شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لو مثّل

لو مثّل "ساويرس" دور الثري في السينما لأفطر لحمة بدلاً من الطعمية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الثلاثاء 29 نوفمبر 202201:05 م

لا يزال المشهد الذي جمع بين سليمان نجيب ونجيب الريحاني في فيلم "غزل البنات" وعُرض عام 1949 يفجّر الضحك لدى من يشاهده بسبب المفارقة الكبيرة التي وقعت نتيجة للالتباس بين الباشا وعمّال السرايا.

فقد ظن الأستاذ حمام أن الباشا هو الجنايني (البستاني) نتيجة لمظهره البسيط، بينما ظنّ أن الخادم الذي يقدم القهوة هو الباشا، وظن مرة أخرى بأن المسؤول عن الكلب هو الباشا بسبب مظهره الأنيق، هكذا عبرت السينما في أحد أفلامها في منتصف القرن الماضي عن حقيقة الغني والفقير في السياق الاجتماعي.

تعتبر ثنائية الفقر والثراء من القضايا التي سيطرت على الإنتاج السينمائي منذ بدايات السينما المصرية، وجاءت أفلام مبكرة مثل "سلامة في خير" 1937، و"لو كنت غني" 1942، و"العريس الخامس" 1942، وغيرها لتعبّر عن علاقات الفقر والثراء في المجتمع المصري قبل ثورة 1952. 

وعقب الانفتاح الاقتصادي في مرحلة حكم السادات، حدث تطور كبير في الحياة الاجتماعية المصرية حيث طفت طبقة جديدة من قاع المجتمع إلى سطحه، مستغلة الظروف الاقتصادية الجديدة، وهي الطبقة التي حرصت السينما على تصويرها بطريقة بها كثير من المبالغة، كونها وليدة القاع الاجتماعي، وتتعامل بكثير من الزهو والمفاخرة تجاه الطبقة الفقيرة.

 بين "غزل البنات" و"حرب الفراولة"

كانت الدهشة التي أصابت الأستاذ حمام نتيجة المفارقة بين ملابس الباشا البسيطة وملابس الخدم الأنيقة، هي نفس الدهشة التي أصابت المشاهدين نتيجة الاعتياد على شكل ومواصفات ومظاهر تتسم بها الشخصيات التي تمثل طبقة الأثرياء عند تقديمها في الأعمال الفنية المختلفة.

منها على سبيل المثال شخصية ثابت وجدي التي قدمها الراحل سامي العدل في فيلم "حرب الفراولة" 1994، من إخراج خيري بشارة الذي مزج فيه بين الرومانسية والعبث، والبحث عن السعادة كما هو الحال في كثير من أفلامه.

ظن الأستاذ حمام أن الباشا هو الجنايني (البستاني) نتيجة لمظهره البسيط، بينما ظنّ أن الخادم الذي يقدم القهوة هو الباشا، وظن مرة أخرى بأن المسؤول عن الكلب هو الباشا بسبب مظهره الأنيق، هكذا عبرت السينما في أحد أفلامها في منتصف القرن الماضي عن حقيقة الغني والفقير

عبرت الأحداث في "حرب الفراولة" عن صورة مستفزة ومبالغ بها عن الرجل الثري الذي يستيقظ من النوم على صوت عزف موسيقى يملأ القلب، أو أغنية طربية تسعد الروح، وتأتي إليه فتاتان ممشوقتا القوام تعملان على خدمته وتقدمان له ما يريد، فيبدأ بإطلاق أوامره إليهما: "إنت جهزي الحمام، وإنت إعملي كذا".

بدت شخصية الثري كأنها مستدعاه من حكايات ألف لية وليلة، فهو يبحث عن السعادة التي لا يشعر بها رغم ثرائه، ويزيد الفيلم من جرعة العبث وكأنه يسخر من طبقة الأغنياء؛ فيذهب وجدي إلى مكان ساحلي ناءٍ، ويقوم بإغراق سيارته المرسيدس في البحر حتى لا يعود إلى القاهرة إلا إذا وجد بغيته وهي السعادة.

ربما جاء تركيب الشخصية بهذه الكيفية المبالغ بها، نظراً لعبثية الفكرة التي تقوم على اتفاق رجل أعمال ثري مع رجل فقير يؤدي شخصيته محمود حميدة والذي يعمل بائعاً متجولاً بأن يساعده في البحث عن السعادة التي يفتقدها، لا سيما بعد أن رأى قدر البساطة التي يعيش بها البائع الذي بالكاد يحصل على قوت يومه.

ساويرس... غني عالفاضي

عادة ما يبالغ صناع الأعمال الفنية، سواء في السينما أو في الدراما التلفزيونية، في تصوير الحياة الخاصة بالشخصيات الثرية، على الرغم من أن حياة الأغنياء الحقيقيين تسير بعيداً عما يطرح في الأعمال الفنية، فضلاً عن مشاهد الحياة اليومية التي تقوم على تصويرهم يعيشون في ترف وبذخ غير مشروطين. 

يرى المشاهد حياة الأغنياء بأنها داخل فلل وقصور فخمة بها حمامات سباحة وخدم وتكنولوجيا حديثة تتحكم في كل شيء، حيث حياة الترف التي لا ينقصها شيء، فيأكلون ما لذّ وطاب، ويحضرون العشاء ساخناً من باريس، ويشربون عصائر مستوردة جُلبت خصيصاً لهم من أوروبا، وهذه مشاهد بعيدة عن الحقيقة كل البعد.

يُفطر نجيب ساويرس فول وطعمية، أو عدس أسود مع شاي بلبن، ويتناول عشاء خفيفاً بحسب تصريحاته، بينما الشخصيات الثرية في السينما تطلب العشاء ليصل ساخناً من باريس بالطائرة، فمن نصدق ساويرس أم الأفلام؟

الواقع ليس هكذا بالضرورة، فعلى سبيل المثال تضمنت قائمة أغنياء العرب التي أعلنتها مجلة فوربس لعام 2022، ستة مصريين، جاء الملياردير المصري نجيب ساويرس صاحب ثاني أكبر ثروة بعد أخيه الأصغر ناصف ساويرس، إذ قُدرت ثروته بـ 3.4 مليار دولار بزيادة 200 مليون دولار عن العام الماضي 2021، فهل يعيش نجيب ساويرس كما تصور السينما والتليفزيون حياة الأغنياء؟

في إحدى اللقاءات المتلفزة صرح نجيب ساويرس أنه يستيقظ في السابعة إلا ربع صباحاً، ويشرب الشاي باللبن، وأنه كان يعمل 18 ساعة في اليوم، لكنه يكتفي الآن بـ6 ساعات عمل "لو بطّلت شغل هزهق" بحسب كلماته. وهو يتناول وجبة غداء جيدة، ووجبة عشاء خفيفة، ويفطر فول وطعمية أو عدس أسود وطعمية، ويتمشى مرة في الأسبوع لمدة 30  دقيقة.

صورة زائفة... الثري كسول ولا يعمل 

صورة سليمان نجيب في فيلم "غزل البنات" أقرب إلى الواقع من كثير من صور الأغنياء التي قدمتها الأعمال الفنية في السينما والتليفزيون وساهمت في صنع صورة زائفة ومكررة تقول إن الثري كسول وعاطل لا يعمل، لأن لديه ثروة لا تنفذ.

عبّر صلاح ذو الفقار عن شخصية مماثلة في فيلم "أنا وبناتي" عام 1961، من خلال شخصية سمير الشاب الثري، المستهتر، الذي لا يعمل ويقضي حياته بين الحفلات والسهرات الحمراء، وقدم فريد الأطرش شخصية مختار في فيلم "الخروج من الجنة" عام 1967، وجسد أيضاً شخصية رجل ثري عاطل عن العمل.

كذلك ظهرت مجموعة الشباب العاطلين عن العمل من أبناء الطبقة الأرستقراطية في فيلم "إني راحلة" عام 1955، ممن يقضون أوقاتهم في السهر والحفلات والصيد، وقد جاء توظيفهم درامياً لإبراز شخصية أحمد (عماد حمدي) الشاب المجتهد والضابط بالجيش.

في حديث لرصيف22 يقول أستاذ النقد السينمائى في أكاديمية الفنون د. وليد سيف: "الثراء الفاحش نسبي، ويرتبط بتعامل الفنان مع هذا الجانب بثقافته العامة وخبراته الحياتية والمعنى المطلوب من المشهد، وأيضا يرتبط بالإمكانيات الإنتاجية ومدى تطور اللغة السينمائية في المرحلة التي يتم إنتاج الفيلم فيها".

في فيلم "إني راحلة" عام 1955 ظهرت مجموعة الشباب العاطلين عن العمل من أبناء الطبقة الأرستقراطية، ممن يقضون أوقاتهم في السهر والحفلات والصيد، وقد جاء توظيفهم درامياً لإبراز شخصية أحمد (عماد حمدي) الشاب المجتهد والضابط بالجيش.

حرص صلاح أبو سيف مثلًا في فيلم "القاهرة 30" على تصوير مشهد الحفل الكبير بالألوان داخل قصر محمد علي في منطقة شُبرا ليحقق أعلى درجة من الإبهار للقروي الفقير محجوب عبد الدايم، فالأمر يرتبط أيضاً بالذوق الفني للمخرج والإمكانيات التقنية والبشرية المتاحة.

ويربط د. وليد سيف بين الإمكانيات المتاحة والتعبير عن الثراء فيؤكد "في غالبية الأعمال متوسطة ومحدودة التكلفة سوف يكون إظهار الثراء محدوداً، بل وبعيداً عن الواقعية، والدراسة الجادة لأجواء الطبقة الثرية المعروفة لدى الكثير من المخرجين ليست محدودة بفضل احتكاكهم بها، لكن الضعف دائماً يكمن في غياب الجدية وضعف الإنتاج وسرعة التنفيذ"

ويدلل سيف على ذلك بمشهد الحفل في فيلم "المنسي" لشريف عرفة، فالديكور لا يعكس الثراء الفاحش لصاحب الحفل وأهمية ضيوفه.

سينما الشعب.. والصور المغلوطة

وفي وقت تدّعي فيه الدولة من خلال وزارة الثقافة في مصر رعايتها للفن ودعم الجمهور لمشاهدة الأفلام السينمائية من خلال مشروع "سينما الشعب" الذي تم إطلاقه في نيسان/ أبريل الماضي، بهدف "تقديم الأعمال السينمائية الحديثة والمعاصرة بأسعار رمزية لكل شرائح المجتمع، ويتم تنفيذه في دور العرض السينمائي التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة".

حرص صلاح أبو سيف مثلًا في فيلم "القاهرة 30" على تصوير مشهد الحفل الكبير بالألوان داخل قصر محمد علي في منطقة شُبرا ليحقق أعلى درجة من الإبهار للقروي الفقير محجوب عبد الدايم

لا تحرك الأجهزة المسؤولة ساكناً سواء في وزارة الإعلام، أو وزارة الثقافة، أو الشركة المتحدة المنتج الحصري للكثير من الأعمال الفنية إزاء الصور المشوهة أو غير الصادقة التي تقدمها الأعمال الفنية بوصفها تمثّل حقيقة جلية عن طبقات اجتماعية مختلفة ومنها طبقة الأثرياء، التي غالباً التي تطرح في الأعمال الفنية بصورة مغلوطة، وأحياناً كاريكاتورية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image