هل هي النهاية؟ قطيع أغنام يدور حول نفسه لأسبوعين
يقال إن الحيوانات هي أول من يشعر بالكوارث المقبلة، فتهرب أو تزعق أو يختل سلوكها. وعادة ما يكون ردُّ فعلها هذا أسلوباً للنجاة بحياتها؛ فهي قد تطير بعيداً عن الحريق، أو تسبح بعيداً عن الموجة العملاقة، أو تركض بعيداً عن الزلزال. ولكن ما حصل في الصين مؤخراً مثير للريبة؛ قطيع من الأغنام يدور حول نفسه لنحو أسبوعين دون أي تفسير.
حركة دوران الأغنام تخاطب المخيلة، لكنها في ذات الوقت مرعبة. لم هذا الاستسلام؟ فإنْ كان هناك كارثة، فالدوران في ذات المكان لن ينجيهم منها. ولكن يبدو أن الكارثة القادمة حجمها وضررها هائل إلى حدّ لا مفر منها، ولا وسيلة للنجاة، ما يعني أن الدوران ليس إلا أسلوباً لضبط الفزع، وانتظار الموت بشكل منظم، وكأن العالم بأكمله سيفنى، ولا مهرب من الفناء.
العالم المنقسم إلى محافظ وليبرالي
مازال قرار قطر بخصوص أعلام قوس قزح والتعبير عن الطيف الجندري مثيراً للجدل؛ فهل يجب أن نحترم البلد المضيف وعاداته أم الانتفاض بوجهها وممارسة حق التعبير عن الذات؟ هذا الجدل أخذ شكلاً آخر في روسيا، التي أقرت قوانينَ صارمةً بخصوص الترويج للمثلية الجنسية ودعمها علناً، وتجريم من يتبنى رموزها، سواءً كان مواطناً أم سائحاً.
هذه المواقف تجاه "الهويات" وأساليب التعبير عنها في الفضاء العام، وما يرافقها من عنف واستفزاز بحجة القوانين المحلية والعادات والتقاليد يرسّخ انقسامَ العالم الآن إلى معسكرين؛ الأول شرقي، قمعي، حقوق الإنسان بالنسبة له أداة استعمارية لتدمير الثقافة المحليّة، ولا يمانع الفساد والاستغلال، بمواجهة آخر غربي، ليبرالي، يعتز بهوياته، وينشر الديمقراطيّة، والمساعدات الإنسانيّة.
يدور قطيع من الأغنام في الصين حول نفسه لنحو أسبوعين دون أي تفسير. حركة دوران الأغنام مرعبة. إن كان هناك كارثة، فالدوران في ذات المكان لن ينجيهم منها، لكن يبدو أن الكارثة القادمة حجمها وضررها هائل
نفترض أن المونديال في قطر وما ترافق معه من فساد هو علامة هذا الانقسام، كون كلّ ما طالبت به الفيفا والدول المشاركة لم يتحقق، وحافظت قطر على خطتها وموقفها، وها هو كأس العالم مستمر، والمشجعون حاضرون، وكأن الاختلافات بين هذين المعسكرين "ثقافيّة" ومحلية، لا ترتبط بالقمع والعنف الممارس على العديد من الفئات، لا فقط أفراد الطيف الجندري بتنويعاته.
لا نعلم ما بعد هذا الانقسام. لكن ما نعلمه أن الأولمبياد الشتوية التي ستقام في السعوديّة، ستكون أشدّ جدلاً من مونديال هذا العام؛ إذ كيف ستتصرف المملكة العربية السعودية أمام أفواج الملاحدة والكفرة الذين سيطأون أرضها المقدسة؟
مصر: مهد الحضارات و"الكرات"
لا يتوقف الغزل القطري-المصري عن إبهارنا، وهذه المرة عبر "الكرات"، إذ أُعلن عن افتتاح مصنع كرات المونديال في مصر، سينتج ما يقارب مليون كرة سنوياً. ترافق ذلك مع زيارة السيسي للدوحة و حضور إحدى المباريات. الواضح من هذا الشأن أن السيسي يسعى لتحويل مصر إلى قوة صناعية لا يستهان بها؛ قوة قادرة على هز العالم إن أرادت، وحرمانه من الكرات. وخطة السيسي الصناعية ستمتد أبعد من مجرد كرات، فهناك أحاديث عن افتتاح مصنع لشواطات الأحذية، وآخر لنكاشات الأسنان الخشبية المصنوعة من قصب السكر، ومنشآت عملاقة لإنتاج ذاك الغرض الذي لا نعرف اسمه، والمقصود قطعة من الكاوتشوك، توضع تحت باب أي غرفة لإيقافه عن الحركة، ومنعه من أن يغلق.
يمكن القول إن مستقبل مصر الصناعي من وجهة نظر السيسي قائم على جعل مصر دولةً مسؤولة عن صناعة الأدوات المبتذلة، الأقلّ أهمية، تلك التي تسبب لنا الحيرة حين لا نجدها أو ننسى اسمها، وهنا يأتي الدور القطري، الذي يحاول ممارسة الهيمنة المبتذلة على مصر مستبعداً تلك الناعمةَ أو المباشرة.
تويتر بالألوان
فشلت محاولةُ إيلون ماسك الأولى لتوثيق الحسابات عبر تويتر، فأطلق بعدها محاولةً أخرى قائمةً على تنويع ألوان علامات التوثيق. إذ اقترح ماسك 3 ألوان (رمادي، أزرق، ذهبي) لتعكس كلّ واحدة من هذه العلامات مصداقيةَ صاحبها. تواصلنا مع ماسك الذي يجيب مباشرة على التغريدات الموجهة له، واقترحنا ألواناً أكثر، لعدة أسباب؛ أولها قائم على أساس تنويع الألوان بصورة تتيح للمستخدمين اختيار من يريدون قراءة تغريداتهم دون أن يزعجهم الباقون، ثانيها، هو السماح للمستخدمين أنفسهم باختيار اللون الأنسب للشخصيات العامة، مثلاً، اقترحنا اللون البني لأصحاب الرأي "التافه"، ما يسهل علينا رصدهم مباشرة.
أكثر ما يخيفنا هو وجود رجال أمن رقميين خالدين، يقتحمون النعيم الرقمي من أجل التلصص على الموتى، وكشف مخططاتهم، ما يدفعنا كمحررين في المقتطف لاختيار الموت والفناء، على الأقل حينها نعلم أن لا رقيب على كلامنا ولا تقارير تكتب بنا
واللون الأصفر، لأصحاب الآراء التوافقية واللاإشكاليّة، واللون الألماسي للإدارات الرسمية في قطر والإمارات والسعودية، كي يكون واضحاً للمتصفحين أن المال هو ما يتحكم بآرائهم وآراء المدافعين عنهم، وبالطبع لون قوس قزح للمفرطين في الدفاع عن الهويات الجندرية بوصفها مصدر "الحقيقة".
دون رصد باقي الألوان وشرحها، إن تويتر ملوناً يعني طبقيةً من نوع جديد، تخالف كلياً ما كان ماسك يدعو إليه من مساواة في الآراء وكيفية نشرها، ناهيك أن مثل هذا النظام الطبقي سيزيد من الاختلافات؛ فأصحاب اللون الواحد سيستمعون ويتعرضون فقط لمن يوافقون ألوانهم. أي سيزداد الانقسام، ويتلاشى مفهوم تعدد الآراء.
إشكالية الخلود الرقمي
لطالما داعبت فكرةُ الخلود الرقمي كتّابَ الخيال العلمي، وحرضت الكثير من العلماء للوصول إلى تقنية تمكننا من نقل "وعي" الفرد إلى هارد درايف؛ الشأن الذي يحاول معهد MIT حالياً القيام به مع 25 متطوعاً يسعون نحو الخلود ضمن الخوارزميات. الملفت في هذه التكنولوجيا هو عدم أخذ القراصنة بعين الاعتبار. ولكن ماذا إن قام قراصنةٌ روس باختراق السيرفرات، وتحويل النعيم الرقمي إلى جحيم؟ ماذا لو سرقت هذه الهاردات، وابتز عبرها أقرباء الموتى؟ الأهم، ما هو أثر هؤلاء الخالدين الرقميين على عالمنا؟ كيف نتعامل معهم؟ هل سيتداولون العملات الرقمية؟ هل سيطالبون بقوانين لحمايتهم؟ هل وقوع كأس ماء على أحد الهاردات وتلفه يعني أننا أمام جريمة قتل غير عمد؟
لا نعلم إلى الآن ما هو مستقبل مثل هذه التكنولوجيا، ولكن أكثر ما يخيفنا هو وجود رجال أمن رقميين خالدين، يقتحمون النعيم الرقمي أو يتسللون داخله من أجل التلصص على الموتى وكشف مخططاتهم، ما يدفعنا كمحررين في المقتطف لاختيار الموت والفناء، على الأقل حينها نعلم أن لا رقيب على كلامنا ولا تقارير تُكتب بنا.
تمهّل، لا تنتحر، قبل أن تمسح مؤخرتك، أقرأ المكتوب!
قامت جامعة في اليابان بصناعة محارم مرحاض تحوي رسائلَ وعباراتٍ تشجيعيةً لمساعدة من يفكرون بالانتحار، إذ يمكن اغتنام فرصة وجودهم في المرحاض كي يقرأوا هذه الرسائل قبل تجفيف مؤخراتهم، والتفكير بإيجابية، وتجنب فكرةِ إنهاء حياتهم.
ينقسم العالم الآن إلى معسكرين؛ الأول شرقي، قمعي، حقوق الإنسان بالنسبة له أداة استعمارية لتدمير الثقافة المحليّة، ولا يمانع الفساد والاستغلال ، بمواجه آخر غربي، ليبرالي، يعتز بهوياته، وينشر الديمقراطيّة، والمساعدات الإنسانيّة
رحب الكثيرون بهذا الابتكار، ووجوده فرصة لمخاطبة من يحاولون الانتحار، والتأكيد على أنهم ليسوا وحدهم وإن كانوا في الحمام. لكن الواضح أن مبتكري هذه التقنية لم يأخذوا بعين الاعتبار أن هناك فئة كبيرة من الناس لا تستخدم ورق المرحاض، بل تستعيض عنه بالشطافة والغسل اليدوي، الأساليب التي تترك صاحبها منهمكاً في تنظيف نفسه، ولا وقت لديه للقراءة أو لمس ما حوله.
ندعو الجامعة اليابانيّة ابتكارَ تكنولوجيا تلائم الفئة الأخرى، أي التي تفضل الماء: مكبر صوت يوضع ضمن المرحاض، يخاطب من يقوم بالتغوط، ويؤكد له أنه لن ينتهي في حفرة كما الخراء، أو نظام إضاءة يحول تجربة التغوط إلى حفلة مصغّرة، أو لوحة تسّجل عدد المرات التي يتغوط فيها الشخص، لتتحول هذه الوظيفة الطبيعية إلى مسابقة، يمكن إثرها لمن يفكر بالانتحار أن يعيد التفكير مرتين قبل أن ينهي حياته، إذ أن هناك High score عليه تجاوزُه وتخليد اسمه بين المتغوطين.
إن كانت ثورة إيران "أنثى" فهي تُقمع كما تقمع أنثى
ما زالت الاحتجاجات في إيران مستمرة إثر مقتل مهسا أميني، ومازالت النسوة الإيرانيات يخرجن دون حجاب في احتجاج على سلطة الملالي، لكن الواضح أن السلطة الإيرانية تطبق عنفاً ممنهجاً ضد النساء، إذ انتشرت الأخبار عن استهداف المتظاهرات والمتظاهرين بهدف اغتصابهن/ـم، بل تقول الشهادات إنه يتم استهدف الجميلات بهدف إذلالهن. مثل هذه الممارسات من قبل السلطات تهدف إلى ضرب كيان الثورة وتهديد كرامة المتظاهرين والمتظاهرات وإذلالهن/ـم.
لا نحاول تقديم النصح للمتظاهرين، فهم أعلم بالحيثيات، وأكثر قدرةً على حماية أنفسهم، لكن ما ننتصر له هو الحق بالنجاة، وعدم التعرض للعنف الشديد. الربيع العربي كشف لنا مقدار العنف الذي يمكن أن تمارسه السلطاتُ للحفاظ على مكانتها واستقرارها. لذا وباختصار، التضحية بالذات أمام أنظمة لا تحسب قيمةً لمواطنيها شأن لا يمكن تجاهله، ولا بد من إعادة النظر في أساليب الاحتجاج وخلخلة السلطة، دون التعرض لعنفٍ قد لا يؤدي إلى شيء.
يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون