شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
أطفال بلا حقوق... عن قصة أول هدف ليبي في كأس العالم

أطفال بلا حقوق... عن قصة أول هدف ليبي في كأس العالم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 8 ديسمبر 202201:08 م

زكريا بوخلال، لاعب مغربي، وهولندي، وليبي. ترتيب الجنسيات غير مهم إلا في حساباته كلاعب ربما، فلقد لعب مع منتخبات الدول الثلاث وأنديتها عندما كان ناشئاً، ليقرر في نهاية المطاف تمثيل منتخب المغرب الذي وجه له الدعوة للمشاركة في نهائيات كأس العالم 2022، المقامة في قطر.

وقد فتح الهدف الذي سجله في مرمى بلجيكا، وتأهل المغرب إلى الدور ربع النهائي من المونديال، الباب في ليبيا للحديث في أمور عدة.

فبالرغم من أن ليبيا هي الدولة الوحيدة من دول شمال إفريقيا التي لم تتأهل إلى كأس العالم عبر امتداد تاريخه، إلا أن وجود "بوخلال" في تشكيلة المنتخب المغربي، كلاعب ليبي الجنسية لأم مغربية، فتح من جديد سؤال المواطنة في ليبيا، وتحول بلادهم إلى بيئة طاردة، فضلاً عن أزمة الفشل الكروي الليبي الذي استقر بجمهور الكرة الليبية إلى الاكتفاء بلاعب واحد في كأس العالم من دون وجود منتخب ليبيا فيه.

وجود "بوخلال" في المنتخب المغربي، كلاعب ليبي الجنسية لأم مغربية، فتح من جديد سؤال المواطنة في ليبيا

نصف مواطنة

اعترفت المغرب باللاعب كمواطن مغربي وضمّته إلى منتخبها، بناءً على جنسية أمه المغربية الكافية لمنحه الجنسية هو الآخر.

وذلك بعكس ليبيا التي لا تعطي الحق للأم في منح جنسية بلدها لأبنائها، فقانون الجنسية الليبية الصارم يعدّ المرأة مواطنةً ناقصة الأهلية، وهذه حقيقة يقرّها القانون وينكرها منطق الدولة الحديثة، فوفقاً للقوانين الليبية المرأة يحق لها منح الجنسية في حالة واحدة فقط، كما يقر القانون رقم 24 لسنة 2010، وهي حالة الطفل الذي وُلد في ليبيا لأم ليبية وأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له.

هدف بلا منتخب

بعد انتهاء مباراة المغرب ضد بلجيكا، بثوانٍ، بدأ على منصات التواصل الاجتماعي خلاف وصل إلى درجة التشكيك في وجود ليبيا نفسها وما إذا كان "بوخلال" من طرابلس فقط، أو من برقة فقط، فالبعض حلف الأيمان بأنه كان جاراً لجده في المدينة القديمة في طرابلس، والآخر أقسم بشرف قبيلته أن اللاعب يعود أصله إلى برقة وتحديداً إلى قبيلة "البراعصة"، لينطلق صراع برقاوي/ برقاوي، موازٍ كونه من قبيلة "الحاسي" أو من قبيلة "المعرّفة"، لتلتهب صفحات مواقع التواصل الليبية حول جدليات يبرز خلفها عمق أزمة الليبيين الذين هم في واقع الأمر ليسوا ليبيين بما يكفي دائماً، فالقبيلة تأتي دائماً أولاً.

وفي مكان افتراضي موازٍ، خرج حوار علت فيه الأصوات بسبب عدم القدرة على العراك بالأيدي بين صفّين، أحدهما يقول إن "بوخلال" عربي، وآخر يقول إنه أمازيغي، وهذه قبيلة أخرى يختبئ خلفها الليبيون كون ليبيا وحدها لا تكفي.

فليبيا، على قلة عدد سكانها الذين لم يتفق الليبيون على عددهم فيها، وهل هم ستّة أم سبعة أم ثمانية ملايين، إذ إن الرقم يزداد وينقص حسب حصة كل قبيلة في إيرادات الريع النفطي، ليبيا ليست كافيةً بالتأكيد لمنح جنسيتها لأبناء الليبيات اللواتي تزوجن بغير الليبيين، وهذه هي المسألة الأهم والتي تفضح تناقض العقل الجمعي في بلد يرفض فيه الجميع تقريباً منح جنسية الدولة لأبناء زوجات غير الليبيين، وفي الوقت نفسه ينشرون رسائل الفخر بتسجيل ليبي -بعد تجاهل مؤقت للخلاف حول أصله الإثني والقبلي- هدفاً في كأس العالم، وهو لم يكن ليتمكن من فعل ذلك لو أن الدولة التي تحمل والدته جنسيتها لم تمنحه إياها، ليصبح مغربياً من الدرجة الأولى

ليبيون وأنصاف ليبيات

قانون الجنسية الليبي يقسم المواطنين إلى نوعين بناءً على الجنس؛ مواطنين وهم الذكور ، ويحق لهم إطلاق اسم ليبيا على أبنائهم بمنحهم الجنسية، وليبيات لا يحق لهن الأمر نفسه بالنسبة لأبنائهن في حال غياب الذكر الليبي في شهادة الميلاد، لتكون الليبية نصف مواطن في حقيقة الأمر، فالقانون الليبي يحرم المواطنة الليبية من منح جنسيتها لأبنائها في حال الزواج من غير الليبي، عبر مبررات تبدأ من مبدأ عدم الثقة بالأجانب، والخوف على الليبيات الساذجات، وصولاً إلى الخوف على الأمن القومي، في حالة تجاهل كامل لمفهوم المواطنة والمساواة في الحقوق بين المواطنين على اختلاف الجنس أو اللون أو الطبقة الاجتماعية أو المذهب أو الدين أو التوجه السياسي أو الثقافي، وهو ما ينص عليه الدستور الليبي الذي أسقطه نظام الجماهيرية، ومسودة الدستور غير المعتمد بعد والذي ينتظر منذ عشر سنوات ولادةً عسيرةً، والذي ينتظر التصديق عليه منذ انتخاب لجنة صياغته سنة 2014، وهذا موضوع آخر.

الحقوق ليست للجميع

إن حرمان الأمهات المتزوجات من غير ليبيين من حق منح الجنسية الليبية لأطفالهن، تسبب في حرمان أو فلنقل بلغة أكثر واقعية بعرقلة أبسط حقوقهم الطبيعية، كالتعليم، التنقل، والعلاج، بل وصل الأمر إلى خروج المفتي لينادي بمنع السماح بزواج الليبيات من الأجانب سنة 2013، حتى لا يزداد عدد الليبيات المتزوجات من أجانب أكثر من 15 ألف امرأة، يعدّهن المفتي مرتكباتٍ محظوراً حسب فتواه، وهذه فتوى غريبة جداً، يتجاهل الكثيرون الحديث عنها كونها تستهدف الحلقة الأضعف في المجتمع الليبي، أي الليبيات المتزوجات من غير الليبيين.

بالرغم من صدور قرار من الحكومة الليبية المشكوك في شرعيتها أصلاً، ينص على منح أبناء الليبيات كل الحقوق المتساوية مع بقية الليبيين نظرياً، إلا أن القرار حسب وصف منظمة "هيومن رايتس ووتش"، يُعدّ مرسوماً تمييزياً، بالإضافة إلى أنه غير فعال أصلاً لأنه يناقض تشريعات موازية له لا يحلها قرار بل قانون أعلى منه، وهو الدستور الذي تأخر ميلاده أكثر من عقد إلى اليوم، فقرار الحكومة مثلاً لم يكن مقبولاً لدى دوائر الحكومة الأخرى نفسها والتي تقوم بصرف منح أبناء الليبيات غير العاملات (ربات البيوت)، إذ لا يزال أبناء الليبيات من آباء غير ليبيين مستثنين من حق الحصول على هذه المنحة مثلاً.

يحرم لقانون الليبي المواطنة الليبية من منح جنسيتها لأبنائها في حال الزواج من غير الليبي

وبعد تأهل المغرب لأول مرة في تاريخها إلى ربع نهائي كأس العالم، أصبح لدى الليبيين إحساس بأنهم شاركوهم هذا الإنجاز بلاعب واحد، لاعب يفضح في الوقت نفسه ازدواجية المعايير المجتمعية السائدة في ليبيا والمحكومة بعادات القبيلة، القبيلة التي ترفض مشاركة الأجنبي لريعها ونفطها، وأرضها ونسائها، وبعد أن امتلكت القبيلة صدفةً الدولة، أصبحت تمنع مشاركة الأجنبي جنسيتها، التي تعامَل معاملة مضرب القبيلة الذي يحمل اسمها الرجال فقط، فكان "بوخلال" ليبياً صميماً لأن أمه منحته الجنسية المغربية، وفي الوقت نفسه يعيش أكثر من 30 ألف "بوخلال" لا يمتلكون حق حمل اسم ليبيا في مباراة كرة قدم محليّة، فقط لأن القبيلة لا تعترف بنسب الطفل إلى أمه.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard