شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
من

من "يد الله" إلى هدف الإنكليز عام 1966 وغيرها... أخطاء تحكيمية غيّرت مسار مونديالات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 11 نوفمبر 202208:46 ص

يُنظَر إلى الأخطاء التحكيمية على الدوام على أنها جزء من كرة القدم، بل يرى البعض أنها تزيد من جمالية اللعبة والتفاعل معها، وتشكّل مع عوامل كثيرة أخرى سحر هذه الرياضة وسرّ شعبيتها الجارفة، فالنقاشات حول الحالات التحكيمية تستمر لساعات وأيام طويلة، في المقاهي وفي الإعلام والصحافة، وبشكل أوسع اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

على امتداد العقود، حاول الاتحاد الدولي لكرة القدم تقليل الأخطاء التحكيمية قدر الإمكان، وبالتالي تجنيب الفرق والمنتخبات التعرّض للظلم، دون المساس بدور الحكم الذي يبقى قاضي المباراة وسيدها، والمسؤول الوحيد عن اتخاذ القرارات. أفكار كثيرة ظهرت في النسخ المونديالية المتعاقبة، بعضها عاد وألغي مثل الاستعانة بحكم خامس مساعد، وبعضها الآخر لا يزال مستخدماً حتى اليوم مثل تقنية "عين النسر" للتحقق من تجاوز الكرة خط المرمى بكامل محيطها.

وبهدف مساعدة الحكام أكثر في اتخاذ قرارتهم، أتت تقنية الفيديو المساعد VAR واستُخدمت في مونديال روسيا للمرة الأولى، وهي تقنية تسمح للحكم بالعودة إلى مشاهدة اللقطة الإشكالية، للتأكد من قراره، أو لمشاهدة لقطة غابت عنه، وذلك في ثلاث حالات هي: التحقق من صحة هدف، التحقق من وجود ركلة جزاء، ودراسة التدخلات العنيفة التي قد تستوجب توجيه بطاقة حمراء للاعب. ويبقى القرار النهائي بيد حكم الساحة، وبالنتيجة فإن وجود الـVAR لم يحدّ من سلطة الحكام، بل قلّص إلى حدّ كبير جداً حصول أخطاء مؤثرة على سير المباريات والبطولات.

في دورات كأس العالم الـ20 التي سبقت ظهور الـVAR، برزت الكثير من الحالات التحكيمية الجدلية، والتي أثّرت على سير مباريات وبطولات بأكملها، واستمر الجدل حولها سنوات طويلة... بعض المنتخبات رأت أنها تعرّضت لظلم لا يمكن تعويضه، وتفاوتت الأحكام على حالات كثيرة بين مَن رأى فيها مؤمرات ضد فرق معينة، أو مساعدة لفرق أخرى لتحقيق اللقب، خاصةً في البطولات الأولى، وبين رأي آخر يتبناه الفيفا، ويرى أن الخطأ البشري وارد وطبيعي، خاصةً وأن الحكم مطالَب باتخاذ قراره في ثوانٍ قليلة.

في هذا التقرير، نستعرض أبرز ثماني حالات تحكيمية خلال بطولات كأس العالم، بالترتيب من الأكثر أهمية حتى الأقل.

دخلت الكرة أم لم تدخل؟

لعلها الحالة التحيكيمية الأشهر في تاريخ كرة القدم. الحديث هنا عن لقطة في الأشواط الإضافية لنهائي كأس عالم، في مباراة جمعت الجارين اللدودين ألمانيا وإنكلترا بعد عشرين سنة من انتهاء الحرب العالمية الثانية.

الإنكليز، مخترعو اللعبة بشكلها الحديث، رفضوا المشاركة في أول نسختين من كأس العالم لأنهم كانوا يأنفون التنافس مع باقي الفرق في لعبتهم، واستضافوا البطولة للمرة الأولى في نسخة 1966، ووصلوا إلى المباراة النهائية حيث تواجهوا مع ألمانيا الغربية. كلاسيكو أوروبي شغل العالم يومها. حوالي 97 ألف متفرج في ملعب ويمبلي، في مقدمهم الملكة الراحلة إليزابيث. وأربعة أهداف تقاسمها الفريقان في الوقت الأصلي، ولجوء إلى الأشواط الإضافية.

في الدقيقة 101، سدد هداف المنتخب الإنكليزي جيف هيرست كرة ارتدّت من العارضة وارتطمت بالأرض. حكم المباراة السويسري غوتفريت ديينست اعتبر أن الكرة تجاوزت خط المرمى واحتسب الهدف، وسط احتجاجات كبيرة من الألمان. وفي النهاية توّج الإنكليز بلقبهم الأول، وفشلت ألمانيا في تحقيق لقبها الثاني ومعادلة إيطاليا، الأورغواي، والبرازيل أصحاب اللقبين الاثنين يومها.

استمر الحديث عن هذا الهدف لسنوات طويلة في الصحافة الإنكليزية والألمانية. الأولى تؤكد شرعية الهدف، والثانية تعتبر أن الحكم ظلم منتخب بلادها وكلّفه خسارة المباراة.

اللقطة المثيرة للجدل التُقطت من زاوية واحدة فقط، وبالتالي كان من شبه المستحيل التحديد بدقة ما إذا كانت الكرة قد عبرت خط المرمى. وفي دراسات حديثة اعتمدت محاكاة عبر الكومبيوتر، استُنتج أن الكرة لم تعبر خط المرمى بكامل محيطها، وهو الأمر الذي يوافق عليه قائد منتخب ألمانيا في المباراة أوه سيلير الذي قال في عام 2016 (كان في سن الـ79) بمناسبة مرور خمسين سنة على المباراة، إنه كان قريباً من الكرة، وشاهد بوضوح أن الكرة لم تعبر خط المرمى.

في المقابل، أشار محللو التكنولوجيا في شبكة سكاي سبورتس، في العام نفسه (2016) إلى أن دراسة أجروها أثبتت أن الكرة عبرت خط المرمى.

"يد الله" تتدخل لصالح الأرجنتين

واحدة من أشهر المباريات في تاريخ المونديال. أرجنتين دييغو مارادونا تواجه إنكلترا غاري لينيكر، في ربع نهائي مونديال 1986 في المكسيك. كانت حرب الفوكلاند بين البلدين حاضرة في البال. تغطية صحافية غير مسبوقة وحرب إعلامية بين الطرفين.

شهدت تلك المباراة حدثين تخلّدا في أذهان متابعي كرة القدم: هدف مارادونا الشهير الذي راوغ فيه خمسة لاعبين والحارس الإنكليزي بيتر شيلتون ليسجل أحد أجمل أهداف المونديال تاريخياً، وقبله بدقائق، الهدف الذي سجله مارادونا بنفسه، عندما قفز أمام شيلتون وتابع الكرة بيده داخل المرمى، فاحتسب الحكم التونسي علي بن ناصر الهدف وسط اعتراضات كبيرة من الإنكليز.

بعد المباراة، قال مارادونا إن "يد الله" هي التي سجّلت الهدف، معتبراً أنه كان انتقاماً مما فعله الإنكليز قبل أربع سنوات في حرب الفوكلاند، فيما صبّت الصحافة الإنكليزية جام غضبها على مارادونا والحكم التونسي.

على مدار سنوات طويلة، طالب الإنكليز مارادونا بالاعتذار بسبب تسجيله هدفاً بيده، لكن النجم الذي رحل عن العالم في خريف العام 2020، كان يرفض الأمر باستمرار.

تمويه رودي فولر يهدي ألمانيا اللقب

حالة تحكيمة جدلية ثالثة في إحدى المباريات النهائية. ألمانيا تحت قيادة فرانتس بكنباور، تسعى للانتقام من أرجنيتن مارادونا، في نهائي 1990. سيطر الألمان على المبارة بشكل واضح وكانوا الطرف الأفضل، ومع ذلك احتاجوا إلى ركلة جزاء لحسم نتيجة المباراة والحصول على نجمتهم الثالثة.

وحصل الألمان على ركلة جزاء قبل خمس دقائق من نهاية المباراة، حين تدخّل المدافع روبرتو سنسيني لقطع الكرة من أمام المهاجم رودي فولر، فاعتبر حكم المباراة المكسيكي إدغاردو كوديزي أن التدخّل غير شرعي واحتسب ركلة جزاء للألمان. إعادة الكرة من زوايا مختلفة أثبتت أن التدخل كان شرعياً ولا توجد ركلة جزاء.

الأرجنتين تُظلم من جديد في نهائي أمام ألمانيا

في مونديال 2014 في البرازيل، قدّم حارس مرمى منتخب ألمانيا مانويل نوير أداءً استثنائياً وكان له دور كبير في فوز بلاده بلقبها الرابع، وتميّز بشكل خاص بسبب لعبه دور الليبرو، والخروج من مرماه وقطع الكرات قبل وصول المهاجمين إليها.

بينها احتساب الحكم التونسي علي بن ناصر هدف مارادونا الذي سجّله بيده عام 1986 وإلغاء الحكم المصري جمال الغندور هدفين صحيحين لإسبانيا في مواجهتها مع منتخب كوريا الجنوبية عام 2002... ثمانية أخطاء تحكيمية غيّرت مسار مباريات في كأس العالم

في المباراة النهائية أمام الأرجنتين، خرج نوير مرة أخرى من مرماه، ليقطع الكرة من أمام غونزالو هيغوايين، لكنه لكم المهاجم في وجهه بعد قطع الكرة. الحكم الإيطالي نيكولا ريزولي اعتبر يومها أن هيغوايين هو مَن ارتكب الخطأ، وأعطى الألمان ركلة حرة. كانت هذة آخر نسخة كأس عالم لا تُستخدم فيها تقنية الـVAR. الإعادات أثبتت أن نوير هو مَن ارتكب خطأ، وكان راقصو التانغو يستحقون ركلة جزاء، بالإضافة إلى طرد مانويل نوير. قرار كان ليكون له تأثير كبير على مجرى المباراة النهائية.

هدفان صحيحان ملغيان

قصة أخرى كان بطلها أحد الحكام العرب. ألغى المصري جمال الغندور هدفين صحيحين لإسبانيا في مواجهتها مع منتخب كوريا الجنوبية المضيف، في ربع نهائي مونديال 2002. الهدف الأول سجّله مدافع كوريا الجنوبية كيم تاي عن طريق الخطأ قبل نهاية الوقت الأصلي، لكن الغندور أشار إلى  وجود خطأ ضد الإسباني إيفان هيليغيرا وألغى الهدف. الإعادة أثبتت أن الخطأ غير موجود وأن الهدف صحيح.

وفي الوقت الإضافي الأول، سجل مهاجم إسبانيا فرناندو مورينتيس هدفاً برأسه بعد عرضية من خواكين سانشيز، لكن حكم الراية راغوناس من ترينداد وتوباغو أشار هذه المرة إلى أن الكرة تجاوزت خط الملعب قبل أن يرفعها خواكين وامتثل الغندور لقراره. الإعادة أثبتت خطأ الحكمين مرة أخرى.

انتهت المباراة بالتعادل السلبي، ثم فاز الكوريون بركلات الترجيح وبلغوا نصف النهائي كأول وآخر منتخب آسيوي يحقق هذا الإنجاز.

طرد ظالم لتوتي يقصي إيطاليا

في البطولة نفسها، استفاد منتخب كوريا الجنوبية من خطأ تحكيمي آخر، وكان ذلك في مباراة ثمن النهائي ضد إيطاليا. الوقت الأصلي للمباراة انتهى بالتعادل الإيجابي 1-1. وفي الدقيقة قبل الأخيرة من الشوط الإضافي الأول، تعرض نجم إيطاليا فرانشيسكو توتي لعرقلة واضحة داخل منطقة الجزاء، لكن حكم المباراة الإكوادوري بيرون مورينو اعتبر أن توتي عمد إلى التمثيل للحصول على ركلة جزاء، وأشهر بوجهه البطاقة الصفراء الثانية في المباراة ليطرد من المعلب، وينجح بعدها نجم كوريا الجنوبية جوان هوان آن بتسجيل هدف الفوز الذهبي وينهي المباراة عند الدقيقة 116.

بالإضافة إلى طرد توتي، ارتكب الحكم الإكوادوري أخطاءً أخرى لصالح كوريا، من بينها الاكتفاء بإشهار بطاقة صفراء في وجه هوانغ سونغ هونغ، بالرغم من تدخل له على جيانلوكا زامبروتا كان يستدعي الطرد. الحكم تعرض للتهديد بالقتل من المافيا الإيطالية، واعترف في مقابلة مع سكاي سبورتس أجريت مؤخراً، بأنه ارتكب أخطاء بالفعل لصالح كوريا الجنوبية.

هدفان غير صحيحين يغضبان الصحافة السوفياتية

مباراة مثيرة حبست أنفاس المتابعين في ثمن نهائي مونديال 1986 في المكسيك. تقدم منتخب الاتحاد السوفياتي مرتين، لكن بلجيكا نجحت في العودة بالنتيجة. ذهبت المباراة للأشواط الأضافية، وفاز بلجيكا في النهاية 4 ـ 3. مهاجم الاتحاد السوفياتي إيغور بيلانوف سجل ثلاثية يومها. كانت هذه آخر مرة يسجل لاعب هاتريك في الأدوار الإقصائية من كأس العالم دون أن ينجح فريقه بالتأهل.

في دورات كأس العالم الـ20 التي سبقت ظهور الـVAR، برزت الكثير من الحالات التحكيمية الجدلية، والتي أثّرت على سير مباريات وبطولات بأكملها، واستمر الجدل حولها سنوات طويلة...

لاعبو الاتحاد السوفياتي اعترضوا على هدفي بلجيكا الأول والثاني، وطالبوا باحتساب تسلل، وأثبتت الإعادة صحة وجهة نظرهم. الصحافة في الاتحاد السوفياتي تحدثت عن مؤامرة ضد منتخب بلادها بخلفية سياسية، قادها حكم المباراة ومساعديه، وحرم جيلهم الذهبي بقيادة الحارس العملاق رينات داساييف من المضي قدماً بالبطولة.

ركلة جزاء غير صحيحة تقضي على أحلام أستراليا

قدّم منتخب أستراليا مستوى مميزاً في مونديال 2006 في ألمانيا، وبلغ الدور ثمن النهائي حيث واجه إيطاليا وكان الطرف الأفضل في الوقت الأصلي، لكن المباراة ذهبت إلى أشواط إضافية.

في الدقيقه الخامسة من الشوط الإضافي الأول، توغل مدافع إيطاليا فابيو غروسو داخل منطقة جزاء أستراليا واحتك مع أحد المدافعين، فاحتسب الحكم ركلة جزاء سددها فرانسيسكو توتي بنجاح ومنح فريقه التأهل، وتوجت إيطاليا لاحقاً بالبطولة.

أثبتت الإعادة أن تدخل المدافع الأسترالي كان شرعياً، وأن غروسو احتال للحصول على ركلة جزاء، وبالتالي فإن أستراليا تعرضت لظلم تحكيمي واضح.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image