كرة القدم ليست معلّقةً في السماء. هي جزء من النشاط البشري الهائل، المرتبط أساساً بحالة من التوازن أو انعدام التوازن في المجتمع والسلطة والاقتصاد. لذلك، فإن الفصل بينها وبين السياسة وهم جميل، يُضاف إلى أوهام كثيرة نحاول تصديقها، حول الفصل بين أي نشاط بشري والسياسة. فلأن التعاطي اليومي للبشر مع الشأن العام عمومي، لا يمكن أن تكون الرياضة أو كرة القدم خارجه.
لا يتعلق الأمر بشيء جديد. منذ أن دخلت كرة القدم إلى طورها الكوني، مع الألعاب الأولمبية أولاً ثم كأس العالم، والمأسسة الوطنية من خلال وزارات الرياضة أصبحت أكثر نزوعاً نحو التسييس.
لطالما عرفت الأنظمة أو التيارات الأيديولوجية المختلفة كيفية تجنيد الكرة المستديرة لمصلحتها أو لخدمة دعايتها. وغالباً ما كانت اللاسياسة تشكل حجة نفاق غامضة تقدّمها المؤسسات الحاكمة لهذه الرياضة لتبرير تنازلاتها، مثل نهائيات كأس العالم عام 1934 في إيطاليا في ظل الحكم الفاشي والألعاب الأولمبية في ألمانيا في ظل الحكم النازي.
هذا "الحياد" يتعلق أيضاً بالنزاعات المسلحة: سواء أثناء التدخل العسكري السوفياتي في المجر عام 1956، أو في تشيكوسلوفاكيا عام 1968، أو في أفغانستان عام 1979 أو مؤخراً في الشرق الأوسط. لم يكن هناك شيء يزعج قادة كرة القدم الدولية بشكل أساسي. لكن من الواضح أن الغزو الروسي لأوكرانيا مطلع العام الحالي فتح تسلسلاً جديداً: ظهرت كرة القدم كواحدة من جبهات هذه الحرب، بعد أن اختارت جميع الجهات الفاعلة معاقبة كرة القدم الروسية، وبدرجة أقل البيلاروسية.
لكن اللافت في تاريخ الكرة أن الجهات الرياضية الحاكمة، وأساساً الفيفا، كانت دائماً على يمين المشهد. فقد استغلّت على نحو شديد السلبية السلطة المخولة لها في منح حق تنظيم كأس العالم لخدمة أنظمة سياسية سلطوية عسكرية وشمولية – بحجة اللاسياسة – على الرغم من أن هذه "اللاسياسة" شكلت في ذاتها سياسة تبيض رياضي استفادت منها هذه الأنظمة في إضفاء شرعية على حكمها، أو مقبولية دولية. واللافت أكثر أن أغلب هذه الأنظمة كانت في معسكر اليمين العسكري أو القومي المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الحرب الباردة، في مواجهة المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي.
تشيلي... اللعب فوق جثث المعتقلين
في "نقد العقل الديالكتيكي"، يقول جان بول سارتر مؤكداً مقولته القديمة "الجحيم هو الآخرون": "كل شيء في كرة القدم معقد بسبب وجود الفريق المقابل". لكن ذلك التعقيد كان غائباً بعد عصر يوم 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1973، حين لم يجد المنتخب التشيلي أي عائق للوصول إلى مرمى الخصم، لأن الخصم ببساطة لم يكن موجوداً.
أطلق الحكم رافائيل هورمازابال دياز، صافرة انطلاق اللقاء. في تسع تمريرات و15 ثانية، هرول لاعبو تشيلي عبر نصف ملعب المنافس دون معارضة، ليدفع أخيراً لاعب وسط الفريق، والذي يرتدي شارة الكابتن، فرانسيسكو "تشاماكو" فالديس، الكرة في الشباك الفارغة، ويترشح المنتخب التشيلي إلى كأس العالم 1974.
كان المشهد غريباً، في ظل غياب منتخب الاتحاد السوفياتي الذي رفض القدوم إلى العاصمة سانتياغو، في أعقاب انقلاب عسكري نفّذه الجيش التشيلي ضد حكومة الرئيس الاشتراكي سلفادور أليندي، في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1973، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
قبل المباراة، أبلغ الاتحاد السوفياتي لكرة القدم الفيفا بأنه لن يرسل فريقه الوطني إلى تشيلي، وتحديداً إلى ملعب الحديقة الوطنية الذي كان النظام الانقلابي قد حوّله، في الأيام التي أعقبت الانقلاب مباشرة، إلى معسكر اعتقال ومركز تعذيب. لم يكن الأمر حينها مسألة مقاطعة النظام في حد ذاته بقدر ما كان الأمر يتعلق بمكان أصبح في غضون أيام قليلة رمزاً لإرهاب الدولة. لكن النظام العسكري الجديد في سانتياغو أراد تحويل المباراة إلى أداة دعاية، بوصفها أولاً هزيمةً للسوفيات الداعم الأبرز لنظام أليندي، وثانياً كونها علامة على دخول تشيلي زمن "الأمجاد والانتصارات".
في دراسة نشرت لهما في عام 2018، يحلل المؤرخ الفرنسي أوليفييه كومبانيون و مواطنه الصحافي ألكسندروس كوتيس، الأهداف السياسية التي كان يسعى إليها النظام العسكري الوليد في تشيلي، من وراء هذه المباراة والترشح لكأس العالم.
قبل ذلك، وفي 26 أيلول/ سبتمبر 1973، وأمام 60 ألف متفرج تجمعوا في ملعب لينين في موسكو، انتزعت تشيلي تعادلاً غير متوقع من المنتخب السوفياتي في مباراة الذهاب. حدث ذلك بعد أربعة أيام من قطع موسكو العلاقات مع سانتياغو، وإغلاق سفارتها واستدعاء موظفيها الدبلوماسيين، وبعد يومين من اعتراف واشنطن بنظام الجنرال أوغستو بينوشيه.
جرت مباراة الذهاب في سياق سياسي متوتر، ويتجلى ذلك بشكل خاص من الاستقبال المخصص للمنتخب التشيلي في مطار شيريميتيفو. فقد احتُجز اثنان من أبرز لاعبي الفريق، المهاجم كارلوس كاسيلي والمدافع إلياس فيغيروا، بين منتصف الليل والرابعة صباحاً من قبل سلطات الهجرة السوفياتية التي اعترضت على وجود اختلافات كبيرة بين شكليهما الحقيقيين والصور التي تظهر لهما على جوازيهما.
لكن هذه الصعوبات ستتحول إلى نياشين للشجاعة عند العودة. فقد كانت الطغمة العسكرية الصاعدة حريصة على توظيف المباراة في نسج علاقات ولاء وشرعية لها داخل المجتمع. في مطار سانتياغو، كان وزير الدفاع الوطني، نائب الأدميرال باتريسيو كارفاخال الذي نسق عمليات احتلال قصر لامونيدا الرئاسي خلال الانقلاب، في استقبال الفريق، بينما وجّه بينوشيه شخصياً تحية للكابتن فرانسيسكو فالديز قائلاً: "إنه لمن دواعي سرور الحكومة أن تعلن أنه على الرغم من الصعوبات التي قد تكون ظهرت في بلد قطعت العلاقات الدبلوماسية معه مؤخراً، فإن اللاعبين لم يستسلموا، بل على العكس، قدموا كل ما لديهم". يبدو الأمر كما لو أن الشجاعة التي أظهرها المنتخب التشيلي في موسكو كانت استعارة للجهود التي يجب على الأمة من الآن فصاعداً توفيرها للتعافي بعد "الفوضى الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية" التي دبرتها حكومة الوحدة الشعبية والرئيس سلفادور أليندي.
من شدة تحمس قطاع من اليسار الفرنسي لمقاطعة مونديال الأرجنتين 1978، أقدمت مجموعة على اختطاف مدرب المنتخب الفرنسي، ميشيل هيدالغو، قبل أيام قليلة من رحيله إلى بوينس آيرس، في محاولة لمنع مشاركة المنتخب في المونديال
لكن الباحثيْن يشيران بوضوح إلى الدور الذي لعبته الفيفا في ترجيح كفة التشيلي، أولاً من خلال تعيين الحكم البرازيلي أرماندو ماركيز في مباراة الذهاب، والذي وصفه الصحافي التشيلي الوحيد الموجود في موسكو بصفته مبعوثاً خاصاً لـجريدة "الميركوريو" المحافظة، هوغو جاس أوبازو، بأنه "معادٍ مسعور للشيوعية" ومعروف في البرازيل بعدد لا يحصى من أخطاء التحكيم التي ارتكبها خلال مسيرته؛ وثانياً، عندما رفض الفيفا الطلب السوفياتي بإقامة مباراة العودة في مكان محايد.
في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر، نُظّم اجتماع للجنة التنفيذية للفيفا في زيوريخ، كُرّس لمكان مباراة الإياب. من بين 21 دولة ممثلة، صوّتت 15 دولة لصالح إقامة المباراة في ملعب الحديقة الوطنية في سانتياغو، وعارضت ثلاث دول، مع تحفظ ثلاث أخرى. الغالبية العظمى التي ظهرت لصالح الخيار الذي دافعت عنه الحكومة التشيلية هي انعكاس صادق لقضايا الحرب الباردة الكامنة وراء هذا التصويت، إذ إن خمسة بلدان فقط من الكتلة الاشتراكية كانت أعضاء في اللجنة آنذاك: الاتحاد السوفياتي نفسه، المجر، جمهورية التشيك، جمهورية ألمانيا الديمقراطية، ويوغوسلافيا، بينما يدعم 12 منهم صراحة الكتلة الغربية (بما في ذلك أيرلندا الشمالية والبرازيل وجمهورية ألمانيا الاتحادية وهاييتي وكوستاريكا واليابان وكولومبيا).
غير أن الآمال التي وضعها نظام بينوشيه في كرة القدم، كأداة لإضفاء الشرعية على النظام الجديد، سواء بين التشيليين أو أمام الرأي العام الدولي، تلاشت بعد بضعة أشهر. خلال كأس العالم 1974، اكتفى المنتخب التشيلي بأداء متواضع في دور المجموعات.
وإلى حين عودة المدنيين إلى قصر مونيدا في آذار/ مارس 1990، لم يكن بوسع الديكتاتورية أبداً الاستفادة من نتائج المنتخب الوطني الذي لم يتأهل لكأس العالم 1978، والذي غرق في إسبانيا بعد أربع سنوات وغاب عن النسخة المكسيكية في 1986.
وكان وجود المنتخب التشيلي في كأس العالم في ألمانيا الغربية في عام 1974 إحدى الفرص الأولى لتعبير العديد من المنفيين التشيليين الذين لجأوا إلى أوروبا وساعدتهم جمعيات التضامن المحلية عن إدانة الديكتاتورية أمام أعين العالم، من خلال لافتات منددة بالنظام العسكري والتدخل الأمريكي رُفعت في الملعب الأولمبي في برلين في 14 حزيران/ يونيو 1974، وظهرت على شاشات التلفزيون في جميع أنحاء العالم.
الأرجنتين 1978... مونديال لتبيضّ خورخي فيديلا
في عام 1966، اختيرت الأرجنتين كدولة مضيفة لكأس العالم لكرة القدم عام 1978. لكن قبل المونديال بعاميين، قاد رئيس الأركان خورخي رافائيل فيديلا ريدوندو انقلاباً عسكرياً فجر 24 آذار/ مارس 1976 وأطاح بحكم الرئيس إيزابيل بيرون، لتدخل الأرجنتين مرحلة الحكم العسكري، بدعم قوي من الولايات المتحدة الأمريكية.
نظّم فيديلا حملة قمع مديدة ضد المعارضة الديمقراطية، لا سيما اليسارية، تميزت بالتعذيب الجسدي والإخفاء القسري والقتل خارج القانون. على الرغم من ذلك، أقيمت مباريات التصفيات في جميع أنحاء العالم من 1976 إلى 1978 دون التشكيك في الاختيار الذي وقع قبل عشر سنوات.
"الفصل بين كرة القدم وبين السياسة وهم جميل، يُضاف إلى أوهام كثيرة نحاول تصديقها، حول الفصل بين أي نشاط بشري والسياسة"
في أوروبا، ارتفعت الأصوات ضد مونديال 1978، ثم ولدت لجنة مقاطعة تنظيم الأرجنتين لكأس العالم لكرة القدم في فرنسا لمحاولة إقناع أصحاب الألوان الثلاثة بعدم الذهاب إلى الأرجنتين. كتب الكاتب ماريك هالتر في ذلك الوقت في افتتاحية لصحيفة لوموند: "في عام 1936، لم يتمكن آباؤنا من منع الرياضيين من الذهاب إلى الألعاب الأولمبية في برلين ومشاهدة هتلر يلقي التحية النازية... دعونا نناشد جميع الرياضيين وأنصارهم الذين يتعين عليهم الذهاب إلى الأرجنتين: ارفضوا دعم النظام بوجودكم طالما أنه لم يطلق سراح السجناء السياسيين ولم يوقف المذابح".
في اليوم الذي غادر فيه الفريق الفرنسي إلى الأرجنتين، خطط نشطاء اليسار لتظاهرة كبيرة تدعو للمقاطعة، ولكن السلطات قررت حظرها، تماماً مثل التظاهرة التي نُظمت بعد ذلك بيومين في مرسيليا في 25 أيار/ مايو 1978.
من جانبها، نشرت جريدة "ليبراسيون"، في عدد يوم 13 أيار/ مايو، استطلاعاً للرأي قبل أيام قليلة من انطلاق المونديال، أكدت فيه أن 25% من الفرنسيين يعارضون حقيقة أن منتخب بلادهم سيلعب في الأرجنتين. واعتبرت الصحيفة أن الدعوة للمقاطعة كان لها صدى مهم لأنها المرة الأولى التي "تخرج فيها حملة تضامنية من مجال النخبة إلى الشعب". ومن شدة تحمس قطاع من اليسار الفرنسي للمقاطعة، أقدمت مجموعة على اختطاف مدرب المنتخب الفرنسي، ميشيل هيدالغو، قبل أيام قليلة من رحيله إلى بوينس آيرس، في محاولة لمنع مشاركة المنتخب في المونديال.
ملصق لجنة مقاطعة مونديال الأرجنتين 1978.
في المقابل، ورغم إدانته للانقلاب العسكري، رفض الحزب الشيوعي الفرنسي، الموالي للسوفيات، مقاطعة كأس العالم في الأرجنتين. في اليوم التالي لتأهل المنتخب الفرنسي، التقى أمين عام الحزب جورج مارشايس صحافيين رياضيين. ولدى سؤاله عن مسألة المقاطعة، أقر في البداية بأنه لم يجرِ أي نقاش داخل الهيئات الرئاسية لحزبه قبل أن يقول: "إذا كانت كأس العالم لكرة القدم القادمة ستقام في جنوب إفريقيا، فسأقول لا... لكن عندما نطرح قضية الحريات، والتساؤل حولها وكذلك حقوق الإنسان في بعض البلدان، أعتقد أن ذلك يجب أن يكون حذراً للغاية لأنه للأسف سنخاطر، في الشرق كما في الغرب، بعدم الذهاب إلى العديد من البلدان. نحن الشيوعيون نعتقد أنه يجب الدفاع عن هذه الحقوق والحريات في كل مكان عندما يتم التشكيك فيها، في بلد اشتراكي كما في بلد رأسمالي. إذا اتبعنا هذا المسار، فبدلاً من التقارب الدولي للرياضيين سنذهب نحو العزلة. لهذا السبب سأدافع عن فكرة أن تذهب فرنسا إلى الأرجنتين".
كان موقف الحزب الفرنسي نابعاً من مرجعية فكرية لا تؤمن بقوة بحقوق الإنسان والحريات، ومن مرجعية سياسية متطابقة مع الموقف السوفياتي الذي لم يكن بعيداً عن النهج القمي المُتبعّ في الأرجنتين. كانت هذه الدعوة للمقاطعة في فرنسا عام 1978 بلا شك بمثابة انفصال أيديولوجي داخل جزء من اليسار.
في بوينس آيرس، كان المجلس العسكري الحاكم بقيادة الجنرال خورخي فيديلا يراهن على ظفر بلاده باللقب لأول مرة في تاريخها، كي يثبت للعالم وللشعب الأرجنتيني أن الأمور في ظل القبضة الحديدية تسير على نحو أفضل منها في ظل حكم الديمقراطية ورعاع اليسار.
شرع النظام العسكري في بناء الملاعب الكبيرة والمطارات وفي خطة القضاء على الأحياء الفقيرة في بوينس آيرس من خلال طرد قطاع واسع من السكان الأشد فقراً إلى مناطق بعيدة عن العاصمة لغرض محدد: إخفاء البؤس الذي شوه وعوده بالتنمية الحضرية. كما وضع على رأس لجنة التنسيق المدنية-العسكرية المنظِّمة للكأس عسكرياً اسمه كارلوس ألبرتو لاكوست ورصد لذلك حوالي 700 مليون دولار، أي 10 أضعاف المبلغ المعلن في البداية.
ملصق إعلاني لعلامة ALBA التجارية المتخصصة في بيع اللوحات: "الأرجنتين تستقبل العالم".
خلال المنافسات، انتقلت الأرجنتين إلى الدور الثاني بسهولة. كان نظام اللعبة حينذاك يقوم على مجموعتين في الدور الثاني تضم كل واحدة منهما أربعة فرق يصعد أول كل مجموعة إلى النهائي. كانت المباراة الأخيرة من الدور الثاني في المجموعة الثانية بين الأرجنتين وبيرو. كان على الأرجنتين تسجيل أربعة أهداف على الأقل للوصول إلى الدور النهائي بدلاً من البرازيل. انتهى بها الأمر بالفوز 6-0 بسهولة لا تصدق. كان المنتخب الأرجنتيني فريقاً جيداً لكن ليس إلى هذا الحد. فأفضل فوز كان قد سجله هو 2-0 ضد بولندا.
لفهم هذه الأحجية، لا بد من العودة إلى صباح الـ25 من أيار/ مايو 1978 عندما أُرسِل الزعيم النقابي جينارو ليديسما إزكويتا و12 من المعارضين الآخرين للنظام العسكري القائم في بيرو، إلى سجون الجنرال فيديلا في الأرجنتين. لتفسير العلاقة بين هذين الحدثين، يقول ليديسما إزكويتا، في مقابلة نشرتها صحيفة تيمبو أرجنتينو اليومية في كانون الثاني/ يناير 2012، إن "فيديلا احتاج إلى نصر ليغسل صورة الأرجنتين السيئة في العالم، في مقابل الهزيمة، كان عليه أن يعتبرنا أسرى حرب". ورغم أنه لا توجد براهين قاطعة حول التلاعب بنتيجة المباراة من طرف النظام العسكري، إلا أن مؤشرات عديدة تشير إلى ضغط مارسه النظام ضد الفريق البيروفي.
جاءت المباراة المثيرة للجدل في سياق طويل من التعاون الوثيق بين ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية. فقد شارك الأرجنتينيون والبيروفيون بشكل وثيق في النهج المناهض لليسار. والآثار الأولى لمشاركة بيرو تعود إلى نيسان/ أبريل 1978، بعد ثلاث سنوات من وصول الجنرال فرانسيسكو موراليس بيرموديز إلى السلطة. بعدما عانت بيرو من أزمة اقتصادية خطيرة، اقترح النظام العسكري التعامل معها بزيادة أسعار المواد الأساسية وأعقب ذلك قمع واسع لحكرة الاحتجاج التي اندلعت، وهنا تدخلت الأرجنتين لإنقاذ نظام موراليس من خلال فتح معتقلاتها للمعارضين البيروفيين. كان هذا التعاون منسقاً في إطار ما أصبح يعرف لاحقاً بخطة كوندور التي أطلقتها الولايات المتحدة بالتعاون مع قادة الجيوش في أمريكا اللاتينية لوقف تمدد الشيوعية وإسقاط الأنظمة اليسارية وإقامة أنظمة عسكرية وفتح أسواق القارة اللاتينية.
كانت مباراة البيرو والأرجنتين تفصيلاً صغيراً جداً في هذا السياق الجيوسياسي المعقد. لكن وعلى تفاهة هذا التفصيل، كان الدكتاتور الأرجنتيني فيديلا حريصاً على كسب الرهان. قال مهاجم البيرو خوان كارلوس أوبليتاس، بعد بضع سنوات من الواقعة: "قبل المباراة مباشرة، دخل خورخي فيديلا غرفة تبديل الملابس ليحيينا مصحوباً بمجموعة من الأشخاص، بينهم هنري كيسنجر". وجود هنري كيسنجر في غرفة الملابس في ملعب روزاريو، بصحبة الجنرال، يؤكد مرة أخرى الشكوك في وجود ترتيب ما وراء الفوز الأرجنتيني الكاسح. فوزير الخارجية الأمريكي في عهد نيكسون ثم فورد، يمثل العراب الأمريكي لخطة كوندور.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...