دخلت احتجاجات إيران أسبوعها السادس وسط أشكال جديدة من الاعتراض والمظاهرات، فبين هدوء نسبي في شوارع البلاد، يستمر الإضراب العام في بعض المدن والقطاعات، كما لم تهدأ الجامعات ولا طلاب المدارس ولا الكتابات التنديدية على الجدران ليلاً.
بينما يستمر بعض الطلاب في مظاهرات شبه يومية داخل الحرم الجامعي في بعض مدن البلاد، بات تحدي النظام يأخذ شكلاً آخر لنيل الحرية، متمثلاً في كسر قواعد النظام وجلوس الطلاب والطالبات معاً في قاعات مطاعم الجامعة، ما هو ممنوع وفق القانون.
تنفذ الجمهورية الإسلامية قواعد في الفصل بين الجنسين في قاعات تناول الطعام في الجامعة، ولكن بعد أزمة الحجاب القائمة، أزال الطلاب والطالبات الستار القائم بينهم، وجلسوا جنباً إلى جنب ليتناولوا وجبة الغداء، ثم يعودون لصفوفهم الدراسية المختلطة.
قاعة تناول الطعام رمز الحرية
ولم تحبذ السلطات الأمنية داخل الجامعة التي تسمى (حراسة) هذا القرار، وبدأت المواجهة بالقوة بين الطلاب والعناصر المعنية، واستمرت هذه العملية خلال الأيام الأخيرة إلى أن غير الطلابُ "التكتيك" في المواجهة فباتوا يأخذون وجباتهم، ويذهبون إلى باحة الجامعة يجلسون مع بعضهم لتناول الطعام.
وبينما يجلس هؤلاء الطلاب والطالبات في صفوف التعليم جنباً إلى جنب دون أي منع، لم تتوقف تدخلات الجامعة في التأكيد على الفصل بين الجنسين في وقت تناول وجبة الغداء.
صعّدت الطالبات برفقة الطلاب من التحدي، فخلعن حجابهن واقتحمن القاعة للجلوس مع الطلاب خلال تناول الطعام، بيد أن بعض الطلاب خالف ذلك وبدأ الصراع بين الطرفين في جامعة "شريف" الصناعية، وهي إحدى الجامعات التي برز دورها في الاحتجاجات الأخيرة، واعتقلت السلطاتُ العشراتِ من طلابها.
جامعة شريف الصناعية في طهران كانت الرائدة في هذا القرار، لكن التحدي لم يتوقف هنا، بل شمل جامعة طهران، وجامعة أمير كبير، وجامعة العلامة طباطبائي، وجامعات مدينتي إصفهان ومشهد.
تستمر موجة كتابة الشعارات على الجدران، ووضع اللافتات فوق الجسور ليلاً، والتي تطالب بالحرية، والموت للديكتاتور، وكتابة أسماء القتلى. ثم تعمل البلديات على محو هذه الكتابات بالألوان وتنزيل اللافتات في النهار
ووفقاً لوسائل إعلام محلية، أكد الطلاب المتشددون على احترام قواعد الجامعة في مظاهرات خرجت للتنديد بأفعال زملائهم، والإهانات والانتهاكات التي شهدتها الجامعة حسب قولهم.
يبدو أن جلوس الطلاب والطالبات في قاعات تناول الطعام، بات نوعاً من أنواع الاحتجاجات القائمة منذ أكثر من شهر في سبيل نيل الحريات من قبل الأجيال الجديدة التي تعيش بعيداً عن سلوك ونمط نظام الجمهورية الإسلامية.
مدارس إعدادية وثانوية لم تهدأ
ويؤكد ناشطون أن الجو العام في البلاد ما زال أمنياً، وأن السلطات تقيد الوصول للإنترنت في عموم البلاد، وتستمر في حجب الكثير من شبكات التواصل والتطبيقات المستخدمة يومياً إضافة إلى بعض الألعاب الإلكترونية.
تلامذة المدارس لم يهدؤوا بدورهم، فقد تم اعتقال نحو 300 طالب وطالبة، وسط غضب شعبي يطالب بإطلاق سراحهم/ن. في غضون ذلك توفيت طالبة في مدينة أردبيل شمال غربي البلاد، وعن ملابسات وفاتها ثمة روايتان متناقضتان، تقول الأولى إنها تعرضت للضرب من قبل السلطات الأمنية، بينما تؤكد الحكومة أنه لا علاقة لهذا الحدث باحتجاجات طلاب الثانوية هناك.
وتداول رواد منصات التواصل الكثير من مقاطع الفيديو تظهر طالبات في مراحل دراسية مختلفة في المدارس يهتفن بشعار "المرأة، الحياة، الحرية"، ويقمن بحرق صورة المرشد الأعلى من الكتب الدراسية.
"إلناز" أيقونة المتظاهرات
في الساحة الرياضية بينما يستمر الدوري الإيراني الممتاز دون حضور الجماهير وفقاً لقرار السلطات، لم يعبّر اللاعبون عن فرحهم أثناء تسجيل الأهداف في تضامن منهم مع الاحتجاجات.
ولاقت حركة الرياضية المتسلقة إلناز رِكابي، في عدم ارتداء الحجاب خلال مشاركتها بحدث دولي، ترحيباً واسعاً بين الأوساط الإيرانية.
ارتدت إلناز (33 عاماً)، ربطة رأس فقط خلال بطولة آسيا في كوريا الجنوبية، ما يعتبر انتهاكاً لقواعد اللباس التي تفرضها الجمهورية الإسلامية على جميع النساء الإيرانيات بما فيهن الرياضيات المتنافسات في خارج البلاد.
لاقت حركة الرياضية المتسلقة إلناز رِكابي، في عدم ارتداء الحجاب خلال مشاركتها بحدث دولي، ترحيباً واسعاً بين الأوساط الإيرانية
ولم يقتصر الترحيب بهذه الحركة التي اعتُبرت أنها تضامنية مع أزمة الحجاب منذ أسابيع بالإشادة بها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل رحب العشرات بإلناز عند عودتها في مطار طهران.
وفور وصولها أجرت وسائل إعلام حكومية لقاءات مع إلناز، أعلنت فيها أنها كانت قد نسيت غطاء رأسها بسبب تزاحم السباق وضغوط العمل في الصالة الرياضية. بيد أن وسائل إعلام إيرانية معارضة أكدت أن اللقاء الصحافي أجري معها بالإجبار والتهديد.
من جانب آخر تستمر موجة كتابة الشعارات على الجدران، ووضع اللافتات فوق الجسور ليلاً، والتي تطالب بالحرية، والموت للديكتاتور، وكتابة أسماء القتلى. ثم تعمل البلديات على محو هذه الكتابات بالألوان وتنزيل اللافتات في النهار، ويبقى التحدي قائماً بين عمل دؤوب ليلي في كتابة الشعارات وعمل نهاري لمحوها.
حكاية الجمعة الدامية
وفي شرق إيران حيث مدينة زاهدان البلوشية التي شهدت مقتل العشرات في احتجاجات "الجمعة الدامية" يوم 30 أيلول/سبتمبر، خرجت مسيرات تنديد ضد الرواية الحكومية التي تؤكد أن جماعات إرهابية بادرت بإطلاق النار على الشرطة والناس.
واعتقلت الشرطة عشرات المتظاهرين في مدينة زاهِدان ذات الأغلبية السنّية، وصرح قائد الشرطة في محافظة سيستان وبلوشستان (ومركزها زاهدان)، أن 57 شخصاً من "مثيري الشغب" اعتُقلوا في احتجاجات يوم الجمعة الماضية.
ونهاية الشهر الماضي خرجت مسيرة احتجاج بعد صلاة الجمعة لأهل السنة في زاهدان باتجاه مخفر الشرطة الذي حاول المتظاهرون اقتحامه، وذلك بسبب الغضب من مزاعم اغتصاب فتاة مراهقة بلوشية على يد قائد الشرطة في المنطقة. وقُتل الكثير أثناء هذا الحادث، وأعلنت منظمة العفو الدولية أن قوات الأمن قتلت 66 شخصاً على الأقل في حملة عنيفة، بينما تقول السلطات الإيرانية إن 5 أشخاص من عناصرها استشهدوا على يد جماعات إرهابية.
أما في المناطق الغربية ذات الأغلبية الكردية فما زالت الأسواق مغلقة في إضراب عام، وشكّل عمالٌ في شركات كبرى بترولية وصناعية وقفاتٍ احتجاجية أيضاً.
مسيرة برلين الحاشدة
ما زالت الجالية الإيرانية حول العالم والتي يصل عددها 5 مليون نسمة، تستمر في دعم المظاهرات في الداخل الإيراني، فخرجت في برلين مسيرة دعم للاحتجاجات حضرها 80 ألف شخص يوم السبت الماضي، حسب إعلان الشرطة الألمانية.
ويعتقد منظمو المسيرة أن الحضور كان 100 ألف من مختلف التوجهات السياسية والقوميات والأقليات الإيرانية، وطالب المنظمون في بيانٍ المزيدَ من العقوبات الغربية ضد السلطات الإيرانية وطرد الدبلوماسيين الإيرانيين من العواصم الغربية.
في المناطق الغربية ذات الأغلبية الكردية ما زالت الأسواق مغلقة في إضراب عام، وشكّل عمالٌ في شركات كبرى بترولية وصناعية وقفاتٍ احتجاجية
ووصفت المسيرة في برلين أنها الأكبر للجالية الإيرانية، ورفع الحاضرون فيها الشعاراتِ التي يصدح بها المحتجون داخل البلاد مثل "المرأة، الحياة، الحرية" و"مهسا أميني"، التي اندلعت الاحتجاجات بسبب وفاتها أثناء توقيفها من قبل شرطة الحجاب.
وإلى جانب المسيرة التي انطلقت في العاصمة الألمانية، عقدت تجمعات يوم السبت الماضي في عواصم عدة بما في ذلك واشنطن التي شارك في مسيرتها آلاف من بينهم نجوم ومشاهير إيرانيون يعيشون في المنفى.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تنظم الجالية الإيرانية فيها مسيرات احتجاج ضد النظام الإسلامي داخل بلادهم، بل خرجت في 1 تشرين الأول/أكتوبر الحالي مظاهرات موحدة في 150 مدينة أجنبية، كانت أكبرها في العاصمة الكندية إذ تجمع فيها 50 ألف متظاهر/ة.
واشنطن تتدخل
الولايات المتحدة الأمريكية بدورها أعلنت عن توقف المفاوضات النووية ودعم مطالب المتظاهرين السلميين الذين يبحثون عن الكرامة وحرية العيش، كما التقى كبار الساسة في واشنطن مع شخصيات إيرانية في المنفى للتعبير عن دعم الشعب الإيراني.
وأعلنت وسائل إعلام دولية أن حكومة بايدن تجري مفاوضات مع رجل الأعمال إيلون ماسك لتزويد الإيرانيين بخدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية على غرار خدمة شركة ستارلينك في أوكرانيا.
أما الاتحاد الأوروبي ففرض عقوبات جديدة على الحكومة الإيرانية لقمعها الاحتجاجات، شملت الشرطة ووزير الاتصالات وعدداً من شخصيات وكيانات أخرى.
أعداد القتلى والمعتقلين
وتقدر منظمة حقوق الإنسان الإيرانية ومقرها النرويج أن 244 شخصاً لقوا حتفهم خلال موجة الاحتجاجات القائمة، بينهم 32 طفلاً، ويأتي ذلك وسط صمت حكومي عن إجمالي عدد القتلى والجرحى والمعتقلين.
وحول أعداد المعتقلين تقول المنظمة إن ما يزيد عن 12 ألف و500 آخرين اعتقلوا حتى الآن، وأكدت السلطات القضائية في إيران أن معظم المعتقلين هم من جيل "z" وقد تم إطلاق سراحهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...