شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
روميو لحود

روميو لحود "الإفرنجي"... أطفأ "شمس العيد" ورحل إلى "درب بعيدة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 7 ديسمبر 202201:00 م

"مطرح ما كنّا اولاد صغار"، رافقنا عرّاب المسرح الغنائي والموسيقى اللبنانية روميو لحود، الذي رحل إلى "درب بعيد"، في يوم الاستقلال اللبناني التاسع والسبعين، إذ لا يزال شعبه ينتظر "شمس العيد" في أيّامه الضائعة. في كل عشيّة استقلال، كان ينتظر اللبنانيون عرض مسرحيّة "بنت الجبل"، من إخراج وإعداد روميو لحود، وبطولة أنطوان كرباج وسلوى القطريب على الشاشة الصغيرة. و"يوم اللي صرنا كبار" لم يجدوا أنفسهم سوى في "لبنان جديد"، هذا الذي لا يشبه النهضة الفنية التي حاول لحّود إحياءَه فيها.

الأجيال التي كبرت مع روميو لحّود، لم تستطع يوماً أن تفصل بينه وبين أي عمل فنّي عُرِضَ طوال الستّين عاماً من مسيرته. هو الذي وصل صدى أعماله من بيروت وبعلبك إلى بغداد فباريس وغيرهما، كان يحاول تصوير لبنان بالصورة التي أحبّها. واليوم، بقيت أعماله التي كتبها بثمار شغفه المتراكم، بينما كُمِّمَت أفواه القاطنين في لبنان بعد أن انتظروا طويلاً "لبنان روميو لحود". حقيقةً، لا يمكننا الفصل بين الظروف الحياتية الخانقة التي طغت على لبنان بالوقت الحالي، وبين رحيل أي حارس من حرّاس الفن والأصالة في الفترة الأخيرة.

في "عزّ" الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) حاول كثيرون الاستمرار بعطاءاتهم الفنية، وبالفعل، المخزون الفني والثقافي وصل إلى ذروة جماله في هذه المرحلة، ترقيعاً للواقع. "بنت الجبل" سبقت لحود في الرحيل منذ 13 عاماً. وهي نفسها، زوجة شقيقه ناهي، شكّلت ولحود ثنائياً فنّياً مبجّلاً.

الانطلاقة

كانت انطلاقته الفعلية في العام 1964، إذ أعدّ أوبريت غنائياً بطلب من جمعيّة "مهرجانات بعلبك" ضمن برنامج "ليالي لبنان". ومن ثم انتقل وقدّم عروضه في مسرح الأولمبيا في باريس وكانت أولى مسرحيّاته في السبعينيات. هو أول من أطلق المسرح الدائم بالاستعراض الكبير "موال" الذي عُرِضَ بشكل مستمر طوال 11 شهراً. "أوعدك" كانت أول أغنية أسمعتْها القطريب للحّود، في إحدى سهرات عيد ميلاد زوجته الثانية، وشقيقة القطريب، أليكساندرا. "قلتلها تعي غنّي يا سلوى، كانت مستحيّة، شرّبناها كاس بالزّور، حمّسناها، وقالتلنا حتغنيلنا أغنية"، قال لحود في إحدى المقابلات على اليوتيوب.

منذ هذه الأمسية، وجد روميو أنّ مسيرته لا بدّ من أن يصعد نجمها إلى جانب "فراشة المسرح اللبناني" سلوى القطريب.

سلوى القطريب وزوجها ناهي لحود

أمّا مسرحيّة "سنكف سنكف"(1974) فتعاون فيها مع القطريب، والفنانين طوني حنّا وعبدو ياغي وآلان مرعب (زوج شقيقة لحود ناي)، وملكة جمال الكون السابقة جورجينا رزق، لتصبح محطّة تحوّل لبعضهم متّجهين نحو عالم المسرح. وكانت صرّحت رزق أن التجربة المسرحية التي جمعتها بروميو كانت "الأهم"، و"لم تحب" نفسها في تجربة السينما.

"أنا صرفت مصرياتي على الفن وكنت أدفع من جيبي لتمويل أعمالي"... روميو لحود الّذي أضاء لبنان من "بعلبكه" نحو كل العالم

فهذا الرّجل "الإفرنجي"، كما كان ينتقده البعض، حاول تجديد الموسيقى اللبنانية، بثقافة أوروبية مزج فيها بين النوتة الشرقية والسلّم الغربي. ولم يخفِ الفولكلور اللبناني في أي عرض مسرحي غنائي، فهو كان حاضراً في مرحلة "السيف والتّرس"، كما كان يقول. بينما شارك في تلحين اللحن البدوي وتأليفه في الفيلم المصري "أجمل من حياتي" (1974) من بطولة نجلاء فتحي وحسين فهمي وعماد حمدي. فأُطلقت أغنية "قوليلا يا زينة شو قال الهوى".

كسر النمطيّة

حاول لحّود استثمار خبرته التي اكتسبها في إيطاليا حيث تخصّص في علوم المسرح. فكسر النمطيّة المتعارف عليها في الأغنية اللبنانية، وأخرج الأذن الموسيقية من "قوقعة" الأغنية المصرية التي كانت طاغية، بالدور الأكبر، حينئذٍ. بينما لم يكن سهلاً منافسة مدرسة الأخوين الرحباني عاصي ومنصور التي خرّجت الفنّانة فيروز، من أعظم ما تبقّى من شموخ لبنان. بعد رحيل عاصي، وغياب منصور، ترجم لحّود الإرثَ اللبناني في أعماله. وكانت شقيقته بابو لحّود تصمّم أزياء الكثير من مسرحيّاته.

المفارقة، أنّ استراتيجة لحّود المسرحيّة، كانت تندرج تحت الرسائل غير المباشرة، "أنا ما بعمل شي direct، بعمل شي قريب للواقع ليكتشفوا العالم من خلال المسرحيّة". روميو كان يرمي كلماته وحنكته الإخراجية والموسيقية ويذهب بعيداً ليشاهد أداء الفريق الذي اختاره ليمثّل على المسرح. كل ما قدّمه في أعماله الفولكلورية كانت مشفّرة وتحتاج لتفكيك الرموز. لم تكن المملكة التي صوّرها في مسرحيّة "فينيقيا 80" (1971) موجودة واقعياً في لبنان غير الملكي، إنّما هي إسقاط للواقع. وكانت الشحرورة صباح هي بطلة هذا العمل، الّذي عُرِضَ على مسرح "المارتينيز" في بيروت، إذ لعبت دور سفيرة أمريكا التي تقع في غرام سفير روسيا جوزيف عازار.

التعاون مع صباح

سبق أن تعاون لحود مع "الصبّوحة" في العام 1968 ضمن مهرجانات بعلبك، في مسرحيّة "القلعة"، مجسّدة الاستقلال. وتعاون مع الملحن وليد غلمية، فكتب "قلعة كبيرة وقلبها كبير" لصباح: "سافرنا وبرمنا الكون، ورحنا وجينا وبعدك هون، ويللي اتعدول على دارك اتحط قلبهن عحجارك".

تنوّعت الأزياء على عتبة المسرح بين شعبية وأخرى عصرية أو مستقبلية، في مزيجٍ ابتكره لحّود. وتحوّل العمل إلى ساحة امتعاض من البعض بعد أن ظهرت الصبّوحة وهي مرتدية "شورت" مطرّزاً بالخرز وآخر من الجلد، و"بيجاما" عارية الظهر ومكشوفة الصدر.

يبقى لبنان والجوار العربي يستعيدان ذكرياتهما، ويبحثان عن "ليالي العيد" بين أصداء رصاصات الحروب القاتمة. مصطلح "العيد" الذي ردّده روميو لحّود في أعماله، هو أكثر ما يوجع متابعيه على مدى نشاطه الفنّي الذي يفوق الستّين عاماً

امتدّ التعاون في مسرحيّة "الفنون جنون" (1973) الذي عمل فيها ملحّناً ومؤلفاً أغاني لصباح وملحم بركات وجوزيف عازار. شارك الأخير في "الديو" الشهير مع جورجيت الصايغ "بلغي كل مواعيدي"، بينما لم يغب أبو الزّلف عن لسان "الصبّوحة". وشكلت المسرحية نهاية للشراكة الطويلة بين روميو وصباح التي دامت لنحو عشر سنوات.

شارك لحود بلجنة تحكيم برنامج "استديو الفن" الذي عمل فيه مع المخرج الراحل سيمون أسمر لأكثر من ثلاثين عاماً. هذا البرنامج الذي خرّج نجوم الساحة الفنية اللبنانية مثل ماجدة الرومي، ووائل كفوري، وإليسا، ورامي عياش، وغيرهم، لمع لحّود فيه. كان حاضراً في أثناء العروض المباشرة للبرنامج، وظلّت ملاحظاته في أذهان المشتركين حتى اللحظة. ومن خفّ وهجُه اليوم، هو لربما، من لم يأخذ هذه الملاحظات بجديّة.

بعد رحيل سلوى القطريب، انخفض زخم روميو لحود، وقام بإعادة إنتاج أعمال سابقة؛ فقدّم "بنت الجبل" مع ابنة أخيه الفنانة ألين لحود، بدور والدتها الراحلة سلوى القطريب، وبديع أبو شقرا، وغبريال يمين، وماغي بدوي. ولا تزال النقاشات تحتدم بين من يمكنه مقارنة لحّود بالأخوين الرحباني، إنّما بالطّبع لكلٍّ منهما رونقه الخاص. وكلاهما صعد إلى واجهة المسرح الغنائي في لبنان، الأشهر بين الدول العربي، وخرّجا فنانين. حاول الرحابنة ولحّود تجديد لبنان، بعد سلسلة من الأزمات التي تلاحقه حتّى اللحظة.

"روميو لحّود الإفرنجي" هو الّذي أضاء لبنان من "بعلبكه" نحو كل العالم. بعدما كانت فيروز تطفئ شمعتها الـ87، رحل متألقاً. حيث "قلّ السّهر"، الذي كان يستهوي شعبه، مع غياب الجذور التي تدعّم بقاءه. يعيدنا لحّود ومن سبقه من عمالقة الفن اللبناني إلى نوستالجيا السبعينيات. ويبقى لبنان والجوار العربي يستعيدان ذكرياتهما، ويبحثان عن "ليالي العيد" بين أصداء رصاصات الحروب القاتمة. مصطلح "العيد" الذي ردّده لحّود في أعماله، هو أكثر ما يوجع متابعيه على مدى نشاطه الفنّي الذي يفوق الستّين عاماً. "أنا صرفت مصرياتي على الفن وكنت أدفع من جيبي لتمويل أعمالي"، هكذا قال ولا يمكن لهذا الشموخ أن ينتكس اليوم بعد عقودٍ من تبجيل الفلكلور اللبناني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image