شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
نكتة اليوم...

نكتة اليوم..."حميدتي" شخصية العام لحقوق الإنسان في السودان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 15 ديسمبر 202211:56 ص

بالتزامن مع تكريم المفوضية القومية لحقوق الإنسان، قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، كشخصية العام لحقوق الإنسان في السودان، انتشرت أنباء عن تورط قواته في اعتقال 4 من نازحي معسكر زمزم في إقليم دارفور، نتيجة رفضهم اتفاقاً أهلياً لوقف أعمال عدائية ذات طابع قبلي يرون أن السلطات منحازة فيه إلى أحد الأطراف، وتعمل على فرضه على الطرف الثاني بمنطق القوة.

هذه الحادثة وأخرى غيرها سيجري التطرق إليها خلال التقرير، تثير تساؤلات جادةً، عن أداء المفوضية قبل إثارة الاستفهامات في شأن من وقع عليه اختيارها.


قصة التكريم

من دون أي إرهاصات عن الجائزة المستحدثة، وشروطها، وكيفية التقديم إليها، أو مُحكّميها، استيقظ السودانيون في أحد أيام الأسبوع الجاري، على وقع إعلان المفوضية القومية لحقوق الإنسان، حميدتي، شخصية العام لحقوق الإنسان.

وأعلنت المفوضية في احتفالاتها باليوم العالمي لحقوق الإنسان، أن حميدتي أهل لأن يكون شخصية العام بامتياز، وقال رئيس المفوضية د. رفعت الأمين، إن اختيار نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، شخصية العام 2022 في حقوق الإنسان، لم يأتِ اعتباطاً.

وبرر اختيارهم البعيد عن الاعتباط بما وصفه: "تثمين دور حميدتي في الاتفاق السياسي لحل الأزمة السياسية في السودان، فضلاً عن تعهده الشخصي والمؤسسي بحماية الانتقال الديمقراطي، واعتذاره عن عنف الدولة عبر الحقب، وتقديراً لدوره في منع الإفلات من العقاب ودعمه المستمر لمؤسسات حقوق الإنسان، فضلاً عن إسهامه في فضّ النزاعات في عدد من أقاليم السودان وإعادة الاستقرار فيها".

وإن كانت هذه دواعي الاختيار، فمن السهل مقاربتها مع الواقع خلال هذا العام، أو في أعوام لاحقة.

لكن قبيل عقد المقاربة، نذكر أن المفوضية القومية لحقوق الإنسان، هي كيان (مستقل) يُعنى بالمدافعة عن حقوق الإنسان، وتالياً تنسحب هذه الاستقلالية على مهامها واختصاصاتها وكافة قراراتها.

ولكن هذه الاستقلالية، تتعرض لضربة موجعة في ذات ديباجة التأسيس، حين نعرف أن أعضاء المفوضية المقدّرين بـ15 رجلاً، يُفترض أن يموتوا ويستميتوا في ذم الانتهاكات، يتم اختيارهم من قبل رئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي يرى كثيرون أنه يحوّل المفوضية من جهة "مستقلة"، إلى ذراع حكومية في مجالات حقوق الإنسان.

بطل حكايات الرعب

اسم حميدتي في الإعلام العالمي، صنو للانتهاكات والمخالفات، وحكايات الرعب التي أثارتها ميليشيا الجنجويد المتهمة بعمليات التطهير العرقي في دارفور في الفترة من 2003 إلى 2008.

ولكن في الإعلام المحلي، قد تبدو الصورة مغايرةً، وتعكس مدى نفوذ الرجل ومقدار ثروته، إذ يمتلك ويموّل صحفاً ومواقع إعلاميةً، وسبق أن أشارت تقارير إعلامية إلى تورط جهات أجنبية في تحسين صورة الدعم السريع.

ولكن يلزمنا هنا وجود أفراد وشرائح في المجتمع السوداني، من ضمنهم إعلاميون مؤيدون لحميدتي لأسباب ليست ذات صلة بالذهب والنفوذ، كالمقتنعين بأن العسكر هم القادرون على إدارة دولة معقدة كالسودان، أو من يكرهون التنظيمات والقوى السياسية، وصولاً إلى من يعتقدون بأنه آن الأوان لأن يحكم السودان شخص من خارج الشريط النيلي العروبي.

حميدتي خلال عام

نبتدر هذا الفصل بالإشارة إلى أن حميدتي هو الرجل الثاني في عملية إطاحة العسكر في الحكومة الانتقالية المعزولة بقيادة المدنيين في السودان (25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021)، وهو ما تصفه دول غربية وكيانات حقوقية بأنه انقلاب عسكري.

يصف السودانيون حميدتي بأنه رجل طموح، تحوّل من راعٍ للإبل إلى أحد أهم صنّاع القرار في البلاد.

وحتى ساعة منح الرجل جائزة شخصية العام، لم يتغير شيء في صفاته ونياشينه، فهو نائب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وهو قائد قوات الدعم السريع التي تعمل بطريقة مستقلة بمعزل عن الجيش نفسه، خلافاً لأوامر تأسيسها.

وخلال هذا العام، استمرت قوات الدعم السريع في خوض حرب بالوكالة عن التحالف العربي بقيادة السعودية، في الصراع بين فرقاء اليمن، بالرغم من اعتراضات كثير من السودانيين على هذا إذ يصفونه بأنه تدخّل سافر في شؤون الآخرين.

وفي تموز/ يوليو الماضي، كشف تقرير استقصائي لشبكة "سي. أن. أن"، عن تورط قيادات عسكرية على رأسها حميدتي في تهريب الذهب السوداني إلى روسيا، بقيمة تُقدَّر بـ13.4 ملايين دولار.

وفي نهايات تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن حصول حميدتي على أنظمة ومعدات تجسس "قادرة على قلب موازين القوى في السودان بفضل قدرتها على تحويل الهواتف الذكية إلى أداة تجسّس على حامليها".

تمحيص

في اختيارها لحميدتي شخصية العام، ثمّنت مفوضية حقوق الإنسان دور القائد العسكري في الوصول إلى اتفاق ينهي الأزمة السياسية في البلاد.

ووقّع العسكر وقادة مدنيون باحثون عن الديمقراطية، على إطار اتفاق يُخرج العسكر من العملية السياسية، ويعيد السلطة إلى المدنيين.

لكن ما يضعف من رواية المفوضية، هو أن العسكر قبلوا -في الأعمّ الأغلب- بالاتفاق كونه آخر أمل لإبقاء بعض حظوظهم في السلطة، ومحاولة لتجنيبهم الملاحقة الجنائية في كثير من الانتهاكات، على رأسها فض اعتصام القيادة العامة في حزيران/ يونيو 2019، بالقوة المميتة، ما أدى إلى مقتل ما يزيد عن 100 محتج، زيادةً على مقتل 122 محتجاً منذ استيلائهم على السلطة.

فخلال هذا العام، دخلت البلاد في أزمة سياسية خانقة، عجز معها العسكريون عن تشكيل حكومة لتسيير دولاب الدولة، وتنامى الصراع القبلي مودياً بحياة المئات، وازداد الانفلات الأمني، كما أدت العزلة الدولية المفروضة على السلطات إلى حدوث أزمة اقتصادية ومعيشية جعلت برامج تابعة للأمم المتحدة تتوقع أن يكون 15.8 ملايين سوداني (ثلث السكان)، بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل 2023.

استمرت قوات الدعم السريع في خوض حرب بالوكالة عن السعودية، في الصراع بين فرقاء اليمن

حماية الانتقال

في خطابه في حفل توقيع الاتفاق الإطاري، تعهّد حميدتي بحماية الانتقال، واعتذر عن عنف الدولة السودانية عبر الحقب، وهي أقوال ساقتها المفوضية في سياقات اختياراتها للرجل كشخصية للعام.

يقول المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان مؤيد عبد الرحمن، إن حميدتي درج في أوقاتٍ سابقة على القول بحماية الانتقال والدولة المدنية، لكنه انقلب على هذه التعهدات في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وهو ما يجعل أقواله الأخيرة محض محاولة للقفز من سفينة الانقلاب الغارقة.

وعن اعتذاره عن العنف الممارَس من قبل الدولة، قال مؤيد لرصيف22، إن الاعتذار لا يبرّئ قائد الدعم السريع، من جرائم تتصل بمشاركة قواته في قتل المتظاهرين السلميين، وقمع الاحتجاجات المناهضة للانقلاب، والمشاركة في تخريب الاقتصاد الوطني من خلال السيطرة على أهم رافد للخزينة العامة، الذهب.

ونبّه إلى أن الاعتذار يمكن أن يكون مقبولاً في جرائم وقعت قبل عقودٍ، ولكن لا تسقط هذه الجرائم في حال كان أصحابها أو من ينوب عنهم، يعملون بكل جهد على ملاحقة مرتكبيها في ساحات القضاء المحلي والعالمي.

أشارت المفوضية إلى ما تراه أدواراً بارزةً لحميدتي في فض النزاعات القبلية، وهو أمر يقول الناشط الحقوقي سليمان الفكي، إنه مخالف لطبيعة تكوين قوات الدعم السريع نفسها.

ويذكر لرصيف22، أن قوات الدعم السريع، تأسست على يد قوات الجنجويد التي مارست التطهير العرقي خلال حرب دارفور، ضد الإثنيات والقوميات ذات الطابع الإفريقي، وقسّمت الإقليم بين عرب وزرقة (أصحاب البشرة السوداء).

وينبّه الفكي إلى الشكاوى المتكررة من الهجمات التي تقودها بعض القبائل بمساندة من عناصر في الدعم السريع، لتهجير الأهالي من مناطقهم، بهدف الاستيلاء على الموارد، خاصةً في منطقة جبل مرة.

الإفلات من العقاب

ضمن أسباب توشيح حميدتي بالجائزة، تشير مفوضية حقوق الإنسان إلى أدواره في منع الإفلات من العقاب.

وهذا أمر يراه المحامي مؤيد عبد الرحمن، مثيراً للسخرية، كونه قد مر ما يزيد عن 3 سنوات منذ مجزرة القيادة العامة (حسب توصيفه)، من دون تقديم الجناة إلى المحاكمة، وعلى رأسهم قادة المجلس العسكري بقيادة عبد الفتاح البرهان، وحميدتي.

ويضيف: بالرغم من سقوط 122 قتيلاً في سياق الاحتجاجات المناهضة للانقلاب، لم تجرِ محاكمة ولو واحدة لمن قتلهم، في وقتٍ يتنصل فيه قادة العسكر عن جريمة قتل المتظاهرين، ويتهمون "طرفاً ثالثاً" بالوقوف وراء هذه الاغتيالات.

مشاركة الطموح

يصف السودانيون حميدتي بأنه رجل طموح، تحوّل من راعٍ للإبل لم يتلقَّ تدريباً عسكرياً نظامياً إلى قائد قوات موازية للجيش، ومن شخص ذاع صيته في دارفور إلى أحد أهم صنّاع القرار في البلاد.

ومع اعتقاد كثيرين بأن طموح الرجل القادم متمثل في الترشح لحكم السودان، فهو أمر بلا شك يتطلب تحسيناً وتجميلاً للصورة، وما سوّقته المفوضية القومية لحقوق الإنسان باختيارها حميدتي، هو التشكيك من دون أن تدري في أنها اختارت القدح في أدائها واستقلاليتها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image