة الحالية بالتسبب فيها من الأساس.
في منتصف يوليو/ حزيران 2022، أعلن رئيس الوزراء تدشين ما تسمى بـ"وثيقة ملكية الدولة"، التي تحدد القطاعات والصناعات التي تخطط الحكومة للتخارج منها أو زيادة حصتها فيها، ضمن خطة متكاملة تستهدف تمكين القطاع الخاص، وتشمل بيع الأصول كليًا أو جزئيًا من خلال مستثمر أو مستثمرين إستراتيجيين وزيادة رأس المال أو تبني تقنيات جديدة للإنتاج أو الإدارة أو التسويق، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في هيكل الملكية، بهدف جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 40 مليار دولار خلال أربعة أعوام.
كما تضمنت آليات التخارج الحكومية طرح الأصول المملوكة من خلال البورصة، بشكل كلي أو جزئي في البورصة، شريطة أن تكون خلال آخر ثلاث سنوات، فضلاً عن المشاركة مع القطاع الخاص بعقود إدارة وتمويل وتشمل عقود إدارة وتشغيل أو مشاركة بالتمويل أو عقود مشاركة تطوير وتشغيل ODA أو عقود مشاركة بناء وتمويل وتحويل ملكية، ومنح صاحب الامتياز الحق طويل الأجل في استخدام أًصول مشروعات البنية الأساسية.
وتضم أنشطة الإبقاء مع تثبيت أو تخفيض الاستثمارات الحكومية، مع السماح بمشاركة القطاع الخاص، عدداً من الأنشطة في قطاع النقل، مثل إنشاء وتشغيل وإدارة وصيانة البنية الفوقية لمحطات الحاويات والمحطات المتخصصة بأنواعها في الموانئ البحرية، وبناء وتشغيل وإدارة وصيانة الأنشطة المرتبطة بصناعة النقل البحري.
رئيس الوزراء أوضح أن التخارج قد يكون أيضاً من خلال إعادة هيكلة الأصول العامة وخصخصتها (البيع كلياً أو جزئياً) حيث تعمل الحكومة على برنامج مكثف لإعادة هيكلة أصول الدولة ثم بيعها، وقد يتضمن ذلك أيضاً الاندماج ثم البيع.
لم تتوقف الحكومة عند هذا الأمر، إذ هرعت إلى فتح باب المساهمة والشراء الأجنبي لعدد من أصولها. قال رئيس قطاع الاستثمار بصندوق مصر السيادي، عبدالله الإبياري، إن صندوق مصر السيادي نجح في "جذب استثمارات بقيمة 3.3 مليار دولار من الصناديق السيادية العربية خلال العام الجاري.
وتتسابق السعودية والإمارات إلى الاستحواذ على الشركات العاملة في قطاعات الأسمدة والحاويات والتكنولوجيا المالية، إذ حصل البلدان الخليجيان على 45% من شركة مصر لإنتاج الأسمدة "موبكو" و41% من أبو قير للأسمدة و52% من الإسكندرية للحاويات و37.6% من شركة "إي فاينانس"، كما تخطط قطر للاستحواذ على حصص في "الإسكندرية للحاويات"، فضلاً عن شركات أخرى بقطاعي التكنولوجيا المالية والأغذية باستثمارات تصل إلى 20 مليار دولار.
الرياض وأبو ظبي استحوذا على نسب في عدد من المصارف والشركات المصرية، على رأسها البنك التجاري الدولي CIB، كما قدم بنك "أبوظبي الأول" عرضاً إجبارياً للاستحواذ على حصة أغلبية بنحو 51% من المجموعة المالية "هيرميس"، بقيمة 1.2 مليار دولار، واستحوذ بنك "أبوظبي الأول"، على "بنك عودة" بشكل نهائي بعد إتمام الاندماج الكامل للعمليات والأنظمة مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بإجمالي أصول يبلغ 187 مليار جنيه، و69 فرعاً و211 ماكينة صراف آلي.
البنك السعودي الفرنسي بدوره أبدى اهتمامه بالاستحواذ على بنك القاهرة، الذي يملك بنك مصر الحكومي نسبة 99.9% منه، كما يُجري صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي السعودي) محادثات متقدمة للاستحواذ على بنك "المصرف المتحد" في صفقة تقدر بـ600 مليون دولار تقريباً، كما يخطط الصندوق "السيادي القطري" للتقدم بطلب للبنك المركزي للموافقة على إجراء فحص نافي للجهالة تمهيدا لشراء البنك أيضاً.
وسط إجراءات بيع الأصول والاستثمار، لم تنس الحكومة جيوب المواطنين لتثقلها بأعباء جديدة أملاً في جمع مزيد من الأموال، ففرضت رسوماً جديدة على أصحاب المحال العامة، كما حاولت تكبيد أصحاب المهن الحرة أعباء ضريبة جديدة "الفاتورة الإلكترونية"، قبل قرار إرجائها إلى أبريل/ نيسان على إثر موجة احتجاجات غير مسبوقة في البلاد.
ومع تزايد التخبط في السياسات الاقتصادية، قرعت مجدداً الحكومة باب صندوق النقد الدولي، الذي بدوره وافق على منح مصر قرضاً بقيمة ثلاثة مليارات دولار لمدة 46 شهراً، مشروطاً بحزمة سياسات شاملة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وتمهيد الطريق لنمو شامل يقوده القطاع الخاص، فضلاً عن التحول الدائم إلى نظام سعر صرف مرن، وسياسة نقدية تهدف إلى خفض التضخم تدريجياً، وضبط أوضاع المالية العامة لضمان مسار الدين العام التنازلي، وتبني إصلاحات هيكلية واسعة النطاق.
تلبية لاشتراطات صندوق النقد لجأت الحكومة إلى "تعويم جديد" لعملتها المحلية، هوى بقيمتها إلى مستوى تاريخي، إذ يقترب الدولار الأمريكي من 25 جنيهاً مصرياً، مسجلاً ارتفاعاً تاريخياً عن مستواه الذي سجله في نهاية 2016 بقيمة 19.5 جنيه، إلا أن جميع هذه الإجراءات لم تمنعها من استكمال خطتها "المرفوضة شعبيا" بـ"العبث بملكية الدولة لأصولها".
رئيس مجلس النواب المستشار الدكتور حنفي جبالي أكد أن قناة السويس مال عام لا يمكن التفريط فيه، وأن مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس، لا يتضمن أحكاماً تمس قناة السويس لكونها من أموال الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو بيعها.
وأضاف رئيس مجلس النواب، في كلمته خلال الجلسة العامة اليوم الثلاثاء، 20 ديسمبر/ كانون الأول 2022: أن مشروع القانون لا يتضمن أية أحكام تمس قناة السويس؛ لكونها من أموال الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو بيعها، بل يزيد على ذلك التزام الدولة بحمايتها وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها، فضلاً عن تنمية قطاعِ القناة، باعتباره مركزاً اقتصادياً متميزاً.
لكنه استدرك: "أما ما تضمنه مشروع القانونِ من حقِ الصندوقِ، المزمعِ إنشاؤه، في بيعِ أو شراءِ أو استئجارِ أو استغلالِ أصوله الثابتة أو المنقولة، فهو أمر طبيعي يتفق مع طبيعة الصناديقِ كوسيلة من وسائل التمويل والاستثمارِ، ولا يمس بشكل مباشرٍ أو غير مباشر بقناة السويس، لأن لفظ الأصول لا يمكن أن ينصرف، بأي حال من الأحوال، إلى القناة ذاتها؛ فهي مال عام لا يمكن التفريط فيه".
على الرغم من إعلان رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، تحقيق القناة أرقاماً قياسية في إيراداتها خلال العام الجاري مسجلة ثمانية مليارات دولار، أكد استمرار الحكومة في خطة إنشاء الصندوق، نافياً في الوقت ذاته أن يكون الهدف من إنشائه هو بيع أصول القناة، وإنما تعظيم الاستفادة من الإيرادات عن طريق استثمارها بأفضل طريقة.
الاستمرار في نهج بيع أصول الدولة وزيادة الأعباء على المواطنين، فضلاً عن السياسات الاقتصادية "المرتبكة"، يثير الكثير من القلق على مستقبل البلاد "الضبابي بالفعل"، بينما يأتي مشروع قانون صندوق قناة السويس ليسكب مزيداً من الزيت على نار أوضاع متأزمة تهدد بانفجار محتمل قد لا تحمد عقباه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...