شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ما فهمته أخيراً عن الاقتصاد: المال لا يشتري السعادة لأنه لا يكفي لشراء البَيْض

ما فهمته أخيراً عن الاقتصاد: المال لا يشتري السعادة لأنه لا يكفي لشراء البَيْض

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 16 نوفمبر 202212:30 م


لا أفهم في الاقتصاد. فحتى وقت قريب، كنت أطلق على "صندوق النقد الدولي" اسم "صندوق البنك الدولي"، رغم أن هذا الصندوق صار لنا كمصريين أكثر من صديق، نسمع أخباره كثيراً، ونلجأ إليه في الملمات. فقد حصلت مصر على ثلاثة قروض سابقة من صندوق النقد الدولي على مدار السنوات الست الماضية، اقتربت من 20 مليار دولار، وكانت البداية بقرض الـ12 مليار دولار في عام 2016 لتمويل برنامج للإصلاح الاقتصادي، والثاني بقيمة 2.77 مليار دولار لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، واستكملت بقرض ثالث بقيمة 5.2 مليار دولار ضمن برنامج الاستعداد الائتماني مقابل شروط قاسية، منها تعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه، واختارت السلطات خفض الإنفاق الاجتماعي على الخدمات والأجور والدعم، تلبية لشرط خفض الإنفاق الحكومي.

وأخيراً، نجحت مصر في التوصل لاتفاق يقضي بالحصول على قرض من الصندوق نفسه بلغ ثلاثة مليارات دولار.

هل تحسنت الأمور فعلاً؟ لا أقصد الوضع الاقتصادي المصري، بل أعني قدرتي على كتابة المعلومات السابقة وفهمها؟ هل يغير ذلك الفهم حياتي إلى الأفضل؟

أنا شخصياً رددت تلك العبارة لنفسي، كتبتها على تويتر كي أنصح الآخرين، تماماً كما يكتب الجميع نصائح عن ضرورة التحلي بالأخلاق والأمانة؛ فلا يشعرون بعدها أن هناك ضرورة لأن يتحلوا في الواقع بالأخلاق والأمانة

منذ زمن طويل، وأنا أسمع تلك العبارة: الوقت قد حان لنقرأ في الاقتصاد. إننا جميعاً يجب أن نتخذ تلك الخطوة، وألا ترهبنا الكلمات الملغزة التي يقولها الاقتصاديون لشرح الوضع المعقد، لأن الاقتصاد يمس كل نواحي حياتنا، بل لتحري الدقة هو حياتنا.

أنا شخصياً رددت تلك العبارة لنفسي، كتبتها على تويتر كي أنصح الآخرين، تماماً كما يكتب الجميع نصائح عن ضرورة التحلي بالأخلاق والأمانة ويشكون شر العالم، فلا يشعرون بعدها أن هناك ضرورة لأن يتحلوا في الواقع بالأخلاق والأمانة، وألا يكونوا جزءاً من شر العالم. حصلت على لايكات وإعادة تغريد، وصار الجميع سعداء، لكني لم أسع حقاً للقراءة حول الاقتصاد، لا أنا ولا من أُعجبوا بنصيحتي.

أقول للمحررة: أريد أن أكتب شيئاً عن الاقتصاد، تقرير معتمد على تقارير من مواقع أخرى.

تقول لي: أنت أديب، لا ينتظر قارئُك منك أن تشرح له الوضع الاقتصادي، ما الذي ستقدمه للقارئ ولا يقدمه له الاقتصاديون المتخصصون؟ أرى أن تقريرك كما تطرحه لن يحوي قيمة مضافة.

ما لا أقوله لها: بالضبط، لذا سأقدم تقريراً معتمداً على تقارير من مواقع، لن أتفوه من عندي بحرف.

لا أفهم في الاقتصاد. فحتى وقت قريب، كنت أطلق على "صندوق النقد الدولي" اسم "صندوق البنك الدولي"، رغم أن هذا الصندوق صار لنا كمصريين أكثر من صديق، نسمع أخباره كثيراً، ونلجأ إليه في الملمات

أيمكنني أن أتحسن في تلك السن التي فقد فيها دخلي ومدخراتي القليلة قيمتهما؟ هل فقدت أنا أيضاً ثلث قيمتي؟ يقولون إن المال لا يشتري قيمة الإنسان الداخلية، اللجان الإلكترونية كتبت أشياء شبيهة، وقال الشيخ خالد الجندي إن علينا أن نتوقف عن ربط الجنيه بالدولار، بل بالله سبحانه وتعالى. أنا مؤمن بالله، وكذلك يؤمن الدولار بالله فشعاره الأساسي: In God We trust، لقد فعلوها قبلنا، واحتكروا تلك الفرصة الاستثمارية أيضاً، يا لمكر الغرب وصفقاته، لم ينسوا عقد صفقة مع السماء.

أمثال هؤلاء الشيوخ يضعوننا مع الله في مواقف محرجة، ويدعوننا إلى التساؤل عن أي إله يتحدثون؟ وهل يربطون دخولهم وعملاتهم المكدسة في البنوك أو "تحت البلاطة" بالله فعلاً؟ 

هل نحتاج أساساً لنصائحهم أن علينا أن نثق بالله، وهو كل ما تبقى لنا بعد أن خرج رئيس الدولة نفسه في خطاب علني ليلمح إلى تشككه في جدوى بعض قراراته الاقتصادية على مدار السنوات الثمانية الماضية؟

ما أعرفه أن القروض الثلاثة الأولى وقروضاً أخرى كثيرة معها، لم تنجح في تحسين الأمور، يفسر معارضون ذلك بأنه بدلاً من ضخ الأموال في مشروعات تعين على استدامة الاقتصاد، تم ضخها في مشاريع عملاقة تحت إشراف الجيش في مصر، من بينها مشروع العاصمة الإدارية الذي استنزف موارد الدولة، لكن الرئيس والحكومة ينفيان تماماً هذا الطرح.

أمثال هؤلاء الشيوخ يضعوننا مع الله في مواقف محرجة، ويدعوننا إلى التساؤل عن أي إله يتحدثون؟ وهل يربطون دخولهم وعملاتهم المكدسة في البنوك أو "تحت البلاطة" بالله فعلاً؟

على الأغلب لن يتغير الوضع كثيراً بالقرض الرابع، حتى لو صُرف على عدد من الإصلاحات التي تضمن تأجيل الانفجار الاجتماعي، يقول لي ذلك تقرير بلومبرغ، الذي يرى أن القرض "فرصة أضاعها صندوق النقد للضغط على النظام المصري من أجل تحرير الاقتصاد من قبضة الدولة العميقة"، وأن الصندوق لم يحز سوى مكاسب على المدى القصير، تتمثل في  إبطاء التضخم، وتحرير غير مضمون مداه لسعر الصرف؛ مجرد استراحة من آثار الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت حقاً على الاقتصاد المصري، لكن نجاته على المدى البعيد وفقاً للتقرير، تعتمد على وجود قطاع خاص قوي متحرر من تدخل الدولة العميقة وجهاتها السيادية في قطاعات اقتصادية مهمة كقطاعات البنية التحتية وأخرى غير مهمة كالمكرونة والأرز والمياه المعبأة، مستفيداً من مزايا لا يحصل عليها القطاع الخاص، ومحولاً الاقتصاد المصري إلى ساحة غير متكافئة، هذا ليس كلامي؛ هذا ما تخبرني به التقارير الاقتصادية.

وفقا لخطب الرئيس الأخيرة، يبدو أنه على وعي بالمشكلة، وقدم عدداً من الوعود بما في ذلك خصخصة الشركات المملوكة للدولة، ومنح "تراخيص ذهبية" للمستثمرين لمدة ثلاثة أشهر وهي تراخيص تمنح للموافقة على شراء أو استئجار الأرض وتشغيل وإدارة المشاريع، من دون الحاجة إلى الحصول على موافقة من جهات حكومية متعددة. 

لكن السؤال هل يملك السيسي الإرادة السياسية على اتخاذ قرار بتحرير الاقتصاد من قبضة الدولة العميقة؟ لا أعرف ولكن خبراً جديداً يقول لي إن الرئيس اجتمع مع قيادات بوزارتي الدفاع والإنتاج الحربي ليتابع بنفسه طرح بعض الشركات المملوكة للجيش في البورصة. لكن تقارير أقدم تنبئني أن هذا الاجتماع يتكرر منذ ثلاث سنوات من دون أية خطوات جديدة. أتوه من جديد!

عندما تشتد الأوضاع الاقتصادية سوءاً، يظهر هؤلاء الذين يلوموننا لمجرد أننا نأكل، يقولون إن السبب الرئيسي لضعف الاقتصاد أن "همنا على بطوننا" يا لحقارتهم

ما أعرفه أنني وغيري من المواطنين، ندفع ثمن معالجة الأزمة على المدى القصير، وأن مدخرات أسرتي الصغيرة المنتمية بالتعريف إلى الطبقة الوسطى، باتت تتبخر سريعاً، وأن دولتي صارت ثاني أكبر مدين لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، وأن  مصر تدين لمؤسسات متعددة الأطراف بنحو 156 مليار دولار، وأن ديونها ستتجاوز 190 مليار دولار في نهاية العالم الحالي. 

إذن هم يعرفون – الأشخاص المسؤولون- أين تقع الأزمة وطريقة علاجها، لكنهم يفضلون تجاهل ما فهموه من قراءة الاقتصاد، وقراءة تقارير حول أفضل السبل لاستقرار عروشهم.

ما فهمته في النهاية، هو أن الاقتصاد لا يتمحور حول حياتي، بل حول حياة أناس آخرين، ثراء أناس آخرين، عروش أناس آخرين، أن موقعي منه بالضبط، أدنى من موقعي كمستهلك يملك ثمن سلعته، بل أنا نفسي السلعة التي تُستهلك ضماناً لذلك الاستقرار، سلعة تفقد في بضعة أيام ثلث قيمتها.

أقول لكل هؤلاء إن المال لا يشتري السعادة، ليس لأنه لا يفعل، بل لأنه عاجز حتى عن شراء كرتونة بيض، ومن دون جدوى، يبحث عن كيس أرز ولو دفع فيه ثمناً مضاعفاً، ربما لأن – كما تقول الشائعات المستعدة لإلقاء الاتهامات دائماً- هناك جهة سيادية ترغب في احتكاره أو حتى لأن القطاع الخاص يرغب في الاستفادة من القفزة المهيبة للدولار.

عندما تشتد الأوضاع الاقتصادية سوءاً، يظهر هؤلاء الذين يلوموننا لمجرد أننا نأكل، يقولون إن السبب الرئيسي لضعف الاقتصاد أن "همنا على بطوننا" يا لحقارتهم. عليهم أن يبدأوا في القراءة في الاقتصاد، هذا أمر يصلح لأي سن ولأي إنسان مهما بلغت درجة وضاعته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image