تراودني الذكريات وأنا أكتب كلماتي الآن، ذكريات المرة الأولى التي ذهبت فيها مع والدتي إلى "ساقية الصاوي"، المركز الثقافي المٌطل على نهر النيل، وتحديداً في شارع 26 يوليو أسفل كوبري 15 مايو بمنطقة الزمالك. كانت هذه الزيارة بغرض مناقشة ديوان شعرٍ بالعاميّة المصريّة للشاعر المصريّ وائل سويدان.
كانت قصيدة بعنوان "حبيبتي حريتي "من أجمل القصائد التي تغنّي بها الفنان فايد عبد العزيز وألقتها الفنانة سهير المرشدي:
حبيبتي حريتي... حقيقي وحشاني
ماقابلتكيش من زمن، ماقابلتكيش تاني
أنا خفت أقول مَسكنك
شرياني يوم يسجنك
وبأمر قلب الملك
متخرجيش تاني
ياحبيبتي كل ما بعرفك بجهلك
يا أجمل مليكة عشقها حتى الملك
سرّ تسمية الساقية بهذا الاسم
الساقية هو اسم مُشتقّ من "سقى"، والساقي هو الذي يسقي الماء، لذلك استُخدم الاسم كناية عن العِلم والمعرفة والفنون التي تقدمها الساقية.
أنشأ الساقيةَ المهندس محمد عبد المنعم الصاوي نجل الأديب الراحل عبد المنعم الصاوي في شباط/فبراير عام 2003 واستقى الاسم من "خُماسيّة الساقية" التي تُعتبر العمل الأعرق لوالده. يصف هذا الكتاب قصة الإنسان والأرض والحياة في أجيالٍ متعاقبةٍ تواجه مشكلاتٍ ومتاعبَ اجتماعيّةً في صمت وسكون تام.
"ساقية الصاوي" هي جزء من الحركة الثقافيّة الأمينة الهادفة والمسؤولة في مصر، لأنّ الفنّ، بحسب القائمين على هذا المشروع، هو رسالة وواجب وطنيّ وأخلاقيّ
لكنّه أعلى من صيحات وهتافات العصيان والتمرد والثورة، وقد رسم المؤلف لوحةً صادقةً لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وتسخير الأرض وما عليها من خيرٍ وثرواتٍ طبيعيّةٍ للأهواء الشخصيّة والشهوات. واعتبار الأرض ومَن وما عليها متاعاً خاصاً لكبح جماح النفس وثغراتها.
صدر كتاب الساقية في خمسة أجزاء طويلة بعنوان "الضحية"، "الرحيل"، "النصب"، "التوبة" و"الحساب" وقدمهما الممثل الراحل صلاح السعدني كمسلسل تلفزيونيّ.
الجديد في ساقية الصاوي هو تقديم مسابقاتٍ ثقافيّةٍ لاكتشاف المبدعين والموهوبين في سائر المجالات
صرح المهندس محمد الصاوي لرصيف22: "نسعى أن تكون الساقية جزءاً من الحركة الثقافيّة الأمينة الهادفة والمسؤولة أيضاً في مصر، مؤمناً برسالة أبي رحمه الله بأن الفنّ رسالة وواجب وطنيّ وأخلاقيّ. فنحن نُمارِس عملنا من هذا المُنطلَق، ونسعى دائماً لمواكبة الجديد غير التقليديّ والمتراخي، الذي يواكب العصر الحالي بما يتناسب مع الأصول الفنيّة المصريّة والحفاظ على التراث والهويّة المصريّة".
وأضاف:" لا نسعى من أجل التنافس والتميّز. نسعد من أجل كلِّ اجتهادٍ ، فأقصى طموحاتي هو إغلاق هذا المكان عند توافر منافذ أخرى معرفيّة وثقافيّة تُلبي كل ما يحتاجه المصريون والزائرون من مختلف أنحاء العالم العربي تحت بند (الخدمة الثقافية)".
وتابع: "الجديد في ساقية الصاوي هو تقديم مسابقاتٍ ثقافيّةٍ لاكتشاف المبدعين والموهوبين في سائر المجالات. ففي السنوات العشر الأخيرة من عمر الساقية ازداد الشغف بعلوم الصحة النفسية والفلسفية، ونجوم هذه المجالات يستحقون أن يُفسح لهم المجال. النتيجة النهائية الآن هي اقتراب الساقية من الاحتفال بمرور حوالى 20 عاماَ من العمل الدؤوب المتواصل وتنفيذ شعار (ساقية عبد المنعم الصاوي تسقي فكراً وثقافةَ)، وهذا الغرض هو الذي بُنيت عليه خطة تنفيذ الساقية وقامت من أجل تقديمه".
ندوات ثقافيّة ومناقشات أدبية
تُقدم ساقية الصاوي أُمسياتٍ شعريّة من خلال مناقشة دواوين شعريّةٍ، ومناقشات كتبٍ تاريخية وعلمية وثقافية أو حفلات غنائية خاصة قائمة بذاتها.
المسرح
لا شك أن المسرح هو أحد الفنون التي تنقل ثقافة الشعوب وعاداتها وتقاليدها في حوارٍ تمثيلي يرصد فكرة أو موقفاً أو واقعة حدثت خلال فترة من الزمن من خلال نص مسرحيّ وممثلين متميزين يقومون بأداء أدوارهم باحترافيّةٍ وجدارةٍ.
نجحت الساقية في تقديم ذلك الفكر المسرحي الهادف من خلال تقديم مسرحياتٍ عديدةٍ لهواةٍ ومحترفين في آنٍ واحدٍ لتفتح المجال من أجل تبادل الخبرات؛ فهناك مسرحيات حديثة تُقدّم في ساقية الصاوي مثل مسرحية "البشارة" ومسرحية "مؤنس" من خلال التمثيل الصامت والمونودراما.
معارض الفنون التشكيلية
الفن التشكيلي هو أحد الفنون الراقية التي تُعبّر عما يدور داخل النفس البشريّة من سعادةٍ وشجنٍ وحزن، وقد أبدع المصريّون القدماء في هذا الفن، فنجد النقوش المحفورة على جدران المعابد ومقابر الملوك والصور المزخرفة للطيور والحيوانات أيضاً.
تقدم الساقية العديد من المعارض التشكيليّة لفنانين تشكيليين جُدد، وترعى المواهب الشابة مثل معرض "غاليري أسما" للفنانة التشكيلية أسما حسن ومعرض "دهب" للفن التشكيلي.
ورش تعليمية للأطفال
يحتلّ الأطفال جزءاً كبيراً من اهتمام الساقية كمركز ثقافيّ، حيث تُقدّم ورشاً تعليميّةً للأطفال في مجالاتٍ عديدةٍ كتعليم الرسم والرسوم المتحركة مثل رسم شخصيات كرتونيّة بأشكال هندسية وألوان، وكذلك تأليف القصة وتحويلها إلى قصة مرسومة.
ابتكرت الساقية أيضاً برنامج "سيبوني أفكر للطفل"، وهو برنامج حديث من شأنه تنمية مهارتيْ التفكير والابتكار لدى الأطفال عن طريق مجموعةٍ من الألعاب العقلية والمواقف التخيّلية التي تعلمهم أن التفكير هو وظيفة ونشاط متلازمان من أجل صحة العقل.
كما تقدم للأطفال حملات توعية ضد التنمر والتحرش الجنسيّ وحصصاً لتحفيظ القرآن الكريم بالتجويد والتفسير وكيفية القراءة الصحيحة بمخارج الحروف، بالإضافة إلى ورشة لتعليم الخط العربيّ كالنَّسْخ والرقعة وتحديد الحروف الصاعدة والهابطة، وهي مفيدة لتحسين خط الأطفال على المدى الطويل. ويتم تعليم الأطفال العزفَ على الآلات الموسيقية كالبيانو والغيتار والعود والكمان .
الحفلات الغنائية والموسيقية
بدأت ساقية الصاوي كمركز ثقافيّ عقب افتتاحها بحفلاتٍ موسيقيّة لاجتذاب الجمهور. فالموسيقى هي غذاء الروح وتستمتع بها جميع الشعوب مهما اختلفت ثقافاتها ومستوياتها. تنوعت هذه الموسيقى المٌقدّمة من موسيقى الجاز والموسيقى الغجرية والإنشاد الديني إلى الراب وفرق موسيقية أخرى.
كما تم ابتكار حفلة "أم كلثوم" بالعروسة الماريونيت في الخميس الأول من كل شهر كعادة حفلات أم كلثوم الحقيقية التي قدمت تراثاً فنياً لا يزال عشّاقها يستمتعون به حتى عصرنا الحاليّ، فيستمتع الجمهور الراقي بأداءِ الدمية واندماجها مع صوت الست.
تقدم ساقية الصاوي أيضاً حفلة غنائية عن سيرة الهلالية بعنوان "بنات الهلالية في ديوان الملك حنظل".
الاهتمام بالصحة البدنيّة والنفسيّة
وإلى جانب نشاطاتها التي ذُكرت تقدّم ساقية الصاوي "اليوغا" باعتبارها رياضة بدنية وذهنية تحدّ من التوتر النفسيّ والعقليّ، وتعمل على إزالة الألم والتدريب على تمرينات التنفس والاسترخاء.
كما أنها تقدم رياضة الزومبا (Zumba) التي تعتمد على الدمج بين تمرينات اللياقة البدنية وحركات موسيقية إيقاعية راقصة بطيئةٍ وسريعةٍ في آنٍ واحدٍ، كما تعمل على حرق السعرات الحرارية، وتعطي مزاجاً نفسيّاً جيداً، بالإضافة إلى ورشٍ لتعليم الكروشيه والحرف اليدوية.
وستظل ساقية الصاوي تقدم ابداعاً متميزاً في شتى المجالات بناءً على الشعار الأساسي الذي قامت عليه، كما ذكرنا، أي "ساقية الصاوي تسقي فكراً وثقافةً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 11 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.