شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عن الفن والفنانين النمطيين

عن الفن والفنانين النمطيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 3 يوليو 202210:09 ص

بعض الفنانين إشاعة خاطئة أو جملة من الآراء المسبقة، أو هم مجرد ركاكة تسمح ضحالة السياق بظهورها... كذلك هو حال الفنانين الذين لكونهم فنانين يعتبرون أن من حقهم أن يتطاولوا على الناس أو أن يتعالوا عليهم أو أن يفترضوا أنهم أعلى منزلة منهم، وإذا أردنا أن نذكر أسماء على ذلك فإن الأمثلة كثيرة.

باختصار، الفن لا يبرر للفنانين الإساءة، والحال أن مساحة الإساءة الموجودة داخل الإنسان لا بد أن تخرج منه أو أن يتم التعبير عنها بطريقة أو بأخرى، ولكن حتماً ليس عليها أن تتوجه إلى أحد ما.

الفن تمرد على الأنماط وكسر للقوالب الجاهزة، إلا أن بعض الفنانين يمكن وضعهم في خانات أو يمكن تصنيفهم.

الفنان المُلهَم

الفن يخفي سر تكوينه أو تشكيله ويمتلك بريقاً يجعله آسراً، وثمة خدعة يقوم بها الفنانون أحياناً، إذ يدّعي البعض أن عملهم الفني نتج عن انخطافة أو إلهام فجائي ظهر من العدم، وغايتهم في ذلك إزاحة النظر أو إهمال السؤال المتعلق بصيرورة الفن أو طريقة بنائه، ذلك الذي يسمّونه "سر المهنة".

إلا أن الفن نفسه يستطيع أن يكشف خدع الفن والفنانين، وهذا الكشف يدخل ضمن تعريفه، لذلك فإن ادّعاء أحد ما أن الفن لا يكشف ألاعيب الفن هو محاولة للاستفادة الشخصية من بريقه، الفن بريء منها.

الفنان المتدين

بعض الفنانين يبدلون إيمانهم الديني بإيمان فني، أو لنقل إنهم يفكرون في الفن بطريقة دينية، يقتلون الإله التوحيدي وينصّبون الفن مكانه، يتعالون على الناس ويبررون تعاليهم بالفن نفسه، يركنون إلى طمأنينة فنية ويسبّحون بحمد الفن الذي اصطفاهم دون غيرهم لهذا العمل أو ذاك.

بصيغة أخرى، إن بعض الفنانين أو الكثير منهم يتخلون عن المقدس الديني ويقدسون الفن نفسه، والحال أن الفن إذا كان يدعو إلى إعادة النظر في المقدسات فإنه لا يدعو إلى استبدالها بتقديسه هو، بل لا يطمح إلى أن يصبح غير قابل للمس ولا يتوخى تقديس أي شخص أو أي شيء، ولا يعود ذلك التقديس بطبيعة الحال إلى خلل في ماهية الفن، بل إلى نوع مخصوص من التعاطي معه.

"بعض الفنانين أو الكثير منهم يتخلون عن المقدس الديني ويقدسون الفن نفسه، والحال أن الفن إذا كان يدعو إلى إعادة النظر في المقدسات فإنه لا يدعو إلى استبدالها بتقديسه هو، بل لا يطمح إلى أن يصبح غير قابل للمس ولا يتوخى تقديس أي شخص أو أي شيء"

لا يوجد تعارض بين الفن والإيمان ولا يشكل الإيمان بحد ذاته خطراً على مكانة الفن، إنما الخطورة تتأتى من جعل الإيمان أداة سياسية أخلاقية يقوم الفنانون بناء على وجودها أو عدمه بتصنيف الناس أو تقييمهم، ولعله غنيّ عن القول إن الإيمان ليس هو التدين وإنْ كانت كل الأديان تقوم على إيمان ما.

الفنان المغرور

مَن يأتي إلى الفن وهو مغرور أصلاً قد يزيد الفن من غروره، أو هو سيستغل الفن لتعزيز مزاعمه وافتراضاته التي تقوم على مركزية ذاته التي تحدد ما هو العالم وترسم جدولاً للقيم وتضع قيمة الذات في أعلى القائمة.

هذا الفنان النرجسي ينظر إلى الآخرين نظرة تعالي تقوم على تصور محدد للنفس، وهو تصور هرمي يقوم في ما يقوم عليه على تصنيف البشر في قائمة يتربع الفنانون على رأسها. أما أولئك الذين لم يصلوا في اعتباره إلى رقي الفنان الأخلاقي وذائقته الفريدة وحساسيته النادرة ورؤياه إلى العالم فيقيمون في مرتبة متدنية لديه.

الفن والانفصال

ثمة أنماط عديدة من الفنانين ولكن الفن، حتى وهو يفكك مزاعم التفرد ويردّ البشر إلى جملة من الأنماط المسبقة التي لا تكفي بطبيعة الحال لفهم الإنسان، لا ينفي تفرد الإنسان أو فرادته.

"الفن يعبر الحدود أو يخترقها، وهو يعيش في انفصال دائم ومستديم مع نفسه ومع العالم بالرغم من محاولاته الدائمة لخلق الروابط وإنشاء الصلات، لذلك فإن الفنانين الذين يدّعون معرفة أنفسهم ومعرفة العالم لن يستسيغوا الانفصال ولن يفهموه إلا بشكل سطحي"

الفن يعبر الحدود أو يخترقها، وهو يعيش في انفصال دائم ومستديم مع نفسه ومع العالم بالرغم من محاولاته الدائمة لخلق الروابط وإنشاء الصلات، لذلك فإن الفنانين الذين يدّعون معرفة أنفسهم ومعرفة العالم لن يستسيغوا الانفصال ولن يفهموه إلا بشكل سطحي، بينما هو جزء جوهري من ماهية الفن ومن آلية اشتغاله.

الجدير بالذكر أيضاً أن الانفصال هو أحد المفاهيم الفلسفية سيئة السمعة، هو مفهوم يثير الريبة في نفوس ذوي النزعات الهووية، إذ تقوم الهوية في اعتبارهم على وحدة لا تنفصم وعلى تركيب مغلق على نفسه، وما يفعله الانفصال في رأيهم يهدد الهوية بحد ذاتها ولا يسمح بقول "أنا" أو "أنت" أو "نحن"، بينما هو في حقيقة الأمر مفهوم على غاية قصوى من الأهمية ويمتلك قدرة تفسيرية عالية لطالما حاولت الحداثات الفنية أن تستفيد منها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image