من جزمات ويلينغتون، إلى شال غاندي، وبدلة ماو، إلى قبات فساتين إليزابيث الأولى المكشكشة، إلى فساتين ديانا، وحقائب يد تاتشر، أصبح المشاهير مرتبطين بملابس معينة، والتي غالباً ما يستخدمونها بوعي لتأطير صورهم وحضورهم أو لإبراز أوطانهم، والشخصيات الرياضية العالمية المؤثرة ليس بمعزل عن هذه القاعدة.
لطالما كانت الموضة جزءاً مهماً من كيفية تعريف الناس لأنفسهم والآخرين. فقد أظهرت الدراسات أن صيحات الموضة هي أدوات شديدة التأثير، إما بشكل مباشر؛ حيث أنه من المرجح أن نثق بل أن نطيع الأوامر من الأشخاص الذين يرتدون بدلات أو أزياء رسمية، كشكل من أشكال الخضوع للقوة الناعمة.
الرياضة والأناقة... مزيج ناجح
ظهور الرياضات التي تعتمد بمضمونها على التنافسية والجسد المثالي أدى إلى تمتع العديد من عشاق الرياضة بمكانات مشهورة اجتماعياً. وهذا بدوره قاد عامة الناس، الذين يتطلعون إلى هؤلاء على أنهم قدوة، إلى الرغبة في تقليدهم وخصوصاً في لباسهم.
من جزمات ويلينغتون، إلى شال غاندي، وبدلة ماو، إلى قبات فساتين إليزابيث الأولى المكشكشة، إلى فساتين ديانا، وحقائب يد تاتشر، أصبح المشاهير مرتبطين بملابس معينة، والتي غالباً ما يستخدمونها بوعي محدد لتأطير صورهم أو لإبراز أوطانهم
عودة إلى الستينيات
جاءت الستينيات بصيحة السراويل القصيرة والسترات النايلون التي حققت رواجاً كبيراً. ونتيجة لذلك، بدأ المصنعون بإنتاج ملابس رياضية من النايلون والقطن وتوفيرها بشكل أساسي بألوان الأزرق والأحمر والرمادي، وسرعان ما أصبحت هذه الألوان مرادفة للملابس الرياضية التقليدية.
ثم جاءت الثمانينات باتجاه جديد استكمالاً لما بدأته شركات الملابس الرياضية، والذي عُرف بالإصدارات المحدودة من الأحذية الرياضية. كانت هذه استراتيجية تسويقية مُرضية للمهووسين بجمع الأنماط النادرة من الأحذية الرياضية، خاصة تلك المصنوعة من أجل التزلج على الألواح وكرة السلة. بدأ هذا النمط في الثمانينيات لكنه توسع بشكل كبير منذ ذلك الحين، فللإصدارات المحدودة رمزية خاصة لأنها تعكس التفرد والهيبة، والعديد من الأشخاص يقومون بشراء هذه الإصدارات لإعادة بيعها بسعر أعلى. لذلك هم الآن مؤثرون للغاية لأنهم منتشرون في منصات التواصل الاجتماعي.
لاعب كرة السلة المشهور عالمياً مايكل جوردان على سبيل المثال استخدم مكانته الشهيرة للدخول في شراكة مع نايكي وإنشاء علامة تجارية فرعية تسمى "إير جوردان"، وقد تم إنتاج النسخة الأولى منها في العام 1984، حيث ظلت رائجة بتحقيقها أعلى المبيعات منذ ذلك الحين.
لا يمكن الحديث عن الرياضة والموضة كثنائية مدمجة، وتجاهل تأثير كرة القدم على خارطة الموضة العالمية. عندما بدأت أندية كرة القدم الكبرى بالسفر والتنقل دولياً، كان لها تأثيرها القوي على دول مختلفة خارج حدود بطولاتها المحلية فيما يتعلق بالموضة.
وقد أدت قوة التفرد والرغبة بمواكبة نجوم الكرة بين الجماهير إلى إدخال ملابس كرة القدم غير الرسمية أو ما يُعرف بملابس "الكاجوال" إلى عالم الموضة، فصار يُنظر الآن إلى ارتداء أحدث عناصر الموضة المستوحاة من فريق كرة معين على أنه شارة التزام بأزيائهم وهوياتهم.
أدت قوة التفرد والرغبة بمواكبة نجوم الكرة بين الجماهير إلى إدخال ملابس كرة القدم غير الرسمية أو ما يُعرف بملابس "الكاجوال" إلى عالم الموضة بقوة
قد يبدو غريباً للبعض وضع كرة القدم والموضة في نفس الجملة، إلا أنه للبعض الآخر يعتبر أمراً اعتيادياً ومألوفاً. فمن جورج بست إلى ديفيد بيكهام، لطالما كان لاعبو كرة القدم من رموز الموضة.
في ستينيات القرن الماضي، افتتح جورج بست - الذي أطلقت عليه الصحافة البرتغالية لقب البيتل الخامس لشعره الطويل ونجوميته المفاجئة - متجراً للأزياء في مانشستر مع زميله لاعب كرة القدم مايك سمربي.
"ديور" و"إيف سان لوران" في الملاعب
أما بالنسبة لديفيد بيكهام، فلن يكون من المبالغة القول إنه عُرف بحسه الاستثنائي في الموضة كما عُرف بمهاراته الكروية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد قام اللاعب الإنجليزي بارتداء بدلة مصممة خصيصاً من قبل المدير الفني كيم جونز من دار الأزياء الفاخرة ديور لتحاكي حسه الانتقائي بالموضة الرجالية أثناء حضوره حفل الزفاف الملكي للأمير هاري وميغان ماركل.
يتجاوز تأثير كرة القدم ولاعبيها على الموضة الحدود الجغرافية. فلهم تأثيرهم الكبير في أسلوب الأناقة، سواء في حقائب اليد الرجالية أو تسريحات الشعر أو اللحى أو الوشوم أو حتى العلامات التجارية التي يرتدونها، واليوم يتم تحليل أنماط أناقة ولباس لاعب كرة القدم بنفس دقة تحليل مهاراته الكروية. إنهم يؤثرون الآن في كل شيء يمسّهم اقتصادياً من علامات الموضة الفاخرة، إلى الأسواق المستهلكة الكبيرة، إلى منتجات العناية بالرجل.
التاريخ: 12 يوليو 1998، المكان: باريس، ستاد دو فرانس، الحدث: المباراة النهائية لبطولة كأس العالم لكرة القدم بين فرنسا والبرازيل.
لم يكن مجرد موعد لبث إحدى نهائيات كأس العالم فحسب. ففي مواجهة ملحمية في نهائي مونديال عام 1998 والذي ضمّ البرازيل وفرنسا، كان لا بد من توقع عرض ترفيهي ختامي أيقوني، لا تقل عبقرية تأثيره البصري عن قوة المنتخبين، ومن غير "إيف سان لوران" يقدر على ذلك؟ وهنا اندمجت الرياضة والموضة في عرض أزياء حي ومباشر للاحتفال بالذكرى 40 على بداية مشوار إيف سان لوران كمصمم للأزياء، وكرمز من رموز الفخامة الفرنسية.
أثناء حضوره حفل الزفاف الملكي للأمير هاري وميغان ماركل قام بيكهام بارتداء بدلة مصممة خصيصاً له من قبل المدير الفني لدار أزياء "ديور" لتحاكي حسه الانتقائي في الموضة الرجالية
فقبل إطلاق صافرة البداية من قبل الحكم المغربي سعيد بلقولا، بدأ عرض للأزياء استغرق إعداده أكثر من عام من العمل بالتنسيق مع المخرج أوليفييه ماسارت، ليستمر على مدار 15 دقيقة وشاهده آنذاك 1.7 مليار متفرج حول العالم، بالإضافة إلى 80 ألف شخص من المحظوظين الذين كانوا حاضرين في الملعب في ذلك اليوم.
وعلى منصة مصممة لتبدو وكأنها السماء، أقيم أحد عروض الأزياء الأكثر إثارة للإعجاب والذهول في تاريخ الموضة، والذي امتد بموسيقى ميتال فويس، فتجولت كارلا بروني، وكاتوشا، وليتيتيا كاستا، وأدريانا كاريمبو، ونويمي لينوار و295 عارضة أخرى يمثلن القارات الخمس لعرض 6 موضوعات لكل منها 50 تصميماً اختارتها دار الأزياء لتشمل فن البوب والفنون الكلاسيكية والإبهار وسحر الشرق، ولم يكونوا سوى جزء من فريقٍ مكون من 900 شخص عملوا وراء الكواليس من ضمنهم 150 منسق ملابس و200 فني، اشتركوا لإتمام عرض "إيف سان لوران" الذي صممه "أدولف مورون كاساندر"، أحد أكثر مصممي الآرت ديكو تأثيراً في القرن العشرين، والذي وضعه تعبيراً عن الأناقة والأسلوب المتفرد للعلامة التجارية، وليوقع إيف سان لوران اسمه في لحظة تاريخية جمعت بين الرياضة والموضة والموسيقى، وتم فيها رفع العلم الأحمر والأبيض والأزرق بفخر وزهو.
على منصة مصممة لتبدو وكأنها السماء، بدأ حفل ختام نهائي كأس العالم 1998 بعرض أزياء باريسي مذهل صممه "إيف سان لوران" وجمع فيه بين الرياضة والموضة والموسيقى
في الحقيقة، لم يقتصر الأمر على صنع تاريخ الموضة كحدث شاهده كل العالم عبر التلفزيونات، بل كان بمثابة طقوس عبور للأزياء الفرنسية للمستوى الآخر، فقد كان عرض الأزياء ذاك بمثابة الجسر الذي سمح للأزياء الراقية الفرنسية بالوصول إلى عامة الناس من خلال الشاشة الصغيرة، والتي كانت دائماً حتى ذلك الحين بعيدة عن متناول اليد ورؤية العين، في زمن لم تكن التكنولوجيا وثورة الاتصالات قد تمخضت عما يسمى اليوم بوسائل التواصل الاجتماعي.
كعب عالٍ مع سروال مطاطي
قد تتغير الصيحات الموسمية، إلا أن الموضة كانت وستظل معنا دائماً. فطالما أن الناس يرتدون الملابس والاكسسوارات، فسيؤثرون بوعي أو بغير وعي على بعضهم بعضاً.
لقد أصبحت الرياضة والأزياء أكثر ارتباطاً بمرور السنين، حيث تتمتع الملابس الرياضية بمكانةً كبيرة في صناعة التصميم. واليوم يعتبر الناس ملابس التمرين جزءاً من ملابسهم اليومية الأساسية، وتنسق النساء السراويل المطاطية الضيقة مع الكعب العالي، وصار ارتداء سراويل اليوجا خلال أوقات العمل الرسمية طبيعياً وغير مستهجن.
لقد بدأ السوق العالمي حقاً بالاهتمام بنوع مختلف من العملاء يركز على أسلوب حياة أكثر حداثة. أصبح هذا المزيج من الرياضة والموضة أكثر من مجرد اتجاه، فهو يمثل تغييراً في المُثل الثقافية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه