منذ بداية الربيع العربي وصل إلى أوروبا مئات الآلاف من العرب، ولكن هذه المرة لاجئين لأسباب سياسية أو إنسانية لا مهاجرين اقتصاديين أو طلاباً كما كان الحال في السابق، وبالتأكيد كان معظم هؤلاء من دول الربيع العربي.
هذا المجتمع تشكل على منهجية مختلفة عن المجتمعات العربية السابقة في القارة العجوز، فأبناء هذا المجتمع جاؤوا بلا أدنى شك للاستقرار ولا مجال لديهم للرجوع إلى أوطانهم ولا حتى في إجازة الصيف كما يفعل المغتربون العاديون.
عبّر المنتخب الألماني عن اعتراضه ووضع لاعبوه أيديهم على أفواههم إشارة إلى كبت حرية التعبير في قطر، هنا تفجر الموقف بين اللاجئين العرب في أوروبا ليتحول إلى نقاش سياسي وديني ,وهوياتي أيضاً
مع بداية كأس العالم قطر 2022 بدأت موجة من النقاشات في المجتمع العربي حول الحريات الفردية والعامة ودور كرة القدم في تعزيز هذه الحريات، رفضت الفيفا طلب سبعة اتحادات بارتداء شارة "حب واحد" لأنها تدعم التنوع ورأت فيها اللجنة المنظمة ترويجاً للمثلية الجنسية وهي محظورة في قطر كما في كل منطقة الشرق الأوسط تقريباً.
عبّر المنتخب الألماني عن اعتراضه ووضع لاعبوه أيديهم على أفواههم في إشارة إلى كبت حرية التعبير في قطر، هنا تفجر الموقف بين اللاجئين والمهاجرين العرب في أوروبا ليتحول إلى نقاش ليس فقط سياسياً ودينياً بل هوياتياً أيضاً.
يمكننا الانطلاق من عبارة لا بد أنك صادفتها على وسائل التواصل الاجتماعي وهي: "كيف تشتمون ألمانيا وهي التي أوت وتؤوي ملايين اللاجئين؟". هذا السؤال ترافق مع إعلان كثيرين عدم دعمهم للمنتخب الألماني بعد الآن، يسحبنا إلى نقاش حول هوية أخرى، هي هوية التشجيع في كرة القدم.
لماذا نشجع منتخبات دول أخرى؟
قبل أن نقول لماذا نشجع هذا المنتخب أو ذاك يجب أن نعرف لماذا تكتسب هذه المنتخبات شعبية عالمية؟
يعتبر مونديال 1970 في المكسيك أول مونديال بث لجميع دول العالم بالألوان، وكان نقلة في تاريخ المسابقة من حيث المشاركة والتنظيم وشعرت كل الجماهير بضرورة المشاركة في هذا "العرس العالمي" الذي شارك فيه في ذلك الوقت 16 فريقاً فقط، إذ كان من الطبيعي أن تختار واحداً منها لتشجعه.
بعد موجة اللجوء إلى أوروبا في 2015 وما تبعها وجد الكثير من العرب أنفسهم يعيشيون في بلدان يشجعون منتخباتها وآخرون في بلدان جديدة انتموا إليها وحملوا جنسيتها وتحولوا لتشجيعها.
هذه النسخة من المونديال تابع من خلالها عشاقُ كرة القدم ثلاثة من أفضل أجيال كرة القدم لثلاثة من عمالقة اللعبة وهم البرازيل وإيطاليا وألمانيا، وتابع ما وصفتها الفيفا بمباراة القرن بين إيطاليا وألمانيا في المربع الذهبي، وتابع التتويج الثالث للبرازيل في تاريخها.
بعدها استمرت هذه المنتخبات في تصدر مشهد كرة القدم العالمية، فتوجت ألمانيا في 1974
وإيطاليا في 1982 وظهرت الأرجنتين لتحصد لقبي 1978 و1986 وعادت البرازيل للمنصة في 1994 ثم دخلت فرنسا لائحة الشرف في 1998 وإسبانيا في 2010، أي أن هذه المنتخبات لم تكتسب الشعبية بالانتماء الوطني، بل بالأداء الكروي.
بعد موجة اللجوء العربية إلى أوروبا في 2015 وما تبعها وجد الكثير من العرب أنفسهم يعيشيون في بلدان يشجعون منتخباتها وآخرون في بلدان جديدة انتموا إليها وحملوا جنسيتها وتحولوا لتشجيعها ومنهم من لم يتحول.
كيف تغير المزاج الكروي للاجئين؟
تشجيع كرة القدم لا يقتصر فقط على الإمكانيات الفنية للفريق، لأن أجواء التشجيع والجماهير والملاعب تلعب دوراً كبيراً في ذلك، هذا ما ذهب لتجربته عشاق كرة القدم من بعض اللاجئين العرب، فالموجة الأولى من اللاجئين إلى ألمانيا عاشت مع الألمان فرحة التتويج بكأس العالم 2014 ومثلهم فعل لاجئو فرنسا في 2018.
محمد أبو الشكر مصور فلسطيني يعيش في ألمانيا ويحمل جنسيتها، يقول إنه يشجع فرنسا ولم يتخلّ حتى الآن عن تشجيع الديوك: "منذ طفولتي وقعت في حب زيدان وبارتيز وجيل اللقب الفرنسي الأول في 1998، وبقيت أشجع فرنسا حتى الآن".
ويتابع: "لا أعتقد أن التشجيع مرتبط بالانتماء الوطني، نحن نشجع هذه المنتخبات لتعلقنا بأسلوب لعبها أو لاعبيها أو أسباب أخرى منفصلة عن الانتماء الوطني".
ويوضح فيما يتعلق بمنتخب ألمانيا: "لا أشجع منتخب ألمانيا ربما لأن سياسة الاندماج في ألمانيا غير مرحبة كثيراً، ولا تعطيك الشعور الكافي بأنك في وطنك، وبالمناسبة لدي الكثير من أصدقائي الألمان لا يشجعون منتخب ألمانيا".
فيما لا يرى محمد أن تشجيع المنتخب الوطني لدولة ما مؤشر على الانتماء لهذه الدولة، يجد رامي طرابلسي وهو صحافي رياضي يعيش في السويد ويحمل جنسيتها أن التفاعل مع المجتمع يجعلك تتعاطف مع المنتخب، "لقد حزنت جداً لأن السويد لم تتأهل لمونديال قطر". ويقول: "كنت أشجع إسبانيا قبل وصولي للسويد، وما زلت إلى اليوم أحب منتخبات إسبانيا والأرجنتين كوني مشجعاً لبرشلونة، ولكني أيضاً أشعر بأن السويد بلدي وعلي أن أشجع منتخبها فهو منتخبي الوطني".
القصة مشابهة لدى الصحافي سيف عزام الذي يعيش في فرنسا ويحمل الجنسية الفرنسية ويقول: "كنت أشجع الأرجنتين. في مونديال 2018 كانت الأرجنتين فريقي الأول وفرنسا فريقي الثاني، لكن اليوم أصبحت فرنسا هي فريقي الأول".
لا شك في أن شعبية المنتخبات العالمية ترتفع في البلدان التي لم تحظَ منتخباتها بفرصة المشاركة في كأس العالم، ومنها سوريا التي يؤكد سيف ورامي أنهما سيدعمان منتخبات بلدانهم الجديدة لا البلدان الأصلية في حال المواجهة والأسباب تختلف.
يرى رامي أنه ينتمي للسويد اليوم، وأن هذا البلد قدم له الكثير فيما لا يفصل سيف السياسة عن الرياضة ويؤكد أنه سيدعم أي منتخب أمام منتخب سوريا في الوقت الحالي، لكن إذا تغير النظام الحاكم في سوريا، فهو لا يعرف إن كان سيشجع سوريا أم فرنسا لدى مواجهة البلدين.
نقاش الهوية على الطاولة من جديد
مع استمرار المنافسات في قطر وأجوائها المشمسة في ظل برودة الطقس في أوروبا لا يبدو نقاش الهوية بالنسبة للاجئين العرب بنفس البرودة، لا سيما مع وصول المغرب لمقابلة فرنسا في نصف النهائي، ولهذه المواجهة فصل خارج الملعب بدأ منذ الإعلان عن وصول الفريقين إلى مربع الكبار يوم السبت الماضي.
العاصمة الفرنسية باريس تستعد لأمسية مشتعلة مع درجة حرارة لن تتجاوز عشية المباراة أربع درجات تحت الصفر، مع ذلك سيخرج الفرنسيون والمغاربة إلى الحانات والمقاهي لمتابعة المباراة.
العاصمة الفرنسية باريس تستعد لأمسية مشتعلة مع درجة حرارة لن تتجاوز عشية المباراة أربع درجات تحت الصفر، مع ذلك سيخرج الفرنسيون والمغاربة إلى الحانات والمقاهي لمتابعة المباراة.
تعيش في فرنسا أكبر جالية مغربية في الخارج، أي حوالى مليون مغربي، وقد ملأوا جادة الشانزيليزيه في كل مباراة للمغرب منذ بداية المونديال، ولكن بحسب عمدة الدائرة الثامنة للعاصمة فهذه الجادة ستكون مغلقة الليلة مساء تفادياً لأي حوادث بين الجماهير.
خصصت الداخلية الفرنسية بحسب صحيفة "ليكيب" الرياضية، ألفي عنصر شرطة لضبط المناطق الحيوية في العاصمة، أما الصحافة الفرنسية فقد أفردت الكثير من الصفحات ودقائق البث للحديث عن عمق العلاقة بين المجتمعين، في وقت استطاع قادة اليمين الفرنسي، ومنهم إريك زيمور أن يحجزوا لهم مكاناً أيضاً في التعبير عن آرائهم المناهضة لسياسات الهجرة.
مدرب منتخب فرنسا ديديه ديشامب قال: "هذه مباراة كرة قدم، ويجب أن تبقى مباراة كرة قدم".
وصحيفة ليبراسيون الشهيرة استذكرت قصة اللاعب الراحل لعربي بن مبارك الذي مثل منتخب المغرب عام 1937 وكان أول عربي يرتدي قميص منتخب فرنسا ومثله من 1938 حتى 1945.
الكثير من المغاربة في فرنسا حاصلون على الجنسية الفرنسية، ومنهم حميد طاهر الذي قال إنه يدعم منتخب بلده الأم المغرب في هذه المباراة: "اليوم أنا مع المغرب مع كل الاحترام والتقدير للمنتخب الفرنسي، لكن هذا الإنجاز التاريخي، إن شاء الله سيستمر وسيوصل المغرب إلى نهائي المونديال". ويتفق طاهر مع المدرب الفرنسي بأن هذه المباراة مباراة كرة قدم فقط، موضحاً أن المناوشات بين المشجعين قد تحدث في أي وقت وفي أي مباراة، لكن الموضوع لن يتجاوز المشادات الكروية.
محمد أبو الشكر المشجع لمنتخب فرنسا رغم جنسيته الألمانية سوف يشجع المغرب ويقول: "ليس فقط لأن المغرب دولة عربية وأمازيغية وهناك الكثير من المشتركات الثقافية، بل لأني أيضاً أدعم الإنجازات للدول الصغيرة في عالم كرة القدم، وأي فريق يحقق مفاجأة كروية سوف أدعمه". ويضيف: "لقد زرت المغرب وأحببته كثيراً ولدي العديد من الأصدقاء المغاربة، لذلك سوف أدعمه هذا المساء، فرنسا فازت كثيراً من قبل وحققت اللقب، الآن دور المغرب".
هوية اللاجئ العربي في أوروبا أكثر تعقيداً مما نتخيل، فالمفاضلة لديه ليست بين البلد الأصلي والبلد الجديد فحسب، بل تتعدى ذلك إلى مشتركات ثقافية واجتماعية ودينية وعرقية مع الدول العربية وغير العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أما سيف عزام الذي يدعم فرنسا فسوف يستمر بدعمها ويقول: "لقد دعمت المغرب وشجعتها في كل مبارياتها في المونديال، لكني اليوم سوف أدعم فرنسا لأنها فريقي ويجب أن تذهب للنهائي وتدافع عن لقبها".
الصحافي الرياضي رامي طرابلسي سيدعم المغرب ليس فقط لأنها دولة عربية لكنه أيضاً لا يحب كرة القدم الفرنسية، مع تأكيده أن فرنسا ستفوز بفارق خبرتها بهذا النوع من اللقاءات.
يحار الصحافي اللبناني الفرنسي حسن مراد بين الفريقين ويقول: "فرنسا البلد الذي أعيش فيه منذ أكثر من 15 عاماً وأحمل جنسيته، والمغرب هو البلد العربي الذي اشترك معه اللغة والثقافة ولا أعرف من سأشجع، لكني متأكد أني سوف أكون سعيداً للطرفين في حال الوصول للنهائي".
تبدو هوية اللاجئ أو المهاجر العربي في أوروبا أكثر تعقيداً مما نتخيل، فالمفاضلة لديه ليست بين البلد الأصلي والبلد الجديد فحسب، بل تتعدى ذلك إلى مشتركات ثقافية واجتماعية ودينية وعرقية تجمعه مع الدول العربية وغير العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الغنية بتنوعها الديني والعرقي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...