كم مرةً تعرضتنّ للتنمر بسبب شعرِكنّ القصير؟ أو صرخ أحدهم في الشارع في وجوهكنّ بجملة: "يا واد يا بنت"، لمجرد أن شعركنّ قصير؟ لقد تربينا على أن الشعر تاج المرأة، وأن الفتيات الأجمل هنّ من يتمتعن بشعر طويل، وعليه، قد لا تتحمل بعض المجتمعات فكرة أن هناك أنثى شعرها خفيف أو قصير أو أنها حليقة الشعر مثلاً، فيبدأ التشكيك في أنوثتها، وكأن الجمال والأنوثة مرتبطان بخصلات الشعر.
لا يتحمل المجتمع أيضاً إصابة المرأة بحالة مرضية تتعلق بشعرها، مثل الصلع الوراثي، وهي حالة موجودة عند النساء والرجال، وفي حين أن الرجل لا تعيبه هذه الحالة، فإن النساء يتعرضن للكثير من التنمر والتعليقات السلبية والنصائح والوصفات، بالإضافة إلى نظرات الشفقة والسخرية التي تحاصرهنّ.
رحلة طويلة مع الصلع الوراثي
إن الصلع الوراثي عند النساء هو فقدان الشعر بشكل كبير، وبنمط شكلي معيّن، ويحدث في العادة لأسباب جينية، ويتميز بحدوث ترقق أو فراغات في منتصف الرأس أو في فروته، مما يؤدي إلى انخفاض كثافة الشعر، لكنه لا يتطور إلى الصلع التام على غرار الصلع عند الرجال.
ويصيب الصلع الوراثي ثلث النساء في مرحلة ما من حيواتهنّ، ويصيب ثلثي النساء في فترة ما بعد الطمث، وبحسب الدراسات فإن معظم النساء اللواتي يعانين من الصلع الوراثي تكون الدورة الشهرية لديهنّ طبيعيةً، ويمتلكن خصوبةً طبيعيةً.
خاضت أسماء مصطفى، وهي شابة ثلاثينية، رحلةً طويلةً مع الصلع الوراثي: كان شعرها ثقيلاً جداً، حتى أن والدتها وخالاتها كنّ يتساعدن في تصفيفه، إلى حين وصلت إلى سن السابعة عشر، حين بدأ بالتساقط بشكل غير طبيعي. قصدت الكثير من الأطباء، وكانت من أوائل الأشخاص الذين جربوا الميزوثيرابي، كما جربت أيضاً البلازما، وكان شعرها يتحسن بعدها قليلاً، لكنه سرعان ما يعود إلى التساقط. لجأت أسماء أيضاً إلى وصلات الشعر وتركيب "نصف باروكة".
لقد تربينا على أن الشعر تاج المرأة، وأن الفتيات الأجمل هنّ من يتمتعن بشعر طويل، وعليه، قد لا تتحمل بعض المجتمعات فكرة أن هناك أنثى شعرها خفيف أو قصير أو أنها حليقة الشعر مثلاً، فيبدأ التشكيك في أنوثتها، وكأن الجمال والأنوثة مرتبطان بخصلات الشعر
كانت علاجات شعرها تمثل ميزانيةً وحدها، إلى جانب المعاناة المجتمعية؛ تتذكر أسماء أنها كانت في المترو عندما أخذت في تعديل شعرها، وإذ بها تسمع سيدةً تقول لها:"إنتِ بتظبطي فيه إيه دا؟ هما شعرتين"، فلم تتمالك حينها نفسها وأجهشت بالبكاء.
قبل عام، أخبرتها طبيبتها بأنها قد تكون مصابةً بالصلع الوراثي، ونتيجةً لذلك يقل عمر الشعر وسرعان ما يتساقط، كما أخبرها بعض الأطباء بأن زرع الشعر مكلف ونسبة نجاحه ليست كبيرةً، فكانت الخطة العلاجية تكمن في تحسين الشعر حتى يصل إلى أفضل هيئة ممكنة.
كان هذا الحل الأفضل بالنسبة لأسماء، على الرغم من أنها لم تُشفَ تماماً من الصلع الوراثي، وسوف تظل تستخدم محفزات للنمو وعلاجات للشعر، لكنها تصالحت مع الفكرة.
أما كاميليا السيد (21 عاماً)، فقد تعرضت لصدمة عندما شُخصت بالصلع الوراثي قبل عامين. كان وقع اسم المرض عليها صعباً، وبعد التشخيص طلب منها الطبيب الخضوع لعلاج المينوكسيديل، لكنها كانت تعيش حالة نكران الإصابة بالمرض من الأساس، وتالياً رفضت العلاج، مما جعل الحالة تسوء وازداد تساقط شعرها، وهو ما سبب لها ألماً نفسياً شديداً.
بعدها، ذهبت كاميليا إلى طبيبة أخرى أكدت التشخيص ذاته، وكتبت لها ثانيةً علاج المينوكسيديل، فخضعت للعلاج لكنها عانت من آثاره الجانبية: التهابات وتقشر في فروة الشعر، وعندها أوقفت العلاج وعادت إلى حالة الإنكار، وصادفت هذه الفترة إعدادها للزواج، فحذّرها أهلها من استخدام العلاج في هذه الفترة، وفي أثناء الحمل بعد ذلك. وعليه، توقفت عن العلاج لفترة، ثم استأنفت بعد أن تعرّض شعرها للتساقط الشديد.
بالتوازي مع هذه المعاناة، تأتي التعليقات السلبية من المحيطين بكاميليا، والزعم بأن شكل شعرها يجعلها تبدو أكبر سنّاً، فتضطر إلى قصّه باستمرار ليبدو أكثر ثقلاً.
بدورها، بدأ شعر ميرنا هشام (اسم مستعار)، بالتساقط بشدة وهي في عمر التاسعة عشر. عندها، قررت الذهاب إلى طبيب متخصص في الأمراض الجلدية، طلب منها تحليل صورة دم كاملة، واكتشفت بعدها إصابتها بنقص الهيموغلوبين، فطلب منها أن تتناول الفيتامينات، لكن النتيجة لم تكن جيّدةً، لذا لجأت بعدها إلى بعض الوصفات الطبيعية، مثل الثوم وزيت الخروع وأحياناً نخاع العظم، لكن بلا جدوى.
بعد عامين، ذهبت إلى طبيب آخر أخبرها بأنها مصابة بالصلع الوراثي، وطلب منها استخدام "رذاذ للشعر"، لكن ما لم يخبرها به الطبيب هو أن شعرها سوف يتساقط أكثر من السابق في حال توقفت عن استخدام الرذاذ.
ساءت حالة ميرنا النفسية بشدة، وحتى عندما لجأت إلى استخدام شعر مستعار، ظلت تعاني من فراغات كانت تضطر إلى ملئها ببودرة خاصة، كما لجأت أيضاً إلى الميزوثيرابي والبلازما، وكان لهما تأثير إيجابي بحيث أصبح الشعر صحياً وقوياً، وفي النهاية قررت اللجوء إلى تقنية زرع الشعر، لكنها تنتظر الولادة والرضاعة حتى تستطيع إجراء هذه العملية.
هل هناك علاج سحري؟
كشفت د.هدى الشوربجي، استشارية أمراض الجلدية والتجميل وعلاج الجلد بالليزر في جامعة القاهرة، لرصيف22، أن الصلع الوراثي موجود عند النساء وسببه الجينات: "قد يكون منتشراً بين عائلة الأم أو الأب، ويختلف شكل الصلع الوراثي عند الرجال عنه عند النساء، فخط الشعر الأمامي أو بداية فروة الرأس تكون موجودةً عند النساء، بعكس الصلع عند الرجال، ويكون خفيفاً مثلاً من الجانبين أو من المنتصف، ولكن لا تصل إلى فقدان الشعر بالكامل".
وأضافت الشوربجي: "أصبحنا نلاحظ الإصابة بالصلع الوراثي أحياناً من مرحلة المراهقة، فتأتي الفتاة وتشكو من أن فروة رأسها فارغة، أو أنها تلاحظ تساقط شعرها بشدة على الوسادة، وعندها تبدأ بفحوصات لتتأكد من عدم وجود أنيميا أو مشكلة نفسية أولاً، ومن ثم تخضع لتحاليل للغدة الدرقية وفيتامين د.، بجانب الصلع الوراثي".
إن مشكلة الصلع الوراثي عند النساء قد تكمن في أن دورة نمو الشعر تكون غير طبيعية، وفي الحقيقة لا يوجد علاج سحري لمثل هذه الحالة، ولا يوجد علاج فعال بنسبة 100% أيضاً، لكن ما ينبغي وجود علاج فعال له هي التعليقات السلبية التي تصيب النساء بحالة نفسية سيئة
أوضحت هدى أن العلاج المعتمد من منظمة الغذاء والدواء، هو المينوكسيديل، ويُذكر أنه قُدّم للمرة الأولى في سبعينيات القرن الماضي لعلاج ضغط الدم المرتفع، لكن لوحظ أنه يساعد على استعادة الشعر المفقود عند المرضى.
يأتي المينوكسيديل بتركيزين، 2%، و5%، ويحدد الطبيب/ ة النسبة الملائمة للمريضة بحسب الحالة، وفق تأكيد الدكتورة هدى الشوربجي: "إنه دواء بلا بديل لحالة الصلع الوراثي، وهو من أقوى العلاجات الموجودة، وكل العلاجات الأخرى هي مكملات لتحسين النتيجة"، هذا ونصحت الشوربجي باستخدامه بطريقة صحيحة، تحت إشراف الطبيب/ ة، لتجنّب الأعراض الجانبية.
باختصار، إن مشكلة الصلع الوراثي عند النساء قد تكمن في أن دورة نمو الشعر تكون غير طبيعية، وفي الحقيقة لا يوجد علاج سحري لمثل هذه الحالة، ولا يوجد علاج فعال بنسبة 100% أيضاً، لكن ما ينبغي وجود علاج فعال له هي التعليقات السلبية التي تصيب النساء بحالة نفسية سيئة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...