شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
من تهديدات موسوليني إلى انتقام مارادونا... كيف تداخلت السياسة بالرياضة في كأس العالم؟

من تهديدات موسوليني إلى انتقام مارادونا... كيف تداخلت السياسة بالرياضة في كأس العالم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 18 نوفمبر 202209:35 ص

قبل أيام من انطلاق كأس العالم في قطر، بعث رئيس الفيفا جياني إنفانتينو برسالة إلى الفرق الـ32 المشاركة في المونديال، دعا فيها إلى أن تكون كرة القدم هي محور التركيز في قطر، وليس السياسة والقضايا الاجتماعية.

كلام إنفانتينو يأتي في وقت يشتعل العالم بالقضايا الملحّة، من بينها الحرب الروسية الأوكرانية، زيادة النقاش حول قضية الهويات، اندلاع موجة احتجاجات في إيران، وزيادة الاحترار العالمي وغيرها. وبالتالي، من المتوقع أن يُستخدم كأس العالم كمنصة لإرسال رسائل في جميع الاتجاهات وفي مختلف المجالات، مع العلم أن الفيفا نفسه لم يلتزم بمبدأ الحياد السياسي الذي يطالب به عندما استبعد منتخب روسيا من تصفيات كأس العالم بسبب غزو لأوكرانيا.

تاريخياً، لم تخلُ نسخ كأس العالم من الأحداث المرتبطة بالواقع السياسي، الاجتماعي، والثقافي، سواء داخل الملعب أو في المدرجات، بل إن بعض المباريات طغى عليها الطابع السياسي وتخطّى جانبها الرياضي.

بعض الأنظمة، خاصةً الشمولية منها، نجحت في توظيف انتصار منتخباتها في المونديال لتلميع صورتها، واستوعب بعض القادة أهمية الفوز في تعزيز البروباغندا، كما كان الحال مع بينيتو موسوليني في مونديال 1938، والنظام العسكري الأرجنتيني الذي كان يحكم إبان استضافة بلده لمونديال 1978.

كذلك، شهدت النسخ السابقة مباريات بين منتخبات من دول أنظمتها على عداء سياسي، كما حال مباراة إيران والولايات المتحدة في مونديال 1998 في فرنسا، مع العلم أنهما سيلعبان مرة أخرى في مونديال قطر 2022، ومباراة الألمانيتين الغربية والشرقية في مونديال 1974، في أوج الحرب الباردة، أو مباريات لها حساسية خاصة بسبب تواجه منتخب دولة كانت مستعمَرة مع منتخب الدولة التي كانت تستعمرها، كما حال مواجهة السنغال مع فرنسا في افتتاح مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، حين فاز أسود التيرانغا بهدف نظيف.

الانتصار أو الموت

عام 1938، استضافت فرنسا كأس العالم في وقت كانت قارة أوروبا تغلي، عشية الحرب العالمية الثانية، مع صعود الفاشية والنازية في إيطاليا وألمانيا.

دخلت إيطاليا البطولة يومها بصفتها حاملة اللقب، بعدما تُوّجت بالنسخة السابقة التي استضافتها في مونديال 1934، قبل إحرازها الميدالية الذهبية لدورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها ألمانيا النازية في العام 1936.

في ذروة الحرب الدعائية التي كانت السلطات الإيطالية تحت قيادة موسوليني تمارسها، لم يكن هناك أفضل من الفوز بكأس العالم للمرة الثانية على التوالي لاستثماره في الداخل الإيطالي، والقول إن السياسة الفاشية آخذة بالنجاح على المستويات كافة. بلغت إيطاليا المباراة النهائية، وواجهت منتخب المجر المدجج بالنجوم يومها، والذي اكتسح السويد في نصف النهائي بخماسية مقابل هدف.

احتضنت العاصمة الفرنسية باريس المباراة النهائية. الجماهير الفرنسية التي ملأت الملعب يومها انحازت بمعظمها للمنتخب المجري. موسوليني الذي أدرك أكثر من غيره أهمية الفوز بالمباراة بعث برسالة إلى لاعبيه قبل انطلاقتها، كانت عبارة عن جملة واحدة: "الانتصار أو الموت". وعلى وقع الخوف من الموت المحتم، خاض لاعبو منتخب إيطاليا المباراة، ونجحوا بالفوز بنتيجة 4-2، وحازوا على نجمتهم الثانية.

بعد المباراة، اعترف بعض لاعبي منتخب المجر بأنهم تراخوا في المباراة وسمحوا لإيطاليا بالفوز خوفاً على مصير لاعبها. الحارس أنتال سزابو Szabo الذي تسبّب بدخول الأهداف الأربعة قال في مقابلة لاحقاً: "صحيح أنني قبلت أربعة أهداف، لكنني أنقذت العديد من الأرواح".

مواجهة بين شطري ألمانيا

في العام 1974، استضافت ألمانيا الغربية كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها، وشارك في المسابقة منتخبا ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية، المنتخبان المنبثقان عن تقسيم ألمانيا إثر الحرب العالمية الثانية إلى شطرين شرقي وغربي يفصل بينهما جدار برلين.

بعض الأنظمة، خاصةً الشمولية منها، نجحت في توظيف انتصار منتخباتها في المونديال لتلميع صورتها

شاءت القرعة أن يتواجه المنتخبان في دور المجموعات، فانقسم العالم بأسره بين مؤيد لشرق ألمانيا أو لغربها، بحسب الانتماء الفكري والسياسي والقرب من الاتحاد السوفياتي أو الغرب. الصحافة الرياضية العالمية وصفت المواجهة يومها بأنها صراع بين الرأسمالية ممثلةً بألمانيا الغربية والشيوعية ممثلةً بألمانيا الشرقية.

احتضنت مدينة هامبورغ المباراة، بحضور أكثر من 60 ألف متفرج، من بينهم حوالى 1500 مشجع فقط من ألمانيا الشرقية. كانت هذه المواجهة الأولى والأخيرة بين المنتخبين، وانتهت المباراة بفوز الشرقيين بهدف نظيف، ما فاجأ جميع المتابعين بالنظر إلى الفوارق الفنية بين المنتخبين لصالح الغربيين، حاملي لقب بطولة اليورو يومها، والمدججين بكوكبة من نجوم بايرن ميونيخ المتوج بثلاث نسخ متتالية من دوري أبطال أوروبا.

رغم الخسارة، نجحت ألمانيا الغربية في التأهل من المجموعة، وبلغت لاحقاً النهائي وفازت على هولندا لتتوج بلقبها العالمي الثاني، بينما خرجت ألمانيا الشرقية من الدور الثاني بعدما وقعت في مجموعة نارية ضمت هولندا، البرازيل والأرجنتين.

انتهت الحرب الباردة وانهار جدار برلين في العام 1990، وشاركت ألمانيا بمنتخب موحّد في مونديال 1994 في الولايات المتحدة الأمريكية، للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

الكأس تبتسم للديكتاتور

استضافت الأرجنتين مونديال 1978، في وقت كانت تخضع البلاد بشكل كامل للحكم العسكري بقيادة الجنرال خورخي فيديلا الذي كان يعرف جيداً شغف الشعب الأرجنتيني بكرة القدم، وبالتالي يدرك أن تحقيق لقب المونديال للمرة الأولى سيكون له تأثير كبير في تلميع صورة نظامه، بعدما كانت البرازيل والأورغواي من أميركا اللاتينية قد سبقتا بلاد التانغو إلى معانقة الذهب العالمي.

استخدم النظام العسكري كل الطرق في سبيل تحقيق اللقب، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، مثل دفع رشى والتلاعب بالنتائج، كما جرى في المباراة الشهيرة ضد البيرو والتي انتهت بفوز أصحاب الأرض بسداسية نظيفة، وهي النتيجة التي أهّلت الأرجنتين وأقصت البرازيل، ما أثار غضب الصحافة البرازيلية التي اتهمت البيروفيين بـ"بيع المباراة"، في وقت انتشرت أخبار عن تقديم الأرجنتين أطناناً من الحبوب للبيرو مقابل خسارتهم المباراة.

كان موسوليني يدرك أهمية فوز منتخب بلاده بالمباراة النهائية لمونديال 1938 على نظامه، فبعث برسالة إلى اللاعبين قبل انطلاقتها، كانت عبارة عن جملة واحدة: "الانتصار أو الموت"

تواجهت الأرجنتين في النهائي مع منتخب هولندا، على ملعب مونومنتال في العاصمة بيونس آيرس، بحضور 70 ألف متفرج يتقدمهم الجنرال فيديلا، مع العلم أن هولندا كانت قد خاضت ذلك المونديال في ظل غياب بعض نجومها الذين قاطعوا البطولة لأسباب أمنية، مثلهم مثل أبرز نجوم ألمانيا حاملة اللقب، كفرانتس بكنباور وبول برايتنر.

فازت الأرجنتين، وجلب الفوز الفرح للشعب الذي كان يعاني يومها من ظروف اجتماعية ومعيشية صعبة. لكن النتائج أتت بعكس توقعات الحاكم العسكري، إذ نقل الصحافيون الذين قدموا إلى الأرجنتين لتغطية البطولة حقيقة الانتهاكات والقمع في البلاد، ما سلّط الضوء عالمياً على قضية الشعب الأرجنتيني، وساهم بشكل أو بآخر في انهيار الحكم العسكري بعد المونديال بسنتين فقط.

يد الله تنتقم من الإنكليز

بعد أربع سنوات فقط من "حرب الفوكلاند" التي اندلعت بين بريطانيا والأرجنتين، للاستيلاء على جزر الفوكلاند القريبة من الأرجنتين، والتي يعتبر كلا الطرفين أنها حقّ له، تواجه منتخبا البلدين في ربع نهائي مونديال 1986 في المكسيك.

نجم الأرجنتين دييغو مارادونا قال قبل المباراة إنه سيفعل المستحيل للفوز بالمباراة، وينتقم من الإنكليز الذين نجحوا في الاستيلاء على الجزر بعد قتل أكثر من 600 عسكري أرجنتيني. وبالفعل، قدم مارادونا مباراة العمر، وسجل هدفين تاريخيين، أحدهما بعد مجهود فردي خرافي، والآخر بيده، ليؤهّل بلاده إلى المربع الذهبي، ويقودها لاحقاً للتتويج باللقب، في وقت صبّت الصحافة الإنكليزية غضبها على مارادونا، وعلى حكم المباراة يومها التونسي علي بن ناصر الذي احتسب هدفه.

بعد المباراة، صرّح مارادونا بأن اليد التي سجلت الهدف كانت يد الله التي ساعدت بلاده على الانتقام من البريطانيين. وأكّد مارادونا على امتداد السنوات التالية عن افتخاره بهذا الهدف، ليستمر العداء بينه وبين الصحافة الإنكليزية حتى وفاته قبل عامين.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image