شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"لجنة العقاب"... قصة أول منظمة إرهابية في تاريخ إيران المعاصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الجمعة 25 نوفمبر 202205:55 م

في آب/أغسطس 1916، أيام الحرب العالمية الأولى، على الرغم من أنّ إيران كانت قد أعلنت حيادها، فقد احتلتها من الجنوب القواتُ البريطانية، ومن الشمال الروسيةُ. في تلك الأيام تشكلت منظمة إرهابية في طهران باسم "لجنة العقوبات"، كان يكفي ذكر اسمها ليدخل الرعب في أفئدة الناشطين والسياسيين.

طمح مؤسسو اللجنة إلى تحقيق أهداف الثورة الدستورية، وهي الثورة التي حدثت العام 1906، ونتيجة لها حصل الشعب الإيراني لأول مرة على برلمان، وأصبح له دور أكبر في الحكومة. مؤسسو اللجنة كانوا يعتقدون أن هناك أموراً في الحكم تسير خلافاً لأهداف الثورة، وخلصوا إلى أن الحلّ الوحيد هو اغتيال بعض الرجال الخائنين للثورة الدستورية، الذين يعملون لصالح الأجانب، وفق رأيهم. فبدأت اللجنة عملها، ونَفذت عمليات اغتيال بحقّ خمسة سياسيين ورجال دين في العاصمة.

أما مؤسسا اللجنة هما ميرزا إبراهيم خان منشي زاده وأسد الله خان أبو الفتح زاده، اللذان كانا كلاهما من داعمي الثورة الدستورية. ثم انضم لهما مشكوة الممالك، والذي كان بدوره من داعمي الثورة الدستورية.

كان يعتقد مؤسسو اللجنة أن هناك أموراً في الحكم تسير خلافاً لأهداف الثورة، وخلصوا إلى أن الحلّ الوحيد هو اغتيال بعض الرجال الخائنين للثورة الدستورية، الذين يعملون لصالح الأجانب، وفق رأيهم

وعلى هذا تأسست لجنة العقوبات بهؤلاء الثلاثة، فاندفعوا في شراء السلاح والثياب السوداء الطويلة المخصصة لليل، وأمور أخرى. وقد سجلوا عقائدهم للجنة وأهدافها، ثم استقطبوا أعضاء، وارتبطوا بداية مع رجل مشاغب يدعى كريم دَواتْكَر. قَبلَ كريم عضويةَ اللجنة، وأدخل معه أصدقاءه، واستمر دخول أعضاء آخرين، كان منهم "عِماد الكتّاب" من الخطاطين المشهورين. وكريم دَواتْكَر هذا كان قد قصد اغتيال الشيخ فضل الله نوري، أحد أبرز رجال الدين في إيران والمعارض للثورة الدستورية، قبل تشكيل اللجنة بثماني سنوات، فتمّ اعتقاله، وبما أن أحداً لم يُقتل خلال العملية تم الإفراج عنه بعد فترة من الزمن.

وهذه صورة لتلك الفترة يظهر فيها كريم مكبلاً بالأغلال، ويقال إنها كانت تباع في طهران كبطاقة بريدية:


على رأس جدول الاغتيالات، كان رئيس مخزن الحبوب الذي وجدوه ذا دور كبير في شحّ القمح والخبز الذي حلّ بطهران، وكان متآمراً مع البريطانيين الذين كانوا بدورهم ضد الثورة الدستورية.

وافق على اغتيال رئيس المخزن جميع الأعضاء، وسُلّم كريم دواتكَر سلاحين ومبلغاً من المال كي ينهي حياة رئيس مخزن الحبوب. أخذ كريم لتنفيذ هذه العملية صديقين له، وجلسوا ينتظرون ساعاتٍ لتنفيذ العملية بالقرب من مكتب المستهدف. وفي حدود الساعة الخامسة عصراً خرج من مخزن الحبوب بعربة، واغتالوه.

بعد هذا الاغتيال وضع كريم دواتكَر رؤساء اللجنة تحت الضغط، طالباً منهم مبلغاً كبيراً من أجل الاغتيال، ووضع عقبات أمام عمل اللجنة، لذلك قرر رؤساء اللجنة بعد شهرين ونصف أن يتم اقتلاع كريم دَواتكَر؛ قام أحد أعضاء اللجنة في الثالث من نيسان/أبريل 1917 وبعد احتساء الخمر مع كريم بتصفيته قرب كنسية الأرمن في طهران، وهكذا أنهى قصة اختلاف كريم مع اللجنة.

شجّع اغتيالُ كريم أعضاء اللجنةَ على القيام بعمليات جديدة، وقرروا إصدار بيان وإيصال آرائهم إلى الناس بعد كلّ عملية اغتيالٍ يقومون بها.

من عمليات اللجنة التي أحدثت ضجة، كان قتل متين السلطنة، مدير صحيفة "عصر جديد"، والذي كان معروفاً بميله الشديد للروس، كما أنه كان من أنصار التحاق إيران بقوات الحلفاء. ووجد أعضاء اللجنة أنه على علاقة مع "الأجانب". انطلقت عملية اغتياله في 22 أيار/مايو 1917، وجاء في تقرير الشرطة أنّ متين السلطنة قد قُتل في مكتبه في الساعة الثامنة والنصف مساء:

حسب مقترح عماد الكتاب أُرسلت نسخ من البيانات عن طريق البريد إلى الوزارات وأشخاص مهمين. وألقى نشر البيانات المتشددة والاغتيالات وعقوبات اللجنة الرعبَ والخوف في القلوب

"حضر شخص مرتدٍ عباءةً في مكتب متين السلطنة، وادعى أنه يحمل ورقة باسم القتيل. منعه موظفو الدائرة حسب الأمر الذي كان قد أصدره رئيس التحرير، وحدث شجار لفظي بين الشخص الغريب والموظفين. دخل في تلك الأثناء السكرتير، ورأى شجاراً قائماً بين الشخص وخدَمِ متين السلطنة. ولإنهاء الأمر أخذ منه الورقة، ووعده بتسليمها لمتين السلطنة.

انتظر الشخص الغريب أمام السلالم. في اللحظة التي كان رئيس التحرير يقرأ الرسالة، فاستغل الغريب غفلة الموظفين، وصعد السلّم، ودخل غرفة متين السلطنة. كان ظَهرُ السكرتير جهة الباب وكان ينتظر الإجابة على الرسالة حين سمعفجأة صوت إطلاق نار جعله ينتبه للغريب، لكنه وجد متين السلطنة واقعاً على الأرض. سقط السكرتير من شدّة الخوف على الأرض وخرج من الغرفة زحفاً.

غادر القاتل بعد تنفيذ العملية، وبينما كان ينزل السلالم صادف أحد الموظفين. تصادم الشخصان (الموظف والإرهابي) على السلم، ووضع القاتل يده على السلاح، وجرح الموظف بطلقة نار على ذراعه وهرب. في الزقاق ركض خلفه صبيّ أرمني ذو 14 عاماً، وصرخ: قاتل، قاتل. ولكي يتخلص من الصبي أطلق كريمُ النار عليه، وأصابه في صدره، ثم أكمل هروبه ليختفي عن الأنظار".

مباشرة بعد قتل متين السلطنة صدر أول مانيفستو للجنة العقوبات، ومن ثمّ قامت اللجنة المذكورة بإصدار بيان بعد كلّ عملية اغتيال لتوزّعه في طهران، ذاكرةً أسباب القيام بالعمليات للعموم. حسب مقترح عماد الكتاب أُرسلت نسخ من البيانات عن طريق البريد إلى الوزارات وأشخاص مهمين. وألقى نشر البيانات المتشددة والاغتيالات وعقوبات اللجنة الرعبَ والخوف في القلوب، وكافح جهاز الشرطة للقبض على أعضاء اللجنة.

عماد الكُتّاب

تمت عمليتا اغتيال برغم وجود عضو معارض في اللجنة، ومن ثم ظهرت خلافات أخرى بينهم. يكتب عماد السلطنة في مذكراته:

"تعسف بعض الأعضاء في القيام بعمليات الاغتيال، إثر الخوف الذي شعروا  به مما آل إليه مصير كريم دَواتكَر. أدّى ذلك إلى أن يذهب بَهادُر السلطنة (أحد أعضاء اللجنة وكان مشاركاً في عمليات الاغتيال) إلى مخفر الشرطة، ويسلم أسماء وعناوين أعضاء اللجنة لرئيس المخفر".

ويضيف عماد السلطنة: "بأمرٍ من الملك قُبض على كلّ أعضاء اللجنة. وبدأ التحقيق بصورة معتدلة، حتى أنّ التحقيق كان في صالحهم في البداية. بعد عدّة أيام، طلب المحقق أعضاء اللجنة وقال: (كلّ الإيرانيين يودون معرفة مَن أسس اللجنة، وما هو هدفها، ومَن كانوا المستهدفون. دون الدخول في أصل الموضوع من اللازم أن أذكر أنّ ضرر هذه الأعمال يعود إليكم وحدكم، وأنا بمثابة مرآة شفافة أعكس ما فعلتموه للناس فقط، وبعبارة واضحة أنا لا أحكم على بشاعة أو جمال أعمالكم).

من عمليات اللجنة التي أحدثت ضجة، كان قتل متين السلطنة، مدير صحيفة "عصر جديد"، والذي كان معروفاً بميله الشديد للروس

سُجن المتهمون تسعة أشهر، ثم نُقلوا إلى منزل أبو الفتح زاده، وسُجنوا في المنزل، ولكن مع تغيير رئيس الوزراء، صدر أمر بالإفراج عن السجناء وتفرق أعضاؤها.

بعد فترة ومع عودة رئيس الوزراء السابق أصدر أمراً بالقبض مجدداً على المتهمين ومحاكمتهم. قبضت الشرطة على أعضاء اللجنة من جديد، وعُزل منشي زاده وأبو الفتح زاده عن البقية ليوضعا في "باغْشاه" (أحد البساتين الملكية في طهران ولم يعد له أثر اليوم).

بعد مرور فترة، أُعدم عضوان من اللجنة، ونُفي منشي زاده وأبو الفتح زاده إلى خارج المدينة، وفي تموز/يوليو 1919 أُطلقت النيران على العضوين المذكورين بحجة الهروب من الشرطة في الطريق من طهران إلى مشهد (شرق إيران).

نُفي عماد الكتاب ومشكوة الممالك خمس سنوات خارجَ طهران، وصدرت أحكام بالسجن لبقية الأعضاء تتراوح بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة، وأغلق في أقل من ثلاث سنوات ملفُّ أول منظمة إرهابية حديثة في إيران.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ماضينا كما يُقدَّم لنا ليس أحداثاً وَقَعَت في زمنٍ انقضى، بل هو مجموعة عناصر تجمّعت من أزمنة فائتة ولا تزال حيّةًً وتتحكم بحاضرنا وتعيقنا أحياناً عن التطلّع إلى مستقبل مختلف. نسعى باستمرار، كأكبر مؤسسة إعلامية مستقلة في المنطقة، إلى كسر حلقة هيمنة الأسلاف وتقديم تاريخنا وتراثنا بعين لا تخاف من نقد ما اختُلِق من روايات و"وقائع". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. ساعدونا. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard