شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
دروز السويداء والخروج

دروز السويداء والخروج "على النظام"... من الحياد الإيجابي إلى أين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الاثنين 5 ديسمبر 202201:44 م

تعود السويداء من جديد إلى واجهة الأحداث في سوريا، ولكن هذه المرة بطريقة لم يألفها حتى النظام الذي لم يتخيل حتى وقت قريب أن تصل الأوضاع إلى إحراق مبنى المحافظة الذي يشكل رمزيته السياسية والسلطوية، وتمزيق صور الأسد الأب والابن، ورميها ودوسها بالأقدام. أحداث أعادت إلى الأذهان انطلاق الثورة قبل 11 عاماً، في درعا القريبة، ورد فعل النظام الذي واجه المتظاهرين بإطلاق النار المباشر، ما أدى إلى مقتل أحد المتظاهرين في السويداء.

لم تكن مظاهرات السويداء، يوم أمس الأحد، وليدة الصدفة، أو حدثاً عابراً، إنما جاءت نتيجة تراكمات في اتجاهين رئيسيين، الأول الأزمة السياسية التي تسبب فيها النظام السوري منذ انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، والتي لا تزال مستمرةً حتى الآن، أما الاتجاه الأخير فهو الاقتصادي والمعيشي، وبدأ بالبروز بشكله الكبير في شباط/ فبراير الماضي، بعد قرار إلغاء الدعم عن شريحة كبيرة من السوريين، ما أدى إلى خروج مظاهرات في السويداء استمرت لنحو شهرين.

ماذا يجري؟

صباح الأحد، تجمع المئات من المتظاهرين عند دوار المشنقة في مدينة السويداء، في مظاهرة دعا إليها ناشطون للتنديد بما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية وسط عدم اكتراث حكومي بما يجري، لتبدأ المظاهرة من دوار المشنقة وصولاً إلى ساحة السير في مركز المدينة، حيث حمل المتظاهرون لافتات تندد بالأوضاع المعيشية المتدهورة فيما قطع عدد من المتظاهرين عدداً من الطرق بالإطارات المشتعلة.

تجمع المئات من المتظاهرين عند دوار المشنقة في مدينة السويداء،  للتنديد بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية

لم تلبث الأوضاع أن توترت بالقرب من مبنى السرايا الحكومي ومجلس المحافظة، بعد وصول المتظاهرين وتجمعهم في هذه المنطقة، وقيام سيارة تابعة للأجهزة الأمنية تحمل رشاشاً، باقتحام المظاهرة ما دفع المتظاهرين إلى مهاجمتها وتحطيمها، ونتيجةً لردة فعل النظام، قام المحتجون باقتحام مبنى المحافظة، فغادر الموظفون، وقام المحتجون بتحطيم وإزالة صورة بشار الأسد من على واجهة المبنى.

في تلك الأثناء، بدأت قوات النظام السوري والأجهزة الأمنية بإطلاق النار بشكل عشوائي على المتظاهرين، ما أدى إلى وقوع أصابات في صفوفهم، وقُتل مدني ورجل شرطة فيما تجاوزت الإصابات 10 أشخاص من المدنيين، تم نقلهم إلى المشفى الوطني في المدينة لتلقي العلاج، بحسب ما نقل مشاركون في الاحتجاجات لرصيف22.

أحداث الأحد دفعت النظام إلى نشر تعزيزات أمنية كبيرة في المدينة، خاصةً عند المراكز الحكومية، فيما شهدت ساعات المساء إطلاقاً للنار واستخداماً للقنابل اليدوية، فيما لم يُعرف بعد إذا كانت المظاهرات ستُستأنف أو لا.

ثورة جياع أم ماذا؟

مظاهرات شباط/ فبراير الماضي، ومظاهرات الأحد، وصفها كُثر بأنها ثورة جياع، في حين يرى أبناء السويداء أن الجوع وتدهور الاقتصاد والحياة المعيشية جزء من المشهد السوري العام.

يقول الناشط والصحافي نورس عزيز، المتحدر من السويداء، لرصيف22، إن "ما جرى الأحد في السويداء كان مميزاً، فقد حمل طابعين في الوقت نفسه، طابع معيشي متعلق بالاحتياجات الرئيسية كالوقود والمواد الأساسية الأخرى، وطابع آخر سياسي مهم جداً كتمزيق صور بشار الأسد واقتحام مبنى المحافظة والشعارات التي تم إطلاقها، وهي 3 شعارات رئيسية، "سوريا لينا وما هي لبيت الأسد"، "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"الموت ولا المذلة"، وهذه الشعارات والتطورات تحمل طابعاً سياسياً وهي استمرار للثورة السورية الأولى في 2011، وثورة من أجل رغيف الخبز، أما الترويج من قبل البعض بأنها ثورة للجياع إنما هو تقزيم لهذا الحراك المهم ليس إلا".

وتواصل موقع رصيف22، مع أحد الناشطين، ويُدعى شادي (رفض ذكر اسمه كاملاً)، وهو ممن كانوا الأحد عند دوار المشنقة في مدينة السويداء، ويلفت إلى أن البداية يوم الأحد كانت بإطلاق صرخة ناتجة عن الجوع وسوء الأوضاع المعيشية من قبل ناشطين وطلاب جامعات بعد أن عجزت الدولة عن القيام بواجباتها تجاه الشعب.

يقول ناشطون من السويداء إن "ما جرى خلال السنوات الماضية هي محاولات من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام لإسكات صوت المحافظة وخلق خلافات مع المحافظات المجاورة"، فهل ما يحصل اليوم ثورة أم ماذا؟

يضيف: "من جهة أخرى، فإن السويداء لم تنسلخ يوماً عن الثورة السورية منذ بدايتها، ولا تقبل أن يتم إبعادها عن بقية السوريين، فهي جزء لا يتجزأ من كامل سوريا، ولكن ما جرى خلال السنوات الماضية هي محاولات من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام لإسكات صوت المحافظة وخلق خلافات مع المحافظات المجاورة".

برأي حسن سليمان، وهو أكاديمي من السويداء، خلال حديثه إلى رصيف22، فإن "اليوم لا يعيب حراك السويداء إن كان يسمى ‘ثورة جياع’ أم ‘ثورة كرامة’، خاصةً أن ثوار السويداء وحراكها لا يبحثون عن مكاسب سياسية، فليحكم من يحكم المهم أن تُحفظ كرامة المواطن، وكرامة المواطن تتمثل في حقوقه وهذه شرعة جميع قوانين ودساتير العالم".

ويضيف: "ما يجب أن يُقال في هذا المقال، أن حراك السويداء خرج للحفاظ على حقوق الشعب واستعادتها بغض النظر عن الهويات ما دون الوطنية. كذلك لا بد من التنبيه إلى أن بعض الجماعات التي ألصقت نفسها بالثورة وخاصةً ذات الجوانب الدينية أو الطائفية، لا تناسب ثوار السويداء وحراكها، ولا يمكن لثورة العقل أن تتقبل هؤلاء بأي شكل. هدف الحراك كرامة المواطن وكرامة الوطن من خلفه".

حياد السويداء

لم تنخرط السويداء بشكل كامل في الحراك الثوري السوري الذي بدأ في العام 2011، كبقية المحافظات، لكن في الوقت نفسه كانت لها مواقفها الإيجابية التي مثّلها ما يمكن وصفه بالحياد أو الانعزال الإيجابي، ففكرة الأقلية لدى شريحة واسعة من السوريين بشكل عام، لها حساسيتها الخاصة، لكن هناك العديد من أبناء السويداء خرجوا في المظاهرات السلمية، ومنهم من انتسب إلى صفوف المعارضة المسلحة ليُقتل مع المعارضين، وعلى رأسهم خلدون زين الدين.

عمدت أجهزة الأمن إلى إطلاق النار عشوائياً على المتظاهرين الذي هتفوا بإسقاط النظام 

يؤكد عزيز أن "أهالي السويداء اتخذوا الحياد منذ البداية، لكنه حياد إيجابي تجاه الضرر اللاحق بالسوريين الآخرين، فحركة رجال الكرامة عملت على حماية الشبان من الالتحاق بقوات النظام منذ العام 2012، كي لا يقاتلوا ضد السوريين، لهذا لم يكن هناك حياد سلبي أو انعزال".

أيضاً، "الحياد كان إيجابياً تجاه طلبات الشعب السوري وثورته، أكثر من الوقوف على الحياد بمعناه المجرد، ومن ناحية أخرى فالمشكلة الواقعية أن النظام لا توجد لديه تفرقة بين أقلية وأكثرية، بل يرى أبناء الأقليات أكثر خطورةً عليه، والأزمة في السويداء كما في كل سوريا أزمة نظام سياسي يعاني منها كل السوريين، نتج عنها ما نتج من تدهور في الحياة المعيشية، ولم تكن فقط ناجمةً عن العنف"، بحسب عزيز.

من جهته، يرى سليمان أن "خروج أقلية في وجه النظام كما يفعل الدروز من أبناء السويداء منذ 50 عاماً تُكال إليها مجموعة من التهم والصور النمطية، والتي لا تعيب الثوار الحقيقيين الذين لم يبرحوا الساحات من أجل كرامة الوطن".

ويشير إلى أن "ما يقال عن أن دوافع الثوار مختلفة، حتى دوافع ابتعادهم عن الساحة في السنوات العشر الماضية، كانت محقةً. في ظل نشاط مجموعات التطرف والإرهاب، كان لا بد من النظر جلياً في ماهية الصراع القائم ذي الأطراف المتعددة، والتدخل الدولي لكيلا يحسب الحراك الثوري عمالةً للخارج، كما حدث في بقية مناطق سوريا".

ويضيف: "لكن هنا، لا يمكن الادعاء بأي شكل بأن الثورة كانت مدارةً من الخارج، كذلك لا يمكن الادعاء بأن جميع أشكال المقاومة المسلحة للنظام كانت إرهابيةً أو متطرفةً، لكن المشهد العام سلّط الضوء على المنظمات والجماعات الإسلامية، مما جعل السؤال الجوهري لدى فئة معارضة واسعة في سوريا قاطبةً: هل نريد دولةً إسلاميةً، أم أننا نسعى إلى دولة علمانية ديموقراطية مدنية؟".

ما بعد إطلاق النار

الأجهزة الأمنية، وعلى جري عادتها، لم تتحمل رؤية المتظاهرين يهتفون لإسقاط النظام بعد سنوات استخدم فيها النظام كل أنواع القوة ضد السوريين، فعمدت إلى إطلاق النار عشوائياً ومن قبل القناصين لتسفك الدماء من جديد، ويرى أهل السويداء أن تلك نقطة مفصلية.

ويؤكد عزيز أن "إطلاق النار يوم الأحد نقطة فاصلة، وما قبل إطلاق النار ليس كما بعده، ولكن هنا توجد معادلة مهمة يعمل عليها النظام، وهي قوله إنه تمّ قتل شرطي خلال المظاهرة، ولكن أشرطة الفيديو تؤكد أن الأجهزة الأمنية هي من بدأت بإطلاق النار".

الغضب الذي يملأ قلوب المواطنين تأجج وتحول إلى حالة من الفعل العنيف ضد مؤسسات هي مقارّ للتآمر على المواطن ومركز للتخطيط من أجل إفقاره، لكن السؤال المطروح اليوم، لماذا الآن وهل يتطوّر هذا الحراك؟

من جهته، يعتقد سليمان أن "ما جرى في السويداء، حراك سلمي قامت به مجموعة من الأهالي العُزّل، وشاركت فيه المرأة بدور كامل كمتظاهرة جنباً إلى جنب مع الرجال، وبدأ بشكل إضراب ثم تطور إلى مواجهة مع قوات النظام التي كانت مجهزةً لقتل المتظاهرين والمحتجين كما عهدهم السوريون. تطور الأمر إلى إطلاق رصاص حي على المتظاهرين، ووقوع إصابات واستشهاد شاب مدني أعزل، كذلك في خضم الفوضى التي حدثت قُتل شرطي".

وبرأيه فإن "الغضب الذي يملأ قلوب المواطنين تأجج وتحول إلى حالة من الفعل العنيف ضد مؤسسات أمنية، وهذه المؤسسات هي مقارّ للتآمر على المواطن ومركز للتخطيط من أجل إفقار المواطن وسلب ثروات الوطن، ومن حق المحتجين التعبير عما يجول في دواخلهم من غضب بأي شكل ضد عدوهم الأول ‘نظام الأسد’، وهي خطوة جديدة في مسار ثورة تحرير الوطن والمواطن".

إلى أين؟

من غير الواضح بعد، ما الذي ستحمله الأيام القادمة للسويداء وأهلها، كما أنه من غير الواضح بعد كيف ستتطور العملية الاحتجاجية، ولا كيف ستكون ردة فعل النظام عليها؟

يؤكد عزيز "أن لا أحد يملك تصوراً واضحاً لما سيجري في المرحلة القادمة، لأن شكل الحراك وشكل التعاطي معه مختلف أيضاً، ولدى أبناء السويداء معرفة تامة بكيفية تعامل النظام مع الثورة في بدايتها السلمية في 2011، ولكن المطلوب حالياً هو استمرار هذا الحراك ودعمه بتحرك بقية المناطق السورية والوقوف مع المتظاهرين".

يرى الناشطون أن جميع المبررات موجودة للثورة على هذا النظام، من التهجير والتجويع إلى غياب الخدمات

فيما يرى سليمان، أن "ما سيجري والمتوقع أن يحدث، هو رهن بتصرفات النظام؛ هل هذا النظام مؤهل للتجاوب مع الطلبات الشعبية؟ بالتأكيد لن يستجيب، فهو نظام عاجز عن إدارة البلاد وإدارة الأزمات، نظام يستخدم القمع في وجه أي انتفاضة شعبية ويضرب بعرض الحائط أوجاع الناس. سيكون من حق الناس الدفاع عن أنفسهم ضد آلة القتل المتمثلة في أجهزة النظام العسكرية والأمنية، وضد الميليشيات التي تدعم هذا النظام وتأكل من الفتات".

ويضيف: "أبناء السويداء، كما بقية السوريين، يرون أن جميع المبررات موجودة للثورة على هذا النظام، من التهجير الممنهج للشباب، وتجويع عامة الشعب، وتقليص حجم الخدمات العامة وتغييبها بشكل مقصود من قبل النظام الحاكم، وصولاً إلى القتل والاعتقال وتجييش المؤسسات العسكرية والأمنية لخدمة السلطة الفاسدة، واحتكار السلطة ومؤسسات الدولة لصالح طغمة من المسؤولين الفاسدين، وغياب الحياة السياسية وتبادل السلطة والمركزية والبيروقراطية ولا ينتهي تعداد العيوب في دولة هشة كسوريا".

اليوم، بحسب الأكاديمي والناشط، "من يعيشون في رفاهة محدودة في سوريا هم تجار المخدرات أعوان السلطة من عسكريين ومدنيين، إذ أصبحت المخدرات مباحةً في الطرقات ولأطفال المدارس، وتهدد جيلاً كاملاً، وهذا سبب من أسباب الاحتجاجات. كذلك يرى أبناء السويداء أن الاحتلال الروسي والإيراني سبب للغضب الشعبي". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard
Popup Image