شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"المسافة الجغرافية ليست ضماناً للأمان"... مدوّن بحرينيّ معارض يتّهم بلاده باختراق هاتفه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الأربعاء 7 ديسمبر 202202:35 م

بدأ المدوّن البحريني المعارض يوسف الجمري (41 عاماً)، الحاصل على حق اللجوء السياسي في بريطانيا، إجراءات قانونية ضد الحكومة البحرينية ومجموعة NSO الإسرائيلية، بعد العثور على برنامج التجسس Pegasus على هاتفه.

ظنّ الجمري أنه سيصبح بأمان في بريطانيا التي وصلها طالباً حق اللجوء في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017، عقب فترات متفرقة من الاعتقال والتعذيب في بلده الأصلي. في سن 16 عاماً، احتُجز الجمري لأول مرة خمسة أشهر دون تهمة.

لاحقاً في عام 2011، خلال ثورات الربيع العربي، التي واكبتها انتفاضة الأقلية الشيعية في البحرين، تعرض الجمري للاستجواب والمضايقات المتكررة من قبل السلطات البحرينية بسبب نشاطه وعمله في تنظيم الاحتجاجات. في عام 2017، بعد عدة اعتقالات، قال إنه تعرض للتعذيب من قبل وكالة المخابرات البحرينية السيئة السمعة، "جهاز الأمن الوطني".

وقال إنه تعرض لاعتداء الجنسي وللتهديد بالاغتصاب خلال الاستجواب المنتظمة، ما دفعه إلى الفرار مع أسرته.

عقب خمس سنوات في المنفى واللجوء في بريطانيا... المدون البحريني المعارض يوسف الجمري يبدأ إجراءات قانونية لمقاضاة حكومة البحرين وشركة NSO الإسرائيلية عقب اختراق هاتفه ببرنامج Pegasus

فقدان الشعور بالخصوصية والأمان

عن مغادرته المملكة، قال لصحيفة الغارديان: "لم يكن قراراً سهلاً. كنت موظفاً حكومياً في البحرين ومحاطاً بعائلة محبة. خسرت كل هذا وكان يتعيّن عليّ أن أبدأ حياة جديدة في المملكة المتحدة التي منحتني سلطاتها حق اللجوء، ما أعطاني إحساساً حقيقياً بالأمان".

لم يدم هذا الشعور بالأمان طويلاً إذ اتخذ الجمري، الذي لم يغادر المملكة المتحدة منذ وصوله، خطوة أولية لرفع دعوى قضائية في إنكلترا ضد حكومة البحرين ومجموعة NSO الإسرائيلية، بعد اكتشافه إصابة هاتفه ببرنامج Pegasus الذي طوّرته NSO في آب/ أغسطس 2019.

قال محامو الجمري إن الاختراق، الذي تحقق منه باحثو Citizen Lab بجامعة تورنتو، تسبب في "ضرر مباشر وقلق وتوتر وشعور بانعدام الخصوصية" للجمري. قدّر الباحثون أن الهجوم على هاتف الجمري انطلق من "خوادم متصلة بالبحرين، أو جهة تهديد تعمل نيابة عنها".

يشير تحليل هاتف الجمري إلى أن الاختراق حدث عقب أيامٍ من تغريدِهِ عن حادثة اقتحام شرطة لندن السفارة البحرينية بالقوة لإنقاذ متظاهر بحريني صعد سطح المبنى واتهم أمن السفارة بالاعتداء عليه. وقعت هذه الحادثة غير العادية في 26 تموز/ يوليو 2019، وكان الناشط المحتج آنذاك، ويدعى موسى محمد، يتظاهر ضد الإعدامات التي تجري في البحرين لمعتقلين سياسيين والتي ندد بها مدافعون عن حقوق الإنسان على نطاق واسع.

شاهد قُرابة المليوني شخص تغريدات الجمري عن عمليات الإعدام بين 26 و28 تموز/ يوليو 2019. يُرجح خبراء الأمن الرقمي أن هاتفه تعرض للاختراق بين يومي 3 و5 آب/ أغسطس 2019.

حملة منظمة ضد NSO؟

وتأتي الرسالة القانونية التي تقدّم بها الجمري، وهي خطوة إجرائية تسبق تقديم دعوى قضائية رسمية في المملكة المتحدة، في وقتٍ تواجه NSO اتهامات وإجراءات قانونية في الولايات المتحدة الأمريكية. 

في عام 2021، وضعت إدارة الرئيس جو بايدن NSO على قائمة سوداء بعد إدانتها بالتصرف "بما يتعارض مع السياسة الخارجية ومصالح الأمن القومي للولايات المتحدة". وتجري مقاضاة الشركة من قبل "واتساب" في الولايات المتحدة.

وعادةً ما تبيع شركة التجسس الإسرائيلية برنامجها للحكومات في جميع أنحاء العالم بزعم مساعدتها لتعقب المجرمين والإرهابيين. لكن في حالات عديدة، ثبت استخدام البرنامج ضد ناشطين حقوقيين وصحافيين ومعارضين سياسيين. 

ويمكن لـ Pegasus اختراق أي هاتف دون اكتشاف ذلك، وبالتالي يستطيع مستخدموه قراءة الرسائل المشفرة والتحكم عن بُعد في الوصول إلى كاميرا ومسجل الهاتف المخترق.

مريم الخواجة: اختراق هاتف الجمري يوضح أهميته كناشط ومقدم للمعلومات حول ما يحدث داخل البحرين. أشخاص مثل يوسف الجمري يجعلون من الصعب على الحكومة البحرينية أن تظهر بصورة أفضل على الصعيد الدولي. لهذا يتعرض للاختراق

رداً على اتهام الجمري، رفض متحدث باسم NSO التعليق على الشكوى بعينها. لكنه اعتبر أن الدعوى القانونية رفعتها "منظمات ذات دوافع سياسية تنشر عن عمد معلومات مضللة" وأن مزاعمها استندت إلى تكهنات كجزء من "الحملة الجارية ضد NSO".

وأضاف: "NSO هي مزود برمجيات. لا تقوم الشركة بتشغيل Pegasus، وليست لديها رؤية لاستخدامه، ولا تجمع معلومات عن العملاء أو من يحققون".

وبينما رفض متحدث باسم حكومة البحرين التعليق للغارديان بشأن قضية الجمري، قال إن "مملكة البحرين مستمرة في الامتثال لسيادة القانون ولجميع التزاماتها القانونية الدولية. حرية التعبير حق دستوري ولا يعتقل أحد بسبب آرائه السياسية أو نشاطه. لا تتسامح حكومة البحرين مع سوء المعاملة من أي نوع". علماً أن تقارير حقوقية ودولية عديدة أدانت النظام البحريني الراهن بتعقب الصحافيين والمعارضين السياسيين واعتقالهم تعسفياً وإهمال تقديم الرعاية الصحية للمحتجزين السياسيين. 

"المسافة الجغرافية ليست ضماناً للأمان"

تبرهن حالة الجمري على ما توفره برامج التجسس للأنظمة الاستبدادية من قدرة على تعقب المعارضين السياسيين أينما كانوا. قال الباحث بيل ماركزاك، من Citizen Lab: "تسمح هذه الأنواع من التقنيات للحكومات بالوصول إلى ما هو أبعد من حدودها. المسافة الجغرافية ليست ضماناً للأمان".

يعقب التحرك القانوني صدور حكم منفصل، في آب/ أغسطس 2022، من قاض بريطاني بإمكانية المضي قدماً في قضية تجسس ضد السعودية. تمسكت الرياض آنذاك بالحصانة الدبلوماسية، لكن القاضي رفض ذلك. وهو ما يرجح أن الحصانة الدبلوماسية للبحرين لن تقف في سبيل شكوى الجمري.

مع ذلك، تُذكّر حادثة اختراق هاتف الجمري بفشل حكومة المملكة المتحدة في اتخاذ أي إجراء عام ضد NSO أو أي من عملائها الأجانب الذين يُعتقد أنهم استهدفوا أرقام هواتف الأفراد المقيمين في المملكة المتحدة.

تبرهن حالة الجمري على ما توفره برامج التجسس للأنظمة الاستبدادية من قدرة على تعقب المعارضين السياسيين أينما كانوا. "تسمح هذه الأنواع من التقنيات للحكومات بالوصول إلى ما هو أبعد من حدودها"

في هذا الإطار، قال سيد أحمد الوداعي، مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية بلندن، إن ما قام به الجمري "بمواجهته كل من الحكومة البحرينية ومجموعة NSO وبدء عملية رفع دعوى قضائية ضدهما ‘عمل بطولي‘ برغم الخطر الجسيم للانتقام منه عليه وعلى المقربين منه".

وزاد الوداعي: "إنه القرار الصحيح الذي يجب اتخاذه. في حين أن هناك سابقة وضعتها محاكم المملكة المتحدة تمنح الأفراد الحق في مقاضاة الدول لاختراق أجهزتهم، إلا أن القضية المرفوعة ضد مجموعة NSO ليست واضحة النتائج بعد".

بدورها، لفتت الناشطة الحقوقية البحرينية المقيمة بالخارج، مريم الخواجة، ابنة الناشط المعتقل عبد الهادي الخواجة، إلى أن اختراق هاتف الجمري يوضح أهميته كناشط ومقدم للمعلومات حول ما يحدث داخل البحرين من خلال شبكة مصادره وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما اعتبرت أن "أشخاصاً مثل الجمري يجعلون من الصعب على الحكومة البحرينية أن تظهر بصورة أفضل على الصعيد الدولي. لهذا يتعرض للاختراق".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard