شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"حمزة: أطارد شبحاً يطاردني"… رموز فلسطين تحضر في 18 دقيقة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 29 نوفمبر 202202:02 م

لم تسعف جملة "أُنتج هذا الفيلم بدعم من أهل فلسطين"، التي بدأ فيها المخرج الفلسطيني ورد كيال فيلمه الروائي القصير "حمزة: أطارد شبحاً يطاردني"، من السماح له بدخول القاهرة ومرافقة الفيلم ضمن مسابقة الأفلام القصيرة، في الدورة الـ44 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ليضاف اسم كيال إلى لائحة الفنانين الفلسطينيين من الداخل الفلسطيني، الذين منعوا سابقاً من دخول عدد من المهرجانات السينمائية العربية، والذين يرفضون استخدام جوازهم "الإسرائيلي" للدخول، إذ يصرون على تقديم جوازاتهم الفلسطينية بدلاً عنه.

فيلم "حمزة: أطارد شبحاً يطاردني"، الذي تدور أحداثه في 18 دقيقة، يستطيع بسلاسة لفت الانتباه إلى الرموز الكثيرة التي يحتويها، والتي تضع المتلقين في محاولة تفكيكها وفهم ماهيتها، مما يخلق جواً تفاعلياً من الدقيقة الأولى، والتي تبدأ مع مشهد حمزة (كامل الباشا)، يهذي في سريره في حضرة الطبيب (أسامة البواردي) وزوجته (ربى بلال)، حيث يتم تشخيص حالته بمرض يطلق عليه (حمى الكهوف)، وهو مرض يصيب من يظلون في أماكن مغلقة لأوقات طويلة.

لم تسعف جملة "أُنتج هذا الفيلم بدعم من أهل فلسطين"، التي بدأ فيها المخرج الفلسطيني ورد كيال فيلمه الروائي القصير "حمزة: أطارد شبحاً يطاردني"، من السماح له بدخول القاهرة ومرافقة الفيلم ضمن مسابقة الأفلام القصيرة، في الدورة الـ44 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي

من هذا الوصف للحالة، يبدأ التعريف بحمزة على أنه أسير سابق، وقد أفرج عنه قبل 20 عاماً كما قالت زوجته، وهنا، من المهم لفت الانتباه إلى أن عدداً قليلاً من الأفلام الفلسطينية، التي تناولت موضوع الأسرى بعد نيل حريتهم، إذ عادة ما يتم تناول موضوع الأسرى وهم داخل سجون الاحتلال، وهذه أيضاً فرصة، للإشارة إلى فيلم "مفك" للمخرج بسام جرباوي، والذي كان من الأفلام التي صورت وضع الأسرى الفلسطينيين بعد نيل حريتهم.

بالعودة إلى فيلم كيال، الذي يبشر بمخرج متمكن من أدواته، وقادر على تقديم نفسه بثقة، خاصة فيما يخص إدارته للممثلين، وهنا، نحن نتحدث عن ممثلين لهم تجاربهم المهمة في التمثيل فلسطينياً وعربياً وحتى عالمياً، وقفوا أمام كاميرا كيال بكل ما لديهم من تاريخ، متسقين مع رؤية مخرج شاب في أولى تجاربه، وهذا ما يجعلنا نتحدث عن كامل الباشا، الذي لم يختفِ من أمام الكاميرا فهو وجه الفيلم المراد تتبعه، والتدقيق بتفاصيله لمعرفة الحكاية من خلاله، تلك الحكاية التي تبدأ بالبحث عن علي (معتز مليحس)، الذي يهذي حمزة به طوال الوقت.

من المهم لفت الانتباه إلى أن عدداً قليلاً من الأفلام الفلسطينية، التي تناولت موضوع الأسرى بعد نيل حريتهم، إذ عادة ما يتم تناول موضوع الأسرى وهم داخل سجون الاحتلال

تتنقل المشاهد بعدها إلى رحلة البحث هذه التي تزداد فيها الرموز، في مشهد الملحمة (محل لبيع اللحوم)، والمرأة (خلود باسل) التي تحمل الساطور وتقطع اللحم بكل قوتها، وتصرخ بعبارات توجيهية وتوبيخية لطفلها، ولا يسمعها سوى حمزة، فالأصوات في داخله مفصولة تماماً عما يتم في الواقع. في هذا المشهد تحديداً، يظهر تأثر المخرج بالسينما الإيطالية، أو بشكل أدق، سينما شرق أوروبا، حيث أعادني إلى فيلم روماني حديث عُرض في الدورة الـ71 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، وحمل عنوان "bad luck banging" للمخرج رادو جود، الذي توج حينها بجائزة الدب الذهبي، ليس بسبب القصة، وإنما بسبب طريقة صناعة المشاهد التي ينفصل فيها الواقع عن المتخيل.

تبدأ عملية تفكيك الرموز في أوجها، بعد خروج حمزة من تلك الملحمة، في مشهد إطفاء سيجارته على علبة تبرعات تحمل صورة القدس، ليصبح المشاهدون فجأة في قلب غابة، مع حضور صوت الأسد الذي يزأر في داخل عقل حمزة، ومحاولة الإطاحة به، من خلال قفص وحبال ولحوم معلقة، ليظهر علي أخيراً بهيئة المسيح، مع حذاء يرتديه بالعادة الفدائيون. حينها، ندرك أن ذلك لم يكن أكثر من وهم، مثل أوهام عديدة في رأس حمزة، وندرك أيضاً أنه ليس أكثر من وهم مثل أوهام عديدة في رأس حمزة، وندرك أن حمى الكهوف، قادرة على أن تُعيد الحر إلى أسره، من شدة ما تعرض له من تعذيب، وندرك كذلك معنى "الطبطبة"، بينما نرى حمزة يسعف علي في مشهد يقترب إلى مشهد المسيح ودمائه، وهو في طريقه للصلب، وفي اللحظة نفسها، نرى علي يحمل حمزة، وكأن الأدوار قد تبدلت في لحظة. لا وجود للأسد في حضرة كل هذه الرموز، التي تنتهي في مغارة وكأنها مغارة حراء، حسب وصفها عبر القصص المتناقلة؛ في داخلها مهد لطفل صغير ينام فيه علي وهو في هيئة المسيح، وكأنه يعيد الحكاية من جديد، حكاية يتركها المخرج للمشاهدين ينسجونها حسب قناعاتهم، مع موسيقى فرج سليمان في "مرثية لشهيد وحيد":

يا نجمة في البير، يا قلب حطب محروق

يضوي في الليل

يا رب السهل من موت مبلول بشوق والخيل

يوماً من الخوف يدعس على البرقوق وسهيل


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image