بينما يُعد هذا التقرير للنشر، عصر الخميس 24 نوفمبر/ تشرين الثاني، لا يزال البرلمان الأوروبي الذي تنعقد جلسته في العاصمة البلجيكية بروكسل يضع على أجندته التوصل إلى قرار بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر، التي سبق للبرلمان نفسه عقد عدة جلسات والتوصل إلى قرارات متعددة بشأنها خلال السنوات الثماني المنقضية، لم تفض أي منها إلى تغيرات في سياسات دول الاتحاد الأوربي تجاه مصر.
وعقد البرلمان الأوروبي مساء الأربعاء، 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، جلسة مناقشات عامة حول وضع حقوق الإنسان في مصر، في حضور الممثل السامي للشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل.
تطرقت المناقشات إلى سياسات الاتحاد الأوروبي ودوله إزاء الوضع الحقوقي في مصر، إذ أبدى أعضاء البرلمان تحفظهم على سياسات دولهم في ظل الأوضاع المتردية لحقوق الإنسان في مصر، بما فيها حماية الأقليات، واستمرار الاعتقالات السياسية، وأوضاع الرعاية الصحية في السجون، رغم تبني مصر لـ "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" التي أعلنتها في سبتمبر/ أيلول 2021.
ونصت مسودة مشروع القرار المترجمة إلى اللغة العربية والتي نشرها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، على إدانة الرقابة والتضييق اللذين مارستهما السلطات المصرية على المجتمع المدني في مصر بالتزامن مع قمة المناخ. كما أدانت المسودة الأولى لـ"الحجز التعسفي لعشرات الآلاف من سجناء الرأي في ظروف احتجاز غير إنسانية"، وحثت المسودة السلطات المصرية على إطلاق سراح سجناء الرأي علاء عبد الفتاح ومحاميه محمد الباقر، والناشط محمد أكسجين والباحث إسماعيل الإسكندراني وغيرهم ضمن قائمة طويلة السجناء.
وحثت المسودة دول الاتحاد الأوروبي على الالتزام الكامل بقرارات المجلس الصادرة في أغسطس/ آب 2013 بشأن تعليق تراخيص التصدير لأي معدات تستخدم للقمع الداخلي، بما في ذلك تقنية المراقبة المستخدمة لتعقب المعارضين والمعارضات.
فشل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في اتخاذ أية إجراءات هادفة ومستدامة وجماعية لمعالجة الوضع الحقوقي في مصر ، مكتفياً ببيانات قليلة ومخجلة في كثير من الأحيان، في حين يواصل قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دعم الحكومة المصرية من خلال بيع الأسلحة، وتعزيز التعاون
حماية الأقليات
في جلسة الاستماع التي عقدت قبل يوم واحد من صدور القرار، وجه السياسي الإيطالي وعضو البرلمان الأوروبي دينيس نيسكي، مطالبه للاتحاد بدفع مصر لتحقيق تقدم في مجال حقوق الإنسان وحماية الأقليات، بما فيها الانتهاكات التي يتعرض لها الأقباط في مصر. ولم يتطرق نيسكي لذكر الانتهاكات المعنية، لكن حديثه جاء بعد أشهر قليلة من حريق كنيسة أبوسيفين في حي إمبابة بمحافظة الجيزة في أغسطس / آب الماضي، وهو الحريق الذي التهم جميع محتويات الكنيسة وعرقل وصول رجال الحماية المدنية بسبب صعوبة عمليات الإطفاء نتيجة إنشاء الكنيسة على مساحة ضيقة لم تراع الاشتراطات الصحيحة للبناء بفعل عمليات التضييق التي كانت تحدث عند إنشاء الكنائس، وهو ما أشار إليه البابا تواضروس ضمنيًا في تصريحاته على خلفية الحريق.
جوليو ريجيني
وأعاد نيسكي التذكير بقضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي عثر عليه مقتولًا في مصر يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2016، وطالب بإجراء تحقيق حول "اختطاف" ووفاة ريجيني، وطلب من السلطات المصرية التعاون مع السلطات الإيطالية بشأن "ضباط المخابرات" المشتبه بهم في قيامهم بعملية الاختطاف وتقديمهم للعدالة.
يذكر أن التحقيقات الإيطالية انتهت إلى اتهام أربعة من كبار القيادات الشرطية والامنية في مصر في جريمة اختطاف وتعذيب وقتل ريجيني، إلا أن القضاء الإيطالي لم يتمكن من محاكمتهم إلى الآن لامتناع السلطات المصرية عن الاعتراف بمسؤوليتهم، ورفضها اتهامهم، وكذا امتناعها عن تيسير إنذارهم قضائياً للمثول أمام القضاء الإيطالي.
منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في مصر عام 2014، أصدر البرلمان الأوروبي قرارات بشأن حقوق الإنسان في مصر كل عام، اتفقت جميعها على إدانة وضع حقوق الإنسان في البلاد، إلا أن تلك القرارات جميعها، لم تلزم السلطات بتغيير مسارها
التضييق على النشطاء
من جانبه، قال الناشط الأيرلندي ميسك والاس عضو البرلمان إنه استمع في مؤتمر المناخ في مدينة شرم الشيخ إلى شهادات النشطاء عن "حملة السيسي الوحشية ضد النشطاء والصحافيين الذين يعيشون في خوف دائم على حياتهم"، مضيفًا أن المضايقات امتدت حتى إلى الحاضرين في مؤتمر المناخ.
وقال أثناء وجودنا هناك في مؤتمر المناخ، تم اعتقال نحو 400 شخص وتوفي ثلاثة بسبب نقص الرعاية في السجن.
وأضاف: "حظر النظام المصري المدعوم من الولايات المتحدة بشكل فعال الحق في التجمع السلمي وتحرك لإغلاق المجتمع المدني. إذ يقدر عدد السجناء السياسيين المعتقلين ظلماً بنحو 65 ألف سجين. ومن بينهم علاء عبد الفتاح، الذي اعتقل لمعارضته الحكومة وسجن قبل أكثر من تسع سنوات. وانتهى إضرابه الأخير عن الطعام بتغذيته بالقوة من قبل السلطات المصرية".
ميسك والاس: "ليس لدينا أي مصداقية في مجال حقوق الإنسان ما دام أمثال فرنسا وألمانيا وإيطاليا يستفيدون من قمع مصر وإثارة الحروب. ما دمنا نعمل بمعايير مزدوجة، فسوف يُنظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنه مزحة"
وألقى والاس باللوم على حكام الدول الأوروبية الذين منحوا السيسي حرية القمع. ففي العام الماضي، وفقًا لوالاس، قام ماكرون بمنح السيسي وسام جوقة الشرف وهو أرفع وسام في فرنسا، واعتبر ميسك ذلك "مدحاً تمنحه فرنسا لجميع الديكتاتوريين المتوحشين الذين اختاروا فرنسا تاجر السلاح الأول".
وقال ليس لدينا أي مصداقية في مجال حقوق الإنسان ما دام أمثال فرنسا وألمانيا وإيطاليا يستفيدون من قمع مصر وإثارة الحروب، مضيفًا أننا ما دمنا نعمل بمعايير مزدوجة، فسوف يُنظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنه مزحة.
وختم كلمته بسؤال هو هل سيكون من المبالغة أن نطلب من الاتحاد الأوروبي أن يطلب من دوله الأعضاء في الأمم المتحدة التوقف عن إمداد السيسي بالأسلحة حتى يتم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين؟
الرقابة على الإنترنت
في نفس السياق، تحدثت العضوة في البرلمان الأوروبي كلير دالي عن الرقابة على الإنترنت في مصر، وقالت إنه تم حجب 520 موقعًا على الأقل، 129 منها موقعًا إخباريًا.
وأشارت دالي إلى أن الحكومة المصرية تتعقب صانعي المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى اللاتي رقصن على وسائل التواصل حبسهن على أساس حماية الأخلاق، وتقصد دالي بذلك نجمة التيك توك حنين حسام التي أدانها القضاء بالحبس ثلاث سنوات بتهمة الاتجار بالبشر.
وطالبت بضرورة الدعوة إلى إلى إنهاء الرقابة على الإنترنت، بما في ذلك حجب المواقع الإخبارية، ولا سيما مواقع مدى مصر والمنصة ودرب، والعمل على تعديلات على قانون المنظمات غير الحكومية. وفي نهاية كلمتها طلبت من البرلمان الأوروبي تبني الدعوة إلى الإفراج عن الناشط والمبرمج المصري البريطاني علاء عبد الفتاح وإطلاق سراحه.
قرارات بلا طحين
وتعتبر قرارات البرلمان الأوروبي حول قضايا السياسة الخارجية غير ملزمة، سواء لمصر أو أية دولة أخرى، بمن فيها دول الاتحاد الأوروبي نفسها. لكن يتعين على دول الاتحاد الأوروبي "أخذها في الاعتبار".
ومنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في مصر عام 2014، أصدر البرلمان الأوروبي قرارات بشأن حقوق الإنسان في مصر كل عام، اتفقت جميعها على إدانة وضع حقوق الإنسان في مصر وممارسات السلطات الأمنية والقضائية وإغلاق المجال السياسي.
إلا أن هذه القرارات جميعها لم تلزم مصر بتغيير مسارها في حقوق الإنسان؛ بل على النقيض؛ إذ لم تلتزم دول الاتحاد الأوروبي نفسها بقرار البرلمان الصادر في 21 أغسطس/ آب 2013 بشأن تعليق تراخيص التصدير لأية معدات تستخدم للقمع الداخلي، بما في ذلك تقنية المراقبة المستخدمة التعقب المعارضين والمعارضات، وعملت على زيادة التعاون مع مصر.
وفي 2020، صوت البرلمان الأوروبي على قرار يدين عدم التزام الدول أعضاء الاتحاد، بمنع تصدير أية معدات أو أدوات قد تستخدم في القمع، وهو ما رفضه البرلمان المصري آنذاك واعتبر أن قرارات البرلمان الأوروبي تدخلاً غير ملزم في الشؤون المصرية.
وفي نفس القرار الذي صدر قبل عامين دعا البرلمان الأوروبي مصر إلى ضرورة البحث عن الحقيقة بخصوص مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، والإفراج عن سجناء الرأي.
وكان الدعم غير المشروط الذي قدمته فرنسا للرئيس المصري هو أحد أشكال هذا التعاون، حيث باعت فرنسا كميات كبيرة من الأسلحة إلى مصر، متجاوزة الولايات المتحدة، لتصبح المورد الرئيسي للأسلحة لمصر بين 2013 و2017 إضافة إلى دعمها والعمل المشترك معها في برامج للتبع والمراقبة والرصد، كان أحد آثاره العملية "سيرلي" التي شكلت فضيحة أمنية وحقوقية للبلدين.
وفي عام 2017 وحده، سلّمت فرنسا إلى مصر معدات عسكرية وأمنية بقيمة أكثر من 1.4 مليار يورو، وفقًأ لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
وتكشف بيانات البنك الدولي، ارتفاع واردات مصر من الأسلحة منذ العام 2014، وهو العام الذي تولى فيه الرئيس الحالي السلطة بشكل رسمي. ورصد البنك أن أكبر مصدري الأسلحة إلى مصر هم فيها فرنسا وإيطاليا وألمانيا من بين دول الاتحاد، ومعهم الولايات المتحدة وروسيا. لتقفز قيمة واردات الأسلحة المصرية من 420 مليون دولار في عام 2014 إلى 1.311 مليار دولار حتى عام 2020.
ويقول المركز العربي بواشنطن إن واردات السيسي من الأسلحة التي تقدر بمليارات الدولارات، يمكن اعتبارها بمثابة رشاوى سياسية للقوى العالمية مقابل دعمها السياسي.
ورغم إعلان دول الاتحاد الأوروبي خضوع صادرات أسلحتها إلى مصر للتدقيق، لا تزال مبيعات الأسلحة إلى مصر تسجل أرقامًا قياسية.
وتقول منظمة هيومان رايتس ووتش المحجوب موقعها في مصر: "فشل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في اتخاذ أية إجراءات هادفة ومستدامة وجماعية لمعالجة الوضع، مفضلاً بدلًا من ذلك تجزئة الجوانب المختلفة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، مع تضييق نطاق السياسات قصيرة الأجل الموجهة لوقف الهجرة وتعزيز التعاون الأمني. وقد ظهر ذلك في بيانات قليلة عارضة ومخجلة في كثير من الأحيان من الاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان في مصر، في حين يواصل قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دعم الحكومة المصرية القمعية من خلال بيع الأسلحة، وتعزيز التعاون، وحتى منح الجوائز المرموقة للرئيس عبد الفتاح السيسي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون