سألني صديق، بعد نشري مقال كاظم الساهر ونسائه الخطرات: "لم لا تكتبين يا علياء عما يعجبك في الرجل؟". ارتبكت: "ماذا يعجبني في الرجل؟". تناقشنا في الفكرة لدقائق، ثم أجبته ضاحكة: "في بلادنا يقولون الرجل لا يعيبه إلا جيبه!".
على مدار الأسبوع التالي أخذت أفكر في إجابة لهذا السؤال، طرحته على زوجي الذي أجاب ساخراً: "اكتبي أنك فيمنست لو أعجبك رجل تنحرقين". ضحكت ثم تذكر أني نسوية لكني "غيرية"، وبالتأكيد أنجذب إلى الرجال، فلماذا لا أجد إجابة على هذا السؤال؟
بين سيدني ونيومان الجميلين!
أجلس على أريكتي الوثيرة، وأشاهد فيلماً وثائقياً عن الممثل العالمي الأسمر، سيدني بواتيه. أنظر إلى سيدني الشاب في العشرينيات والثلاثينيات. يظهر على الشاشة فيلفت كل الأنظار دون جهد. أفكر بصوت عال: هذا أجمل رجل في العالم، مثالي برشاقته وابتسامته والذكاء الذي يشعّ من عينيه، وكياسة لغة جسده، ولون بشرته السمراء التي ميزته في سينما هوليود شديدة البياض.
بعد عدة لقطات، يظهر صديقه المقرب، الممثل بول نيومان. يبدو النسخة المناقضة له، شديد البياض بعيون زرقاء فاتحة منيرة، مثالي في جماله كآلهة الأولمب. أبوللو هبط من السماء على الأرض ليصبح ممثلاً سينمائياً فذاً. خلط الجمال بالموهبة، والصرامة مع الذكاء، ليصبح واحداً من ألمع نجوم هوليوود، والذي اشتهر بالأدوار المعقدة والشخصيات ذات الأزمات الوجودية.
أعلم أن ذوقي شديد القدم، فكلاهما ميت الآن، ومضت على سنوات نجوميتهما أكثر من نصف قرن، قبل حتى ولادتي، لكنهما فتحا لي باب التفكير في موضوع من التابوهات العربية، هل من الممكن أن يكون الرجل جميلاً، ولماذا لا نتغزّل بجمال الرجال؟
يا عزيزي المجتمع، أرغب في أن أكون مع رجل يعجبني، وأختاره بنفسي، وأجده جميلاً من وجهة نظري
ولكني تذكرت مقالي المنتظر: ماذا يعجبني في الرجال؟ وبعد مشاهدة سيدني ونيومان وقعت في حيرة أكثر، كلاهما يعجبني وهما نقيضان تماماً من حيث الشكل، فهل يعجبني في الرجال أشياء أكثر تحديداً من مجرد المظهر، أم إنني مبرمجة على عدم الاعتراف بما يعجبني في الرجال؟
عندما اخترته
مالا يعلمه الكثيرون أني رأيت زوجي أولاً، وأنا من اخترت التعرّف عليه. شاهدته داخلاً لصف الدراسات العليا الذي ندرس فيه سوياً. أعجبني من أول نظرة، بدا رشيقاً طويل القامة، خفيف الحركة، نظيفاً وأنيقاً... وقد أتى مرتدياً بذلة كاملة علمت لاحقاً أن ذلك من قواعد عمله الذي يأتي منه للمحاضرة مباشرة.
رأيته واقفاً مع إحدى صديقاتي، ناديتها بعد دقائق وطلبت منها تعريفي عليه، في جرأة غريبة علي، لكن شعرت وقتها أن ذلك هو الأمر الصحيح، وفي النهاية لم لا؟ إن كان لطيفاً سأعطيه فرصة للتعارف، تافهاً سخيفاً كالمعتاد لن يكلفني ذلك سوى عشر دقائق من الحديث الفارغ.
لم تبدأ في هذه اللحظة قصة حب ملتهبة مع الاعتذار لهواة الروايات الرومانسية، بل تزوجنا بعد ذلك اليوم بخمس سنوات، والكثير من الإقناع من ناحيته بأن الزواج مثل الموت والولادة سنّة الحياة، والكثير من القلق من جانبي، وسؤال: ماذا لو كنا أصدقاء ممتازين وأزواجاً فاشلين، أو سنعيد القصص المأسوية لزيجات الكثير من المقربين؟ لكن تلك النقطة ليست محور حديثنا هنا، بل أرغب في التركيز على هذه اللحظة التي قرّرت فيها، وأنا في الواحدة والعشرين من عمري، أن هذا الرجل يعجبني مظهره، بل أخذت خطوة للأمام بناء على هذا الإعجاب في حق يعتبره الرجال حكراً لهم!
الزواج، أو مهما كان مسمى وشكل العلاقة، هي شراكة بين شخصين يريان أنهما يرغبان في سير طرق الحياة الوعرة سوياً، يحتاج إلى الكثير من المقومات لنجاحها، مثل الصداقة، الاهتمامات المشتركة، وجهات النظر المتقاربة، الود واللطف، والانجذاب الجسدي المتبادل
في سالف العصر والأوان كنت مراهقة
في الجلسات الحميمية للمراهقات -عندما كنت إحداهن منذ أكثر من عشرين عاماً- تداولنا الحديث عن أشهر المغنيين والممثلين، بالطبع ليس عن جمال أصواتهم، أو قدراتهم التمثيلية الفذة، دعونا نكون صرحاء هنا، فهي جلسات مشبعة بالهرمونات الجنسية التي تضخّها التغيرات الجسدية، يصبح لكل فتاة منا فتى أحلام، وسيماً، عطر الرائحة، رقيق الحديث وعاطفياً بالطبع، تحلم بلقائه يوماً ليحدث شيء سحري لا تتخيل أبعاده بالضبط.
نكبر ثم يبدأ المجتمع بالكامل في تقليم هذه التطلعات، ويتحول الأمير الوسيم إلى أي رجل يمتلك المؤهلات المادية الكافية لبدء حياة زوجية، متواضعة كانت أو مرفهة، المهم أنه رجل، وفي هذا الزحام قد تتخيل الشابة أن الأحلام السابقة ليست سوى أفكار غير منطقية، وأن هذا الزوج القادم فتى الأحلام، لكن مع بعض التغيرات التي تظنها بسيطة، والوسامة والجمال ليسا مهمين لهذه الدرجة.
لم أرغب في أن أكون هذه الفتاة، أو ألقي جانباً جنسانيتي كامرأة من حقها اختيار شريك لحياتها تتقبله من الناحية الشكلية، وتراه جميلاً كما يريد نسبة كبيرة من الرجال زوجة ترضي قلبهم وبصرهم أيضاً، لا أقول إن المظهر هو المحدد الأهم لعلاقة زوجية سليمة، لكن طرحه بعيداً من جانب المرأة فقط، في حين أنه يحتل جانباً في اختيار الرجل، يعني أن هذه علاقة غير متوازنة، كل طرف فيها يبحث عن شيء مختلف في الآخر.
أرغب في أن يكون زوجي جميلاً في عيني كما أنا جميلة في عينيه، هذا لا يعني أني ملكة جمال الكون، ولا هو بول نيومان أو سيدني بواتيه، لكن الحد الأدنى من الإعجاب ليس عيباً في علاقة يعلم الكل أنها جسدية كما هي اجتماعية، وأي محاولة للمداراة على ذلك كذب بيّن، يشبه الاعتقاد بأن الأطفال ينمون في نباتات الكرنب، أو تحملهم البجعات البيضاء لعائلاتهم، كما في حكايات الأطفال الغربية.
الزواج أو مهما كان مسمّى وشكل العلاقة من وجهة نظري هي شراكة بين شخصين يريان أنهما يرغبان في سير طرق الحياة الوعرة سوياً، يحتاج إلى الكثير من المقومات لنجاحها، مثل الصداقة، الاهتمامات المشتركة، وجهات النظر المتقاربة، الود واللطف، والانجذاب الجسدي المتبادل، والذي لا يمكن أن يتواجد في ظل أن أحد طرفي العلاقة لا يهتم بأن يجد الآخر جميلاً، فلا يا عزيزي المجتمع، أرغب في أن أكون مع رجل يعجبني، وأختاره بنفسي، وأجده جميلاً من وجهة نظري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...