اسمي رامي من سوريا، من مواليد العام 1978. أنا أصغر إخوتي، وأعيش مع والديّ اللذين تجاوزا الـ85 عاماً، في منزل ريفي كبير مؤلف من طابقين وحوله بستان واسع من الحمضيات. لديّ سيارة "بيك آب" موديل 1967، لونها أحمر، وجرّار زراعي، وأكثر من مصدر دخل شهرياً. بمعنى آخر لا يوجد على الصعيد المادي، بالرغم من الحرب في سوريا، ما يمنعني من الزواج. مع ذلك لم أتزوج حتى الآن.
أنا كمعظم بنات قريتي، وربما كمعظم بنات الوطن العربي اللواتي تقدّمن في السن، أتعرض للضغط والتنمر، وأحياناً للعنف اللفظي، سواء بقصد أو من دون قصد، من بعض المحيطين بي، لأنني لم أتزوج حتى الآن.
أمي تُصرّح دوماً أمام الأقارب والمعارف وأصدقائي عن رغبتها الشديدة في أن ترى أولادي قبل موتها، مع أنّ لديها 19 حفيداً. وتضغط عليّ كي أتزوج، لأنّ الزواج وإنجاب الأطفال سنّة الله ورسوله ومصدر للسعادة... لا ألومها على ذلك، وأستطيع أن أفهم حبها وحرصها عليّ. ولكن في الوقت نفسه من المستحيل أن أستجيب لرغبتها وأتزوج فقط لأنها تريد أن ترى نسلي العظيم قبل أن تموت.
أمي تُصرّح دوماً أمام الأقارب والمعارف وأصدقائي عن رغبتها الشديدة في أن ترى أولادي قبل موتها، مع أنّ لديها 19 حفيداً.
الضيف المزعج والملعقة الخشبية
هناك شخص يزور والديّ بين الحين والآخر، وفي كل زيارة يقول لي: متى ستجعل أمك تفرح بأولادك؟ ثم يبدأ بإعطائي النصائح حول الحياة والزواج وتربية الأطفال. بالرغم من انزعاجي من كلامه، إلا أنني أقول له وأنا أبتسم: معك حق، كلامك صحيح، احتراماً لسنّه ولأنه ضيف. من جهة أخرى، وبينما هو يتحدث، أتخيّل نفسي وأنا أضربه على رأسه بواسطة الملعقة الخشبية الكبيرة التي في مطبخنا، فيُغمى عليه ويفقد ذاكرته وينسى الطريق التي تؤدي إلى منزلنا.
في إحدى المرات قلت له: "إذا تزوجت ما رح تفرح أمي بولادي، لأني عملت تحليل سائل منوي وطلعت النتيجة إنو ما بيجيني أولاد". صمتُّ لثوانٍ وتصنعتُ الحزن ثم تابعت: "هيدي إرادة الله دخل اسمو". كنت أظن أنه إن لم يكتشف كذبي، على الأقل سيراعي مشاعري كوني لا أنجب ويتحدث في موضوع آخر. لكنه بعد أن سمع كلامي ضحك، وقال بثقة: "إنت تزوج وما تفكر بالولاد... أنا بعرف شيوخ بيعملوا حجابات بتعالج العقم، وراح يسرد لي قصصاً عن قدرات هؤلاء الشيوخ الخارقة!".
هناك أصدقاء يتحدثون معي بخصوص الزواج والإنجاب من باب المحبة والحرص وبطريقة لطيفة ومنطقية، ويحترمون رأيي بغض النظر إن كانوا يتفقون معه أو لا. لكن في المقابل، هناك كثير من المزعجين والمتنمّرين والثرثارين الذين كل ما يهمهم هو لعب دور الحكماء والعارفين وجعل موضوع عدم زواجي مادةً للثرثرة والتدخل في حياتي الخاصة.
اسمي رامي من سوريا، من مواليد العام 1978. أنا أصغر إخوتي، وأعيش مع والديّ اللذين تجاوزا الـ85 عاماً، في منزل ريفي كبير مؤلف من طابقين وحوله بستان واسع من الحمضيات
وحدة المصير والنضال والمعارك المشتركة
بصفتي شخصاً لم يتزوج حتى الآن، أحب أن أقول لكل الفتيات والفتيان الذين تجمعني معهم وحدة المصير والنضال والمعارك المشتركة ضد هؤلاء الأوغاد المزعجين المتنمرين: عليكم ألا تبقوا صامتين إن كان كلامهم يزعجكم؛ لأنهم سيعدّون صمتكم نوعاً من الرضا والموافقة على ما يقولونه. وعليكم أيها الرفاق أن تتسلحوا ببعض الردود الرادعة، وتغلقوا الباب في وجه من يقتحمون مساحتكم الشخصية.
خلال السنوات الماضية، وبهدف الحد من التدخل في موضوع عدم زواجي، بدأت أستخدم ردوداً ساخرةً وأحياناً قاسيةً. من تلك الردود: "هلق معقول أنتو بتهمكن سعادتي وراحتي أكتر مما بتهمني؟! و"منيح ذكّرتني كنت نسيان إني لازم إتزوج!"، و"يبدو إنك مش مبسوط بزواجك وبدك إني إتورط وصير متلك"، و"ما بحب حدا يتدخل بحياتي فلو سمحت لا بقى تحكي معي بهيدا الموضوع"، وغير ذلك الكثير.
لكن في المقابل، هناك كثير من المزعجين والمتنمّرين والثرثارين الذين كل ما يهمهم هو لعب دور الحكماء والعارفين
لماذا أريد الزواج؟
الدين والتقاليد والأعراف والعائلة والمجتمع، كلهم يشجعون على الزواج وإنجاب الأطفال. بعيداً عنهم جميعاً وعما يقولونه، أنا أريد الزواج والإنجاب.
هناك العديد من الأصدقاء، في الواقع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، يعلمون بأنني أرغب في ذلك من خلال ما أقوله وأكتبه، والذي يمكن اختصاره كالآتي: أرغب في الزواج، وأظن أنه من المؤسف أن أموت قبل خوض هذه التجربة بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات، وأرغب في إنجاب الكثير من الأطفال؛ مثلاً أربع بنات وولدين أو أكثر قليلاً، طبعاً إن كانت زوجتي توافق على ذلك، وكانت لدي القدرة المالية والنفسية لأجعلهم يعيشون حياةً كريمةً. هذا ما أفكر وأرغب فيه، لكن الواقع قد يكون مختلفاً وأكتفي بمولود واحد، وقد يذهب العمر ولا أستطيع الزواج...
أحب فكرة المشاركة بكل أشكالها، لأنها تشعرني بالدفء والأمان، وأرى أنه من الجميل والممتع أنْ أتشارك مع امرأة أحبها الوقت وتفاصيل الحياة الممتعة والمملة والطعام والشراب والسرير.
لا أقصد بالسرير الجنس فقط، بل تلك الحالة التي أضمّ فيها زوجتي ونتبادل فيها الكلام الدافئ همساً إلى أن نغفو معاً، وحين نستيقظ أقول لها: "صباحو يا حلوة الحلوات". وبناءً على الكلام الذي تبادلناه همساً في الليل ستردّ: "صباحو يا أزعر". بعدها ومن باب المشاكسة، سأقول لها: "بالليل فقت كذا مرة لأنك سحبتي اللحاف عني وأخدت برد". فترد: "إنت فقت بالليل كذا مرة؟! عفكرة إجت المي بالليل وحنفية المطبخ كانت خربانة وما عرفت صلّحها، وفيقتك ألف مرة، وإنت متل الدب القطبي كنت داخل بسُبات شتوي". ثم تضربني بالوسادة وهي تقول ضاحكةً: "قوم صلّحها يا دب".
لا أقصد بالسرير الجنس فقط، بل تلك الحالة التي أضمّ فيها زوجتي ونتبادل فيها الكلام الدافئ همساً إلى أن نغفو معاً، وحين نستيقظ أقول لها: "صباحو يا حلوة الحلوات"
هناك العديد من المتزوجين وغير المتزوجين الذين قد يقولون: "شو مفكر الزواج بهيدي البساطة والرومانسية يلي عم تحكي عنها؟ بكرا بس تتزوج رح تعرف شو يعني زواج". ولهؤلاء أقول: أنا على دراية بالكثير من خلال ملاحظاتي وأحاديثي مع صديقاتي وأصدقائي المتزوجين. ولكن بالرغم من كل السلبيات والانتقادات التي تتناول المؤسسة الزوجية واتهامها بأنها مؤسسة فاشلة ومتعبة وروتينية وغير ذلك، إلا أنني لا زلت أرغب في دخول هذه المؤسسة واكتشاف ما فيها من سلبيات وإيجابيات.
هل حقا أرغب في الزواج والإنجاب؟
أحياناً أسأل نفسي، بما أنني أرغب في الزواج وإنجاب العديد من الأطفال، وأعلن دوماً وبشكل متكرر عن ذلك: لماذا لم أتزوج حتى الآن بالرغم من أني أحببت مرات عدة؟!
في الحقيقة، ليس لدي جواب منطقي ومقنع على مستوى الوعي. لذا أظن أن هناك رغبةً دفينةً في اللا وعي في عدم الزواج والإنجاب، وكل ما قلته وكتبته بما في ذلك هذا النص عن رغبتي في الزواج والإنجاب، ليس سوى آلية دفاعية هدفها تغييب الرغبة المعاكسة، التي في حال كانت هي الرغبة الحقيقة سأشعر بالقلق لأنني حين أكبر في العمر من دون زوجة وأطفال، سأعيش أحد أشكال الوحدة البشعة والقاسية. على ما يبدو، جهازي النفسي ليس مستعداً لمناقشة هذا الأمر في الوقت الحاضر، لذا جاءت هذه الآلية الدفاعية لتحميني من التفكير في المستقبل وما يحمله من مخاوف وافتراضات مقلقة على الصعيد النفسي والوجودي.
أحياناً أسأل نفسي، بما أنني أرغب في الزواج وإنجاب العديد من الأطفال، وأعلن دوماً وبشكل متكرر عن ذلك: لماذا لم أتزوج حتى الآن بالرغم من أني أحببت مرات عدة؟!
لحظة! هل يعني أنّ الزواج والإنجاب لن يجعلاني أشعر بالوحدة حين أكبر؟ هناك أشكال عديدة للوحدة، فمثلاً: قد أشعر بأنني وحيد إنْ شكوت همّي لصديق مقرّب ولم يفهمني. وقد أشعر بالوحدة وأنا في أوج الفرح لأسباب متعلقة بشخص أتمنى لو أنه موجود كي يشاركني هذا الفرح، وحين أكبر قد أشعر بالوحدة سواء بوجود عائلة أو من دونها. كتب عباس بيضون: أعيش محاطاً بكل هؤلاء الذين جعلوني وحيداً.
بغض النظر عن مدى صحة ما هو موجود في لا وعيي، ما يهمني الآن هو أنني مرتاح ومنسجم مع فكرتَي الزواج والإنجاب وأرغب في تجربتهما على أرض الواقع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه