بعد ظهر يوم الخامس والعشرين من حزيران/ يونيو 2014، كانت المحامية والناشطة الحقوقية سلوى بوقعيقيص، المنحدرة من مدينة بنغازي الواقعة في شرق ليبيا، تدعو مواطنيها عبر شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي إلى المشاركة في انتخابات مجلس النواب، تفعيلاً للمشاركة المجتمعية التي كانت ترى فيها سبيلاً لتجاوز دوامة الخلافات السياسية والأيديولوجية والوصول إلى حلول وبدائل ناجعة.
في مساء ذلك اليوم، تسلل مسلحون ملثمون إلى منزل بوقعيقيص، وأطلقوا النار على الحارس فأصابوه في رجله، ثم اندفعوا إلى داخل المنزل ليفتحوا نيران بنادقهم على المحامية فأصابوها بأكثر من 11 رصاصة، استقرت إحداها في الرأس مُباشرة. لكن يبدو أن ذلك لم يشف تعطشهم للدماء وحقدهم الأيديولوجي على كل من يعارضهم، فسددوا لها طعنات في عدة أماكن من جسدها لتفارق الحياة بعد دقائق قليلة من وصولها إلى المستشفى.
منعرج خطير
لم يكن اغتيال سلوى بوقعيقيص مجرد جريمة عابرة، بل سابقة تاريخية، ومؤشراً خطيراً على وضع البلاد التي تحولت بعد العام 2011، إلى ساحة لخليط من المليشيات والعصابات والجماعات الإرهابية التي لا تميل إلى المساواة بين الجنسين، وسلطت عنفها على النساء لتتوالى عقب ذلك عمليات استهداف المرأة في ليبيا.
وفي السابع تموز/يوليو 2014، اغتيلت الناشطة فريحة البركاوي، رميا بالرصاص في إحدى محطات التزود بالوقود في مدينة درنة. وفي 21 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، هز اغتيال الناشطة الليبية الشابة سارة الديب، في منطقة "حي الأندلس" بالعاصمة طرابلس، الأوساط الثقافية والحقوقية في ليبيا.
وفي 23 من فبراير/شباط عام 2015، اغتيلت الناشطة انتصار الحصائري، التي وجدت مقتولة بأداة حادة، في الصندوق الخلفي لسيارتها بطرابلس. وكانت الحصائري عضوة في "حركة تنوير" ذات التوجه الليبرالي، المهتمة بنشر ثقافة القراءة والوعي المجتمعي، وشاركت في مظاهرات منددة بالجماعات الإرهابية.
في مساء ذلك اليوم، تسلل ملثمون إلى منزل بوقعيقيص، وأطلقوا النار على الحارس، ثم اندفعوا إلى الداخل ليفتحوا نيران بنادقهم على المحامية فأصابوها بأكثر من 11 رصاصة، استقرت إحداها في الرأس مُباشرة. لكن يبدو أن ذلك لم يشف تعطشهم للدماء، فسددوا لها طعنات في عدة أماكن من جسدها
وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أطلق مسلّحون، مقنّعون ومجهولون، النار على المحامية حنان البرعصي، في شارع 20، أحد أكبر شوارع بنغازي وأكثرها ازدحاماً، بعد أن حاولوا اختطافها. سبق ذلك اختطاف النائبة سهام سرقيوة، على يد مسلحين من منزلها في بنغازي في 17 يوليو/تموز 2019، وظل مصيرها مجهولاً على الرغم من المناشدات الدولية، ومطالبات المنظمات الحقوقية وسفراء الدول الكبرى بإطلاق سراحها والكشف عن مصيرها.
حالات كثيرة من الاغتيالات، تخللتها شتى أنواع الانتهاكات ضد المرأة من ضرب وشتم خلال وقوفها في طوابير طويلة أمام المصارف، إلى الابتزاز والاستغلال للنساء المهجرات واللاجئات من طرف الجماعات المسلحة مختلفة الولاءات، إضافة إلى العنف الأسري والاغتصاب وغيرها من كل أصناف الاضطهاد.
المرأة ورحلة البحث عن دورها
انطلق الحراك النسوي في ليبيا منذ ثلاثينات القرن الماضي، لتمكين المرأة من دور مجتمعي بعيدا عن الأدوار التقليدية التي كان يفرضها المجتمع ذو الطبيعة القبلية. وبالرغم من الصعوبات التي واجهها الحراك، فقد تواصل بآمال كبيرة وعزيمة أقوى، وتمكنت المرأة الليبية، بعد إعلان الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي، من تحصيل تعليم عال ومتنوع، ساهم في تكوينها ودفعها نحو المشاركة في الحياة المجتمعية حيث أثبتت جدارة واضحة في العديد من المجالات.
ومثل تأسيس أول جمعية نسوية في مدينة بنغازي العام 1954، على يد السيدة حميدة طرخان المعروفة باسم حميدة العنيزي، مكسباً مهما للمرأة الليبية لتحقيق طموحاتها والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد. وبالرغم من المآخذ التي رافقت فترة حكم الزعيم الليبي معمر القذافي، إلا أن هناك العديد من المؤشرات تؤكد على حصول المرأة على مكتسبات هامة حينها.
في تقرير لموقع "جلوبال ريسيرش" حول ليبيا في عهد القذافي، نشر العام 2015، أكد أن المرأة حصلت على حقوقها على عكس العديد من الدول، فلديها حق التعليم والتوظيف والطلاق، وعقد الملكية، ولقي ذلك إشادة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وأضاف التقرير أنه حين تولى القذافي السلطة في ليبيا عام 1969، كان عدد قليل من النساء الليبيات يذهبن إلى الجامعة، ولكن اليوم أكثر من نصف الطلاب الجامعيين من النساء، كما أن واحداً من أوائل القوانين التي أصدرها القذافي في عام 1970، هو المساواة في الأجر بين الجنسين.
"قبل 2011، حققت المرأة الليبية مكتسبات كثيرة، فكانت الأولى عربياً في تبؤو منصب القضاء في 1989 ودخلت الكليات العسكرية وكل القطاعات الأخرى في الدولة"
تقول الاستاذة حنين بوشوشة، الباحثة في النوع الاجتماعي والحوكمة ورئيسة منظمة "نوازي" لدراسات النوع الاجتماعي لرصيف 22: "قبل 2011 كانت هناك مكتسبات كثيرة جداً على المستوى التشريعي والقانوني من قبل النظام السياسي في ذلك الوقت. كانت ليبيا من أكثر الدول العربية التي صادقت على اتفاقيات دولية إذ صادقت على 8 من أصل 9 اتفاقيات من ضمنها السيداو، والبروتوكولان المتعلقان بها: بروتوكول الشكاوى الفردية وبروتوكول التقارير الموازية".
وتضيف بوشوشة: "حققت المرأة الليبية مكتسبات كثيرة، فكانت الأولى عربياً في تبؤو منصب القضاء في 1989 ودخلت الكليات العسكرية وكل القطاعات الأخرى في الدولة".
لكن هذه المكتسبات لم تكن كافية ولا تامة، وتخللتها صعوبات وعراقيل عديدة. ترجعها بوشوشة إلى: "معوقات كثيرة من ضمنها الثقافة المجتمعية الموجودة، وعدم قبول التطور الذي حدث والحقوق التي اتيحت للنساء".
كان هناك رفض مجتمعي في العديد من القطاعات لوجود المرأة فيها، أو تقلد مناصب سيادية في الدولة. أغلب المناصب التي كانت تتقلدها المرأة في ذلك الوقت لها علاقة بالشؤون الاجتماعية وعلى النطاق التنفيذي".
وتؤكد الباحثة أنه "كانت هناك اشكالية كبيرة في قبول المرأة في عدة قطاعات مثل الكليات العسكرية، وكانت هناك مفاهيم حول العار والعيب، حسب التفكير الذكوري الموجود في المجتمعات العربية بصفة عامة، وفي المجتمع الليبي بصفة خاصة. وأثر هذا العنف الثقافي الموجه ضد المرأة على دورها في المجتمع".
مع اندلاع "الثورة الليبية"، التي حملت شعارات المُطالبة بالحريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، اتجهت المرأة في ليبيا نحو مواصلة نضالها وتنمية دورها في المجتمع. لكن أتون الحرب المستعرة في البلاد كان حجرة عثرة أمام تقدمها ومصدر تراجع لمكتسباتها السابقة
2011... خطوات إلى الوراء
مع اندلاع "الثورة الليبية"، في العام 2011، التي حملت أسوة بنظيراتها في دول "الربيع العربي" شعارات المُطالبة بالحريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، اتجهت المرأة في ليبيا نحو مواصلة نضالها وتنمية دورها في المجتمع. لكن أتون الحرب المستعرة في البلاد كان حجرة عثرة أمام تقدمها ومصدر تراجع لمكتسباتها السابقة.
تقول الإعلامية الليبية إيناس أحميدة لرصيف22: "تمدد العنف ضد المرأة كان نتيجة الحروب التي عانت منها البلاد، ونتجت عنها سيطرة المجموعات المسلحة والتهجير وغياب السند في بعض الحالات، وغياب القانون، والإفلات من العقاب، وتصاعد نبرة التطرف والسلفية. إضافة إلى حاجة النساء للتواجد في وظائف لا تؤمن الحماية الكافية، أو ضمانات تحفظ حقوقهن".
وحول دور منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في تقييم المخاطر والحد منها، ترى أحميدة أنها: "تجربة لم تنضج بعد في المجتمع الليبي، ويمكن القول إنها استغلت كواجهة لتمرير أجندات أجنبية. لذلك هي لا تزال غير موثوقة بشكل يضمن توليها دوراً مهماً كدعم النساء. وتضيف: "في المقابل، الاحتياج كبير وضروري لمؤسسات داعمة لخلق بيئة مناسبة للعمل، من حيث قوانين متطورة وقابلة للتطبيق، وأجهزة تتابع وتراقب وتقدم الدعم".
مناصب ولكن
على الرغم من الحضور القوي للمرأة بعد العام 2011، وانخراطها بشكل كبير في عدة قطاعات من الإعلام إلى المجتمع المدني والمنظمات، ودخولها المعترك السياسي كنائبات ووزيرات، فإن هذا الحضور ظل محدوداً وغير منصف للجهود التي بذلتها المرأة من أجل تعزير دورها في مجتمع كانت ترنو إلى أن يكون خالياً من كل تمييز بين الجنسين.
تقول الأستاذة زاهية فرج، مسؤولة مكتب العلاقات بجامعة الجبل الغربي، لرصيف22: "نحن النساء القياديات اعتدنا منح المرأة مناصب وزارية نمطية من بعد 2011، مثل وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الثقافة، التي كانت في نظرنا دون المستوى النضالي الذي حققته المرأة الليبية بعد ثورات الربيع العربي، لأنها كانت في الصفوف الأولى، محاربة، وطبيبة، وأسست منظمات مدنية وقادت المظاهرات، وساهمت في بناء الدولة".
وتضيف زاهية: "لا أقصد التقليل من طبيعة العمل الذي تقوم به هذه الوزارات، فهو ذو أهمية ولكن التأكيد فقط أن الصورة الذهنية المرسومة في مخيلة المجتمع والحكومة هي الميادين المتعلقة بالمرأة، وعندما تم تعيين نساء يشغلن مناصب وزيرات الخارجية والعدل، كان للخبر صدىً كبير جداً".
وعلى الرغم من حصول النساء على أربع حقائب وزارية، في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، بنسبة 14%، في سابقة تاريخية، فإن هذا المعدل غير كاف، ولا يتوافق مع اتفاقيات جولات الحوار السياسي، في تونس وجنيف، التي شددت خلالها البعثة الأممية على أن تخصص حصة نسائية "لا تقل عن 30%"، من عدد الوزراء في التشكيلة الحكومية الجديدة – وقتها-.
كما أن تقلد السيدة نجلاء المنقوش، لمنصب وزيرة الخارجية، والذي قوبل بإشادات دولية واسعة، ووصفه السفير الأمريكي في طرابلس، ريتشارد نورلاند، بـ"اللحظة التاريخية للمرأة الليبية"؛ فإنه لا يخلو من العراقيل. فالمنقوش تواجه أصعب التحديات منذ توليها هذا المنصب، وتعرضت للعديد من الهجمات والحملات الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في كل ظهور لها في أي مناسبة.
تبدو الصورة جد قاتمة، خلافات سياسية، صراعات وحروب، ظروف أمنية متردية، ناهيك بثقافة ذكورية زادت في تغذيتها الأعراف والتقاليد وانتشار الفكر الإسلامي المتشدد الذي ينظر للمرأة على أنها "عورة". لكن خطوات المرأة الليبية، في طريق النضال من أجل حقوقها لن تتوقف، وسيكون تميزها المتواصل والدائم المفتاح لفك شيفرة المجتمع الذكوري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع